حماة – إياد عبد الجواد
لم تكتمل فرحة شريحة واسعة من الفلاحين في أرياف حماة بالعودة إلى أراضيهم التي هُجروا منها، بعد سقوط النظام السوري، حتى أثقلت الهموم كاهلهم، ووجدوا أنفسهم أمام مشكلات تعرقل معاودة الزراعة.
وفق فلاحين ومهندسين زراعيين قابلتهم عنب بلدي، فإن تربة الأراضي “تعبانة” ومتهالكة، وتعرضت لجور شديد، من سرقة معدات، واقتلاع أشجار عمرها عشرات السنوات، وانتشار الفئران، وظهور نباتات وحشائش ضارة، إلى جانب الخطر الأكبر وهو المواد الكيماوية والمتفجرة.
“سرقة الأراضي وخيراتها”
بعد تسع سنوات من التهجير والنزوح إلى ريف حلب، عاد المزارع إبراهيم رمضان إلى أرض جرداء خاوية في قرية قبر فضة بريف حماة الغربي، متأسفًا على حالها، إذ لا يوجد فيها سوى أعشاب ضارة كثيفة، وأوكار فئران.
وتبلغ مساحة أرضه 20 دونمًا، وكانت تضم قرابة 100 شجرة زيتون، ويتجاوز عمر الشجرة العشر سنوات، وتنتج كل شجرة قرابة 30 كيلوغرامًا من الزيتون، لكن بعد سيطرة قوات النظام السابق على القرية، دمرت المنازل وقطعت الأشجار كلها، وسرقت مضخات المياه.
وقال المزارع لعنب بلدي، إنه يحاول اليوم أن يزرع أرضه مجددًا، لكن تكلفة الزراعة مرتفعة جدًا، خاصة أنه لا يزال يقطن حاليًا في مدينة جنديرس شمالي حلب، لأن منزله مدمّر بالكامل أيضًا.
أما المزارع محمود فلاحة (50 عامًا)، فقطعت قوات النظام السوري السابق 300 شجرة فستق حلبي من أرضه الواقعة على أطراف قرية لطمين جنوبي حماة، من أصل 700 شجرة.
يشعر المزارع بالحسرة على أشجاره المقطوعة، إذ تجاوز عمر الشجرة 30 عامًا، قائلًا لعنب بلدي، إن تلك القوات سرقت معدات بئر مياه ارتوازية ضمن الأرض، بالإضافة إلى سرقة مولدة كهرباء و”غطاس”.
وتتشابه الحال مع مئات المزارعين، ومنهم زياد نداف من مدينة مورك بريف حماة، الذي وصف حالة الأراضي والمنازل بـ”الطامة الكبرى”، لأنها تعرضت للسرقة والحرق وقلع أشجار الفستق الحلبي وتحطيبها.
وقال لعنب بلدي، إن قوات النظام و”الشبيحة” كانوا “يغتصبون” الأرض، ويبيعون ثمارها، غير آبهين بقيمة الأشجار والمزروعات، حيث كانت تطرح الأراضي على مزادات بغياب أصحابها.
وأضاف المزارع زياد أن أكثر من ثلثي مزرعته، التي تبلغ 64 عامًا، حُرقت وقُطعت أشجارها، وكانت المساحة المزروعة تعادل 75 دونمًا أي 1024 شجرة فستق حلبي، بقي منها اليوم حوالي 250 شجرة.
سيعمل المزارع على تعويض المساحة المقطوعة بغراس صغيرة، لا تنتج إلا بعد ما يقارب العشر سنوات، لافتًا إلى تكاليف باهظة من وقت ومال غير قادر على تحمّلها، وفق قوله.
أعشاب ضارة وآفات
المهندس الزراعي أحمد الشحود، قال لعنب بلدي، إن الأراضي الزراعية تعرضت خلال السنوات الماضية للتدهور، خاصة في سهل الغاب بحكم اطلاعه على المنطقة، وتواجه بمعظمها مشكلات عدة هي:
- الانتشار الكثيف للأعشاب المعمرة (نجيل، حليان، قصب الزل، الحلفا أو البردي).
- غزو الأعشاب المائية للمصارف الرئيسة والفرعية التي تمنع تصريف مياه الشتاء، وبالتالي غرق المحاصيل وغرق الأراضي وتلفها، مع صعوبة التخلص من هذه الأعشاب، وحتى إذا تم استخدام المبيدات المتخصصة لذلك فهي لا تجدي نفعًا.
- انتشار الآفات والوحوش والكائنات الضارة ومنها فأر الحقل، الذي يعيش على شكل مجموعات، ويتكاثر بسرعة ويقضي على المساحات المزروعة.
وأوضح المهندس أن هذه المشكلات تعوق عملية الزراعة، وتقلل الإنتاج وتزيد التكاليف، وتؤدي إلى خسارة الفلاح.
أما بالنسبة لأشجار الزيتون والفستق الحلبي والأشجار الحرجية، فقد قطعتها قوات النظام وحلفاؤها، ما أدى إلى القضاء على الإنتاج كاملًا.
وأضاف الشحود أن شجرة الزيتون تحتاج من 5 إلى 10 سنوات لإعطاء إنتاج جيد، بينما تحتاج شجرة الفستق الحلبي لـ10 إلى 15 عامًا.
واعتبر المهندس أن قطع الغابات أو حرقها يعد جريمة أكبر، إذ تحتاج الغابة إلى 100عام حتى تعود إلى وضعها السابق، مضيفًا أن كل هذه المشكلات تسببت بزيادة معاناة الفلاحين، وتحتاج إلى استهلاك وقت وجهد أكبر لعودة الأراضي إلى إنتاجها ووضعها السابق.
ألغام وذخائر غير منفجرة.. ما الحلول؟
تعد منطقة شمال غربي سوريا واحدة من أكثر المناطق التي تعرضت للقصف بعدة أنواع من القذائف، من قبل سلاح المدفعية والطيران الروسي والتابع لقوات النظام السابق.
وخرجت قوات النظام وميليشيات إيران من المنطقة، تاركة خلفها حقولًا من الألغام والذخائر غير المنفجرة، ووضعتها بأساليب وطرق متنوعة لحصد أكبر عدد من الأرواح، وإلحاق ضرر أكبر بالبشر والبيئة.
وبحسب رصد عنب بلدي، تعد حقول الألغام من أبرز المشكلات التي تعترض المزارعين، الذين يتخوفون من أي انفجار في أي لحظة، عدا عن الحفر التي سببها القصف، ووجود البارود في التربة.
وفق ملف سابق أعدته عنب بلدي، قال أستاذ العلوم الزراعية عبد العزيز ديوب، إن التربة الزراعية التي تأثرت بالبارود تحتاج إلى عدة سنوات لإعادة تأهيلها من أجل استثمارها، تبعًا للأثر المتبقي في التربة، فكلما كان أكبر احتاجت التربة إلى وقت قد يصل إلى 25 سنة، والأهم في علاجها تعريضها لأشعة الشمس وزراعتها بالبقوليات دون أكلها، كونها سامة.
ولفت الأكاديمي في جامعة “الشام”، الدكتور ميسّر الحسن، إلى ضرورة أن تشكل معالجة التربة وتخفيف الأخطار على صحة الإنسان في شمال غربي سوريا جزءًا من أعمال الإغاثة الإنسانية العاجلة على المدى القصير، ومن جهود الإنعاش الاقتصادي والبيئي على المدى الطويل.
وفق الحسن، من أجل تخفيف آثار التلوث على المدى القصير، يجب على المنظمات غير الحكومية التي تعمل مع المزارعين أن تعطي الأولوية لإجراء مسح إقليمي منهجي يرصد استخدام مياه الصرف الصحي لأغراض الري، ونشر بيانات جودة التربة ومياه الآبار والأنهار المستخدمة في الري، وتنفيذ برنامج مستقل لأخذ عينات من التربة بشكل دوري، وتحليلها لتقييم أخطار تلوث التربة بالكادميوم والكوبالت والزئبق بشكل خاص، ثم إجراء دراسات حول امتصاص المحاصيل الرئيسة في المنطقة للعناصر السامة من التربة والغبار ورواسب الدخان الناتجة عن الحرائق.