الشغب الجماهيري.. نحو روابط تعزز روح التنافس لا التعصب
عنب بلدي – هاني كرزي
شهدت الملاعب السورية خلال حقبة النظام السوري حالات فوضى وشغب جماهيري في مباريات الدوري السوري، وأصبحت حالة شبه متكررة كل أسبوع، دون اتخاذ الاتحاد الرياضي خطوات جدية رادعة لإيقافها، ومع تولي إدارة رياضية جديدة عقب سقوط الأسد، تأمل الجماهير السورية أن تشاهد مباريات حضارية وراقية خالية من أي حالات فوضى.
حالات الشغب الجماهيري كانت تتنوع بين تكسير الكراسي في المدرجات وشجار بين المشجعين وترديد عبارات شتم، وتصل لدرجة اقتحام المشجعين أرضية الملعب وضرب الحكام أو لاعبي الفريق الآخر.
الشغب الجماهيري كان ينتقل أحيانًا من مدرجات الملاعب إلى الشوارع، ولا سيما خلال مباريات “الديربي” التي تجمع بين ناديين من نفس المدينة، حيث تكون المباراة أكثر حساسية، وتشهد شغبًا يمتد إلى خارج الملعب، كما حصل في مباريات بين الاتحاد والحرية أو الكرامة والوثبة أو حطين وتشرين.
تغذية مقصودة للنزاعات
في شباط 2024، شهدت مباراة حطين والفتوة في الدوري السوري أعمال شغب عنيفة في اللاذقية، تخللها تحطيم لكراسي المدرجات وشتم الحكام والاعتداء عليهم، ولا سيما من قبل جماهير حطين بسبب خسارة فريقها على أرضه بهدف نظيف.
لجنة الانضباط في اتحاد كرة القدم التابع للنظام السوري السابق فرضت، حينها، عقوبات مالية شملت تغريم نادي حطين بستة ملايين ليرة سورية، إضافة إلى دفع قيمة الأضرار التي طالت الملعب، فضلًا عن غرامة أخرى بقيمة ثلاثة ملايين على نادي الفتوة، إلى جانب غرامات مالية وعقوبات تأديبية على رؤساء الناديين وبعض اللاعبين والإداريين.
وقال الصحفي الرياضي حسين مصطفى لعنب بلدي، إن السبب الرئيس في الشغب الجماهيري سابقًا، كانت تتحمل مسؤوليته إدارات الأندية أولًا واتحادات كرة القدم ثانيًا.
وأضاف مصطفى أن إدارات الأندية كانت ببعض الأوقات تخلق النزاعات قصدًا لأسباب وغايات مقصودة، ففي عهد النظام كانت أغلب الإدارات من أصحاب النفوذ، وتريد إظهار نجاحها وتفشيل الآخرين لكسب ثقة القيادة الرياضية، وبنفس الوقت فإن اتحادات كرة القدم من مصلحتها استمرار الشغب لكسب المال من العقوبات المالية التي كانت تفرضها على الأندية المحلية.
بدوره، قال رئيس رابطة مشجعي نادي الاتحاد (حلب الأهلي)، محمد أبو عباية، إن الدوري السوري كان غارقًا بالفساد و”الواسطات” والرشى، “وكان الاتحاد الرياضي يقرر مسبقًا من سيكون بطل الدوري، ويميل غالبًا إلى أندية الجيش والشرطة وجبلة، وذلك خلال الفترة التي عاصرتها من 1975 حتى 2011”.
وأضاف أبو عباية لعنب بلدي، أن النظام السوري كان يتبع سياسة “فرق تسد” بين الأندية السورية، لجعلها دومًا في حالة صراع حتى لا تكون يدًا واحدة وتنتفض في وجه فساد الاتحاد الرياضي، وكانت تلك السياسة تطبّق عبر إرسال حكام يختلقون أخطاء متعمدة لقلب نتائج المباريات، ما يتسبب في إثارة الشغب بين جماهير الأندية السورية.
يعتبر أبو عباية من أبرز الرياضيين المعارضين للنظام السوري السابق وسياسته، إذ خرج في محافل عدة مرتديًا علم الثورة السورية، ومنددًا بالنظام وأركانه.
لم يقتصر عمل “أبو عباية” على تشجيع نادي أهلي حلب، بل كل له دور بارز في قيادة روابط مشجعي المنتخبات السورية بالمحافل الدولية، إضافة إلى مرافقته للأندية السورية الأخرى، خلال مشاركتها في الاستحقاقات الآسيوية ولا سيما في بطولة دوري أبطال آسيا.
مشكلات تنظيمية
الجماهير السورية كانت تعاني كذلك من غياب التنظيم عند الدخول إلى الملاعب أو الخروج منها، حيث يقوم متعهد المباراة بفتح بوابة أو اثنتين فقط لكل الجماهير، ما يتسبب في فوضى وتدافع كبير وحالات اختناق عند الدخول والخروج إلى أرضية الملعب.
وقال أبو عباية، إن متعهدي المباريات كان همهم الوحيد جباية الأموال، حيث يكون المتعهد على ارتباط مع ضابط مخابرات، فيقوم بجلب كتيبة أمن لمنع دخول أي شخص مجانًا، ويصل الأمر إلى حد ضرب المشجع وإهانته، لذلك يقوم بفتح بوابة واحدة أو اثنتين فقط لمباراة قد يحضرها 40-60 ألف مشجع.
بدوره، أشار حسين مصطفى إلى مشكلة تنظيمية أخرى عانت منها الجماهير وهي شراء التذاكر، إذ إن شراء التذكرة يكون أمام الملعب، وهنا يضطر المشجع للوقوف على طابور طويل للحصول على تذكرته، وربما تنفد التذاكر قبل الوصول إلى دوره، لذا يجب تفعيل نظام التذاكر الإلكترونية، حتى يستطيع المشجع شراء تذكرته مسبقًا كما يحصل في معظم دول العالم، وبالتالي يعرف المشجع مقعده حسب رقم التذكرة.
روابط المشجعين مفتاح الحل
معظم أندية الدوري الممتاز لكرة القدم شكلت روابط لمشجعي فرقها لمؤازرتها أينما حلت لتكون سندًا لها في المواجهات المهمة، لأن الجمهور كما يعده خبراء اللعبة عاملًا مهمًا ومؤثرًا في الفوز وتحقيق نتائج إيجابية.
مهمة الرابطة الرئيسة هي تنظيم الجمهور وتنسيق الهتافات في أثناء التشجيع وتشكيل لوحات أنيقة محفزة للاعبين لبذل الجهد الأكبر للظفر بالفوز لإسعاد الجمهور، الذي يأتي قبل ساعات إلى الملعب، وأحيانًا يسافر إلى محافظات أخرى عندما يكون فريقه يلعب هناك.
لكن تلك الروابط لم تكن منظمة جيدًا ولا تجمع كل الجماهير، وتقتصر على جزء معيّن من المشجعين، الأمر الذي كان يتسبب دومًا في حدوث حالات شغب جماهيري.
وقال محمد أبو عباية، إن إدارات الأندية كانت تُعيّن عبر حزب “البعث” والفروع الأمنية، وبالتالي فإن رؤساء الأندية كانوا يتدخلون في تشكيل روابط المشجعين، بحيث يتعمد أعضاء تلك الروابط التغاضي عن حالات الشتم والإساءة والشغب التي تقوم بها جماهير أنديتها، والتي كانت تصب في النهاية في مصلحة النظام السوري، بغية فرض غرامات مالية تُغني خزينته.
وأضاف أبو عباية، أن هناك دعوة في الأيام المقبلة لجميع جماهير الاتحاد من أجل تشكيل رابطة المشجعين، التي تضم كل الفئات المحبة للنادي، مشيرًا إلى أن رابطة المشجعين تسهم في نشر الوعي والثقافة الرياضية الأخلاقية بين الجماهير، من خلال توزيع أعضاء الرابطة وانتشارهم بين الجماهير داخل المدرجات، وحثهم على التشجيع الرياضي المميز ومنع أي إساءة.
وشدّد أبو عباية على أهمية نشر فكرة أن الرياضة فوز وخسارة بين الجماهير، بحيث يتقبل الجمهور خسارة فريقهم بكل روح رياضية، لافتًا إلى أهمية أن تقوم جميع روابط الأندية السورية ببناء علاقات جيدة مع بعضها، للوصول إلى جماهير حضارية.
في السياق ذاته، طالب حسين مصطفى بإنشاء رابطة لمشجعي الأندية السورية، تضم رؤساء جميع الروابط الرسمية لمشجعي الأندية، بحيث يكون دور هذه الرابطة نشر الوعي والمحبة والتشجيع الحضاري، والعمل على إبعاد كل مشجع مسيء ومنعه من دخول الملاعب والصالات الرياضية.
وأشار مصطفى إلى أهمية وضع كاميرات مراقبة على المدرجات، لمراقبة من يفتعل المشكلات ومحاسبته قانونيًا، كما أن العقوبات على الأندية بسبب شغب جماهيرها، يجب ألا تقتصر على الغرامات المالية فقط، بل يجب أن تكون العقوبات صارمة أكثر، كحسم نقاط من النادي الذي يتسبب جمهوره في افتعال الشغب، وهذا سيقلل من أعمال الشغب خوفًا من حسم النقاط.
وتشكل رابطة المشجعين من قبل ادارة النادي وتتألف من تسعة أعضاء، وهي مسؤولة عن تنظيم جماهير النادي داخل الملعب وإقامة علاقات ودية قوية مع جميع روابط مشجعي الأندية الأخرى، ونشر الروح الرياضية ونبذ التعصب للنادي.
وقبيل سقوط النظام السوري جرى تأجيل الدوري السوري حتى إشعار آخر، ولم يُحدّد إلى الآن موعد استئنافه، وسط توقعات بعودته في نيسان المقبل، ويأمل محبو الكرة السورية بأن يضع الاتحاد الرياضي ورؤساء الأندية خططًا من الآن لتلافي الشغب الجماهيري مع استئناف النشاطات الرياضية.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :