ما نقابات الصحافة التي تريدها سوريا

tag icon ع ع ع

علي عيد

لا عيب في تعدد نقابات المهن الصحفية، ففي فرنسا وحدها أربع نقابات منضوية في الاتحاد الدولي للصحفيين (IFJ)، ومثلها في تركيا، لكن تلك النقابات تخضع لمعايير ما تقدمه من خدمات، وأعضاؤها يمكن تسميتهم بالعمال قبل أن يكونوا صحفيين، أي أنهم أشخاص على رأس عملهم، ومصدر رزقهم هو الصحافة، وعبرها يدفعون اشتراكاتهم لتلك النقابات.

ما تقدمه النقابات لأعضائها هو جزء من التزام أعضائها مجتمعين نحوها، فقد تقدم لهم راتبًا تقاعديًا سبق وأن أسهموا في صندوقه، كما يمكن أن تساعد في تقديم حسومات على الاستشفاء أو النقل أو حتى الترفيه، ويشترط لهذا أن تتحقق الملاءة المالية التي توفرها صناديق النقابات، وقد يجري تحويل هذا المال لاستثمارات تجارية تدعم النقابة وتفيد أعضاءها.

لا يجب أن تلعب النقابات دورًا سياسيًا أو مواليًا للسلطة، باعتبارها منظمات مجتمع مدني، بل على العكس، قد تخاصم السلطة عندما ترى ذلك مصلحة لأعضائها، فهي تؤمّن لهم الحماية القانونية، وتدافع عنهم عبر مندوبيها في جميع المحافل، وتسهم مع نقابات أخرى في حماية حقوق العمال والموظفين بمختلف القطاعات.

ما سبق، قادني للحديث فيه الجدل الحاصل في سوريا بعد سقوط النظام، إذ تتسابق تجمعات للصحفيين في إعلان نفسها نقابات مهنية، وهو طموح كبير ومستحسن، لكن من يملك القدرة على لعب هذا الدور.

أبرز الأجسام التي تملك مواصفات النقابة حاليًا هو “اتحاد الصحفيين” الذي تأسس عام 1974، بحسب ما يشير في إعلاناته، وهو منظمة نقابية لديها ما يزيد على ثلاثة آلاف عضو، ولديها صناديق لدعم الأعضاء، واستثمارات في السياحة والخدمات، لكنها نقابة ظلّت مسيسة طوال نصف قرن، وكل وثائقها وتاريخها مدجج بلغة ترتبط بـ”البعث” والسلطة والأسدين، وبالتالي فهي تحتاج إلى مراجعات كبيرة ومتواصلة لتعود نقابة طبيعية، وتتخلص من إرثها في التبعية.

بالتوازي، نشأت “رابطة الصحفيين السوريين”، منذ عام 2012، وهي تضم اليوم نحو 700 صحفي، غالبيتهم موزعون في دول المهجر، واستطاعت أن تنافس “اتحاد الصحفيين” على مقعد عضوية الاتحاد الدولي، لكن وجودها خارج الأرض، وضعف إمكانياتها المادية عاق حصولها على العضوية الكاملة، التي تسعى لها اليوم، إذ تجري ترتيبات للتحول الكامل إلى نقابة على الأرض.

“رابطة الصحفيين السوريين” تجربة فريدة، لكونها الأولى، عالميًا، التي تحصل على عضوية “الاتحاد الدولي”، كما أنها نشأت وتطورت من رحم النضال ضد نظام الأسد، وضد القمع والتنكيل، وفي ظروف بالغة الصعوبة، لكنها تدرجت لتكتسب مع الوقت ملامح منظمة نقابية واعدة.

وخلال الأيام الماضية، جرى الإعلان عن تأسيس “رابطة إعلاميي سوريا”، بعد اندماج أربعة أجسام إعلامية هي “اتحاد إعلاميي حلب وريفها” و”اتحاد الإعلاميين السوريين” و”رابطة الإعلاميين السوريين” و”شبكة الإعلاميين السوريين”، وتعرف عن نفسها بأنها “مؤسسة مدنية مستقلة ذات شخصية اعتبارية لا تتبع لأي جهة، يُؤمن أفرادها بتحقيق الحرية والعدالة”.

كما جرى الإعلان عن “رابطة” للصحفيين الرياضيين، وربما ينشأ غيرها من الروابط الفرعية هنا وهناك.

أعود للسؤال الجوهري، ما الذي تريده تلك الروابط والاتحادات، ولا عيب ولا مشكلة في إنشائها بل وإنشاء العشرات منها.

إذا كان الهدف عملًا نقابيًا، فتلك مهمة ليست مستحيلة، لكنها تحتاج إلى عمل شاق، وأعضاء قادرين على تمويل المنظمة حتى تنهض بهم، فيما يشبه علاقة الآباء والأبناء في مجتمعاتنا، الأول يبذل حياته لرعاية الثاني، والثاني يهتم بالأول في مرحلة الشيخوخة.

أما إذا كان الهدف تجمعات مناصرة وقتية، أو نشاطات مجتمعية لشريحة الصحفيين، فهو يعبر عن حيوية لافتة، وذلك أمر طبيعي في بلد أبناؤه محرومون لـ60 عامًا من جميع الشرائح وفي كل المجالات.

ما نقابات الصحافة التي تريدها سوريا إذًا؟ ولست أملك كامل الجواب، بل يمكنني أن أقترح.

يحتاج الصحفيون السوريون إلى نقابات بكامل القدرة والحرية، للدفاع عنهم وحماية مكتسب استقلاليتهم، حتى لا يجري قضمها مع أي سلطة قادمة، كما يحتاجون إلى نقابات غير سياسية، ولا تمالئ السلطة، وتضع خطة عمل واضحة لتلبية متطلباتهم المادية، وتقديم ما أمكن من الإسناد، بالتعاون مع المؤسسات الصحفية، مثل التفاوض على رفع الرواتب، وكتابة عقود عمل تضمن حق الصحفيين ومؤسساتهم في ذات الوقت، ومنع استغلال الصحفيين، وتشكيل مظلة حماية قانونية لهم، وتحصيل ما أمكن من برامج دعم وتأهيل، وكذلك دعم استقرارهم المالي في مرحلة التقاعد.

ليس هناك ما يدفع للتنافس في العمل النقابي العام سوى خدمة القطاع، فليعمل الجميع من أجل ذلك، والمهمة أصعب مما يعتقد كثيرون.. وللحديث بقية.

نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة