“إرث قاتل”.. جهود لإزالة مخلفات الحرب في سوريا

  • 2025/01/22
  • 5:11 م
عنصران من فرق الهندسة في الشمال السوري والبادية يستعدان لبدء عمليات إزالة الألغام في تدمر - 17 كانون الثاني 2025 (عنب بلدي)

عنصران من فرق الهندسة في الشمال السوري والبادية يستعدان لبدء عمليات إزالة الألغام في تدمر - 17 كانون الثاني 2025 (عنب بلدي)

تعد الألغام الأرضية ومخلفات الحرب القابلة للانفجار من أخطر التهديدات التي تواجه السوريين في مرحلة ما بعد سقوط النظام، إذ تعرقل عودة الحياة الطبيعية عند السوريين واستئناف أعمالهم.

وخلال الفترة ما بين 27 من تشرين الثاني 2024 و10 من كانون الثاني الحالي، وثّق “الدفاع المدني السوري” مقتل 35 مدنيًا بينهم 8 أطفال وامرأة، وإصابة 54 مدنيًا بينهم 23 طفلًا بجروح منها بليغة، في انفجار لمخلفات الحرب والألغام في مختلف المناطق السورية.

ووفقًا لتقرير لمنظمة “ذا هالو تراست” العالمية المختصة بإزالة الألغام الأرضية، في 9 من كانون الثاني الحالي، قتل ما يقارب 80 مدنيًا، بينهم 12 طفلًا، بسبب الألغام الأرضية وغيرها من مخلفات الحرب في الشهر الذي تبع سقوط النظام في 8 من كانون الأول 2024.

ويصف “الدفاع المدني” مخلفات الحرب الناجمة عن قصف النظام السابق بالخطر المستمر طويل الأمد الذي يؤثر على حياة المدنيين، إذ تبقى قابلة للانفجار لسنوات، وتؤثر على المناطق السكنية والزراعية وأماكن لعب الأطفال.

“إرث قاتل”

على الرغم من الجهود المبذولة في عمليات إزالة الألغام، فإنها “محدودة جدًا”، ومن المحتمل أن تستمر لفترات طويلة، ولا يزال الخطر المترتب على تركة الحرب هذه قائمًا.

قال قائد فرق الهندسة في الشمال السوري والبادية التابعة لـ”إدارة العمليات العسكرية”، ميسرة الحسن، في حديث إلى عنب بلدي، إن الألغام يقدر عددها بالملايين.

وأضاف أنه في الشمال السوري يوجد أكثر من 200 قرية ملغمة، بالإضافة إلى أكثر من 260 حقل ألغام تم توثيقها بوضع علامات تحذيرية لمنع الاقتراب ورسم خرائط توضح توزع الألغام.

وحددت الفرق ما يقارب 65 حقل في المنطقة بين منغ ومرعناز في ريف حلب، ويوجد في كل حقل ما بين 2500 و3000 لغم، وفق الحسن.

وأشار إلى آلية الوصول إلى أماكن وجود الألغام، قائلًا إنهم يعملون على جمع أكبر عدد من المعلومات عن طريق محاولات للوصول للضباط العاملين سابقًا مع نظام الأسد المخلوع، وسؤالهم عن الأماكن التي تم زراعة الألغام بها، ورسم خرائط  لتحديد المواقع للعمل على تفكيكها وإزالتها.

تقرير منظمة “ذا هالو ترست” نقل عن منسق عمليات المنظمة في سوريا، مؤيد النوفلي، أن هذا “الإرث القاتل” سيظل يقتل ويشوه الأجيال القادمة إذا لم تُبذل جهود جادة للتعامل معه.

ووثقت “ذا هالو ترست” أماكن وقوع حوادث نتيجة انفجار ألغام أرضية في العديد من المناطق السورية، على شكل خرائط، لتحديد أماكن توزع هذه المخلفات.

وبين 27 من تشرين الثاني 2024 و3 من كانون الثاني الحالي، حددت فرق الدفاع المدني 117 حقل ألغام ونقطة يوجد فيها ألغام في محافظات حلب وإدلب وحماة واللاذقية ودير الزور.

كما وثقت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” أماكن انفجارات الألغام والذخائر العنقودية، وأعدت خرائط تقريبية للمناطق الملوثة بالألغام في سوريا، وأضافت أن هذه الخرائط تساعد في تحديد مناطق الخطر وتسهيل جهود إزالة الألغام، بالإضافة إلى زيادة التوعية بين السكان والسلطات لحماية الأرواح.

خريطة تظهر أماكن الحوادث الناجمة عن انفجارات الألغام الأرضية بين 8 كانون الأول 2024 و7 كانون الثاني الحالي (منظمة “ذا هالو ترست”)

شح بالكوادر والمعدات

تواجه فرق إزالة الألغام في سوريا تحديات في عمليات الكشف والإزالة، بسبب شح الكوادر والمعدات اللازمة لتنفيذ مهامها بأمان وكفاءة.

وبحسب ما قاله قائد فرق الهندسة في الشمال السوري والبادية، ميسرة الحسن، تعتمد الفرق حاليًا على معدات بدائية وبسيطة تشمل دروعًا واقية وخوذًا عادية، بالإضافة إلى أجهزة كشف المعادن البسيطة.

وأوضح أن “عمليات تفكيك الألغام تتطلب معدات متطورة مثل مصفحات، ودروع خاصة، وأجهزة حديثة للكشف عن الألغام، إلى جانب دعم دولي كبير لتوفير هذه الاحتياجات”.

وأضاف أن حوالي 30 فريقًا هندسيًا يعملون في مناطق شمال غربي سوريا، وتحديدًا في منغ وتل رفعت والمالكية ومرعناز والقرى الممتدة حتى الباب في ريف حلب الشمالي.

وأكد الحسن أن الجهود تبذل ضمن الإمكانيات المتاحة حاليًا، مع محاولات للتواصل مع القيادة العامة في دمشق لوضع خطة عمل شاملة لتزويد الفرق بالمعدات والآليات الضرورية.

كما تسعى الفرق للتنسيق مع المنظمات الدولية المتخصصة في إزالة الألغام للحصول على الدعم اللازم.

وأشار الحسن إلى أن هناك حاجة ماسة لتوفير آلات متطورة مثل كاسحات وكاشفات الألغام، التي لا تتوفر حاليًا.

وتعمل الفرق دون تأمين صحي أو دعم طبي كافٍ، ما يزيد من خطورة هذه المهام، وفق الحسن.

وأضاف أن “التنسيق الأكبر والتعاون مع فرق مختصة سيكونان عاملين حاسمين لضمان إزالة الألغام بشكل كامل من جميع المناطق السورية”.

وفي بعض المناطق السورية، مثل دير الزور والرقة وحمص، يقوم المدنيون بازالة الألغام بطرق يدوية دون أي احتياطات، وتظهر مشاهد، شاركها ناشطون، مدنيَين من رعاة الأغنام يزيلان الألغام بكل عفوية ودون أي خبرة سابقة، في منطقة قرب تدمر شرقي محافظة حمص.

وقال منسق عمليات منظمة “ذا هالو ترست” في سوريا، مؤيد النوفلي، إن المنظمة تقدر تكلفة عملية إزالة الألغام والتخلص من الذخائر المتفجرة بما يقارب 40 مليون دولار أمريكي سنويًا، وأضاف أن هذه العمليات من شأنها أن تنقذ آلاف الأرواح.

أنواع الألغام المنتشرة

تتعدد أنواع ومصادر الألغام بحسب المناطق والمراحل المختلفة من الحرب.

وأوضح الحسن أن أبرز أنواع الألغام التي تم اكتشافها خلال عمليات الإزالة تشمل ألغامًا مضادة للأفراد وأخرى مضادة للدروع.

وأشار إلى أن معظمها إيرانية وروسية الصنع، بالإضافة إلى ذخائر محلية الصنع مثل العبوات الناسفة التي زرعت من قبل قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في أثناء انسحابها من القرى الشمالية.

ألغام فردية زرعتها قسد قبل مغادرة مرعناز – 17 كانون الثاني 2025 (عنب بلدي)

وأضاف أن الألغام لا تقتصر على تهديد الأرواح بل تعوق أيضًا عودة السكان إلى مناطقهم وتمنعهم من استئناف حياتهم الطبيعية، لا سيما في المناطق الزراعية التي تعتمد عليها الكثير من الأسر في معيشتها.

وبالنسبة للمناطق التي يتم التركيز عليها، قال الحسن، إن الأولوية للطرق العامة ومداخل القرى والمراعي في البادية، والمخازن والمستودعات للتخلص منها بسرعة، ثم الحقول والأراضي الزراعية بمحيط القرى.

ألغام محلية الصنع زرعتها قسد قبل مغادرة مرعناز – 17 كانون الثاني 2025 (عنب بلدي)

خطط شاملة

قال ميسرة الحسن، قائد فرق الهندسة في الشمال السوري والبادية، في ما يخص خطة إزالة الألغام، إنهم بانتظار قرارات “إدارة العمليات العسكرية” للعمل على ملف الألغام، مضيفًا أنهم يعملون حاليًا ضمن الإمكانيات المتاحة.

وأشار إلى أن من الممكن أن يحتاج الأمر إلى سنة أو سنتين، للتخلص والتطهير الكامل، من أجل تأمين عودة الأهالي إلى مناطقهم.

وأعرب عن أمله في التواصل مع فرق دولية ومنظمات مختصة، لتزويدهم بالأدوات والكوادر المطلوبة في المستقبل.

وتعمل المنظمات رغم قلتها على الجانب التوعوي أكثر، بحسب الحسن.

وبحسب اللجنة الدولية للصليب الأحمر، قد تستغرق إزالة مخلفات الحرب القابلة للانفجار سنوات عديدة.

وحتى تحقيق ذلك، يجب اتخاذ تدابير أخرى للحد من خطر هذه المخلفات على المدنيين وتقليل احتمالات وقوع قتلى أو جرحى.

ومن الممكن أن تسهم الاحتياطات الممكنة، مثل وضع علامات تحدد أماكن وجود المتفجرات في المناطق الملوثة، وتسييج تلك المناطق ومراقبتها، إضافة إلى إطلاق التحذيرات وتوعية السكان بالمخاطر، في مساعدة الناس على العيش بأمان رغم وجود تلك المخلفات.

حملات توعية

أفاد الدفاع المدني أن فرقه قدمت 177 جلسة تدريب عملي للسكان قبل عودتهم إلى المناطق التي نزحوا منها، بالإضافة إلى حملات التوعية المستمرة التي يشاركها الدفاع على منصات التواصل الاجتماعي من أجل زيادة الوعي تجاه أجسام مخلفات الحرب الخطرة.

ويدعو الدفاع في حملته التوعوية إلى اتباع القاعدة الذهبية للحماية “لا تقترب، لا تلمس، بلّغ فورًا”، مؤكدًا على ضرورة تجنب أي جسم غريب قد يكون لغمًا للحماية من هذا الخطر.

بدورها، قامت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” بالمشاركة بحملات التوعية من خلال إرشادات تشمل تجنب المناطق الملوثة بالألغام، وعدم لمس الأجسام المشبوهة، والإبلاغ عنها.

كما خصصت “ذا هالو ترست” خطًا للإبلاغ عن وجود ألغام أو مخلفات حرب، للمساعدة في تفكيكها وإزالتها.

وتقول “ذا هالو تراست”، إن هناك حاجة “ماسة” إلى جهود دولية لإزالة ملايين الذخائر العنقودية والألغام الأرضية والذخائر غير المنفجرة لحماية أرواح مئات الآلاف من السوريين العائدين وتمهيد الطريق للسلام المستدام.

مقالات متعلقة

  1. مخلفات الحرب في سوريا.. تهديد يعوق عودة النازحين
  2. مقتل ثلاثة أطفال وإصابة آخرين في تل تمر بالحسكة
  3. أمريكا تقدم ستة ملايين دولار لإزالة الألغام شرقي سوريا
  4. فعاليات للتوعية من خطر الألغام في درعا

سوريا

المزيد من سوريا