“لا تُنسى”.. سوريون يروون مشاعرهم لحظة انهيار النظام

رجل يحمل علم الثورة السورية يقف بين آلاف السوريين المحتفلين بسقوط النظام في دمشق – 13 كانون الأول 2024 (عنب بلدي/دايان جانباز)

camera iconرجل يحمل علم الثورة السورية يقف بين آلاف السوريين المحتفلين بسقوط النظام في دمشق – 13 كانون الأول 2024 (عنب بلدي/دايان جانباز)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – نوران السمان

في مساء 7 من كانون الأول 2024، ومع حلول ليلة 8 منه، وعند ساعات الفجر الأولى، عرف السوريون أن الطاغوت قد سقط، وصار بإمكانهم البوح بما كانوا غير قادرين على البوح به.

في مشهد تاريخي لطالما حلم به السوريون، سقط نظام الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد، بعد عقود من القمع والاستبداد، ومنذ الصباح المبكر، بدأت الاحتفالات تعم أرجاء البلاد بفرحة طال انتظارها، فأخيرًا، زال النظام الذي جثم على صدورهم لعقود.

أُعلن نبأ هروب بشار الأسد عبر وسائل الإعلام المحلية والدولية في ساعات الفجر الأولى، وسط تكهنات وتحليلات حول ما أدى إلى هذا السقوط المفاجئ للنظام، تزامن ذلك مع تقارير عن انسحاب قوات النظام من عدة مدن رئيسة، وتسجيل مشاهد لجنود يخلعون زيهم العسكري في الشوارع.

امتلأت الشوارع بالاحتفالات في المدن المحررة، بينما شارك المنفيون فرحتهم عبر مكالمات هاتفية ومقاطع مصورة.

بين الفرح والمخاوف، وصف الصحفي السوري همام، المقيم في هولندا، لحظة سقوط نظام الأسد بأنها “تاريخية ولا تُنسى”، مشيرًا إلى أنها حملت أبعادًا إنسانية عميقة.

قال همام، إنه قرأ خبر هروب بشار الأسد حوالي الساعة الخامسة صباحًا، وسمع صيحات الفرح تتعالى في حيّه من السوريين المقيمين، بينما كانت مجموعات “الواتساب” تمتلئ برسائل التهاني.

وأضاف، “لأول مرة منذ 14 عامًا، تحدثت بحرية مع أسرتي، شعرت أنني أخيرًا أستطيع البوح بما لم أجرؤ على قوله من قبل بسبب الوضع الأمني”، واصفًا ذلك الحديث بأنه “الأجمل” في حياته، وشعر بأنه يعيش جزءًا من لحظة تاريخية، رغم بُعده الجغرافي.

كان همام يتابع مثل كثيرين مشاهد قيام جنود بتبديل ملابسهم في الشوارع، وأخرى لجنود يتحدثون عن إرسالهم للمنازل من قبل الضباط.

رغم الفرحة العارمة، أقرّ همام بأنه واجه في البداية “مشاعر متخبطة، بين الفرح والخوف من سيناريو ما”، لكنه سرعان ما استعاد توازنه، مذكرًا نفسه بأن السقوط كان “نهاية لأحد أكبر مصادر الإرهاب والعنف في المنطقة”.

وبينما شارك مقطعًا مصورًا على صفحته الشخصية على منصات التواصل الاجتماعي، لإمام مسجد يقول فيه إن “الجبان هرب.. بشار هرب”، أكد همام أن هذه اللحظة تُشكل بداية تاريخ جديد للسوريين، لكنها تتطلب وعيًا وإرادة لتحقيق المساواة والعدالة التي لطالما حلموا بها.

أصداء الانتصار… بين العودة والأمل

تمارا عبود، شابة سورية مقيمة في تركيا، وصفت لحظة سقوط نظام الأسد بكلمات استحضرت فيها شعر إبراهيم ناجي وصوت أم كلثوم، “كان صرحًا من خيال فهوى”.

تمارا، التي تابعت اللحظة عبر الشاشات، وصفتها بأنها “تاريخية واستثنائية بكل معنى الكلمة”، مشيرة إلى أنها شعرت بأنها تعيش حلمًا لطالما ظنّت أنه لن يتحقق.

تمضي تمارة لتؤكد أن أصداء هذا الحدث تتردد في كل زاوية من سوريا، فعودة اللاجئين إلى الوطن رغم كل ما تحمله سنوات المنفى من قسوة، وضحكات الناس التي بدأت تعود للشوارع، هي دليل واضح على أن سقوط النظام كان أكثر من مجرد حدث سياسي، لقد كان بداية لمرحلة جديدة تحمل في طياتها أملًا بتغيير كثيرًا ما بدا مستحيلًا.

ورغم الأوضاع الأمنية والاقتصادية والخدمية الصعبة التي تواجه سوريا اليوم، تؤمن تمارا بصلابة الشعب السوري، الذي استطاع إسقاط نظام قمعي، وقالت لعنب بلدي، “أؤمن أن الشعب السوري لن يقبل بتكرار المأساة، وسيصر بعزيمته على بناء مستقبل يليق به كما صنع ثورته التي بدا حدوثها مستحيلًا قبل 13 عامًا”.

في العاصمة السورية دمشق، عاشت نور إدلبي، طالبة جامعية، لحظة سقوط نظام الأسد بمشاعر متناقضة بين الفرح والترقب. قالت نور، إنها استيقظت حوالي الساعة الخامسة صباحًا على أصوات الزغاريد وإطلاق النار في الشوارع، مضيفة، “كانت أصوات الاحتفالات تعم المكان مع هروب جيش النظام السابق، أدركت حينها أننا أمام تغيير حقيقي”.

وصفت نور التحول بأنه لم يكن مجرد سقوط نظام، بل بداية لعهد جديد مليء بالأمل، معتبرة أن “اليوم هناك حرية في التعبير، وهذا بحد ذاته إنجاز كبير، ما عشناه تلك الليلة لحظة ستُخلد في ذاكرة من عايشوها”.

ورغم التحديات التي تواجه سوريا، ترى نور مؤشرات إيجابية، مشيرة إلى وفود من دول مختلفة بدأت تأتي إلى البلاد، ما يفتح الباب أمام فرص جديدة، وتابعت، “المستقبل مجهول، لكنه بالتأكيد أفضل مما كنا عليه في ظل القمع والقيود”.

من المنفى إلى الحرية

يشكّل سقوط نظام الأسد نقطة تحول تاريخية في مسار سوريا الحديث، حيث أُعيدت كتابة فصول المستقبل بأيدي السوريين أنفسهم، بعد سنوات طويلة من الصراع والمعاناة التي أرهقت البلاد، مشاهد تماثيل الأسد المقلوبة والملصقات الممزقة، التي كانت تملأ المباني العامة لعقود، تحوّلت إلى رموز بارزة لنهاية حقبة قمعية هيمنت على تفاصيل الحياة اليومية.

بالنسبة لمنصور، شاب سوري مقيم في تركيا، شكّل سقوط نظام الأسد لحظة استثنائية استعاد فيها الأمل الذي ظن أنه ضاع منذ سنوات طويلة. قال لعنب بلدي، “شعرت أن الأمل الذي فقدناه عاد، كانت لحظة السقوط بالنسبة لي بمثابة استرجاع 14 عامًا من النضال، من المظاهرات الأولى إلى التهجير”.

وأضاف، “عودة السوريين إلى شوارعهم بحرية هي أعظم دليل على أن التغيير حقيقي”.

وتابع، “يكفي أن نرى الناس الذين حرموا من بلدهم لسنوات طويلة، وبعضهم حرم 40 سنة وأكثر، قادرين اليوم على العودة”.

ربط منصور ساعة سقوط النظام باتصاله بأهله في دمشق وإعلامه بأن ” الثوار أصبحوا في الشام”، مستذكرًا أنه في ليلة سقوط النظام، اجتمع مع أصدقائه الذين شاركوه الحصار والتهجير، ليعيشوا تلك اللحظة التاريخية معًا، “كانت لحظة جديدة تُضاف إلى لحظات حياتنا التي لا تُنسى”، بحسب تعبيره.

استطلعت عنب بلدي آراء فئة من السوريين في العاصمة دمشق، وأجمعوا على أنهم لم يتوقعوا سقوط الأسد بهذه السرعة، وكان كثيرون يظنون أن سقوط النظام لن يحدث قبل أن تشهد دمشق معركة حاسمة في وسط المدينة، إلا أن تكبيرات العيد التي سُمعت في الشوارع، بالإضافة إلى مشهد هروب الجيش السوري، كانت بمثابة أمل تحقق بسرعة أكبر مما كان متوقعًا، عند هروب بشار الأسد.

نهاية حقبة

وفي تحليل آثار 13 عامًا من الأزمة، نشرت مبادرة “ريتش” تقريرًا، في 22 من كانون الثاني الحالي، قالت فيه إن التحول السياسي بعد انهيار حكومة الأسد، يمثل فرصة لنهج متكامل يعالج احتياجات السكان المتضررين في جميع أنحاء سوريا.

وأضاف التقرير أنه لكي يظل المجتمع الإنساني مسؤولًا أمام السكان المتضررين، فإنه يحتاج إلى ضمان أن التمويل والمساعدة المستمرين سوف يواكبان بشكل فعال الاحتياجات والأولويات والتطلعات المتطورة للسوريين خلال هذه الفترة الحرجة من التغيير.

وقبل سقوط النظام، نشر مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” ورقة بحثية بعنوان “قراءة في حالة نظام الأسد: انهيار أم إعادة تشكل”، أكد فيها أن انهيار النظام كان محتملًا بسبب الأزمات الاقتصادية والاجتماعية العميقة.

ومع ذلك، أشار المركز إلى أن النظام حاول التلاعب بشبكات النخب للحصول على شرعية وأدوات تمكنه من البقاء.

وأضاف المركز أن الاقتصاد المتدهور وارتفاع تكلفة الإنتاج، فضلًا عن انهيار قيمة الليرة السورية، كانت عوامل رئيسة في تفاقم الأزمة، مؤكدًا أن مؤشرات الانهيار كانت واضحة، لكن لحظة السقوط تأجلت بسبب محاولات النظام لتثبيت سلطته عبر اقتصاد الحرب.

وبينما تغيب إحصائيات رسمية حول العائدين من الدول الأوروبية، تتزايد أعداد اللاجئين السوريين العائدين من دول الجوار (لبنان والأردن والعراق وتركيا)، إلى سوريا، بعد 8 من كانون الأول 2024.

ووفقًا لإحصائيات المفوضية السامية للأمم المتحدة الصادرة في 2 من كانون الثاني الحالي، تجاوز عدد السوريين العائدين من الأردن وتركيا ولبنان 115 ألف شخص.

وتتوقع الأمم المتحدة أن يصل عدد العائدين إلى نحو مليون سوري خلال الأشهر الستة الأولى عقب سقوط حكم الأسد، مع التأكيد على مطالبة الدول المضيفة بعدم إجبار اللاجئين على العودة.

نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة