
لا توجد قوانين وضوابط موحدة لحفر الآبار في ريف حلب - 4 تشرين الثاني 2024 (عنب بلدي/ وليد الإدلبي)
لا توجد قوانين وضوابط موحدة لحفر الآبار في ريف حلب - 4 تشرين الثاني 2024 (عنب بلدي/ وليد الإدلبي)
حسن إبراهيم| ديان جنباز | وليد الإدلبي
بعدما جفت معظم الآبار السطحية وصار الاعتماد عليها في سقاية المحاصيل والشرب مستحيلًا، صارت الآبار “البحرية” الخيار الوحيد والإجباري لري مساحات واسعة من الأراضي الزراعية وتأمين مياه شرب في ريفي حلب الشمالي والشرقي حيث تسيطر “الحكومة السورية المؤقتة” (قبل أن تعتزم تسليم مناطق إدارتها لحكومة دمشق، ووضع كل إمكانياتها وكوادرها تحت تصرف السلطات الجديدة)، ما يهدد بجفاف المياه الجوفية، وينذر بكوارث تلاحق البيئة والبشر.
منذ أربع سنوات، تحولت عمليات حفر الآبار من أعماق 150 مترًا إلى 600 و900 متر، وزاد عددها بشكل عشوائي دون تنظيم أو ردع، وصارت الحفارات وأدوات العمال ضاربة في جذور الأرض للوصول إلى مستويات مياه تؤمن تدفقًا مناسبًا لسقاية المحاصيل.
الآبار “البحرية” هي آبار ارتوازية جوفية عميقة، تعتمد على طبقات المياه الأرضية العميقة في استخراج المياه، وتستخدم عادة في المناطق التي تعاني من نقص في المياه الجوفية السطحية، وتوفر مصدرًا مستدامًا وثابتًا للمياه.
صار حفر الآبار السطحية و”البحرية” ظاهرة في مدينة الباب بريف حلب الشرقي، بعد تفاقم أزمة المياه في المنطقة ونقصها منذ ثمانية أعوام، وتتصاعد حدتها مع مرور الوقت، إذ بدأت بعد سيطرة قوات النظام السوري السابق على مواقع ومحطات ضخ المياه “عين البيضا” و”الخفسة” بريف حلب الشرقي أواخر 2016، وقطعه المياه عن المدينة.
ومنذ عام 2006، تعتمد منطقة الباب على مياه نهر “الفرات” التي تصل إلى محطة ضخ “عين البيضا” قرب مطار “كويرس” العسكري.
شح المياه فاقم معاناة أكثر من 300 ألف شخص من سكان مدينة الباب في تأمين مياه الشرب، وهناك أكثر من 4500 هكتار من الأراضي الزراعية في طريقها إلى الجفاف والتصحر نتيجة ندرة المياه.
ويعد الوضع المائي في المدينة غير منتظم، وخرجت خمس آبار عن الخدمة، وبقيت ثماني آبار فقط تعمل في الباب، بمعدل تدفق 40 مترًا مكعبًا في الساعة، بحسب بيان للمجلس المحلي بمدينة الباب.
بدا حفر الآبار بداية حلًا اضطراري لتأمين مياه للشرب وري الأراضي الزراعية، لكنه تحول إلى شبح ينذر بأزمة مائية ويعمق حجم المشكلة، ويزيد من تداعياتها على مصادر المياه الجوفية، خاصة أن بعض الآبار أصابها الجفاف أيضًا.
بعد سقوط النظام السوري، وهرب بشار الأسد إلى روسيا، في 8 من كانون الأول 2024، أفادت منظمة “يونيسف” بأنه بعد أشهر من الاختبارات وأعمال الإصلاح، تتدفق المياه مرة أخرى من محطة “عين البيضا”.
وذكرت أن حوالي 300 ألف شخص في مدينة الباب، بما في ذلك الأسر النازحة والمجتمعات المضيفة، يعتمدون على محطة المياه المذكورة، حيث تصل المياه إلى جزء من سكان مدينة الباب، ولكن هناك حاجة إلى دعم عاجل لاستعادة المحطة إلى طاقتها الكاملة، بحسب مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية.
في فصل الصيف 2024، خسر المزارع صبحي البصور فب موسمي محصولي القرع والباذنجان من 600 إلى 700 دولار أمريكي، بعد أن جف بئره السطحي بشكل شبه كامل، والذي كان يغذي أرضه الزراعية، التي تبلغ مساحتها هكتارًا ونصف، في قرية وادي غرة بريف مدينة قباسين شرقي حلب.
قال المزارع لعنب بلدي إنه في عام 2023، كان يستخرج المياه من البئر بعمق 100 متر، وكانت يستخرج قرابة 80 ألف لتر من المياه كل 24 ساعة، أما في فصل الصيف من عام 2024، فقد جف البئر بنسبة 90%، والآن بات يستخرج منه نحو 10 آلاف ليتر من المياه كل 24 ساعة.
ولا يختلف الحال عند المزارع كمال العباس، والذي يملك أرضًا زراعية قرب مدينة الباب، وقال لعنب بلدي، إن المياه بدأت تشح في بئره السطحية، لافتًا إلى أنه لا يستطيع حفر بئر “بحري”، بسبب تكلفته العالية، والتي قد تصل إلى أكثر من 30 ألف دولار أمريكي.
وأضاف المزارع كمال، أنه كان يسقي شجر الزيتون في أرضه عبر مياه الري منذ 9 سنوات، وكان ينتج نحو 22 طنًا من الزيتون، وبعد مرور السنوات وشح المياه، تراجع إنتاج أرضه إلى خمسة أطنان عام 2023، أما هذا الموسم (عام 2024) فقد جنى 900 كيلو من الزيتون فقط، لعدم قدرته على السقاية.
المزارع محمود حجازي من مدينة أخترين قرب اعزاز بريف حلب الشمالي، قال لعنب بلدي، إن الوصول إلى مياه كافية من الآبار في المنطقة، صار يتطلب أعماقًا تتراوح بين 650 و900 متر.
وأضاف محمود أن عمق الآبار “البحرية” يزيد من تكاليف التشغيل، إذ يصل مستوى سطح المياه في معظمها إلى 300 متر، ونادرًا ما يكون على عمق أقل من ذلك، ما يضيف أعباءً مالية أكبر على المزارعين الذين يعتمدون عليها لري أراضيهم.
ويمتلك المزارع بئرًا بحريًا بعمق 900 متر، في مدينة أخترين، ويبلغ مستوى سطح المياه في بئره 200 متر، ما يرفع تكلفة تشغيله إلى نحو 550 ليرة تركية في الساعة (15 دولارًا أمريكيًا).
وذكر أن هذا التشغيل يتطلب توفير الكهرباء، ومضخة مياه بقوة 100 حصان، إلى جانب مولد يعمل بالمازوت، لضخ حوالي 100 متر مكعب من المياه، أي ما يعادل 500 برميل (البرميل 220 ليترًا) في الساعة، حسب قوله.
المزارع محمود، حفر البئر في عام 2023، لري أرضه التي تبلغ مساحتها نحو 30 دونمًا، حيث يزرعها بمحاصيل متنوعة من البطاطا والبندورة والقمح، مؤكدًا أنه لولا حفر البئر لما تمكن من زراعة المحاصيل أو الحصول على إنتاج جيد.
قبل عام ونصف، حفر المزارع حسين صقار بئرًا سطحيًا بعمق 150 مترًا، وجهّزها بألواح طاقة شمسية لري أرضه في قرية كلجبرين بريف حلب الشمالي، إلا أن تعرضه للجفاف ببعض الأحيان وتعرضه للسرقة المتكررة، تسبب له بخسائر مالية أجبرته على إغلاق البئر.
وذكر أن كمية المياه المستخرجة من البئر والتي تبلغ قدرتها 1.5 إنش، كانت غير كافية لتلبية احتياجات أرضه بشكل فعال، ولو كانت قدرة تدفق المياه تتراوح بين 2 و4 إنشات، لتمكن من توسيع مشروعه وتوظيف عمال للعمل في أرضه، إلا أن ذلك يتطلب حفر بئرًا بحريًا بعمق أكبر.
ولفت المزارع حسين إلى أن معظم المزارعين في منطقته يعتمدون على حفر الآبار “البحرية” لضمان كميات كافية من المياه، وأن الآبار الناجحة تتجاوز أعماقها 300 متر، لكن إمكانياته المادية لا تسمح له بحفر هذا النوع من الآبار.
يمتلك حسين أربعة دونمات مزروعة أغلبها بأشجار الزيتون، ويعتمد حاليًا على مياه الأمطار في سقايتها، مع توقعات بإنتاج ضئيل خلال الأعوام المقبلة، في حال عدم سقايتها بشكل منتظم.
تحولت عمليات حفر الآبار من أعماق 150 مترًا إلى 600 و900 متر في أرياف حلب – 4 تشرين الثاني 2024 (عنب بلدي/ ديان جنباز)
تصل تكلفة حفر البئر “البحري” باستخدام حفارة يطلق عليها “غرّازة” محليًا من 4000 دولار أمريكي إلى 10000 دولار أمريكي، حسب عمق البئر وطبيعة الأرض، بينما تصل تكلفة حفر البئر السطحي من 1000 دولار إلى 4000 دولار.
يملك مروان مامو من سكان قرية قبة الشيح في ريف مدينة الباب حفارة آبار (غرازة) محليًا، قال إن حفر الآبار السطحية و”البحرية” لا تعتمد على عمق وسعر وتوقيت معين، فعندما يبدأ بحفر البئر السطحي يكون غالبًا عمقه من 100 إلى 200 متر، و”البحري” من 300 إلى 650 مترًا، حسب المناطق.
وأضاف مروان أن مدة حفر البئر السطحي لعمق 150 متر، نصل إلى أسبوع تقريبًا، وتكلفته 1200 دولار أمريكي، وعمق 200 متر تصل التكلفة إلى 2400 دولار.
أما تكلفة “البحري”، تتراوح من 9000 دولار إلى 10000 دولار أمريكي، لعمق 600 متر إلى 650 مترًا، ومدته الزمنية من 25 يومًا إلى 30 يومًا أو أكثر بقليل، وذلك حسب طبيعة الأرض والعمق، حتى الانتهاء من الحفر بشكل كامل، وفق مروان.
مع تزايد الطلب على المياه في ريف حلب، شهدت مدينة اعزاز تحولًا كبيرًا في طريقة الحصول على المياه الجوفية، ما نشّط من عمل الحفارات سواء ضمن المدينة أو في القرى والبلدات المحيطة فيها.
وصار انتشار الآبار والطلب على حفرها ملحوظًا في مدينة اعزاز، وفق أحمد العواض، وهو صاحب حفارة في المنطقة، قائلًا إن معظم الآبار التي كان يحفرها خلال عامي 2021 و2022، سطحية بعمق 150 مترًا، إلا أنه منذ عام 2023 اقتصر الطلب على حفر الآبار البحرية فقط، بسبب عدم توفر المياه وانخفاض منسوبها بشكل ملحوظ.
ذكر العواض الذي يعمل بالحفر منذ ثلاث سنوات أن عمق البئر البحري داخل المدينة، يتراوح ما بين 300 و400 متر، وقد يصل عمق إلى 800 متر، في المناطق المجاورة لمدينة اعزاز.
وأشار أن تكلفة حفر البئر البحرية في مدينة اعزاز تتراوح بين 5000 و6000 دولار أمريكي، بينما تصل في القرى المحيطة إلى 8000 دولار أمريكي.
وأوضح صاحب الحفارة أن أجور حفر الآبار تعتمد على نوعية الأراضي، حيث تتراوح تكلفة حفر الـ100 متر بين 700 و800 دولار أمريكي.
ويقتصر عمل أصحاب الحفارات على الإشراف على عملية الحفر بواسطة حفارة (غارسة)، يتولى تشغيلها أربعة عمال يعملون بنظام المناوبات.
ويمكن أن تستمر عمليات الحفر من 20 يومًا إلى شهر كامل، وفقًا لظروف العمل، إذ إن العمل في المناطق السكنية مسموح به فقط خلال ساعات محددة لتجنب إزعاج السكان، بينما في المناطق خارج المدن يمكن العمل على مدار الساعة.
وبعد الانتهاء من عملية الحفر، يتم تلبيس البئر بأنبوب حديدي (قميص) يصل إلى عمق 200 متر، وذلك من أجل ضمان استقرار جدرانه، وحماية المياه من التلوث، وزيادة فعالية الضخ، وتحمّل الظروف البيئية، كما أنه يسهم أيضًا في زيادة عمر البئر، وفقًا لما ذكره العواض.
بالتواصل مع عدد من المسؤولين في ريفي حلب الشمالي والشرقي، بدا واضحًا غياب قانون يحدد شروطًا أو معايير للترخيص أو حفر الآبار في المنطقة، وتختلف تبعًا لما تحدده المجلس المحلية والبلديات.
تواصلت عنب بلدي، مع مدير مؤسسة شركة المياه، محمود حاجولة، التابعة للمجلس المحلي في مدينة اعزاز، للحصول على إحصائية لعدد الآبار في المدينة وريفها، إلا أنه أكد عدم وجود إحصائية رسمية لديهم.
كما تواصلت عنب بلدي مع بلدية الباب التابعة للمجلس المحلي لمدينة الباب للحصول على توضيحات حول تراخيص حفر الآبار، وشروطها، لكنها لم تحصل على رد حتى لحظة كتابة هذا الملف.
في تصريح لعنب بلدي، قال رئيس بلدية بزاعة بريف حلب الشرقي، عماد بولاد، إن الآبار الزراعية تحتاج إلى ترخيص بشرط أن تكون المسافة 300 متر بين البئر والآخر، بالإضافة إلى دفع رسوم ترخيص 300 ليرة تركية (نحو 9 دولارات أمريكية)، مع خروج موظفين من دائرة قسم المياه لتحديد قطر البئر المسموح للمخطط التنظيمي.
وذكر بولاد أن البئر المنزلي يحتاج إلى ترخيص أيضًا، بشرط أن يكون ضمن عقار الشخص أو منزله، وبقطر 30 سنتيمترًا مع إبراز ملكية العقار، بالإضافة إلى رسوم ترخيص تبلغ 200 ليرة تركية، معتبرًا أنها ليست شروطًا تعجيزية.
وبحسب رئيس بلدية بزاعة، يوجد في مدينة بزاعة وريفها 80 بئرًا قديمًا مرخصًا، أما حاليًا، فيوجد 240 بئرًا مرخصًا ضمن المنازل والأراضي الزراعية.
تكثر حالات اختناق العمال داخل الآبار خلال حفرها في ريف حلب – 4 تشرين الثاني 2024 (عنب بلدي/ وليد الإدلبي)
مختار قرية كلجبرين بريف اعزاز، محمد اليونس، قال لعنب بلدي، إن القرية تضم 78 بئرًا، منها ستة آبار “بحرية”.
وأضاف أن معظم الآبار، بما في ذلك الآبار “البحرية” التي يصل عمقها إلى 350 مترًا فقط، تعاني من انخفاض في منسوب المياه، وتحتاج إلى صيانة وحفر إضافي لزيادة عمقها، وزيادة كمية المياه المستخرجة.
أما عن الآبار السطحية، فقال اليونس إنها شهدت انخفاضًا كبيرًا في منسوب المياه، وغالبًا ما تجف تمامًا في بعض الفترات، وإن سكان القرية يحاولون العمل على صيانة الآبار “البحرية” المتوفرة وحفرها بمسافات أكبر لتعزيز قدرتها على توفير المياه.
وأوضح أن حفر أي بئر في القرية يتطلب الحصول على ترخيص من المجلس المحلي التابع للقرية، مضيفًا أن تكلفة الحفر تختلف حسب نوع البئر وقطره، حيث يتم دفع 15 ليرة تركية للمتر الواحد عند حفر بئر بقطر 90 سنتيمترًا، بينما يتم دفع 10 ليرات تركية للمتر الواحد في حال كان قطر البئر العادي 30 سنتيمترًا.
من جانبه، قال مختار قرية احتيملات بريف اعزاز، رأفت حمام، لعنب بلدي، إن القرية تحتوي على خمسة آبار بحرية، بينما لا توجد إحصائية دقيقة لعدد الآبار السطحية، حيث يمتلك نصف السكان آبارًا.
وأوضح أن الآبار السطحية كانت سابقًا تنتج ما يقارب 10 براميل من المياه يوميًا، لكن في الوقت الحالي انخفض إنتاجها بشكل كبير، إذ لا تعطي سوى برميلين فقط يوميًا، في حين أن بعضها قد جف تمامًا.
وقال إنه لا يوجد أي ترخيص لحفر الآبار في القرية.
مصطفى علوش، رئيس المكتب الزراعي في المجلس المحلي بلدة أخترين، قال لعنب بلدي، إن البلدة تحتوي على 29 بئرًا بحريًا، وما يقارب 500 بئر سطحي، منها 220 بئرًا مرخصًا لدى المجلس.
وأوضح أن حفر الآبار يحتاج إلى ترخيص رسمي من المجلس المحلي، ويتطلب ذلك تقديم ورقة “لا مانع” موقعة من الجوار ومختار القرية للحصول على الموافقة.
وأشار علوش إلى أن تكلفة ترخيص البئر الزراعي تبلغ حاليًا 1000 ليرة تركية، سارية لمدة عام كامل، ويتوجب على المزارعين تجديد الترخيص سنويًا مقابل 200 ليرة تركية فقط.
يخاطر بعض الشبان بأنفسهم من خلال نزولهم إلى داخل الآبار السطحية، لاستكشاف المياه واستكمال العمل اليدوي لتوسعته، بالإضافة إلى عمليات “الدحر” وتنقيب الجدران، والتي تؤدي إلى إصابات جسدية كبيرة وحالات وفاة، لضعف الأوكسجين، وتهريب أدخنة الماكينات والبنزين، وعوامل أخرى.
توفي الشاب أحمد عبد الناصر الحزوري (30 عامًا) من أبناء قرية أبو طلطل المجاورة لمدينة تادف شرقي حلب، خلال عمله داخل بئر سطحي (عربي) في قرية ترحين شمالي مدينة الباب، في 10 من تشرين الأول 2024.
محمد الحزوري ابن عم الشاب المتوفى، قال لعنب بلدي، إن ابن عمه أحمد توفي إثر سقوط حجر على رأسه من حائط البئر بشكل مفاجئ، خلال عمله داخل بئر عربي في دحر المياه.
واعتبر محمد أن “اللقمة مغمسة بالدم”، فهو يعمل بحفر الآبار أيضًا، مضيفًا أنه عندما يخرج من المنزل يودع زوجته وأطفاله الثلاثة، لشعوره بأن يفقد حياته في أي لحظة، مدركًا أن هذه المهنة خطرة، لكنها مصدر دخله الوحيد، ويعمل بها منذ 15 عامًا، منذ كان عمره 13 عامًا.
وذكر محمد أنه وصل لعمق 250 متر متحديًا مخاطرها، ومهمته دحر المياه بمساعدة شخص آخر معه، من جدران البئر مستخدمًا أنابيب خاصة من الحديد، لتجري المياه إلى مكانها الطبيعي (البئر).
ينزل محمد الحزوري تحت الأرض عشرات الأمتار لاستخراج المياه – 4 تشرين الثاني 2024 (عنب بلدي/ وليد الإدلبي)
من أبرز المخاطر التي يواجهها العمال في هذه المهنة هي، ضعف الأكسجين وتسريب رائحة من أدخنة الماكينات التي يستخدمونها في دحر المياه، بالإضافة إلى رائحة البنزين، وظهور أبخرة ناتجة عن المياه الكبريتية، ووقوع أحجار من جوانب البئر، والتي قد تصيب العمال غالبًا لوقوفهم في منتصف البئر، ومخاطر أخرى مثل احتمالية انقطاع الحبل الذي ينزل به إلى البئر عبر الرافعة، وفق محمد.
وأوضح محمد لعنب بلدي، أن تكلفة متر الدحر من نصف دولار إلى دولار واحد، مع اختلاف كل بئر عن الآخر، لسبب إعطاء صاحب البئر ببعض المعدات اللازمة للدحر، وتختلف التكلفة، على حد تعبيره.
يعمل الشاب عبدو الزين برفقة محمد داخل آبار المياه في عملية الدحر، في مهنة يمارسها منذ سبع سنوات، قائلًا لعنب بلدي إنه ينتظر بفارغ الصبر الانتهاء من عمله والعودة إلى عائلته (زوجته وأطفاله الثلاثة)، إلى مسكنه في مدينة تادف المجاورة لمدينة الباب، واصفًا وجوده في قاع البئر بأنه في منطقة فاصلة بين الحياة والموت.
في نيسان 2022، تمكن “الدفاع المدني السوري” من انتشال جثتي الشابين محمد أحمد الحزوري ، وخليل الحزوري، واللذين توفيا خلال عملهما داخل بئر في قرية السفلانية في منطقة الباب، نتيجة غياب الأوكسجين على عمق أكثر 200 متر، نظرًا لوجود أبخرة ناتجة عن مياه كبريتية أدت إلى وفاتهما.
خلال 30 عامًا من 1980 إلى 2010، كان لتوسيع الري باستخدام كل من موارد المياه السطحية والجوفية تأثيرًا إيجابيًا مهم على الإنتاج الزراعي في سوريا، لكنه أدخل أيضًا تحديًا أمام استدامة المياه الجوفية، وفق مقال “تأثير السياسات الزراعية والغذائية على استخدام المياه الجوفية في سوريا” في مجلة “علم المياه“.
وشجعت سياسة الحكومة السورية في مجال الغذاء والتنمية التوسع السريع في استغلال المياه الجوفية في البلاد على مدى الـ30 عامًا (الفترة المذكورة)، إذ استندت هذه السياسة إلى توسيع المناطق المروية، التي يتم تزويدها بالمياه السطحية والمياه الجوفية، ولكن دون مراعاة استدامة موارد المياه الجوفية.
في الأمد البعيد، قد تكون التأثيرات على الاستخدام المستدام للمياه الجوفية، وخاصة في المناطق الأكثر جفافًا سلبية بسبب انخفاض إنتاجية الآبار وانخفاض مستويات المياه الجوفية، وبالتالي من الممكن أن تستمر القدرة الاستيعابية لخزانات المياه الجوفية في الانخفاض إلى الحد الذي لن يكون فيه هناك كميات كافية من المياه لري المناطق التي تخدمها المياه الجوفية حاليًا.
ويشير التوسع في الزراعة القائمة على المياه الجوفية والاستنزاف المصاحب للطبقات المائية الجوفية في المناطق الأكثر جفافًا في سوريا إلى أن الطبقات المائية الجوفية معرضة لاستنزاف سريع، وهذا يدعم الفرضية القائلة بأن استخراج المياه الجوفية في المناطق الجافة يشبه استخراج الموارد المحدودة.
وقد أظهر المقال أن عملية استخراج المياه الجوفية تبدو وكأنها تتبع نمطًا حيث توجد كمية عالية أولية من المياه الجوفية لأغراض الري، تليها انخفاض حاد في غضون فترة زمنية قصيرة، ويمكن أن يؤدي الانخفاض، الناجم عن الإفراط في حفر الآبار والاستخراج المفرط، إلى استنفاد المياه الجوفية.
وفق المقال، يتعين على الحكومة أن تدرس إمكانية الإلغاء التدريجي لدعم الديزل لضخ المياه، مع تعزيز نظام يفرض تدابير لضمان مصادر بديلة للدخل للأسر المتضررة.
ولا بد من النظر في سياسات تكميلية، مثل إدخال تسهيلات الائتمان (حتى يتسنى للمزارعين تبني تقنيات الري المحسنة بسهولة)، ونظام منظم يمنع الإفراط في ضخ المياه، وتقييد تجديد التراخيص التي يتم من خلالها حفر آبار جديدة لتحل محل الآبار الجافة.
في المجمل، لا بد أن تدعم السياسات تقنيات الري الجديدة المرتبطة بأنماط الزراعة التي من شأنها أن تساعد في الحد من استخراج المياه الجوفية واستنزافها بشكل مطلق، وتؤدي إلى استخدام أكثر استدامة اقتصاديًا في الأمد البعيد، وفق المقال.
اقرأ أيضًا: 500 عائلة تعيش أزمة مياه شرب في معرين بريف حلب
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى