ورقة ضغط بيد بوتين

هل تساوم روسيا على تسليم بشار الأسد للمحاكم الدولية

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يصافح رئيس النظام السوري بشار الأسد في دمشق- 7 كانون الثاني 2020 (رويترز/ سانا)

camera iconالرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، يصافح رئيس النظام السوري، بشار الأسد، في دمشق- 7 من كانون الثاني 2020 (رويترز- سانا)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – هاني كرزي

أصدرت محكمة فرنسية مذكرة توقيف جديدة ضد رئيس النظام السوري المخلوع، بشار الأسد، بتهمة التواطؤ بارتكاب جرائم حرب في سوريا، ما خلق بارقة أمل لدى السوريين بمحاسبة الأسد، الذي فرّ إلى روسيا وسط تساؤلات حول احتمالات تسليم موسكو رأس النظام المخلوع للمحاكم الدولية.

قاضيتان فرنسيتان أصدرتا مذكرة التوقيف بحق بشار الأسد، في 21 من كانون الثاني الحالي، تتعلق بقصف للنظام السابق وقع على درعا عام 2017، قُتل فيه مدني يدعى صلاح أبو نبوت (59 عامًا)، يحمل الجنسيتين الفرنسية والسورية.

وصدرت المذكرة بعد إثبات التحقيقات أن “أبو نبوت” الذي كان يعمل مدرسًا للغة الفرنسية، قُتل في قصف مروحيات تابعة لقوات النظام السابق، استهدفت منزله في درعا.

ويعتقد القضاء الفرنسي أن بشار الأسد هو الذي أمر بهذا الهجوم ووفر الوسائل اللازمة لتنفيذه.

أول خطوة في مسار المحاسبة

يطالب السوريون بضرورة محاكمة بشار الأسد بعد فراره إلى روسيا، حيث لا يكتفون بتغيير السلطة وطي صفحة الرئيس السابق السياسية، بل يطمحون إلى ما هو أبعد من ذلك، أي تحقيق العدالة أمام المحاكم الدولية.

ومن المقرر أن يُنظر بمذكرة التوقيف الفرنسية بحق بشار الأسد من قبل محكمة النقض في استئناف النيابة العامة بباريس، في 26 من آذار المقبل.

ويرى المحامي المختص بالقانون الجنائي الدولي المعتصم الكيلاني، أن مذكرة التوقيف الفرنسية جزء من طريق طويل لرسم سياسة منع الإفلات من العقاب في سوريا، وأحد طرق العدالة الانتقالية في محاسبة مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في سوريا كأحد أدوات العدالة الانتقالية.

وقال الكيلاني لعنب بلدي، إن أهمية هذه المذكرة تكمن في سقوط الحصانة الرئاسية عن الأسد، وعدم اعتبار قضاة التحقيق أن الأعمال الوظيفية للرئيس المخلوع كانت تسمح له بارتكاب تلك الجرائم الدولية، إضافة إلى أن هذه المذكرة الأولى من نوعها بما يخص قصف المنشآت المدنية واستخدام البراميل المتفجرة.

روسيا تريد مقابل

في 9 من كانون الأول 2024، قال الكرملين، إن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، اتخذ قرار منح اللجوء الإنساني للأسد وعائلته، وذلك بعد هروبه من سوريا عقب إسقاط النظام.

وحول احتمالات قيام روسيا بتسليم الأسد، قال نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، إن “روسيا ليست طرفًا في اتفاقية روما التي أسست المحكمة الجنائية الدولية”، في إشارة إلى عدم رغبتها بتسليم الأسد.

ويرى المعتصم الكيلاني، أن الطريق سالك أمام القضاء الفرنسي من الناحية القانونية، لكي يطلب من “الإنتربول” الدولي أن يخاطب موسكو لتسليم بشار إلى السلطات الفرنسية، إذ إن روسيا ملزمة بالتسليم كونها وقعت على اتفاقية “الإنتربول” الدولي منذ عام 1990، مشيرًا إلى أنه سيكون هناك ضغط دولي على روسيا لتسليم الأسد، وفي حال عدم استجابتها ستكون هناك إجراءات عقابية من “الإنتربول” بحق روسيا.

ولفت إلى أن حق اللجوء الذي منحته روسيا للأسد لا يحميه من المحاسبة، لأن اتفاقيات جنيف الخاصة باللاجئين، لا تمنح المتورطين بجرائم الحرب أي ميزات من اللجوء الإنساني أو السياسي أو أي حماية من الملاحقة.

من جهته، استبعد المحلل السياسي المختص بالشأن الروسي محمود الحمزة، قيام روسيا بتسليم بشار الأسد، لأن ذلك يؤثر على سيادتها وهيبتها، وسيكون أمرًا محرجًا لبوتين الذي يقول دومًا إن روسيا لا تتخلى عن حلفائها، ولذلك أعطوه لجوءًا إنسانيًا ليُظهروا للرأي العام أنهم إنسانيون.

وأضاف الحمزة لعنب بلدي، أن الأسد بمثابة ورقة ضغط بيد روسيا، ففي حال قررت تسليمه للمحاكمة، فإن ذلك سيكون مقابل اتفاق مع الإدارة السورية الجديدة، فقد تطلب موسكو ثمنًا مقابل تسليم بشار، كإبقاء قواعدها العسكرية في سوريا، واستمرار العلاقات الاقتصادية والتجارية والعسكرية بين موسكو ودمشق، بما يخدم المصالح الروسية على المدى البعيد.

مساران نحو الجنائية الدولية

خلال السنوات الماضية، حاول مجلس الأمن مرارًا إحالة الملف السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية، لكنه فشل في ذلك، بسبب “الفيتو” الروسي- الصيني، ما دفع بعض الدول والمنظمات الحقوقية إلى الاتجاه لمحاسبة النظام عبر المحاكم الأوروبية التي يتاح لها بموجب الولاية القضائية العالمية محاسبة مجرمين خارج أراضيها، ارتكبوا انتهاكات بحق مواطنين لها يعيشون في سوريا.

القضاء الفرنسي أصدر، في تشرين الثاني عام 2023، مذكرة اعتقال بحق رئيس النظام السوري، وشقيقه ماهر، واثنين من كبار معاونيه، بتهمة تنفيذ هجمات بالأسلحة الكيماوية على الغوطة الشرقية عام 2013.

وقال المعتصم الكيلاني، إنه وفق القانون الدولي، لم يكن بالإمكان إصدار مذكرة توقيف بحق رئيس دولة على رأس عمله أو محاكمته غيابيًا، لأن ذلك يخالف الاتفاقيات الدولية المرتبطة بالحصانة الدبلوماسية على رؤساء الدول الذين ما زالوا على رأس عملهم، لكن عقب سقوط الأسد سقطت الحصانة عنه وأصبح المسار القانوني سالكًا نحو المحاسبة.

وأشار الكيلاني إلى أن هناك مسارين لإحالة ملف محاسبة الأسد إلى محكمة الجنايات الدولية، الأول أن توقّع سوريا على ميثاق روما الأساسي، عندها تستطيع أن تعطي صلاحيات للمدعي العام لمحكمة الجنايات بالتحقيق في الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبها الأسد، أما المسار الثاني فهو أن يتم تحويل الملف السوري عن طريق مجلس الأمن للتصويت عليه بغية إحالة بشار للجنائية الدولية.

وأضاف الكيلاني أنه في حال انتقل ملف محاسبة الأسد إلى محكمة الجنايات الدولية، تستطيع المحكمة الطلب عن طريق الدول الموقعة على ميثاق روما (124 دولة)، في حال كان مواطنو إحدى تلك الدول لديهم دعوى ضد الأسد، وبالتالي تقوم إحدى تلك الدول كفرنسا مثلًا، بتعميم المذكرة على الدول الموقعة على اتفاقية “الإنتربول” الدولي (196 دولة) بما فيها روسيا لتسليم الأسد.

في 22 من أيار 2014، كانت هناك جلسة في مجلس الأمن لإحالة ملف سوريا إلى محكمة الجنايات الدولية، بغية محاسبة النظام السوري على جرائمه، لكن “الفيتو” الروسي- الصيني عرقل تلك الإحالة.

كانت 108 دول وقعت عام 1998 على ميثاق روما للمحكمة الجنائية الدولية، وهناك العديد من الدول لم توقع على المعاهدة بما فيها سوريا والعراق، وبالتالي لا تتدخل المحكمة في قضايا على الأراضي السورية، بينما تستطيع المحكمة تلقائيًا ممارسة سلطة قضائية على الجرائم المرتكبة في أراضي أي دولة عضو أو المرتكبة من أشخاص ينتمون لأي دولة عضو.

في السياق ذاته، قال محمود الحمزة، إن تسليم روسيا بشار الأسد للمحكمة الجنائية الدولية غير وارد، لأن بوتين مطلوب كذلك لذات المحكمة، وبالتالي فإن تسليم بشار سيضع بوتين في موقف محرج، مشيرًا إلى أن روسيا في حال تعرضت لضغط دولي كبير، قد تجبر الأسد على مغادرة أراضيها والسفر إلى وجهة أخرى كالإمارات مثلًا.

مذكرة الاعتقال الثانية

مذكرة الاعتقال الفرنسية التي صدرت بحق بشار الأسد الأسبوع الماضي، تعتبر الثانية من نوعها.

كان قضاة التحقيق الجنائي في فرنسا أصدروا مذكرة توقيف بحق الأسد وشقيقه ماهر إضافة إلى اثنين من معاونيه، بتهمة استخدام الأسلحة الكيماوية في الغوطة الشرقية في آب 2013، وذلك عقب تحقيق جنائي أجرته الوحدة المتخصصة في الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب التابعة للمحكمة القضائية في باريس.

لكن مكتب المدعي العام الوطني لمكافحة الإرهاب في فرنسا، طلب حينها من محكمة الاستئناف البتّ في صلاحية المذكرة، نظرًا لأن الأسد كان حينها رئيس دولة يتمتع بالحصانة، ما تسبب باعتراض من قبل منظمات حقوقية ودولية طالبت بعدم الاعتراف بحصانته.

أما مذكرة الاعتقال الثانية فجاءت عقب سقوط الأسد، وصدرت بعد مسار طويل، بدأه عمر أبو نبوت (28 عامًا) نجل صلاح، المواطن السوري الذي يحمل الجنسية الفرنسية، والذي قتلته طائرات النظام السوري السابق في مدينة درعا.

بدأ عمر بجمع الأدلة وإعداد ملف للقضية بعد مقتل والده، وتقدم بشكوى أمام محكمة باريس في عام 2017، ووافق المدعي العام على الشكوى، وحُولت إلى وحدة جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في المحكمة الفرنسية، بحسب ما قاله عمر أبو نبوت لعنب بلدي.

وفتحت وحدة جرائم الحرب في المحكمة تحقيقًا بناء على الشكوى بشأن مقتل والده، وتم تعيين قاضيين للتحقيق، وقبول نجل الضحية عمر كطرف مدني.

وعمل عمر على التواصل مع الشهود، ولعب دور المحامي والمدعي في نفس الوقت لمدة ثلاث سنوات، ووكّل محاميًا لمتابعة القضية معه، لكنه لم يكن جديرًا بالثقة وتغيب عن الجلسة الأولى مع القاضي في مطلع عام 2018، ليحضرها عمر بصحبة مترجم فقط بسبب عدم قدرته على التحدث باللغة الفرنسية بطلاقة، كونه قدم إلى البلاد حديثًا.

وانضم “المركز السوري للإعلام وحرية التعبير” إلى الشكوى كخبير محلي في القضية ليعينه لاحقًا عمر كطرف مدني، عام 2020، برغبة وموافقة منه لتقديم أكبر عدد من الأدلة إلى القضاة والمضي بشكل أسرع في مسار العدالة الذي كان يطمح إليه.

كما أسهمت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” في دعم التحقيق عبر تزويد القضاة بمعلومات تفصيلية وتقديم شهود، على حادثة القصف بالبراميل المتفجرة على درعا، في 7 من حزيران 2017، والتي أدت إلى مقتل صلاح أبو نبوت.

بعد جهد ست سنوات وجمع للأدلة، أحرز عمر تقدمًا نحو عدالة والده، وأصدر القضاء الفرنسي مذكرات توقيف، في 18 من تشرين الأول 2023، بحق أربعة ضباط سوريين، هم فهد جاسم الفريج، وعلي عبد الله أيوب، وأحمد بلول، وعلي الصفتلي.

وفي 21 من كانون الثاني الحالي، عاد القضاء الفرنسي لإصدار مذكرة توقيف جديدة بحق بشار الأسد، ضمن قضية مقتل المواطن الفرنسي السوري صلاح أبو نبوت.

نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة