نقلت وكالة “رويترز” عن نحو عشرة مصادر، منهم خمسة شاركوا بشكل مباشر في شبكة مناقشات مكثفة في الأسابيع الأخيرة، إن المفاوضين الدبلوماسيين والعسكريين من الولايات المتحدة، وتركيا، والإدارة السورية الجديدة، و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) التي يقودها الأكراد، يبدون قدرًا أكبر من المرونة والصبر مما تشير إليه تصريحاتهم العامة.
ويتجه المفاوضون وفق ما ذكرته وكالة “رويترز” عن المصادر (لم تسمّها)، الأحد 19 من كانون الثاني، نحو التوصل لاتفاق محتمل لحل واحدة من أكثر القضايا الشائكة التي تلوح في الأفق بشأن مستقبل سوريا، وهو مصير “قسد” التي تعتبر حليفًا لواشنطن، وعدوًا لتركيا.
ونقلت الوكالة عن ستة من المصادر أن المفاوضات قد تمهد الطريق لاتفاق في الأشهر المقبلة من شأنه أن يدفع ببعض المقاتلين الكرد لمغادرة شمال شرقي سوريا، ويضع آخرين تحت سلطة وزارة الدفاع الجديدة.
وأضافوا أن هناك العديد من القضايا الشائكة التي تحتاج إلى حل، وتشمل هذه القضايا كيفية دمج مقاتلي تحالف “قسد” المسلحين والمدربين جيدًا، في الإطار الأمني السوري وإدارة الأراضي الخاضعة لسيطرتهم، والتي تشمل حقول النفط والقمح الرئيسة.
وسبق أن قال قائد “قسد”، مظلوم عبدي، لقناة “الشرق” السعودية، إن المطلب الأساسي للتحالف هو الإدارة اللامركزية، وهو تحدٍّ محتمل للقيادة السورية الجديدة، التي تريد إعادة كل أنحاء البلاد إلى سلطة الحكومة بعد الإطاحة ببشار الأسد.
وأضاف عبدي أن “قسد” لا تنوي حل نفسها، وهي منفتحة على الارتباط بوزارة الدفاع والعمل وفق قواعدها، ولكن كـ”كتلة عسكرية”.
من جانبه، رفض وزير الدفاع السوري الجديد، مرهف أبو قصرة، هذا النهج، إذ قال لـ”رويترز”، الأحد، إن الاقتراح بأن تبقى “قسد” كتلة واحدة “ليس صحيحًا”.
“رويترز” نقلت عن دبلوماسي أمريكي وصفته بـ”الكبير” (لم تسمّه) قوله، إن مسؤولين أمريكيين وأتراكًا يعقدون مناقشات “مكثفة للغاية” منذ أن شن مسلحون بقيادة “هيئة تحرير الشام”، هجومًا خاطفًا من معقلهم في شمال غربي سوريا.
وقال الدبلوماسي، إن البلدين يشتركان في “وجهة نظر مشتركة حول أين ينبغي أن تنتهي الأمور”، بما في ذلك الاعتقاد بأن جميع المقاتلين الأجانب يجب أن يخرجوا من الأراضي السورية، مشيرًا إلى أن المفاوضين الأتراك “لديهم شعور عالٍ للغاية بالإلحاح لتسوية الأمور”.
ويخشى المسؤولون من جميع الأطراف من أن يؤدي الفشل في التوصل لوقف لإطلاق النار واتفاق سياسي طويل الأجل في الشمال الشرقي إلى زعزعة استقرار سوريا في سعيها للتعافي من حرب استمرت 13 عامًا وأسفرت عن مقتل مئات الآلاف ونزوح الملايين، وتدخلت فيها دول كبيرة بما في ذلك روسيا وإيران وإسرائيل.
تسوية تقتضي تنازلات
نقلت “رويترز” أيضًا عن مسؤولين ودبلوماسيين سوريين لم تشر لأسمائهم، أن “قسد” ستحتاج على الأرجح للتخلي عن السيطرة على مناطق كبيرة وعائدات النفط التي اكتسبتها خلال الحرب، كجزء من أي تسوية سياسية.
وفي المقابل، يمكن منح “قسد” حماية لغتها وثقافتها داخل هيكل سياسي لامركزي، وفق الوكالة.
وأضافت نقلًا عن مصدر كردي- سوري قالت إنه “رفيع المستوى”، أن بعض هذه التنازلات قد تكون ضرورية على الأرجح، لكنه لم يقدم تفاصيل.
وقال عبدي لـ”الشرق الأوسط”، إن “قسد” منفتحة على تسليم مسؤولية موارد النفط للإدارة الجديدة، بشرط توزيع الثروة بشكل عادل على جميع المحافظات.
الدبلوماسي الأمريكي الذي تحدث لـ”رويترز” ذكر أن الإطاحة بالأسد تفتح الباب أمام واشنطن لدراسة سحب قواتها من سوريا في نهاية المطاف، على الرغم من أن الكثير يعتمد على ما إذا كانت القوات الموثوقة مثل حلفائها في “قسد” ستظل منخرطة في الجهود الرامية إلى مواجهة أي عودة لتنظيم “الدولة الإسلامية”.
وتعيد عودة ترامب إلى البيت الأبيض اليوم، الاثنين، الآمال في تركيا بشأن التوصل إلى اتفاق ملائم، نظرًا إلى علاقته مع أردوغان خلال ولايته الأولى.
وتحدث ترامب بإيجابية عن دور أردوغان في سوريا، ووصفه بأنه “رجل ذكي للغاية”، وقال إن تركيا “ستحمل المفتاح” لما يحدث هناك.
محادثات معقدة
تخوض السلطات الجديدة في سوريا غمار محادثات للوصول إلى تفاهمات تهدف لفك عقد الفصائلية على الصعيد المحلي، والعقوبات على الصعيدين الاقتصادي والسياسي، في حين تبقى عقدة شمال شرقي سوريا عصيّة أمام ما هو مطروح حتى اليوم، مع تحركات طفيفة يشهدها الملف بين الحين والآخر، بعد سقوط النظام السوري.
وبين رسائل متضاربة ترسلها الولايات المتحدة حول موقفها من الأمر، تنتظر الأطراف إدارة الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب، للبناء على هذا الموقف، في حين تسعى تركيا جاهدة لإنهاء وجود “قسد” المتحالفة مع حزب “العمال الكردستاني” في المنطقة، وتشن عمليات عسكرية مستمرة في المنطقة لهذا الهدف.
وعلى الجانب الآخر من المشهد، تتفاوض الإدارة السورية الجديدة للوصول إلى صيغة دبلوماسية، تفضي لإقناع “قسد” بحل نفسها والانضمام لوزارة الدفاع المنشَأة حديثًا، أسوة ببقية الفصائل السورية المحلية، لكن لم يُلحظ أي تقدم بالملف في ظل ضغوط تمارس على “قسد” نفسها، تجعل من موقفها متذبذبًا، ما يزيد من تعقيدات المشهد.
اقرأ أيضًا: عقدة شمال شرقي سوريا بانتظار الحل