أربيل تدخل على الخط

عقدة شمال شرقي سوريا بانتظار الحل

مقاتلون من قوات سوريا الديمقراطية في شمال شرقي سوريا (تعديل عنب بلدي)

camera iconمقاتلون من قوات سوريا الديمقراطية في شمال شرقي سوريا (تعديل عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – خالد الجرعتلي

تخوض السلطات الجديدة في سوريا غمار محادثات للوصول إلى تفاهمات تهدف لفك عقد الفصائلية على الصعيد المحلي، والعقوبات على الصعيدين الاقتصادي والسياسي، في حين تبقى عقدة شمال شرقي سوريا عصيّة أمام ما هو مطروح حتى اليوم، مع تحركات طفيفة يشهدها الملف بين الحين والآخر، بعد سقوط النظام السوري.

وبين رسائل متضاربة ترسلها الولايات المتحدة حول موقفها من الأمر، تنتظر الأطراف إدارة الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب، للبناء على هذا الموقف، في حين تسعى تركيا جاهدة لإنهاء وجود “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) المتحالفة مع حزب “العمال الكردستاني” في المنطقة، وتشن عمليات عسكرية مستمرة في المنطقة لهذا الهدف.

وعلى الجانب الآخر من المشهد، تتفاوض الإدارة السورية الجديدة للوصول إلى صيغة دبلوماسية، تفضي لإقناع “قسد” بحل نفسها والانضمام لوزارة الدفاع المنشَأة حديثًا، أسوة ببقية الفصائل السورية المحلية، لكن لم يُلحظ أي تقدم بالملف في ظل ضغوط تمارس على “قسد” نفسها، تجعل من موقفها متذبذبًا، ما يزيد من تعقيدات المشهد.

خطوات غير مسبوقة

بدأت المساعي باتجاه الوصول إلى حلول عبر مفاوضات مع الإدارة السورية، بشكل متزامن مع ضغط عسكري مارسه “الجيش الوطني السوري” بدعم تركي على “قسد” شرقي حلب، لكن هذا الضغط توقف بوساطة أمريكية فرضت هدنة تمنع التقدم والتراجع في المنطقة، لكنها لم توقف القصف والاستهدافات المتبادلة.

ورغم إعطاء “قسد” إشارات متكررة عن محادثات “إيجابية” مع دمشق، لم يطرأ أي تغيير على الصورة العامة للأحداث، إذ لم تتحقق أي من مطالبها، كما لم تتجه نحو تحقيق أي من مطالب دمشق.

حالة الاستعصاء في المشهد استدعت تدخل أطراف خارجية، كانت أصلًا على خلاف مع “قسد” على مدار السنوات الماضية، منها حكومة كردستان العراق، المتمثلة بالرئيس السابق للإقليم، مسعود برزاني.

وفي خطوة غير مسبوقة، التقى قائد “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، مظلوم عبدي، الرئيس السابق لإقليم كردستان العراق، مسعود برزاني، في عاصمة الإقليم أربيل، في لقاء يعتبر هو الأول من نوعه منذ تأسيس “قسد”.

وأعلن عضو المكتب السياسي لـ”الحزب الديمقراطي الكردستاني” الحاكم في كردستان العراق، هوشيار زيباري، أن اجتماعًا عقد في أربيل بين مسعود برزاني ومظلوم عبدي.

وقال زيباري في تدوينة على “إكس”، إن اللقاء عقد، في 16 من كانون الثاني الحالي، في أربيل بين برزاني وعبدي القادم من شمال شرقي سوريا.

واعتبر أن اللقاء يعد “إنجازًا كبيرًا لتعزيز الوحدة الكردية”.

ولفت إلى أن الخطوة ستمكّن الحكام السوريين الجدد في دمشق من تحقيق انتقال سياسي سلس.

لم تخرج أي تفاصيل عن الاجتماع، لكن مراقبين يعتقدون أنه جاء في إطار مساعٍ من حكومة الإقليم المتحالفة مع تركيا، لإيجاد صيغة للحل، دون اللجوء لعمل عسكري في المنطقة.

أيضًا في 19 من كانون الأول 2024، سُجلت لقائد “قسد” مظلوم عبدي خطوة غير مسبوقة، عندما وعد بسحب المقاتلين الأجانب من قواته، ودفعهم لمغادرة سوريا، في اعتراف ضمني بوجود هؤلاء المقاتلين، بعد نكران استمر لسنوات.

وقال عبدي لوكالة “رويترز” حينها، إن المقاتلين الكرد الذين جاؤوا إلى سوريا من أنحاء الشرق الأوسط لدعم القوات الكردية السورية سيغادرون إذا تم التوصل إلى وقف كامل لإطلاق النار في الصراع مع تركيا.

ويعد انسحاب المقاتلين الكرد غير السوريين أحد المطالب الرئيسة لتركيا المجاورة، التي تعتبر “قسد”، المهيمنة في شمال شرقي سوريا، تهديدًا لأمنها القومي، وتدعم حملة عسكرية جديدة ضدها.

ورغم أن خطوات عبدي شكلت بادرة حسن نية تجاه تقديم تنازلات مقابل الحفاظ على بعض المكاسب، لم تقتنع الجارة تركيا بإيقاف العمليات العسكرية المحدودة ضد “قسد” في المنطقة، ولم تخفّض دمشق من سقف مطالبها.

ويشترط قائد الإدارة السورية الجديدة، أحمد الشرع، وجود قواعد أساسية لحل المشكلة القائمة شمال شرقي سوريا وهي:

  • ألا يكون هناك تقسيم في سوريا بأي شكل من الأشكال، حتى لو كانت بشكل فيدرالي.
  • مغادرة المسلحين الأجانب الذين يتسببون بمشكلات لدول مجاورة.
  • ينبغي أن يكون السلاح محصورًا بيد الدولة فقط.

موقف “قسد” متذبذب

في 16 من كانون الثاني الحالي، نقلت وكالة “رويترز” عن مسؤول في حزب “العمال الكردستاني” (لم تسمِّه) قوله، إن “الحزب” سيوافق على مغادرة شمال شرقي سوريا إذا احتفظت “قسد” المتحالفة مع الولايات المتحدة بدور قيادي.

وأضاف المسؤول الذي يشغل منصبًا في المكتب السياسي لـ”قسد”، أن “أي مبادرة تؤدي إلى حكم شمال شرقي سوريا تحت سيطرة (قوات سوريا الديمقراطية)، أو يكون لها فيها دور كبير في القيادة المشتركة، ستقودنا إلى الموافقة على مغادرة المنطقة”.

تعليق المسؤول في “قسد” والتابع لـ”العمال” نسف ما قاله مظلوم عبدي سابقًا لـ”رويترز” عن أن مغادرة المقاتلين الأجانب من “العمال” ستبدأ فور الوصول لوقف إطلاق نار مع تركيا.

ولم يقتصر تضارب التصريحات على ما نقلته “رويترز” مؤخرًا، إذ سبق أن أبدى عبدي استعداده الانخراط في اندماج عسكري مع المعارضة السورية، وقال لصحيفة “التايمز” البريطانية، قبل نحو شهر، إن قواته المكونة من 100 ألف عنصر مستعدة لحل نفسها، والانضمام إلى جيش سوريا الجديد.

ومؤخرًا تجاوز عبدي استعداد فصيله لحل نفسه، ورفض الانضمام للجيش الجديد كأفراد، إنما ككتلة عسكرية.

يعتقد الباحث في مركز “جسور للدراسات” أن “قسد” تتعرض لضغوط من جانب حزب “العمال الكردستاني”، لتغيير بعض مواقفها، ورجّح أن تؤدي هذه الضغوط، إن ستمرت، إلى فشل محاولات إيجاد حلول على صعيد المنطقة.

وقال شواخ لعنب بلدي، إن الضغوط التي تتعرض لها قيادة “قسد” قد تنهي المسار القائم، لكن الأحداث قد تتخذ منحى مختلفًا، وقد تجر المنطقة باتجاه التصعيد أو المواجهة العسكرية.

ماذا يحمل برزاني لسوريا؟

من أربيل، ظهر مظلوم عبدي يرتدي زيًا رسميًا لأول مرة، متخليًا عن لباسه العسكري.

وعقب اللقاء، كتب عبدي على “إكس” أنه ناقش مع الرئيس مسعود برزاني التغييرات التي تمر بها سوريا.

حول فحوى ما دار في اللقاء، قال عبدي، “ناقشنا المرحلة الانتقالية التي تمر بها سوريا، وأكدنا معًا ضرورة توحيد الموقف الكردي في سوريا، وأن يحمي الحوار مع دمشق حقوق الشعب الكردي بشكل سلمي”.

وفقًا لبيان صدر عن أربيل، نقلته وكالة “رووداو“، استقبل برزاني القائد العام لـ”قسد”، في 16 من كانون الثاني الحالي، بأربيل، كما تم التأكيد على ضرورة أن تقرر الأطراف الكردية في سوريا مصيرها دون تدخل من أي طرف وبالوسائل السلمية.

وتحدث برزاني عن ضرورة التوصل إلى تفاهم واتفاق مع الحكام الجدد في سوريا، من أجل ضمان حقوقهم من خلال الوحدة والموقف المشترك.

وذكر أنس شواخ خلال حديثه لعنب بلدي أن التغيرات قادمة لشمال شرقي سوريا بجميع الأحوال، لكن تدخل برزاني يعتبر مؤشرًا على زيادة ترجيح أحد سيناريوهات التغيير، وهو السيناريو المتضمن تشكيل مرجعية سياسية كردية موحدة من الطرفين، للمشاركة في المحادثات مع الحكومة المركزية في دمشق.

وقد ينتج عن هذه المحادثات خلق أرضية لمشاركة عسكرية من جانب البيشمركة السورية (بيشمركة روج آفا) في الانتشار بالمناطق ذات الغالبية الكردية بعد انتشار قوات إدارة دمشق في بقية المناطق.

محاولات للتفاهم برعاية دولية

ما تريده “قسد” ليس حالة سرية بالكامل، إذ سبق وأعلنت “الإدارة الذاتية” وهي مظلتها السياسية، في “العقد الاجتماعي”، الذي كشفت عنه نهاية 2023، عن شروطها لإقامة علاقات مع ما أسمتها “جمهورية سوريا الديمقراطية”.

وذكر “العقد الاجتماعي” في المادة “120” منه، أن “شكل العلاقة في جمهورية سوريا الديمقراطية يحدد فيما بين الإدارة الذاتية الديمقراطية لشمال شرقي سوريا مع المركز (دمشق) والمناطق الأخرى على جميع المستويات وفق دستور ديمقراطي توافقي”.

ولفتت إلى أن هذا الأمر قابل للتعديل في حال تم التوافق على “دستور ديمقراطي” في سوريا.

واشترطت أيضًا أن يكون لـ”الإدارة الذاتية” مركز خاص، وعلم يرفع إلى جانب علم “جمهورية سوريا الديمقراطية”.

وفي وقت تعتبر مطالب “الإدارة” و”قسد” صعبة التطبيق بالنسبة لما تطلبه دمشق، رُبطت تحركات أربيل في شمال شرقي سوريا بكونها تحركات دولية لإحداث تغيير المنطقة.

وقال الباحث المتخصص في شؤون شمال شرقي سوريا سامر الأحمد، لعنب بلدي، إن حراك أربيل يعد جزءًا من محاولات التفاهم برعاية دولية، حول مستقبل المنطقة.

وأضاف أن حل الخلافات الكردية- الكردية خطوة لحل مشكلة “قسد” مع تركيا، ومشكلة “قسد” مع المركز في دمشق.

ورجح الأحمد أن يعرقل “العمال الكردستاني” مساعي الحل، باعتبار أنه لا يريد هدوءًا في المنطقة، لأن انسحابه منها يعني خسارة خزان بشري، ونفوذ اقتصادي، وفق الباحث.

واعتبر أن برزاني يهدف لأن يفرض وجود “المجلس الوطني الكردي” كشريك لـ”قسد” في أي حل تفاوضي قد تشهده المنطقة مستقبلًا.

وفي الوقت نفسه، استبعد الأحمد الوصول لصيغة حل في الوقت الراهن، خصوصًا مع تمسك تركيا بموقفها المطالب بحل “قسد”، وخروج “العمال الكردستاني” من سوريا، خصوصًا مع حالة الترابط العضوي بين الطرفين.

أثر لتحركات أمريكية

في 17 من كانون الأول 2024، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية تمديد اتفاق وقف إطلاق النار بين “قسد” وغرفة عمليات “فجر الحرية” التابعة لـ”الجيش الوطني” المدعوم تركيًا، بالقرب من مدينة منبج شرقي حلب.

وقال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، ماثيو ميلر، في مؤتمر صحفي، إن من الواضح أن الولايات المتحدة “ستسعى إلى تمديد وقف إطلاق النار هذا قدر الإمكان في المستقبل”.

ولم يمضِ سوى يومين على الإعلان الأمريكي، حتى خرجت تركيا لتنفي وجود أي تهدئة.

وأعلنت وزارة الدفاع التركية أنها لم توافق على أي عملية لوقف إطلاق النار مع “قسد”، وفق بيان نقلته وكالة “الأناضول” التركية.

وجاء في البيان، “من غير الوارد بالنسبة لنا أن نلتقي بأي منظمة إرهابية، نعتقد أن ذلك مجرد زلة لسان”.

المساعي الأمريكية انتهت بوقف محاولات التقدم شرقي حلب، لكنها لم توقف الضربات العسكرية المتبادلة، في وقت تركت فيه أثرًا لتحركات أمريكية في هذا الملف.

ويعتقد الباحث في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” أسامة شيخ علي، أن واشنطن ربما تقف خلف تدخل برزاني، وخطوته الأخيرة تجاه “قسد”.

وأضاف أن طرح برزاني لعبدي تركز على محاولة إقناعه بالتنازل عن بعض الشروط لمصلحة دمشق، وعدم دفع المنطقة نحو الحرب.

واستبعد أن يكون هناك أي دور لـ”المجلس الوطني الكردي”، خصوصًا مع التجارب السابقة التي خاضتها الأطراف للوصول إلى اتفاقات تفضي لتوافق حول حكم المنطقة.

تقوم العلاقة بين “قسد” و”المجلس الوطني الكردي” على خلافات عمرها سنوات، تمتد إلى داخل إقليم كردستان العراق حيث الخلاف بين تيارين كرديين، هما “البرزانيون” (يمثلهم مسعود برزاني حاليًا)، و”الطالبانيون” (يمثلهم بافل طالباني).

وتتحالف “قسد” مع “الطالبانيين” ومقرهم في مدينة السليمانية بكردستان العراق، وهم متحالفون أيضًا مع حزب “العمال الكردستاني” (PKK)، بينما يميل “الوطني الكردي” لـ”البرزانيين” المقربين من تركيا.

ونشبت خلافات بين “قسد” و”الوطني الكردي”، انتهت بمنع “المجلس” من الانخراط بأي شكل من إشكال إدارة شمال شرقي سوريا، كما عملت مجموعات عسكرية موالية لـ”قسد” ومكوناتها على اعتقال أعضاء من “المجلس”، ولا يزال جزء منهم في السجون حتى اليوم.

نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة