لا يقتصر الوجود الروسي في مدينة طرطوس بالساحل السوري على القاعدة البحرية (المركز اللوجستي البحري الروسي)، بل تعدى ذلك خلال سنوات الثورة لتوقيع عقد استثمار ميناء طرطوس.
وتحدثت وسائل إعلام محلية نقلًا عن مدير جمارك طرطوس، رياض جودي، عن إلغاء الاتفاق الموقع مع شركة “ستروي ترانس غاز” (CTG) الروسية، وفي حال تأكيد إلغاء العقد مع الشركة فهذا لا يعني إنهاء الوجود الروسي في طرطوس.
السكرتير الصحفي للكرملن، دميتري بيسكوف، أرجع الإجابة على سؤال إلغاء عقد استثمار مرفأ طرطوس الموقع بين الشركة الروسية وحكومة نظام الأسد إلى وزارة الخارجية ووزارة الدفاع الروسية، وذلك خلال مؤتمر صحفي عقد اليوم، الخميس 23 من كانون الثاني.
روسيا حاضرة في طرطوس على الصعيدين العسكري عبر “المركز اللوجستي البحري الروسي” واقتصاديًا عبر استثمار شركة “ستروي ترانس غاز”.
شركة “ستروي ترانس غاز” أحد أكبر شركات المقاولات في روسيا، تعمل في مجالات هندسة الطاقة والنفط والغاز والبتروكيماويات.
بدأ استثمارها في سوريا عام 2005، ومن مشاريعها في سوريا بناء القسم السوري من خط الغاز العربي، استثمار وتأهيل “الشركة العامة للأسمدة” ومعاملها، وفق موقع “من هم”.
القاعدة البحرية
ذكرت وكالة “تاس” الروسية، في 27 من كانون الأول 2024، أن روسيا تجري مع حكومة دمشق مفاوضات حول قواعدها في سوريا، إذ تحاول ضمان بقاء قواتها في سوريا خاصة في قاعدتي حميميم الجوية وطرطوس البحرية.
ونقلت “تاس” عن مصدر “مطلع” على سير المفاوضات، بأن المفاوضات جارية لضمان ألا تصبح “الظروف القاهرة”، أي العمليات العسكرية التي أدت لإسقاط نظام بشار الأسد، سببًا في إنهاء الاتفاقيات الموقعة مع النظام السابق.
وأضاف المصدر أن حكومة دمشق لا تخطط لخرق الاتفاقات في المستقبل القريب، وبموجبه تستخدم روسيا القواعد العسكرية في محافظتي اللاذقية وطرطوس.
ويناقش المشاركون في المفاوضات حجم القوة العسكرية الروسية التي يمكن أن توجد في القاعدتين.
وقال وزير الدفاع السوري، مرهف أبو قصرة، في اجتماع حضرته عنب بلدي، الأربعاء 22 من كانون الثاني، إن هناك مفاوضات تجري مع روسيا حول قواعدها عبر قنوات وزارة الخارجية.
ما هي قاعدة طرطوس
قاعدة طرطوس أو “المركز اللوجستي البحري الروسي”، أنشئت لأول مرة عام 1971 باتفاق بين الاتحاد السوفييتي وسوريا، وكانت قبلة للبوارج والسفن الحربية الروسية وقاعدة تموين وصيانة خلال الحرب الباردة، واستمر ذلك حتى انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991.
مطلع الألفية الثانية عاد اعتماد الروس على ميناء طرطوس مع إعادة تنشيط العلاقات الروسية- السورية.
واتخذت روسيا من ميناء طرطوس موقعًا لبناء قاعدتها العسكرية البحرية، وفق اتفاق وقعته مع النظام، في كانون الثاني 2017.
نشر مدير مركز “مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية” كرم شعار في موقعه تفاصيل العقد الموقع بين حكومة النظام السابق وروسيا، والذي يعود تاريخه إلى 18 من كانون الثاني 2017.
وتضمن العقد ما يلي (أبرز البنود):
- مدة الاتفاقية 49 سنة تمدد تلقائيًا لـ 25 سنة أخرى ما لم يعترض أحد الطرفين.
- تسليم الجانب السوري للأراضي والمساحات إلى الجانب الروسي بدون مقابل حتى انتهاء مدة الاتفاقية (تشمل هذه الأراضي المنطقة الساحلية والمنطقة المائية في ميناء طرطوس والمنطقة الأمامية التي تحتوي على أرصفة بحرية ومنشآت عائمة).
- الجهات المفوضة من الجانبين هما وزارة الدفاع الروسية ووزارة الدفاع السورية.
- العدد الأقصى المسموح بوجوده للسفن الروسية في المرفأ في وقت واحد هو 11 سفينة، بما فيها سفن بمحركات نووية.
- يمكن للجانب الروسي أن يقوم بإصلاحات وإعادة بناء وتأسيس شبكات اتصالات وغيرها كما يشاء في المرفأ.
- كل ما تجلبه روسيا من تجهيزات ومعدات وأثاث يعود لملكيتها الخاصة ويتم نقله إلى روسيا عند انتهاء مدة الاتفاقية.
- الحق لروسيا بأن تنقل إلى المرفأ كل ما تريده من أسلحة وكادر عسكري ومدني مع عائلاتهم دون دفع رسوم للجهات السورية ولا يخضع هؤلاء القادمون للمرفأ من روسيا إلى أي تفتيش أو فحص لأمتعتهم أو ما يجلبونه معهم.
- حصانة التواجد الروسي في المرفأ، حيث لا يحق للسوريين أو لممثلي السلطة السورية الدخول إلى أرض المرفأ بدون موافقة القائد العسكري الروسي للمرفأ.
- يعتبر المرفأ غير خاضع للقوانين السورية من إجراءات أمنية وقانونية وجمركية.
- لا يمكن للجانب السوري الاطلاع على وثائق وأرشيف المرفأ.
- الكوادر العسكرية الروسية وعائلاتهم لهم حصانة وامتيازات في التعامل ولا يمكن تفتيشهم أو اعتقالهم بأي شكل من الأشكال من قبل الجانب السوري.
- السفن الحربية وكافة المعدات العسكرية البحرية والجوية الروسية وغيرها لا تخضع للرقابة أو التفتيش من الجانب السوري.
- يقوم الجانب السوري بتزويد المرفأ بالوقود والكهرباء والمياه النقية وخدمة الهاتف وغيرها على أساس عقد تجاري بين الجانبين، فيما تخضع الخدمات الطبية للاتفاق الخاص بين الطرفين.
صعوبة في نقل القواعد
ووفق تقرير لـ”BBC“، نشر في 2 من كانون الثاني، فإن مهمة سحب القواعد الروسية “ليست صغيرة”، فالقواعد تحوي أنواع مختلفة من الأسلحة خاصة في قاعدة “حميميم” الجوية، إلى جانب نحو 7500 جندي.
وذكر تقرير “BBC” أن نقل الدبابات الثقيلة والعتاد العسكري يحتاج لطائرات من نوع “An-124” (أنتونوف 124) وهي واحدة من أكبر الطائرات في العالم، وطائرات “IL-76” (إليوشن 76) في فترة زمنية قصيرة.
كما أن استخدام الطريق المائي من ميناء طرطوس “ليس سهلًا أيضًا”،ويعني ذلك أن سحب القواعد “سيكلف أموالًا طائلة وسيكون المشروع ضخمًا”.
صعوبة سحب القواعد يضعف موقف روسيا أمام حكومة دمشق في حال أرادت روسيا الحفاظ على قواعدها، بحسب “BBC”.
عقد مرفأ طرطوس
في نيسان 2019، أعلن وزير النقل في حكومة النظام السابق، علي حمود، أن العقد مع شركة “ستروي ترانس غاز” (CTG) الروسية بشأن مرفأ طرطوس هو عقد استثمار لا استئجار، ويستمر لمدة 49 سنة.
والعقد هو استثمار لشراكة في إدارة وتوسيع وتشغيل مرفأ طرطوس، وفق نظام عقود التشاركية بين القطاع العام والخاص المعمول به في سوريا، وفق حمود.
وبرر حمود، حينها، سبب العقد مع روسيا، بأن سوريا بحاجة إلى مرافئ جديدة تستوعب حمولات سفن تصل إلى 100 ألف طن، وأرصفة مرفأ طرطوس تتراوح أعماقها حاليًا بين 4 و13 مترًا، وتستوعب من 30 إلى 35 ألف طن لوزن السفينة الواحدة، وإنشاء أرصفة جديدة أو توسيعها يحتاج إلى مبالغ كبيرة، وسوريا تحتاج إلى هذه المبالغ لاستثمارها في قضايا ذات أولويات أهم، لذلك لجأت الحكومة إلى استثمار المرافئ عن طريق الشركات الروسية الصديقة لتوسيع المرفأ وضخ 500 مليون دولار فيه.
المرفأ الجديد، حسب العقد، يستوعب حجم أعمال يصل إلى 38 مليون طن سنويًا بعد أربعة ملايين في 2019، وفق توقعات حمود.
وكان المتوقع أن يرتفع عدد الحاويات التي تصل إلى المرفأ من 20 ألف حاوية عام 2019 إلى مليوني حاوية، وهذا سيؤدي إلى وصول بضائع إلى سوريا والدول المجاورة، وسيضاعف الإيرادات في وزارة النقل إلى عشرات الأضعاف.