السلم الأهلي.. طريق طويل يعبّده السوريون على مهل

  • 2025/01/19
  • 2:47 م
إدارة الأمن العام تلقي القبض على عدد من المتورطين بقتل وتعذيب السوريين وسرقة سلاح الجيش والأمن لترويع المواطنين وزعزعة الاستقرار بمحافظة حماة- 15 من كانون الثاني 2025 (وزارة الداخلية السورية)

إدارة الأمن العام تلقي القبض على عدد من المتورطين بقتل وتعذيب السوريين وسرقة سلاح الجيش والأمن لترويع المواطنين وزعزعة الاستقرار بمحافظة حماة- 15 من كانون الثاني 2025 (وزارة الداخلية السورية)

تعنب بلدي – حسام المحمود

مع سقوط نظام بشار الأسد في 8 من كانون الأول 2024، طفت على السطح مخاوف من حالة انفلات أمني وأفعال انتقامية وثأرية ضد مكونات اجتماعية في سوريا بسبب مناصرة فئات من أبنائها للنظام السابق.

وبعد مرور الشهر الأول على التحرير، حالت خطوات تم القيام بها دون الوصول إلى حمامات دم كان نظام الأسد يخيف بها مؤيديه إذا فقد السلطة، منها إقامة نقاط أمنية ومراكز لـ”الأمن العام” التابع للإدارة السورية الجديدة، إلى جانب الخطاب الوطني الجامع الذي قدمته الإدارة الجديدة، والذي تبنته فئات مثقفة من الشارع السوري.

ورغم الحديث عن عقلية بناء الدولة والانتقال من حالة الثورة إلى حالة البناء والإعمار، لم يمر الأمر دون انتهاكات وتجاوزات أسهمت نسبيًا في تعكير مشهد السلم الأهلي، دون الوصول إلى نقطة الانفجار.

وانتشرت في الأسبوع الثالث من سقوط النظام تسجيلات مصورة أظهرت ارتكاب انتهاكات بحق أشخاص قبض عليهم عناصر “إدارة العمليات العسكرية” متهمين بالضلوع بارتكاب انتهاكات بحق الشعب السوري، ومتهمين أيضًا بـ”التشبيح”، وشملت هذه الانتهاكات توجيه إهانات وشتائم دون مرور بالإطار الطبيعي للمحاكمات التي يطالب بها السوريون، ودون استناد إلى حديث الإدارة الجديدة لسوريا، المتمثلة بأحمد الشرع، الذي قال بعد دخول دمشق إنه “فتح لا ثأر فيه”.

هذه التجاوزات التي قوبلت بانتقادات حقوقية، ظهرت أيضًا حين نفذت السلطات الجديدة حملة أمنية لتمشيط مناطق في حمص، وسط سوريا، لكن السلطات دعت الأهالي بعد انتهاء الحملة إلى تقديم شكاوى حول الانتهاكات التي حصلت، لإعادة الحقوق إلى أصحابها.

سلوكيات غير منضبطة

حالة من الاحتقان الاجتماعي العفوي والمفتعل أيضًا بدت في أكثر من موقف، وغذتها سلوكيات غير منضبطة في مكان، وتصريحات غير محسوبة في مكان آخر، فإحراق شجرة عيد الميلاد في مدينة سقيلبية بفترة أعياد الميلاد كان كفيلًا بإخراج فئات من المكوّن المسيحي إلى الشارع رافعين شعارات دينية لا تخلو من تلويح بعنف وتصعيد، قابلتها أصوات متعقّلة رافضة من الشارع المسيحي نفسه، تمثّلت بتصريحات للأب سبيريدون طنوس، عارض خلالها الخطاب الطائفي، مشيرًا إلى عدم تعرّض أي فرد من أبناء الكنيسة لأي انتهاك.

كما أشار  إلى أن استتباب الأمن يتطلب وقتًا، والتظاهر يجب أن يكون لأجل بناء سوريا، كون سوريا تولد من جديد.

رجل الدين المسيحي نفسه ردّ على تصريحات أدلى بها المطران يوحنا جهاد بطاح، أسقف السريان الكاثوليك، اعتبر فيها أن بشار الأسد كان “ضحية”، مشككًا بتسجيلات مصورة صدرت حول معتقل “صيدنايا”، كما أنكر وجود مقابر جماعية أقامها النظام السابق للسوريين.

ودعا الأب سبيريدون طنوس لمحاكمة “أساقفة الأسد”، لأنهم كانوا غطاء لجرائم الأسد بحق ملايين السوريين، وما زالوا، وفق رأيه.

وفي الوقت الذي تظهر به أصوات تتناول مجريات الأحداث بأبعاد طائفية وبلغة لا تخدم تحقيق السلم الأهلي في سوريا، تظهر أصوات مقابلة وقريبة تدين هذه الأصوات وتكذّبها في مكان، فبعد التوترات الأمنية التي حصلت في ريف اللاذقية إثر حالات خطف وقتل نفذها مجهولون، خرج شخص يدعى عدنان منصور لوّح بالمطالبة بالحماية الدولية والحماية الفرنسية للساحل السوري، والتواصل مع رجال الدين من العلويين في تركيا بغية استجداء الدعم، تبعه في اليوم التالي بيان لمشايخ منطقة القرداحة في ريف اللاذقية تبرأ أولًا من دعوات منصور، ونفى وجود أي صلة به بعدما قال إن مشايخ الطائفة على اطلاع على ما يقول ويدعمون موقفه.

كما كذّب المشايخ في بيانهم الأخبار التي تتحدث عن قتل لأبناء الطائفة العلوية لأنهم علويون، مع الإشارة إلى حالات قد يكون لها أسبابها، وليست متصلة بـ”إدارة العمليات العسكرية”، مستنكرين المطالبة بالاستعانة بأي جهة خارجية للتدخل في الشأن السوري، مع وجود سلطة ممثلة للشعب كدولة وحكومة.

محاولات حوار

في 15 من كانون الثاني الحالي، انعقد اللقاء المجتمعي الأول لتعزيز السلم الأهلي بعد سلسلة لقاءات من ممثلين عن الإدارة الجديدة، وجرى اللقاء في حمص، وتناول تعزيز السلم الأهلي، والشفافية، ولغة الخطاب.

عنب بلدي اطلعت على مخرجات اللقاء، التي تضمنت الإشارة إلى إرث النظام السابق في زرع الخوف والانقسام المجتمعي، والأزمات الأمنية والاقتصادية التي تعوق التفكير بالشأن العام، مع توصيات في هذا الإطار ركزت على القيم المشتركة مثل العدالة والحرية، واعتماد العدالة الانتقالية كأساس للمصالحة الوطنية، وصياغة خطاب وطني جامع يعترف بالهويات الفرعية.

وتناول الاجتماع في محوره الثاني، الأمان المجتمعي ونزع السلاح ومعالجة الانتهاكات، على اعتبار أن انتشار السلاح بين المدنيين يهدد الأمن، مع غياب قوانين تجرّم الخطاب الطائفي والانتهاكات، مع التوصية بحصر السلاح بيد الدولة بطرق سلمية، وتفعيل دور القضاء لضمان المحاسبة، وتعزيز التعاون بين القوى الأمنية وأهالي المناطق لتحقيق الأمن.

وجرى في الاجتماع تناول دور الشباب والنساء في عمليات السلم الأهلي، مع الإشارة إلى غياب دور الشباب في اتخاذ القرار، واستمرار العنف والتمييز ضد النساء، وجرت التوصية بتمكين النساء اقتصاديًا وسياسيًا، وإلغاء القوانين التمييزية، وإشراك الشباب في العمل المدني والقيادة المجتمعية، بالإضافة إلى تعزيز المبادرات المجتمعية لتقوية الروابط بين المكونات.

وفي المحور الرابع للاجتماع، جرت مناقشة بناء دولة المواطنة مع التركيز على ضعف التواصل بين السلطة والمجتمع، وغياب قوانين تحمي حقوق الفئات المهمشة، وتمت التوصية بإنشاء قنوات اتصال فعّالة بين السلطة والمجتمع، وصياغة دستور يعكس تطلعات جميع السوريين، بالإضافة إلى دعم ذوي الإعاقة عبر سياسات شاملة ومؤسسات متخصصة.

ومن التوصيات العامة للاجتماع، تعزيز الشفافية والمساءلة في الخطاب الوطني، وحصر السلاح بيد الدولة وتفعيل العدالة الانتقالية، ودعم مشاريع تمكين النساء والشباب، وضمان حقوق ذوي الإعاقة عبر سياسات واضحة، وتعزيز دور المجتمع المدني لتحقيق السلم الأهلي.

وجرى هذا الاجتماع بمشاركة فعاليات سياسية ومدنية ومجتمعية من كل أطياف المجتمع في مدينة حمص، بحضور نحو 200 شخص، ومع غياب تمثيل للسلطة الجديدة.

معن صالح، أحد أعضاء مجموعة السلم الأهلي في أحياء حمص، قال لعنب بلدي، إن البيانات التي صدرت بداية التحرير كلها تشير إلى الوقوف مع القيادة الجديدة، مع التأكيد على موضوع السلم الأهلي والأمن وضرورة محاسبة المتورطين في الدم السوري من خلال محاكمات عادلة نزيهة وشفافة.

كما أشار إلى محاولة بدء حوار جدي ومسؤول بين كل أطياف المجتمع المدني الحمصي بعد سنين من القمع والرعب، وبعد تزايد الانقسام الطائفي في سوريا، مع العمل على إيجاد قنوات تواصل مع القيادة السياسية الجديدة بحمص “لنطرح أمامها كل ما يهمنا ويهم الشارع، والتخفيف ما أمكن من الاحتقان والتوتر الموجود”.

ما دور السلطة

المحامي السوري غزوان قرنفل يرى أنه يتعين على السلطة الحالية أن توجه خطابًا للمجتمع تبيّن فيه سياساتها العامة أولًا وسياساتها تجاه مرتكبي الجرائم والانتهاكات، وتؤكد عدم قبولها سياسة الانتقام بل العدالة والمحاكمات الشفافة.

وأشار قرنفل إلى وجود قلق عام من توجهات السلطة، لأن خطابها في مستويات السلطة العليا مختلف عن سلوكيات المستويات الدنيا، وهو ما يرسل إشارات تبعث الريبة، وفق ما ذكره لعنب بلدي، وبالتالي عليها أن تجعل السلوك العام منسجمًا مع روحية تصريحاتها وسياساتها.

ودعا المحامي إلى ممارسة الشفافية والتوضيح بشأن قرارات السلطة، وبيان وشرح أسبابها وتوضيح أن المسألة لا تتعلق بتصفية حسابات مع فئة ما وإنما لها مبرراتها القانونية.

“إن عدم الوضوح والشفافية وبناء القرارات على أسبابها، من شأنه إثارة تفسيرات قد تكون خاطئة وتتسبب باحتقانات ربما تتطور لمواجهات”، وفق رأي قرنفل.

ولا تزال سوريا تخطو في شهرها الثاني بعد إسقاط نظام بشار الأسد، في الوقت الذي تشهد به البلاد حالة نشاط ونقاشات سياسية مفتوحة على الأرض وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، لمناقشة أي ظاهرة أو قرار سياسي أو سلوك في الشارع يعبّر أو لا يعبر عن السوريين، لتنقسم الآراء بين متفق ومعارض دون إلغاء فرح خفي بفتح أبواب كانت موصدة لعقود على قضايا ومواضيع تخص شعبًا يحاول صنع مستقبله بنفسه.

مقالات متعلقة

  1. المجنون
  2. وجهاء الطائفة العلوية يدعون أبناءها لتسليم السلاح
  3. لاجئون يدفعون ضريبة "الطائفة" ولهجة الساحل
  4. "الإنقاذ" توجه خطاب طمأنة للعلويين في سوريا

مجتمع

المزيد من مجتمع