ما خطر اختفاء ضباط النظام السابق في سوريا

الثاني من اليمين، وزير الدفاع في حكومة النظام العماد علي محمود عباس خلال زيارته إحدى قطعات جيش النظام في المنطقة الجنوبية - 16 حزيران 2024 (وزارة الدفاع/فيس بوك)

camera iconوزير الدفاع في حكومة النظام السابق العماد علي محمود عباس (الثاني من اليمين) خلال زيارته إحدى قطعات جيش النظام في المنطقة الجنوبية - 16 حزيران 2024 (وزارة الدفاع/فيس بوك)

tag icon ع ع ع

انهار جيش النظام السابق أمام تقدم “إدارة العمليات العسكرية”، واختفى آلاف ضباط الجيش من أصحاب المراكز القيادية العليا والمتوسطة، إلى جانب قادة آخرين لفروع النظام الأمنية وقادة في الميليشيات المحلية.

بعد مرور أكثر من شهر على سقوط النظام، في 8 من كانون الأول 2024، لم يظهر أثر لهؤلاء الضباط، باستثناء أنباء عن اعتقال بعضهم، منهم اللواء محمد كنجو حسن المسؤول سابقًا عن المحاكم الميدانية في سجن “صيدنايا”، وإصدار أحكام الإعدام بحق المعتقلين، لكن دون تأكيد رسمي.

ولم يطل الاعتقال القادة الكبار في الجيش والقيادة الأمنية وحتى القادة في الميليشيات المحلية المسؤولة عن ارتكاب انتهاكات.

واستطاعت “إدارة الأمن العام” وإدارة العمليات العسكرية” قتل أو اعتقال قادة في ميليشيات رديفة لجيش النظام، أبرزهم شجاع العلي وبسام حسام الدين.

أين اختفى ضباط الأسد

الخبير العسكري العقيد أديب عليوي قال إن رموز النظام الأمنية والعسكرية الرئيسة أصبحوا خارج سوريا، وقادة النظام اختفوا بعدة اتجاهات، فالقريبون منهم إلى المنطقة الشرقية انسحبوا باتجاه الأراضي العراقية، وقسم منهم في مناطق سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) وآخرون توجهوا إلى لبنان.

والقسم الأقل من الضباط توارى عن الأنظار في عدة أماكن داخل سوريا، خاصة في الساحل وحمص ودمشق كأحياء المزة 86 وقدسيا.

وأوضح العقيد أديب عليوي لعنب بلدي أن وجهات الضباط المتعددة كانت بسبب التقهقر في جيش النظام (فجيش النظام السابق تقهقر ولم ينسحب)، وهذا يؤدي إلى هذه الحال من الفلتان ومن عدم الانضباط، وكل يذهب إلى الحاضنة لتحميه كما يعتقد الرموز الأساسيون.

وكانت قاعدة “حميميم” الجوية الروسية بريف اللاذقية منطلقًا لفرار عدد من كبار رجال النظام الأمنيين والعسكريين، وعلى رأسهم بشار الأسد الذي فر إلى روسيا.

حساب “Clash Report” المتخصص برصد التحركات العسكرية، قال إن ما لا يقل عن 2500 جندي من قوات نظام الأسد انضموا إلى صفوف “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) صاحبة السيطرة شرق الفرات.

ضباط مخابرات وجيش النظام السابق أنشؤوا مكتبًا في الحسكة لتنظيم الهجمات، وفق ما ذكره الحساب عبر “إكس”

وخلال اليومين السابقين لسقوط النظام، فر أكثر من 2400 جندي وضابط من جيش النظام السابق إلى العراق، عبر معبر “القائم” في قضاء القائم في محافظة الأنبار.

القسم الأكبر من الجنود (أكثر من ألفين) عادوا إلى سوريا بعد عشرة أيام، في 19 من كانون الأول 2024، واستلمتهم “إدارة العمليات العسكرية” ونقلوا إلى مراكز احتجاز.

ولا يزال نحو 90 ضابطًا برتب متفاوتة من جيش النظام السابق في بغداد ويقيمون في مجمع خاص تحت إشراف الأمن العراقي، ويرفضون العودة لأسباب تتعلق بأمنهم الشخصي، بحسب ما نقلته صحيفة “العربي الجديد” عن مسؤولين عراقيين.

ويأمل بعض الضباط الحصول على ضمانات من حكومة دمشق المؤقتة قبل العودة بعدم التعرض لهم، بينما يبحث قسم آخر عن دولة ثالثة، وهناك من طلب لم شمله مع أسرته الموجودة حاليَا في سوريا.

وزير الداخلية اللبناني، بسام مولوي، قال، في 16 من كانون الأول 2024، إن السلطات اللبنانية تلاحق أي مسؤول سوري يدخل لبنان بطريقة غير شرعية، وتجري عمليات تفتيش وتحقق على المعابر الحدودية، وتنفيذ مداهمات أمنية في عدة مناطق للتأكد من صحة المعلومات حول دخول ضباط أو مسؤولين سوريين.

وفي 27 من كانون الأول، سلم لبنان حكومة دمشق المؤقتة 70 جنديًا وضابطًا بعد دخولهم أراضيه بطريقة غير قانونية عبر طرق التهريب.

وبحسب “رويترز”، سافر رفعت الأسد عم بشار الأسد المسؤول عن مجزرة حماة عام 1982 وجرائم أخرى، من مطار بيروت إلى دبي، كما فعل العديد من أفراد عائلة الأسد.

وغادرت المستشارة الإعلامية لبشار الأسد، بثينة شعبان، بيروت بعد دخولها لبنان بشكل قانوني، وفق وزير الداخلية اللبناني.

هل يشكلون خطرًا

قلل الباحث في مركز “حرمون للدراسات المعاصرة” نوار شعبان، من قدرة ضباط النظام السابق وقياداته الأمنية على تنظيم أنفسهم في الفترة الحالية وتشكيل خطر كبير، و”ذلك ليس بسبب عجزهم عن ذلك، لكن عجز الأدوات التنظيمية”.

فضباط النظام ليست لديهم القدرة حاليًا على تنظيم أنفسهم، فقد كان هناك أدوات تنظمهم، وبغيابها سيبقى فكرهم “تشبيحيًا ومقتصرًا على جغرافيات محلية وعمل العصابات”، وليست لديهم القدرة على التطور ليصبحوا “جيشًا أو كتلة عسكرية واحدة أو يمكن وصفهم كتلة ارهابية واحدة”.

وذكر شعبان لعنب بلدي، أن الرتب العالية في جيش النظام السابق اختفت وهو ما أثر على سلسلة الأوامر الإدارية، موضحًا أن سلسلة الأوامر الإدارية لدى ضباط النظام “محددة جدًا وهي دائرة جدًا مصغرة وهذه الدائرة لم يعد لها أثر”.

وهنا توجد نقطة أساسية، وفق شعبان، فهذه الشخصيات رغم أنه يمكن أن تكون لديها أدوار بالتحقيق وتنفيذ أوامر قيادية، لكن ليست لديها القدرة على تنظيم نفسها.

وجل ما تستطيع أن تفعله هو إما الاختباء أو تشكيل خلايا محدودة بجغرافيات محدودة، و”هذا ما رأيناه في بعض الأسماء التي تكتلت بمناطقها”.

وأشار شعبان إلى مثال شجاع العلي، فبدل خروجه إلى منطقة ما بالساحل وتحصنه بها إلى جانب قيادات أخرى، فضّل التحصن بمنطقته (ريف حمص)، لأنه لم تعد لديه سلسلة تواصل مع شخصيات قيادية أو “تشبيحية” أخرى، وكانت لديه سلسلة واحدة قُطعت، لذا وجد أنه ليس لديه القدرة على حماية نفسه إلا في منطقته، وبالتالي سهل القبض عليه.

العقيد أديب عليوي قال إن قسمًا من الضباط يحاولون الاقتناع في الواقع الجديد وإجراء عملية “تسوية”، لكن من المؤكد أن ضباط النظام سيحاولون تنظيم صفوفهم في الأيام المقبلة، لأنه لا يمكنهم تقبل “الانقلاب الجذري بعدما كانوا يعتقدون بأنفسهم أنهم كانوا يحكمون سوريا بطريقة أو بأخرى أو هم جزء من حكومة البلد، وهم من يطاردون الناس (مدنيين كانوا أو ثوارًا أو غيرهم)، وهؤلاء الضباط أصبحوا الآن مطاردين”.

والقسم الأخطر من الضباط، وفق العقيد أديب عليوي، هم “من تلطخت أيديهم بالدماء، فهم لن يستكينوا أبدًا، وهم النواة الأساسية التي ستحاول أن تنظم البقية”، لأن هؤلاء يعلمون بأنهم سيخضعون لمحاكمات ومحاسبة حقيقية.

وبالتالي، “لا يمكن إلا أن يقوموا بهذا الدور القذر بمحاولة تنظيم صفوفهم ومحاولة خلق نوع من الفتن والفوضى على الأرض السورية”، وفق عليوي.

عناصر من إدارة الأمن العام في دمشق - 19 من كانون الثاني 2025 (سانا)

عناصر من إدارة الأمن العام في دمشق – 19 كانون الثاني 2025 (سانا)

حملات أمنية

أطلقت “إدارة العمليات العسكرية” و”إدارة الأمن العام” حملات لملاحقة فلول النظام السابق في عدة مناطق على رأسها الساحل وحمص ودمشق وريفها.

وسبق الحملات افتتاح مراكز “تسوية” لعناصر وضباط النظام في مختلف المحافظات، لتبدأ بعدها عمليات ملاحقة من لم يجرِ تسوية ويسلم سلاحه.

ومن بين الشخصيات البارزة التي أجرت “تسوية” طلال مخلوف، قائد “الحرس الجمهوري” في جيش رئيس النظام المخلوع، بشار الأسد، وهو من الضباط الكبار المتهمين بارتكاب جرائم وانتهاكات بحق السوريين منذ آذار 2011.

وتعرضت الأرتال العسكرية والأمنية لكمائن نفذها عناصر النظام السابق، أدت إلى مقتل عدد من العناصر وإصابة آخرين.

ونوه الباحث نوار شعبان إلى أن الضباط بالداخل السوري المتوارين عن الأنظار، جزء منهم لديه قدرة على تشكيل عصابات مجموعها بين 100 إلى 300 شخص، يمكن لهذه العصابات التحرك والتنسيق فيما بينها، وقد تكون أدواتهم محصورة بتنفيذ هجمات في نفس الوقت في أكثر من بقعة جغرافية.

أما الاجتماع في مقر واحد وتنظيم عملهم بشكل يكونون فيه جسمًا واحدًا فهو خارج قدرتهم، لافتقارهم إلى الخبرة التنظيمية، وعدم وجود سلسلة القيادة الهرمية.

ومن الممكن أن تتحرك بعض الأسماء إذا شعرت باقتراب الخطر منها، لكن مع اتساع رقعة العمليات الأمنية ضد فلول النظام واستخدام القوة “الواضحة” ضدهم، “أظن أن عملهم سيخفت قليلًا وقد يلجؤون إلى أدوات أخرى بالخفاء وتنفيذ هجمات بالعمق كتفجير مفخخات”، وفق تعبير شعبان.

ويرى العقيد أديب عليوي أن الحملات الأمنية الحالية غير كافية لكبح خطرالضباط وقادة الميليشيات، وتحتاج إلى حملات ودقة أكبر، والأمر ليس بالسهل حاليًا فهو يحتاج لعدد عناصر أكبر، لكن على المدى الطويل يمكن أن تؤدي إلى نتائج إيجابية جيدة.

وأشار العقيد أديب عليوي إلى عدة نقاط يمكن أن تخفف من أثر الضباط وقادة الميليشيات المتوارين عن الأنظار هي:

  • وجود محاولات حثيثة للتفاهم مع الوجهاء والمدنيين في مناطق الحاضنة الشعبية للضباط، بضرورة تسليمهم وإعطاء معلومات عنهم.
  • الدقة في التمشيط من قبل “إدارة العمليات العسكرية” ونصب حواجز على مداخل ومخارج المدن خاصة في مناطق الحاضنة الشعبية.
  • رصد الطرق الجبلية التي يمكن أن يستخدموها كمأوى ومنطلق لعملياتهم، وإطلاق حملات أمنية متتالية على مناطق الجبال.
  • زرع خلايا أمنية للعمل في هذه المناطق من نفس نسيجها الاجتماعي خاصة في المناطق الجبلية بحيث يكون هناك معلومات حاضرة ودائمة لدى “إدارة الأمن العام” لمتابعتهم بشكل دقيق.

جرى اشتباك وحيد تم رصده خلال محاولة “إدارة العمليات العسكرية” القبض على أحد الضباط الكبار في جيش النظام، وهو اللواء محمد كنجو حسن، إذ قتل 14 عنصرًا من وزارة الداخلية وأصيب 10 آخرون، إثر تعرضهم لكمين من قبل فلول النظام السابق في قرية خربة معيزة بريف طرطوس، في 26 من كانون الأول 2024.

أرسلت “إدارة العمليات” تعزيزات إلى المنطقة واعتقلت عدة عناصر من فلول النظام، وتواردت أنباء عن اعتقال اللواء.

وفي 14 من كانون الثاني الحالي، أسرت مجموعة مسلحة تابعة لفلول النظام السابق سبعة عناصر من “إدارة الأمن العام” خلال تنفيذ حملة أمنية في جبلة.

استنفرت الإدارة القوات الأمنية والعسكرية واستخدمت سلاح الطيران المسير والمروحي في ملاحقة الفلول، واستطاعت تحرير عناصرها وقتل قائد مجموعة فلول النظام وهو بسام حسام الدين قائد ميليشيا “أسود الجبل”.

العملية الثانية التي أفضت إلى مقتل أحد قادة ميليشيات النظام السابق كانت في 26 من كانون الأول 2024، وقتل خلالها شجاع العلي الملقب بـ”جزار الحولة”، والمعروف بعمليات خطف المدنيين على الحدود السورية اللبنانية وتعذيبهم والحصول على فدية مقابل الإفراج عنهم.

طلال مخلوف خلال إجرائه تسوية في دمشق - 22 كانون الأول 2024 (لقطة شاشة مقطع مصور)

طلال مخلوف خلال إجرائه تسوية في دمشق – 22 كانون الأول 2024 (لقطة شاشة مقطع مصور)

سيطرة على الجيش

في ورقة بحثية نشرها مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” نشرها عام 2020 حملت عنوان “مراكز القوة في جيش النظام 2020: نهج الصفاء العلوي”، توصلت إلى أن الضباط من الطائفة العلوية (طائفة المخلوع بشار الأسد) هم من يشغل أهم 40 مركزًا في الجيش.

وتوصل المركز إلى هذه النتيجة بعد استقصاء التوزع الطائفي والمناطقي لأهم 40 مركزًا، من القائد العام ووزير الدفاع مرورًا بقادة الفيالق العسكرية وقادة الفرق وأجهزة الاستخبارات التابعة لوزارة الدفاع.

يسيطر ضباط اللاذقية على 58% من المناصب القيادية، بينما يسيطر ضباط طرطوس على 17%، وضباط حمص على 15%، في حين يسيطر ضباط حماه على 10%، ويعتبر الثقل المركزي في الجيش للضباط المنحدرين من اللاذقية بشكل أساسي، ومن جبلة والقرداحة بشكل خاص، بحسب الدراسة.

حدثت بعض التغييرات على هذا التوزع لكنه حافظ نوعًا ما على هذه الهيكلية.

وتتبع لهذه القيادات مجموعات كبيرة من الضباط في القطع العسكرية سواء من الطائفة العلوية أو غيرها، إلى جانب ضباط أمن هذه القطع، وجميعها نفذ عمليات قصف للمدن والبلدات السورية، ما أدى إلى مجازر بحق المدنيين.

نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة