tag icon ع ع ع

حسن إبراهيم | علي درويش

أعاد تغيير المشهد السوري سياسيًا واقتصاديًا ملف العقوبات المفروضة على سوريا إلى طاولة النقاش، بعد سقوط نظام حكم بشار الأسد، وزوال مبررات وجود العقوبات واسعة النطاق، عدا تلك التي تشمل الأفراد والكيانات مرتكبة الانتهاكات والجرائم بحق الشعب السوري، أو المرتبطة بمكافحة “الإرهاب”.

ومع تشكيل حكومة مؤقتة في دمشق، تكررت مطالب رفع العقوبات عن سوريا، أبرزها محليًا على لسان قائد الإدارة السورية الجديدة، أحمد الشرع، الذي قال إن “الجلاد ذهب، والضحية موجودة في سوريا”، مطالبًا برفع العقوبات.

قوبلت المطالب والدعوات بإعفاءات أمريكية عن قطاعات مرتبطة بتلبية الاحتياجات الإنسانية، لمدة ستة أشهر قابلة للتمديد، وبتحركات أوروبية واعتزام على رفع “القيود” والبحث في تخفيف العقوبات خلال اجتماع “بروكسل”، في 27 من كانون الثاني الحالي.

في هذا الملف، تسلط عنب بلدي الضوء على العقوبات المفروضة على سوريا والدعوات لإزالتها، وتسأل كلًا من حكومة دمشق المؤقتة عن إجراءاتها، والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية عن الدور والموقف منها، وتناقش مع خبراء وباحثين إمكانية أن تتحول العقوبات إلى ورقة ضغط وابتزاز، وأثرها في عرقلة التعافي والاستقرار الاقتصادي والسياسي في سوريا.

حكومة دمشق تنتظر.. حراك أوروبي وإعفاءات أمريكية

منذ اندلاع الثورة السورية 2011، شكلت العقوبات أداة ضغط على النظام السوري السابق، بحراك ودفع من معارضين للنظام وجهود فردية وجماعية لمنظمات حقوقية وإنسانية، أدت إلى فرض عقوبات وتدابير استهدفت قطاعات رئيسة من الاقتصاد السوري، لتعطيل أنشطة النظام وخفض إيراداته، وتقييد قدرة الأسد على تمويل القمع، وإرغامه على حل سياسي يتماشى مع القرارات الدولية، خاصة قرار مجلس الأمن “2254”.

كما فرضت عقوبات على الأفراد والكيانات والنخب التابعة للنظام والتي سهّلت عمله، وعلى أفراد وجماعات أخرى منها “هيئة تحرير الشام”، وأعضاء منها، وزعيمها الذي يقود الإدارة السورية الجديدة، أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني).

رغم وضوح أهدافها وإيجابياتها، كانت العقوبات واسعة النطاق مثار جدل في سوريا، لأن تداعياتها طالت الشعب السوري وأفقرته وفاقمت معاناته، ورسخت سلطة الأسد من خلال تعزيز اقتصاد الحرب، وتمكين الشبكات الموالية له.

ودعت إلى  رفع العقوبات على سوريا والسعي لإزالتها أكثر من 20 دولة عربية وأجنبية، منها دول مجلس التعاون الخليجي، وتركيا ومصر وفرنسا وإيطاليا وألمانيا والأردن وإسبانيا وبريطانيا وأيرلندا الشمالية ولبنان، وممثلون عن الاتحاد الأوروبي، وجامعة الدول العربية، ومبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا، إلى جانب مطالب من   منظمات حقوقية وإنسانية.

قائد الإدارة السورية الجديدة، أحمد الشرع، ومفوضة المساواة والاستعداد وإدارة الأزمات في الاتحاد الأوروبي، حاجة لحبيب في العاصمة دمشق - 17 كانون الثاني 2025 (القيادة العامة)

قائد الإدارة السورية الجديدة، أحمد الشرع، ومفوضة المساواة والاستعداد وإدارة الأزمات في الاتحاد الأوروبي، حاجة لحبيب في العاصمة دمشق – 17 كانون الثاني 2025 (القيادة العامة)

واشنطن تراقب وتضع شروطها

كان للعقوبات الأمريكية دور في تقويض قدرة النظام السوري السابق، حيث طالت رأس النظام بشار الأسد وأفرادًا من عائلته نزولًا باتجاه الشخصيات الحكومية والاقتصادية والعسكرية الداعمة له، وكان أبرز هذه العقوبات والتي انعكست سلبًا على حياة السوريين تلك المفروضة على قطاعات خدمية واقتصادية، وأبرزها قانون العقوبات الأمريكي “قيصر”، الذي جرى تمديده نهاية 2024، إلى خمس سنوات إضافية.

وبعد توقعات وحديث عن رفع العقوبات الأمريكية على سوريا، أصدرت وزارة الخزانة الأمريكية، في 6 من كانون الثاني الحالي، الترخيص رقم “24” الذي يشمل إعفاءات تهدف لتسهيل إدخال المساعدات الإنسانية إلى سوريا، وضمان عدم إعاقة العقوبات للخدمات الأساسية، بما في ذلك توفير الكهرباء والطاقة والمياه والصرف الصحي، لمدة ستة أشهر، مع مراقبة ما يحصل على الأراضي السورية.

وفي 15 من كانون الثاني، اتخذت الولايات المتحدة إجراءات إضافية لتخفيف العقوبات، فيما يتعلق بالأمر التنفيذي “رقم 13894” الصادر في 14 من تشرين الأول 2019، حول “حظر الممتلكات وتعليق دخول بعض الأشخاص الذين يساهمون بالوضع في سوريا”.

وشملت التعديلات إلغاء إشارات التدخل العسكري التركي في شمال شرقي سوريا، وتحديث البنود المتعلقة بتجميد الممتلكات والداعمين للأفراد المشمولين بالعقوبات، ويهدف القرار إلى التعامل مع التطورات الأخيرة في الوضع السوري مع الالتزام بالقوانين المعمول بها.

 يتيح الترخيص العام رقم “24” (GL24) الصادر عن وزارة الخزانة الأمريكية:

  • المعاملات مع المؤسسات الحاكمة في سوريا بعد 8 من كانون الأول 2024.

  • المعاملات لدعم بيع أو توريد أو تخزين أو التبرع بالطاقة، بما في ذلك البترول ومنتجات البترول والغاز الطبيعي والكهرباء، إلى سوريا أو داخلها.

  • المعاملات التي تكون عادة عرضية وضرورية لمعالجة تحويل الحوالات الشخصية غير التجارية إلى سوريا، بما في ذلك من خلال البنك المركزي السوري

  • يُسمح بهذا الترخيص حتى 7 من تموز 2025، مع قابلية التمديد

  • لا يؤدي الترخيص إلى رفع الحظر عن ممتلكات أو مصالح أي شخص محظور بموجب أي من برامج العقوبات لدى واشنطن

  • لا يُسمح بأي تحويلات مالية إلى أي شخص محظور، بخلاف الغرض من إجراء مدفوعات معينة مصرح بها للمؤسسات الحاكمة، أو مقدمي الخدمات المرتبطين في سوريا.

مسؤول بوزارة الخارجية الأمريكية، قال لعنب بلدي، إن قضية العقوبات معقدة، فهناك عدة أنواع مختلفة من العقوبات التي تحتاج إلى دراسة وفحص، ليس فقط من جانب الولايات المتحدة، بل وأيضًا من جانب بلدان أخرى، وفي بعض الحالات وفقًا لتفويض من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

وذكّر المسؤول بأن وزارة الخزانة الأمريكية أصدرت الترخيص العام رقم “24” لسوريا، للمساعدة في ضمان عدم إعاقة العقوبات للخدمات الأساسية، وتوفير الاحتياجات الإنسانية الأساسية واستمرارية وظائف الحكم في جميع أنحاء سوريا، بما في ذلك توفير المساعدات الإنسانية والكهرباء والطاقة والمياه والصرف الصحي.

كما يسمح هذا الترخيص للسوريين في الخارج بإرسال التحويلات المالية من خلال البنك المركزي السوري، ويستمر هذا الترخيص لمدة ستة أشهر مع استمرار حكومة الولايات المتحدة في مراقبة الوضع المتطور على الأرض، وإمكانية تجديده بعد ستة أشهر.

 

أدرج الكونجرس تجديد عقوبات قانون “قيصر” في مشروع قانون تفويض الدفاع الوطني للسنة المالية 2025، الذي يمددها حتى عام 2029. ولا تزال أحكام قانون “قيصر” سارية حتى بعد رحيل الأسد، حيث نراقب كيف تتقدم الأمور في سوريا وطبيعة وسلوك أي حكومة مستقبلية.

مسؤول بوزارة الخارجية الأمريكية لعنب بلدي

 

وحول المخاوف بشأن تسييس قضية العقوبات وربط رفعها بتنفيذ خطوات أو إجراءات معينة من قبل حكومة دمشق، ووجود أي شروط أمريكية لرفعها، قال المسؤول لعنب بلدي، إن واشنطن تدعم عملية انتقال سياسي شاملة بقيادة سورية وملكية سورية. وينبغي أن تؤدي هذه العملية الانتقالية إلى حكم موثوق وشامل وتمثيلي وغير طائفي يفي بالمعايير الدولية للشفافية والمساءلة، بروح قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم “2254”.

وفق المسؤول الأمريكي، ينبغي لعملية الانتقال والحكومة الجديدة أن تلتزم بشكل واضح بما يلي:

  • احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية لجميع الناس في سوريا بشكل كامل، بمن في ذلك النساء وأعضاء المجتمعات السورية المتنوعة.
  • الحفاظ على تدفق المساعدات الإنسانية لجميع المحتاجين.
  • منع استخدام سوريا كقاعدة للإرهاب أو أن تشكل تهديدًا لجيرانها.
  • ضمان تأمين أي عناصر متبقية من برنامج الأسلحة الكيماوية، والإعلان عنها وتدميرها بشكل آمن تحت التحقق الدولي.

وأضاف أن الإدارة الأمريكية الجديدة، التي تتولى مهامها الأسبوع المقبل، ستتخذ أي قرارات أخرى بشأن العقوبات.

حكومة دمشق: الترخيص المؤقت ليس حلًا جذريًا

مدير العلاقات العامة في وزارة الاقتصاد بحكومة دمشق المؤقتة، إياد نجار، قال لعنب بلدي، إن المتوقع من الترخيص الأمريكي أن يسهم في تسهيل تدفق السلع والخدمات الأساسية، خاصة في قطاع الطاقة، مع فتح المجال لإجراء معاملات مالية محدودة، ورغم ذلك، فإن تأثير هذه الخطوة سيظل محدودًا نظرًا إلى الطبيعة المؤقتة للترخيص.
وأضاف أن تخفيف العقوبات قد يؤدي إلى تحسن طفيف في قيمة الليرة السورية نتيجة زيادة التدفقات المالية، وارتفاع الثقة في الاقتصاد المحلي، لكن، بسبب نطاق الإعفاء المحدود وطبيعته المؤقتة، فإن الأثر الإيجابي على سعر الصرف سيكون محدودًا.

وفق نجار، يُعتبر هذا الترخيص خطوة أولية نحو تخفيف بعض القيود، إلا أن رفع العقوبات بشكل كامل سيعتمد على التطورات السياسية .

وأوضح أن الترخيص يتيح معاملات متعلقة بالطاقة، بما في ذلك النفط والغاز والكهرباء، إضافة إلى معالجة التحويلات الشخصية غير التجارية عبر البنك المركزي السوري، ورغم أن هذا قد يدعم تحسين البنية التحتية ويُمهد لبدء بعض مشاريع إعادة الإعمار، فإن التأثير سيبقى محدودًا بسبب المدة الزمنية القصيرة للترخيص، مع ضرورة رفع كامل العقوبات لتحقيق انتعاش اقتصادي حقيقي.

واعتبر نجار أنه لا يمكن النظر إلى الترخيص المؤقت كحل جذري للأزمة السورية، إذ تبقى العقوبات المفروضة عائقًا رئيسًا أمام تحقيق انتعاش اقتصادي شامل وإعادة إعمار البلاد.

ومع زوال نظام الأسد، الذي كان السبب الرئيس في فرض هذه العقوبات وفي تدمير سوريا وإفقار شعبها، بات من الضروري رفع العقوبات بشكل كامل لإعطاء فرصة حقيقية للسوريين لإعادة بناء وطنهم وتحقيق الاستقرار والتنمية، وفق نجار.

 

إن استمرار هذه العقوبات، رغم تغير الظروف، يُبقي الشعب السوري تحت وطأة المعاناة ويعوق جهود إعادة الإعمار التي يحتاج إليها مستقبل سوريا.

إياد نجار

مدير العلاقات العامة في وزارة الاقتصاد بحكومة دمشق المؤقتة

معظم المنازل في بلدات ريف حماة مدمّّرة بفعل قوات النظام السوري السابق وحلفائها - 20 كانون الأول 2024 (عنب بلدي/ إياد عبد الجواد)

معظم المنازل في بلدات ريف حماة مدمّّرة بفعل قوات النظام السوري السابق وحلفائها – 20 كانون الأول 2024 (عنب بلدي/ إياد عبد الجواد)

مطالب أوروبية.. الأنظار نحو “بروكسل”

بدا تحرك دول الاتحاد الأوروبي واضحًا بمسألة رفع عقوباته المفروضة على سوريا، تعكسه تصريحات وزيارات شخصيات أوروبية رسمية إلى دمشق، ووثائق ظهرت إلى الإعلام، وحملت بنودًا وأولويات أوروبية مقابل الدعم ورفع القيود، بانتظار ترجمة الأمر فعليًا خلال اجتماع “بروكسل” المزمع عقده في 27 كانون الثاني الحالي.

تمحورت مساعي دول الاتحاد الأوروبي حول تعليق مؤقت للعقوبات المفروضة على سوريا، وتقاطعت في عدة بنود، وفق  مسؤولين ألمان ووثائق عن دعوات وجهتها دول، واجتماعات نشرتها “رويترز” وموقع “يورونيوز“، وهي:

  • رفع القيود المفروضة على شركات الطيران، مثل الخطوط الجوية العربية السورية.
  • إزالة الحظر على تصدير تكنولوجيا النفط والغاز.
  • رفع القيود المفروضة على التصدير والمشاركة في مشاريع البنية التحتية والتمويل.
  • رفع القيود عن الأصول التجارية ذات القيمة العالية، مثل المركبات.
  • إعادة فتح العلاقات الاستثمارية والمصرفية بين البنوك السورية وبنوك الاتحاد الأوروبي.
  • مسألة رفع العقوبات عن “هيئة تحرير الشام” تحتاج إلى تنسيق أممي ومتابعة للتطورات الميدانية.

مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، أعلنت عن اجتماع وزراء خارجية الاتحاد في بروكسل (في 27 من كانون الثاني)، وقالت إن القرار الأوروبي بتخفيف العقوبات سيكون مشروطًا بنهج الإدارة السورية الجديدة في الحكم، والذي يجب أن يشمل مجموعات مختلفة والنساء و”عدم التطرف”.

وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيربوك، ربطت رفع الاتحاد الأوروبي للعقوبات بالتقدم السياسي في سوريا، قائلة إنه يتعين إشراك كل الفئات السورية، بمن في ذلك النساء والكرد بعملية الانتقال السياسي في سوريا إذا كانت دمشق تريد الدعم الأوروبي.

واقترحت بيربوك فرض نهج “ذكي” للتعامل مع العقوبات، ليحصل السوريون على الإغاثة ولجني ثمار سريعة من انتقال السلطة، دون توضيح ماهية هذا النهج.

وزيرة التعاون الاقتصادي والتنمية الألمانية، سفينيا شولتسه، قالت بعد أن قدمت وعودًا بالمساعدة في إعادة بناء النظام الصحي في سوريا، إنه لا ينبغي فهم ذلك على أنه دعم سياسي لـ”حكام الأمر الواقع الجدد”.

واعتبرت مفوضة المساواة والاستعداد وإدارة الأزمات في الاتحاد الأوروبي، حاجة لحبيب، أن العقوبات صيغت بطريقة لا تؤثر على العمل الإنساني، وجرى تخفيف الكثير منها بعد زلزال 2023، وهي فُرضت على النظام السابق، لكن أوروبا تنتظر بناء حكومة شاملة ودولة شاملة تضم كل السوريين بتنوعهم.

 

 

هناك بعض الدول الأوروبية مع إزالة العقوبات، لكننا نحتاج إلى إجماع على هذا الأمر، الكرة الآن في ملعب السلطات الحالية أيضًا.

حاجة لحبيب

مفوضة المساواة والاستعداد وإدارة الأزمات في الاتحاد الأوروبي

 

وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني مع وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو ووزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك - 3 كانون الثاني 2025 (القيادة العامة)

وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني مع وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو ووزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك – 3 كانون الثاني 2025 (القيادة العامة)

عقوبات معقدة تعرقل النهوض الاقتصادي

يصف باحثون وخبراء العقوبات المفروضة على سوريا بأنها معقدة، فهي لم تفرض بين يوم وآخر، بل كانت نتاج سنوات، بعضها كان قبل الثورة السورية، لكن الأشد والأكثر مطالبة حاليًا برفعها هي التي فرضت على سوريا بعد الثورة.

التخفيف الأمريكي غير كافٍ

وفق تحليل منشور عبر “مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية“، ذكر الدكتور كرم شعار وبنجامين فيفي، أن الترخيص “رقم 24” يشكل تطورًا إيجابيًا، لكنه لا يرقى إلى مستوى تعزيز التعافي والاستثمار على المدى الطويل، لأنه يستبعد أحكامًا تتعلق بالمشاركة الاقتصادية الأوسع وجهود إعادة الإعمار.

الباحث الاقتصادي زكي محشي، قال لعنب بلدي، إن الرخصة العامة الصادرة عن الخزانة الأمريكية “هي إشارة إيجابية بالنسبة للوضع السوري”، لأن العقوبات الأمريكية أغلبها أو كلها تقريبًا كانت مفروضة بهدف تغيير سلوك نظام الأسد.

ويرى الباحث زكي محشي أن تخفيف العقوبات هو إشارة إيجابية على الاقتصاد السوري، وخاصة على صعيد تقديم المساعدات والدعم لسوريا، إذ سيصبح الدعم والتعامل مع المؤسسات الحكومية أسهل، وستصبح هناك إمكانية مباشرة للتعامل معها.

وهذا الشيء “مهم جدًا” بالوضع الحالي في سوريا لمساعدة الإدارة الحالية والمجتمع السوري، فهو بأمس الحاجة للمساعدات الإنسانية، لأن مستويات الفقر تزيد، وهناك ارتفاع كبير بالأسعار.

يضاف إلى ذلك أنه أصبحت هناك قدرة أكثر على تحويل أموال فردية، لكن ما زالت هناك عقوبات على تحويل أموال عن طريق المصرف المركزي للأنشطة التجارية.

وأشار الباحث زكي محشي إلى وجود تحديات، أبرزها استمرار أثر “الالتزام المفرط”، فأغلب الشركات والمؤسسات العالمية حتى البنوك والمؤسسات المالية لا يمكن أن تستثمر بسوريا وتدخل السوق السورية إذا كانت هناك عقوبات، فهي لن تخاطر بذلك.

وهذا الأثر السلبي لـ”الالتزام المفرط” سيستمر على المؤسسات المالية والمؤسسات التجارية والاقتصادية العالمية ما دامت هناك عقوبات.

التحدي الآخر له علاقة بالوضع الاقتصادي الحالي، في حال رفعت كل العقوبات وليس فقط تخفيفها أو منح رخصة عامة، فالاقتصاد السوري أو سوريا ما زالت “غير جاذبة للاستثمارات” باستثناء المغتربين الذين يريدون الاستثمار ببلدهم.

إشكالية العقوبات

الباحث في الاقتصاد السياسي بمركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” أيمن الدسوقي، أوضح أن إشكالية العقوبات مكونة من عدة طبقات، وتستهدف عدة مستويات من أفراد ومؤسسات وشركات وغيرها، وبالتالي يتطلب معالجتها وقتًا وآليات متعددة.

وأضاف الدسوقي لعنب بلدي، أنه على الرغم من أهمية الاستثناءات التي تم الإعلان عنها من قبل الإدارة الأمريكية مؤخرًا، واستعداد دول أوروبية لرفع مؤقت للعقوبات، لما تحمله من رسائل سياسية إيجابية تجاه التغيير الحاصل في سوريا، “فإن الإطار الزمني الضيق لهذه الاستثناءات، وتداخل العقوبات، والتلويح المستمر بإعادة ما تم تجميده بشكل مؤقت ورهن ذلك باشتراطات سياسية وحقوقية وإنسانية، من شأنه الإبقاء على حالة عدم يقين، تنعكس سلبًا على تعافي الاقتصاد السوري”.

تعقيد العقوبات وكثرة تفاصيلها هما إشكالية ركز عليها مدير قسم تحليل السياسات في مركز “حرمون للدراسات المعاصرة”، سمير العبد الله.

وذكر العبد الله لعنب بلدي، أن بعض العقوبات منذ عام 1979، لذلك من غير المتوقع رفعها بالقريب.

محاولات ومطالب بالرفع

يمكن ربط رفع بعض العقوبات غير ذات التأثير المباشر على الاقتصاد السوري وحياة الناس، بخطوات عملية تتخذها الإدارة السورية الجديدة، وفق الباحث سمير العبد الله.

وقال إن الخطوات تشمل تعزيز المشاركة السياسية، والشروع في وضع دستور جديد، أو التمهيد لإجراء انتخابات حرة ونزيهة، و”هذه المطالب ليست شكلًا من أشكال الابتزاز السياسي، بل تأتي ضمن التزامات جوهرية مستمدة من القرار الأممي 2254″، الذي وافق عليه كل من النظام والمعارضة في حينه، ما يجعل من تطبيقه ضرورة للخروج من حالة العزلة السياسية والاقتصادية.

وسعي بعض الدول العربية وتركيا إلى تخفيف العقوبات هو لأسباب اقتصادية واستراتيجية، إذ تأمل هذه الدول في تعزيز الاستثمارات العربية بمرحلة ما بعد الأسد، وتهيئة بيئة أكثر استقرارًا لدفع عجلة إعادة الإعمار.

ومع ذلك، فإن هذا التوجه “يواجه عقبات بسبب التباين في المواقف الدولية، والضغوط التي تمارسها قوى كبرى للحفاظ على العقوبات كأداة ضغط لتحقيق تغييرات سياسية ملموسة”، وفق تعبير العبد الله.

لذلك، يظل رفع العقوبات عن سوريا مشروطًا بإرادة سياسية حقيقية لتنفيذ إصلاحات جذرية، وفق العبد الله، ولا يمكن التعويل فقط على التحركات الإقليمية لكسر العزلة الدولية، ما لم تُترجم هذه الجهود إلى خطوات عملية على الصعيد الداخلي.

وفي مقدمة هذه الجهود مؤتمر وطني يرسم خريطة طريق للمرحلة المقبلة، ويكون ممثلًا لمعظم المكونات والمناطق السورية، ثم حكومة تكنوقراط انتقالية تهيئ البلاد لكتابة الدستور والانتخابات.

قطاعات أساسية

استهدفت العقوبات الغربية قطاعات رئيسة في الاقتصاد السوري، مثل النفط والخدمات المصرفية والتجارة، إلى جانب العقوبات الفردية التي تستهدف النخب التابعة للنظام.

وكان الهدف هو تقييد قدرة الأسد على تمويل القمع وإجبار نظامه على التوصل إلى تسوية سياسية تتماشى مع القرار الأممي “2254”.

وفي حين أدت العقوبات إلى تعطيل أنشطة النظام وخفض الإيرادات، فإنها رسخت أيضًا سلطة الأسد من خلال تعزيز اقتصاد الحرب وتمكين الشبكات الموالية، ما أدى إلى تفاقم معاناة المدنيين في هذه العملية، بحسب تحليل نشره “مرصد الشبكات الاجتماعية”.

قال الباحث أيمن الدسوقي، إن القطاعات الواجب رفع العقوبات عنها تلك التي تتصل بقطاعي الطاقة والمال، فتأمين إمدادات مستقرة من الوقود والتغذية الكهربائية شرط ضروري لتعافي الأنشطة الاقتصادية الإنتاجية، كذلك القطاع المالي والمصرفي لتسهيل حركة التجارة والاستثمارات في سوريا.

ولاستمرار العقوبات أثر سياسي واقتصادي وحتى مجتمعي، معرقل لإعادة بناء الدولة السورية واستقرار المجتمع السوري، واستمرار العقوبات من شأنه ترسيخ اقتصاد الحرب بشبكاته وآلياته على حساب الاقتصاد الرسمي الإنتاجي.

والإبقاء على العقوبات أيضًا يبقي سوريا في حالة عزلة سياسية، ويؤثر سلبًا على جهود الدول الإقليمية العاملة على توفير شروط الاستقرار للدولة السورية، وإضعاف عملية إصلاح مؤسساتها، أما مجتمعيًا، فمن شأن العقوبات إذا ما ترافقت مع بقاء مناطق نفوذ أن تسهم في تكريس الانقسام المجتمعي.

العقوبات.. سهلة الفرض صعبة الإزالة

آرون لوند باحث سويدي متخصص بالشأن السوري في مركز "Century International"

آرون لوند
آرون لوند
باحث متخصص بالشأن السوري في مركز “Century International”

 

إن القادة الأمريكيين والأوروبيين قلقون بشأن استقرار سوريا، فهم يرون أن حكومة أحمد الشرع الجديدة ضعيفة، وستجد صعوبة في توسيع نفوذها ما لم تتمكن من تشغيل الاقتصاد.

والواقع أن العقوبات تعوق التجارة والاستثمار في سوريا، لكنها في الوقت نفسه تشكل أداة ضغط للعواصم الغربية، التي تريد أن تضمن ألا ينتهي الأمر بسوريا إلى نظام على غرار نظام أفغانستان.

ومن منظور الاستقرار، فإن أفضل شيء قد يكون رفع العقوبات، أو تعليقها مؤقتًا على الأقل، على الفور، لكن العقوبات مفيدة من أجل تعظيم النفوذ الغربي، أو على الأقل هذه هي الفكرة في العواصم الغربية.

وهناك خطر يتمثل في أن تظل العقوبات سارية لفترة أطول مما ينبغي، وأن ينتهي بها الأمر ببساطة إلى إلحاق الضرر بسوريا وجعل عملية الانتقال أكثر صعوبة وإشكالية.

وخففت الولايات المتحدة بالفعل بعض العقوبات بشكل مؤقت، وهو ما يساعد سوريا اقتصاديًا، وقد وقفت هذه العقوبات في طريق الدول المجاورة والداعمة، مثل قطر أو تركيا، لمساعدة قطاع الطاقة السوري، ويمكن الآن تقديم مثل هذه المساعدة.

في الوقت نفسه، لم تلغِ واشنطن العقوبات بشكل دائم، ويمكنها إعادة فرضها إذا تغير الوضع، ومن المرجح أن تكون إدارة ترامب التي توشك على تولي السلطة في واشنطن أقل اهتمامًا بالوضع الإنساني في سوريا، لكنها لا تزال ترى قيمة في استقرار البلاد، لذا سيتعين علينا الانتظار لنرى.

ومن المرجح أن يحاول الاتحاد الأوروبي أن يحذو حذو الولايات المتحدة، وسيجتمع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في بروكسل، لمناقشة العقوبات المفروضة على سوريا، وأتوقع أن يعلقوا بعض العقوبات، على غرار ما فعلته واشنطن.

بيد أن العقوبات الأوروبية لا تشكل مشكلة كبيرة بالنسبة لسوريا بقدر العقوبات الأمريكية، التي هي أشد قوة، وحتى لو رفعت أوروبا كل عقوباتها، فإن الفارق لن يكون كبيرًا إذا أبقت الولايات المتحدة عقوباتها سارية.

وبالنسبة للعقوبات على المسؤولين ورجال الأعمال السابقين في نظام الأسد الذين عملوا مع النظام المخلوع، لا ترغب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في رفع العقوبات المفروضة عليهم.

أما قضية تصنيف “هيئة تحرير الشام” كمنظمة “إرهابية” فهي منفصلة، ​​وقد يكون حلها أكثر تعقيدًا، ولا يستحيل إيصال المساعدات إلى المناطق التي تسيطر عليها فصائل مدرجة على قائمة “الإرهاب”، أو التجارة معها، فقد سيطرت “هيئة تحرير الشام” على إدلب لسنوات عديدة، ولا تزال هناك طرق لتزويد المنطقة بالمساعدات الغربية والتجارة من تركيا، لكن بالطبع لا تزال هذه مشكلة.

والعديد من الشركات تخشى التعامل مع سوريا حتى لو كان ذلك قانونيًا من الناحية الرسمية، وذلك بسبب العقوبات وقوائم الإرهاب العديدة، ولا تستطيع هذه الشركات التنقل بسهولة في متاهة القواعد التنظيمية هذه.

كما أن العقوبات المالية المترتبة على انتهاك العقوبات قد تكون شديدة القسوة، وفي كثير من الحالات، ترفض البنوك أو الشركات الأخرى ببساطة التعامل مع سوريا أو السوريين حتى لو كان ذلك قانونيًا تمامًا، والسوريون يدركون هذا جيدًا، حيث واجه العديد من اللاجئين مشكلات مع البنوك وشركات تحويل الأموال.

حتى أنا، الذي لست سوريًا، تعرضت في بعض الأحيان لحظر معاملاتي الشخصية من قبل بنوك أوروبية وأمريكية، لمجرد أنني أكتب عن القضايا السورية، بالطبع يمكن حل هذه العوائق، ولم تكن مشكلة كبيرة بالنسبة لي، لكنها تظهر مدى تأثير هذه العقوبات.

في الواقع، كانت هذه العقوبات تتجاوز دائمًا هدفها المقصود، وهو نظام الأسد، والآن لم يعد هناك نظام الأسد، ولكن استمرت العقوبات قائمة، وهذا يوضح مدى سهولة فرض العقوبات، ومدى صعوبة إزالتها.

شاب يبيع الفول في مدينة مورك - 22 من كانون الأول 2024 (عنب بلدي/ إياد عبد الجواد)

شاب يبيع الفول في مدينة مورك – 22 من كانون الأول 2024 (عنب بلدي/ إياد عبد الجواد)

نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.

مقالات متعلقة