لاجئون سوريون في ألمانيا.. عالقون بين العودة والبقاء

سوريون في ألمانيا يحتفلون بسقوط النظام السوري- 9 كانون الأول 2024 (DW)

camera iconسوريون في ألمانيا يحتفلون بسقوط النظام السوري - 9 كانون الأول 2024 (DW)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – موفق الخوجة

فجر 8 من كانون الأول 2024، احتفل معاذ (30 عامًا) وهو لاجئ في ألمانيا، مثل ملايين السوريين، بسقوط حكم بشار الأسد، ومنذ ذلك الحين، ما زال حائرًا بين البقاء في البلد الذي لجأ إليه قبل أشهر، أو العودة لرؤية والدته التي تركها في حلب قبل أكثر من 13 عامًا.

وتمنى معاذ أن يكون حاضرًا مع عائلته وأهله في بلده ليشهد تلك الاحتفالات على الأرض، لا في بيته بولاية غريز التي تبعد عن سوريا آلاف الكيلومترات.

واحتفل الملايين من السوريين داخل وخارج سوريا بسقوط النظام السابق الذي بقي يحكم البلاد بالحديد والنار لأكثر من 54 عامًا.

هذه الفرحة لم تكتمل لكثير من السوريين الذين أدركوا أنهم بين خيارين، إما أن يتخلوا عن حلمهم بالاستقرار في بلد دفعوا الكثير وغامروا ليستقروا فيه، ويعودوا إلى بلادهم التي طالما حلموا أن يروها دون حكم الأسد، وإما أن يبقوا في بلاد المهجر، بعيدًا عن أهلهم ووطنهم.

وقال معاذ لعنب بلدي، إن كثيرًا من السوريين في أوروبا يرغبون بالعودة إلى سوريا بعد تحررها من قبضة الأسد، إلا أن كثيرًا من الأسباب تمنعهم من العودة، منها ما يتعلق بالظرف المادي، بسبب صرف مدخراتهم وأموالهم في أثناء رحلة لجوئهم، وأخرى تتمثل بالواقع المعيشي والخدمي في سوريا.

وأضاف معاذ أن كثيرًا من السوريين أيضًا لا يرغبون بالعودة حاليًا، بسبب أوضاعهم القانونية غير المكتملة، وعدم حصولهم على إقامات تمكنهم من التنقل بحرّية، وإلا يفقدون حقهم في اللجوء.

من جانبها، تدرس الحكومة الألمانية السماح للاجئين السوريين بالقيام برحلة واحدة إلى وطنهم، دون أن يؤثر ذلك على وضعهم كلاجئين في ألمانيا، بحسب ما قالته وزيرة الداخلية الألمانية، نانسي فيزر، في 13 من كانون الثاني الحالي.

مدرّس اللغة الفرنسية وليد الحسين (40 عامًا)، كان من بين المحتفلين فجر 8 من كانون الأول، وتابع لحظة سقوط النظام السابق، وسط ذهول بشأن سرعة وكيفية السقوط، وهشاشة النظام الذي بقي حاكمًا بقبضة أمنية شديدة طوال أكثر من 50 سنة.

ولا يستطيع الأربعيني العودة إلى سوريا لعدة أسباب، الأول لأنه ما زال حديث عهد في ألمانيا، ولا يمتلك سوى وثيقة “أوز فايز” (بطاقة لجوء مؤقتة تجدد كل ستة أشهر).

ويتعلق المانع الثاني لعودة وليد بالظروف الأمنية في ظل وجود من أسماهم “الشبيحة” من أتباع النظام السابق الذين ما زالوا “يصولون ويجولون” في مدينته حلب، دون محاسبة، وهذا ما يستدعي خوفه على نفسه وعائلته وأولاده الأربعة من انتقامهم، بسبب علمهم بموقفه الداعم للثورة.

السبب الثالث الذي يمنع الشاب من العودة هو منزله المدمر، الذي لا يستطيع العودة إليه، ولا يملك القدرة على ترميمه بعد أن صرف كل مدخراته خلال رحلة لجوئه إلى ألمانيا التي كلّفته أكثر من 11 ألف يورو.

وينطبق الأمر على جهاد العيسى (33 عامًا) الذي يقيم في ألمانيا منذ آب 2023، ويعمل بمهنة سائق، بعد رحلة لجوء من تركيا إلى أوروبا كلّفته ما يزيد على 10 آلاف دولار أمريكي.

ويفضّل جهاد العودة إلى بلاده ولمّ شمل أهله الذين تفرقوا بعدة بلدان في أوروبا وتركيا، إلا أنه يواجه صعوبة في إعادتهم، وإيجاد مسكن يجمعهم، بسبب تدمير منازلهم إثر قصفها من مدفعية النظام السابق.

رحلة لجوء

عانى السوريون على مدى سنوات من ظروف صعبة في دول اللجوء المجاورة لسوريا، وخصوصًا في تركيا ولبنان، منها ما هو مرتبط بأعمال عنصرية، وأخرى لظروف مادية، دفعتهم إلى المغادرة نحو أوروبا، أملًا بحياة أفضل، إلا أن الرحلة كانت شاقة ومليئة بالمخاطر ومكلفة، بحسب آلاف الروايات لسوريين.

يروي الشاب الثلاثيني معاذ رحلة لجوئه التي استمرت نحو عام ونصف، بتكلفة تجاوزت الـ15 ألف يورو على طريق ألمانيا، من تركيا، مرورًا باليونان وإسبانيا حتى وصل إلى وجهته برلين.

توجه معاذ من اسطنبول إلى ولاية إزمير غربي تركيا، التي تشهد عمليات تهريب متكررة لطالبي اللجوء إلى القارة الأوروبية، بسبب قربها من الجزر اليونانية.

وصل معاذ عبر قارب مطاطي (بلم) من إزمير إلى جزيرة رودوس اليونانية، وبقي فيها نحو شهر ونصف، يقيم كسائح في أحد فنادقها، حتى يتسنّى له الحصول على أوراق تمكنه من السفر عبر الطائرة أو السفينة السياحية إلى اليونان.

وخلال محاولاته العديدة للانتقال من رودوس إلى أثينا، تعرض معاذ للاعتقال لمدة ستة أيام، ثم تم نقله إلى إحدى الجزر النائية التي بقي فيها لأكثر من أربعة أشهر.

وبعد وصوله إلى أثينا، اضطر معاذ للبقاء والعمل فيها بطريقة غير مشروعة بمهنته الخياطة، بسبب نفاد ما تبقى من نقود معه، لمواصلة رحلته نحو ألمانيا، حتى تمكن أخيرًا من الحصول على أوراق مزوّرة تخوله السفر إلى العاصمة الإسبانية مدريد تمهيدًا للوصول إلى ألمانيا.

بقي معاذ أربعة أيام عالقًا في مطار مدريد بإسبانيا، بعد أن خدعه المهرب، الذي أخذ النقود قبل إعطائه الأوراق الثبوتية المزوّرة التي تمكنه من الانتقال نحو ألمانيا، ثم تمكن من النجاة مرة أخرى بعد أن أمّنت صديقته النقود، ليستطيع إكمال طريقه نحو برلين.

رحلة اللجوء لم تكن أقل مشقة لوليد، الذي خرج من تركيا نحو بلغاريا برًا، ثم اعتقل فيها بتهمة تجاوز الحدود بطريقة غير شرعية، وحكم عليه بالسجن لمدة عام مع وقف التنفيذ، إذ حجز في مخيم اللجوء المغلق “بوس منسي” لمدة 20 يومًا، ثم نقل إلى مخيم آخر مفتوح، وأجبر على البصمة لتقديم اللجوء.

ولا يرغب كثير من السوريين تقديم اللجوء في بلغاريا بسبب ظروفها الاقتصادية غير الملائمة للاجئين، ويفضلون تجاوزها للوصول إلى دول أخرى مثل ألمانيا وهولندا والنمسا وغيرها.

استطاع وليد الهروب من مخيم اللاجئين المفتوح في بلغاريا، بعد ثلاثة أشهر، والوصول إلى الحدود الصربية ثم إلى العاصمة بلغراد، بعد تخطي نحو 20 جبلًا والمسير شبه المستمر.

بقي الأربعيني وليد نحو شهرين في بلغراد، وحاول الانتقال إلى هنغاريا، إلا أنه تعثر مرتين ووُضع في مخيم “بويانوفاس”، ثم نجح بعد مسيره لمدة ثلاثة أيام، وأكمل طريقه نحو ألمانيا عبر باصات دولية، ثم تابع داخليًا بالقطارات المحلية حتى وصل إلى وجهته الأخيرة، ساكسونيا السفلى، بمدينة برامشة.

وقال وليد لعنب بلدي، إن وضعه القانوني في ألمانيا غير واضح، وملف لجوئه تم تجميده بعد سقوط النظام السابق موضحًا أن بطاقته المؤقتة “أوز فايز” لا تؤهله للبقاء، وعليه تجديدها كل ستة أشهر.

خطة ألمانية من أربع مراحل

بعد يوم من سقوط النظام السابق، علّقت برلين طلبات اللجوء المقدمة من السوريين، حتى تتضح التطورات السياسية في سوريا، بحسب ما ذكره المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين في ألمانيا.

وبحسب وسائل إعلام ألمانية، يسري قرار التجميد على نحو 46 ألفًا و270 طلب لجوء قيد الدراسة.

وتختلف الأوساط السياسية في ألمانيا حول إعادة اللاجئين، إذ يؤيد الحزب الحاكم إعادتهم إلى أوطانهم، بينما تدعو أحزاب أخرى أبرزها اليسارية منها، إلى إبقائهم والتعامل بحذر بقضيتهم، بسبب الأوضاع غير المستقرة في بلادهم.

بالمقابل، تنتهج برلين سياسة التشجيع على عودة اللاجئين السوريين من بلادها، وتعززت هذه السياسة بعد سقوط النظام، إذ تعتبر ألمانيا سوريا آمنة بعد رحيل الأسد.

وقالت وزيرة الداخلية الألمانية، نانسي فيزر، في 5 من كانون الثاني الحالي، إن الوزارة وضعت خطة للتعامل مع اللاجئين في البلاد.

وأضافت فيزر أنه بموجب القانون الألماني سيقوم المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين بفحص وإلغاء الحماية الممنوحة، إذا لم يعد اللاجئون في ألمانيا بحاجة إلى هذه الحماية.

ووضعت الوزيرة الألمانية خطة من أربع خطوات للتعامل مع ملف اللاجئين، تتجلى بأن أي شخص مندمج جيدًا ويعمل وتعلم اللغة الألمانية ووجد منزلًا جديدًا، يمكن السماح له بالبقاء في ألمانيا.

وتعتبر ألمانيا من أكبر الدول الأوروبية التي تستقبل لاجئين سوريين، إذ بلغ عددهم 974 ألفًا و136 شخصًا، حتى تشرين الأول من عام 2024، ويطلب أكثر من ثلثي الأشخاص الحماية.

115 ألفًا عادوا من دول الجوار

بينما لا توجد إحصائيات رسمية حول العائدين من الدول الأوروبية، تتزايد أعداد اللاجئين السوريين العائدين من دول الجوار (لبنان والأردن والعراق وتركيا)، إلى سوريا، بعد 8 من كانون الأول 2024.

وبحسب إحصائيات المفوضية السامية للأمم المتحدة، في 2 من كانون الثاني الحالي، عاد أكثر من 115 ألف سوري من دول الأردن وتركيا ولبنان.

وتوقعت الأمم المتحدة أن يعود نحو مليون سوري إلى بلادهم خلال الأشهر الستة الأولى بعد سقوط حكم الأسد، وفي ذات الوقت، طالبت الدول المضيفة بعدم إجبار اللاجئين على العودة.

مديرة المفوضية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ريما جاموس إمسيس، دعت البلدان المضيفة للسوريين إلى “التحلي بالصبر”، والحفاظ على حماية السوريين الذين وجدوا ملاذًا آمنًا في البلدان التي لجؤوا إليها، وعدم إعادتهم قسرًا إلى سوريا.

نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة