نشرت صحيفة “نيويوركر” الأمريكية، تحقيقًا استقصائيًا تحت عنوان “ملفات الأسد”، ذكرت أنه أضخم “وثائق سرية مسربة” تثبت ارتباط رئيس النظام السوري، بشار الأسد، بعمليات التعذيب والقتل الجماعي.
وقد تشكل الملفات مع الصور التي التقطها “قيصر”، الضابط المنشق عن النظام السوري، لضحايا التعذيب في المعتقلات، أكبر ملف قضائي منذ محاكمات نورمبرغ، الخاصة بمقاضاة رجالات الزعيم النازي، أدولف هتلر، إبان الحرب العالمية الثانية.
وتمكن الصحفي بن توب، معد التحقيق، من الاطلاع على ما وصفه بـ “الكنز”، بعد دعوة من المحقق في جرائم الحرب، بيل ويلي، الذي يعمل في محاكم دولية لمعاينة عمل لجنة أسسها لتحضير الدعوى ضد مسؤولين كبار في النظام، شرط ألا يكشف موقع المقر والحكومات التي تساعده وأسماء العاملين معه، عدا بعض الاستثناءات.
وترجمت صحيفة النهار اللبنانية التحقيق، الذي نشرته “نيويوركر” على موقعها الإلكتروني على أن يصدر مطبوعًا، في 18 نيسان الجاري.
ويقول المحقق ويلي فيه إنه أشرف، بناءً على طلب الحكومة البريطانية، على تدريب مجموعة من السوريين في اسطنبول على جمع أدلة قد تكون مفيدة في دعاوى جرائم الحرب، وكلّف مستشارًا أمنيًا باختيار بعض الناشطين السوريين والمحامين طالبًا تجنيد أصدقاء “موثوق فيهم”.
ومع أنه يعود إلى مجلس الأمن وحده إحالة القضية السورية إلى المحكمة الجنائية الدولية، قال ويلي إن اللجنة حددت أيضًا عددًا من “المجرمين الخطرين” الذين دخلوا أوروبا، “وهي ملتزمة جدًا بمساعدة السلطات المحلية في الملاحقات القضائية”.
وتمكن المحققون من نقل 600 ألف صفحة من الوثائق الحكومية إلى خارج سوريا، من خلال عمليات سرية عبر تركيا خصوصًا، ولكن غالبًا ما كانت القوات الحكومية تحاول تدمير كل الملفات التي تعجز عن حملها إذا اضطرت إلى الانسحاب.
وكان “المحققون” السوريون يرافقون مجموعات من المقاتلين المعتدلين في هجماتهم على مقرات للمخابرات السورية، وقد سُجل ضحايا بين “المحققين” أولهم قضى بالرصاص عام 2012 عندما كان يركض محاولًا تهريب حقيبة مليئة بالوثائق، وجُرح اثنان آخران لاحقًا، فيما قضى شقيق نائب رئيس اللجنة في كمين نصبته قوات الأسد.
الجزء الأصعب من مهمة “المحققين” تمثل في نقل الوثائق إلى الحدود، تلك العمليات تطلبت آليات وعمليات استطلاع لتحديد هويات نقاط التفتيش وعددها، الأمر الذي اضطر اللجنة إلى الدفع لمقاتلي المعارضة، ويقول ويلي “أنفقنا مبالغ ضخمة لنقل هذه الوثائق”.
وعندما تُخرج الوثائق من سوريا كانت تنقل إلى مكتب في أوروبا الغربية، حيث تولى محللون ومحامون دراستها بعناية ودقة. ووظف ويلي محللين سياسيين وعسكريين ومحققين مترجمين ومحامين في أوروبا، دأبوا على تحليل تلك الملفات والوثائق لإعداد دعوى ضد الأسد.
وبحلول 2015، بلغت قيمة الموازنة السنوية للجنة ثمانية ملايين دولار وارتفع عدد موظفيها إلى 150.
وبدل تركيزها على الضحايا، أعادت اللجنة بناء سلسلة القيادة محاولة تحديد المسؤولية الجنائية الفردية من خلال ربط الأحداث.
وقال الصحفي بن توب، إن الدعوى حاضرة لإحالتها إلى المحكمة، وإن اللجنة تعتقد أنها تملك أدلة كافية لإدانة الأسد بـ “جرائم ضد الإنسانية”.
وأضاف أن “عمل اللجنة توج أخيرًا بملف قانوني من 400 صفحة تربط التعذيب المنهجي وقتل عشرات آلاف السوريين بسياسة مكتوبة وافق عليها الرئيس السوري، بشار الأسد، ونسقتها الوكالات الأمنية- الاستخباراتية، ونفذها عملاء للنظام كانوا يرفعون تقارير عن عملياتهم إلى دمشق”.
وقال المدعي ستيفن راب، الذي رأس فرق الادعاء في المحاكمات الجنائية الدولية لرواندا وسيراليون سابقًا، والسفير الأمريكي المتجول لمسائل جرائم الحرب، إن “الملفات الموجودة في حوزة لجنة العدالة والمساءلة الدولية أغنى من أي شيء رأيته، ومن أي أمر حققت فيه في هذه المنطقة”.
وكان الضابط المنشق عن النظام “قيصر”، سرّب آلاف الصور للجثث التي تظهر عليها آثار التعذيب الوحشي والقتل في معتقلات النظام السوري، موثقًا مقتل 11 ألفًا منهم تحت التعذيب.
–