أموال المقربين وواجهات النظام.. التسوية أم الاستيلاء

  • 2025/01/19
  • 2:38 م
محمد حمشو وطريف الأخرس وبسام معماري (تعديل عنب بلدي)

محمد حمشو وطريف الأخرس وبسام معماري (تعديل عنب بلدي)

عنب بلدي – جنى العيسى

فتحت عدة لقاءات أجراها قائد الإدارة السورية الجديدة، أحمد الشرع، مؤخرًا مع عدد من رجال الأعمال وأصحاب رؤوس الأموال من الموالين للنظام السابق، الباب أمام التساؤلات حول الدور المرتقب الذي قد يلعبه هؤلاء الأشخاص في مستقبل سوريا الاقتصادي.

لم يجرِ الحديث بشكل رسمي من قبل الإدارة أو الحكومة حول طبيعة هذا الدور، أو كيف سيتم التعامل معهم، خاصة أولئك ممن ارتبطت أسماؤهم بشكل مباشر بالنظام، فهم إما داعمون ماليون لآلة الحرب العسكرية ومرتبطون بانتهاكات في ملف حقوق الإنسان وخاضعون لعقوبات دولية، وإما منتفعون بشكل مباشر عبر علاقاتهم التي كانت وطيدة إلى حد بعيد.

انتهاكات وعقوبات

في خبر نفته حكومة دمشق المؤقتة، قالت وسائل إعلام عربية قبل أيام، إن رجل الأعمال السوري محمد حمشو عاد إلى دمشق بعد سفره إلى بيروت عقب سقوط النظام، وتهدف عودته إلى إجراء “تسوية وضع” مقابل مبلغ سيدفعه للحكومة قدره مليار دولار أمريكي سيضعها في خزينة الدولة، ويسهم في إعادة إعمار البلاد، إلا أن التسوية باءت بالفشل ودفعت حمشو لمغادرة دمشق مجددًا، وفق وسائل الإعلام.

لحمشو ارتباطات وثيقة بعائلة الأسد، حيث يدير منذ سنوات أعمالًا في قطاع البناء والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والهندسة والسياحة في سوريا مع ماهر الأسد شقيق رئيس النظام السوري المخلوع، بحسب ما جاء في نص عقوبات أمريكية فرضت عليه، في 2020، وهو معاقَب أيضًا من جانب الاتحاد الأوروبي.

ويعد حمشو شريك “الفرقة الرابعة” في “لجان التعدين” (صهر الحديد والنحاس من المباني المهدمة من قصف النظام في مصانعه)، ومالك شركة حراسة أمنية، وضالع بتجارة “الكبتاجون”.

في سياق منفصل، التقى أحمد الشرع، في 10 من كانون الثاني الحالي، بمجموعة من الصناعيين السوريين، كان من بينهم أسماء معروفة بقربها وعلاقاتها مع النظام السابق، منهم بسام محمود معماري، وهيثم صبحي جود، وعمر راتب الشلاح، وفاسكين يعقوبيان، وثائر دريد لحام.

بحسب “مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية”، يشغل بسام معماري منصب رئيس بنك “بيمو”، ويرتبط بـ”الأمانة السورية للتنمية” التي كانت تديرها أسماء الأسد، وتربطه مصادر بأنشطة تهريب “الكبتاجون”.

وفق شبكات الشركات التي ينظمها “مرصد الشبكات” ويحللها، يرتبط ثائر دريد لحام بالعديد من الشركات المشتركة مع هيثم جود، كما توضح التشابكات ارتباط فاسكين يعقوبيان بشكل غير مباشر مع بسام معماري عن طريق مساهمة نظريت بوزانت يعقوبيان في ملكية “بنك الائتمان الأهلي إي تي بي- بنك عودة”.

القضاء يحكم

وزير الاقتصاد في حكومة دمشق المؤقتة، باسل عبد الحنان، علق على ما يُثار عن عودة بعض رجال الأعمال المرتبطين بالنظام السابق إلى سوريا بقوله، “سمعت التقارير الإعلامية الخاصة بالتسوية مع رجل الأعمال محمد حمشو، ولا يوجد أصل لها. نحن نتحدث عن العشرات من رجال الأعمال المحسوبين على النظام السابق وأسماء وهمية”.

وأكد الوزير في مقابلة أجراها مع “CNBC عربية“، في 13 من كانون الثاني الحالي، أن سوريا كانت تُدار بعقلية “العصابة الاقتصادية” أو “المافيا الاقتصادية”، “فقد وجدنا مجالس اقتصادية سرية تدير اقتصاد سوريا في عهد النظام السابق”.

حول مصير رجال الأعمال المرتبطين بالنظام السوري السابق وأموالهم وشركاتهم، قال وزير الاقتصاد السوري، باسل عبد الحنان، إنه لن تتم مصادرة أموال رجال أعمال ذات صلة بنظام الأسد.

ولفت إلى أن “أي مال تم تحصيله لرجال الأعمال عبر الازدواج مع السلطة سيُرد إلى الخزينة العامة، واللجنة القضائية هي التي ستقرر مصير رجال أعمال الأسد كل وفق وضعه”، مؤكدًا أن “الملكية الخاصة هي مقدسة، ولن نتدخل في أموالهم التي لم تكن بالشراكة مع الدولة”.

وأضاف عبد الحنان، “تفاجأنا بعدد الشركات ذات الشراكات المشبوهة مع النظام السابق وهي بالمئات، لذا قررنا فصل الشركات ذات العلاقة مع النظام السابق عن ملاكها”.

وتابع، “ما يهمنا هو عودة عمل الشركات ذات الصلة مع النظام السابق والعمال بشكل كامل”، مشددًا على أنه لم يتم التعامل بعد مع أي رجل أعمال محسوب على النظام السابق.

تسوية مشروطة.. أموال مطلوبة للبلاد

الخبير والاستشاري في مجال تحليل البيانات والجرائم المالية، والمدير التقني في “مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية”، وائل العلواني، قال لعنب بلدي، إنه لا بد أن يكون لرجال الأعمال السوريين جميعهم دور في مستقبل سوريا الاقتصادي بشروط، على اعتبار أن النظام السابق كان مسيطرًا على المشهد الاقتصادي بشكل أساسي، وبالتالي كان من الطبيعي قرب رجال الأعمال من الدولة.

القرب من النظام لا يعني بالضرورة التورط بانتهاكات أو النشاطات المشبوهة العنفية والإجرامية للدولة، بحسب ما أكده العلواني.

في ملف رجال الأعمال المقربين من النظام السابق، هناك وجهتا نظر نشأتا مؤخرًا، الأولى تتمثل بعدم السماح لرجال الأعمال بالمشاركة إطلاقًا، بل الحجز على ممتلكاتهم لمصلحة خزينة الدولة، والثانية تتمثل بالاستفادة من أموالهم في سياق إعادة الإعمار وتعافي الاقتصاد، لكن ضمن شروط تضمن محاسبتهم على الانتهاكات المتهمين بها، وعدم انتفاعهم بشكل مباشر من الاقتصاد.

الخبير وائل العلواني، يرجح وجهة النظر الثانية، إذ يرى أن من المفيد بالنسبة لمستقبل الاقتصاد في البلاد أن تستفيد الدولة من هذه الأموال لكن برضا رجال الأعمال، وهو ما يفرض اتفاقًا مشروطًا بين الطرفين، وذلك وفق النظر إلى رجال الأعمال هؤلاء ضمن مستويات بحسب مدى إجرامهم وتورطهم بأنشطة مشبوهة تسببت بأذى للشعب أو مقدرات الدولة السورية.

لا يعد جميع رجال الأعمال المحسوبين على النظام متورطين بانتهاكات أو كان لهم دور واضح باقتصاد الحرب، منهم استخدمهم النظام كواجهات له، وهنا يجب أن يختلف التعامل عن الأشخاص المثبت تورطهم.

على سبيل المثال، لا يجب التعامل مع رجال أعمال متورطين بتجارة “الكبتاجون”، إلا في حال وجود آلية معينة للاستفادة من أموالهم أو حتى معلوماتهم وتقديم تنازلات كبيرة في ملفات الكشف عن الفساد، بعد النظر في ملفاتهم بعين لجنة نافذة وتملك السلطة على صناع القرار من الاقتصاديين والقانونيين، على أن تنشر قرارات ومسوغات قراراتهم التي ستنتج عن هذه المفاوضات والدراسات بشكل شفاف، وفق العلواني.

طريقة التعامل هذه مع رجال الأعمال تشير إلى أن العمل معهم يتم وفق منطق الدولة وبعين القانون، الأمر الذي يسهم في طمأنة رجال الأعمال المترددين بالعمل في سوريا سواء من السوريين أو غيرهم.

لا تخلو طريقة التعامل هذه من السلبيات، إذ تحتاج إلى الكثير من الوقت، لأن جمع الأدلة ليس أمرًا سهلًا، كما أن رجال الأعمال يُعرف عنهم نجاحهم وقدرتهم على الادعاء أو إثبات عدم تورطهم.

وائل العلواني وتعليقًا على قصة المليار دولار التي سيدفعها محمد حمشو لقاء انخراطه في العمل بسوريا، قال، إن شخصًا مثل حمشو يعد الواجهة الأبرز لماهر الأسد، يمكن القبول بتسويته وفق شروط أكبر، فمثلًا يمكنه الكشف عن أرصدة ماهر الأسد السرية والشركات التي كانت تساعده بإخفائها، وبالتالي يمكن أن يعود للخزينة أضعاف المليار دولار، إذا ما أردنا قياس الأمر بمنطق الربح والخسارة.

وحول طريقة الاستفادة من أموال رجال الأعمال، أكد العلواني أن ذلك يجب أن يتم بموافقة ووجود رجل الأعمال، لا أن تؤخذ منه ويحجز عليها دون قرارات قانونية، إذ قد يؤدي هذا الأمر إلى العديد من القضايا التي قد تضر باقتصاد البلاد، منها تخوف رجال الأعمال الآخرين من السلطة، وبالتالي هروب رؤوس الأموال ونشوء ظاهرة “Capital flight”.

(capital flight)  ظاهرة هروب رؤوس الأموال

هي ظاهرة اقتصادية سياسية تنشأ عندما يسحب المستثمرون أموالهم من سوق دولة إلى سوق دولة أخرى بحثًا عن بيئة اقتصادية أو سياسية أكثر استقرارًا.

تحدث هذه الظاهرة بسبب غياب الاستقرار اقتصاديًا أو سياسيًا في الدولة، وقد يكون تعويم عملة الدولة سببًا فيها، كما يعتبر التضخم في أسعار السلع عاملًا مسببًا في هجرة رؤوس الأموال.

هروب رؤوس الأموال الموجودة أو حتى التي قد تفكر في القدوم سيضر باقتصاد البلاد والاستثمار فيها، إذ قد يُنظر إلى الحكومة على أن من السهل تحكمها بأموال رجال الأعمال بغض النظر عن أسباب قرارها ومدى تورط رجال الأعمال بانتهاكات قانونية، بحسب العلواني.

مقالات متعلقة

  1. النظام السوري يتوجه نحو شركات "الواجهة"
  2. عقوبات "قيصر".. تأثر السوريون ولم يسقط النظام
  3. رجال الأعمال الأردنيون في دمشق.. "اختبار" للعقوبات الغربية
  4. غياب الاعتراف بـ"المؤقتة" يعرقل إنشاء البنوك في ريف حلب

أخبار وتقارير اقتصادية

المزيد من أخبار وتقارير اقتصادية