بعد امتداد الربيع العربي من تونس إلى ليبيا ومصر ثم دمشق، دخلت سوريا في 2011 بحقبة الثورة التي امتدت 14 عامًا في سبيل إسقاط نظام الطاغية والتغيير السياسي، ومع مرور بعض الوقت وتحقيق التغيير الجزئي في الدول السابقة، ظلّت سوريا وحيدة تتصارع فيها إرادة شعبها مع براميل النظام السوري وسطوة قبضته الأمنية في تلك الفترة.
كتاب “سوريا: الثورة اليتيمة” لكاتبه اللبناني زياد ماجد، الصادر عام 2014، باللغة العربية، يتناول بتفصيل السنوات الثلاث الأولى من الثورة بترتيب منطقي للأفكار، بدءًا من السياق الذي أفضى بالشعب إلى الثورة إثر عقود من القمع بمستوياته وأنواعه، وصولًا إلى شرح طبيعة النظام السوري في تلك الفترة وبنيته الأمنية والعسكرية والميل إلى الإفراط في استخدام العنف لقمع الثورة والمعارضة، إلى جانب استغلال الطائفية لتعزيز سطوة نظام الأسد على الميدان.
يتابع الكتاب، الذي جاء في 100 صفحة فقط، المراحل التي مرّت بها الثورة خلال سنواتها الأولى، بانتقالها من الاحتجاجات السلمية التي قوبلت بالعنف، إلى حالة العسكرة بعد عنف النظام وأجهزته الأمنية العسكرية، وما تخللها من انقسامات سياسية وفكرية في صفوف المعارضة السورية، وتدخل قوى وأطراف إقليمية ودولية فيها.
كل ذلك قبل الوصول إلى الاصطفافات السياسية التي قدّمت بوضوح في 2015 حلفاء نظام الأسد، من دول وميليشيات، مقابل تراجع حضور داعمي الثورة التي منيت بخسارات سياسية وميدانية عسكرية في وقت لاحق، ما أسهم في تعقيد المشهد وإضعاف الثورة، دون وأدها.
في الفترة التي غطّى الكاتب والكتّاب أحداثها، تبرز المعاناة الإنسانية للسوريين، وهي حاضرة في تفكير زياد ماجد، فسلّط الضوء على القصف والنزوح، والتجويع، إلى جانب إبداع السوريين وابتكارهم في المقاومة ومحاولة الخروج من عنق الزجاجة.
ورغم أن الآثار الإنسانية التي تناولها الكاتب تعتبر قديمة في عمر الثورة نسبيًا، إذ تبدّت ملامحها منذ البداية، فإن انعكاساتها لا تزال حاضرة بعد أكثر من عقد على إصدار الكتاب، ونحو 14 عامًا من الثورة ككل، فبعد انتصار الثورة وإسقاط نظام الأسد ومنظومته العسكرية والأمنية والحزبية في 8 من كانون الأول 2024، لا تزال المخيمات موجودة وشاهدة على أسلوب نظام الأسد الذي هجّر الشعب وحاول استبداله في وقت ما، وإزالة آخر خيمة لا يعتبر بالأمر اليسير لدولة فاقدة لأدوات القوة والاستجابة السريعة في الظرف الراهن.
أسلوب الكاتب سلس ومختصر ومتدرج في شرح المعلومات ونقلها لغير المطلع، مع إبراز للأخطاء التي وقعت بها الثورة، رغم تبني الكاتب لفكرتها ولشرعية مطالب السوريين بالتغيير.
زياد ماجد كاتب وأكاديمي لبناني متخصص في العلوم السياسية وشؤون الشرق الأوسط، نشأ في لبنان خلال فترة الحرب الأهلية، وحاصل على دكتوراة في العلوم السياسية من فرنسا، وعمل مدرسًا للعلوم السياسية والعلاقات الدولية بالجامعة الأمريكية في باريس.
وقبل عام من الكتاب، صدر في 2013 كتاب بالاسم نفسه، للفرنسي فرانسوا بورغا، وهو باحث في الإسلام السياسي والأنثروبولوجيا السياسية، وعنوانه بالفرنسية، بعنوان “La Syrie: Une révolution orpheline” ، وترجمه للعربية عام 2014 عبد الإله النعيمي، لكنه ركّز على التحليل السياسي من منظور غربي للثورة السورية، ما منح كتاب زياد ماجد نظرة أقرب للمشهد.