ما أثر توحيد الرسوم الجمركية في سوريا
صدر قرار من هيئة المنافذ البرية والبحرية التابعة لحكومة دمشق المؤقتة، يقضي بتوحيد الرسوم الجمركية على جميع المعابر في سوريا، ما أثار تساؤلات حول آثار هذا القرار على الاقتصاد السوري والوضع المعيشي للسوريين.
يأتي القرار، الصادر في 11 من كانون الحالي، في ظل أوضاع معيشية صعبة يعاني منها السوريون منذ سنوات، بالرغم من انخفاض ملحوظ في أسعار بعض السلع، وخاصة الخضراوات، باستثناء مادة الخبر وبعض المحروقات.
اختلاف بحسب السيطرة
قبل سقوط النظام السوري، كانت المعابر السورية تنقسم بحسب موقعها على خريطة السيطرة، فالنظام كان يسيطر على معظم المنافذ في سوريا، وتحديدًا تلك التي تربطها بالأردن ولبنان، ومعبر البوكمال مع العراق، وكان التجار داخل تلك المناطق يعانون من ارتفاع الرسوم الجمركية، ما يدفعهم إلى التوجه نحو عمليات التهريب.
وفي الشمال، كانت تسيطر المعارضة آنذاك على المعابر مع تركيا، أبرزها “باب الهوى”، الذي يتبع لإدارة المعابر التي كانت تحت نفوذ حكومة “الإنقاذ”، وهي نواة حكومة دمشق المؤقتة برئاسة محمد البشير.
وكانت إدارة معبر “باب الهوى” (قبل توحيد إدارة المنافذ في سوريا) تفرض رسومًا منخفضة على المستوردات والجمارك، مقارنة بتلك التي يفرضها النظام السابق على المعابر التي كان يسيطر عليها.
وفي نهاية عام 2024، أعلنت حكومة دمشق المؤقتة إحداث هيئة عامة للمنافذ البرية والبحرية، وإلحاق الجمارك والمراكز الحدودية ومؤسسة المناطق الحرة بها.
توحيد الرسوم
قال مسؤول العلاقات في الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية، مازن علوش، في 11 من كانون الثاني الحالي، إنه تم اعتماد نشرة الرسوم الجمركية الموحدة التي تسري على جميع الأمانات الجمركية في المنافذ البرية والبحرية والمطارات.
واعتبر العلوش أن الرسوم الجمركية الموحدة راعت حماية المنتج المحلي من خلال تشجيع الصناعة عبر الرسوم المخفضة على المواد الأولية، كما أنها طبقت الرزنامة الزراعية لحماية الفلاح ودعم القطاع الزراعي.
القرار شمل معظم المواد التي يتم استيرادها بنسب وقيم متفاوتة، هي أقل من التي كان يفرضها النظام سابقًا بنسبة 50 إلى 60%، بينما تجاوزت الزيادة حد الـ300% بالنسبة للرسوم التي كانت تفرضها إدارة المعابر شمالي سوريا.
ما أثر القرار
الباحث والأكاديمي الاقتصادي الدكتور فراس شعبو، يرى أن أثر القرار جرى تضخيمه بين الأوساط الإعلامية والشعبية، فهو يتعلق بتوحيد الرسوم الجمركية على جميع المنافذ، وليس زيادتها.
وأوضح الباحث في حديث لعنب بلدي، أن المنافذ التي كانت خارج سلطة نظام الأسد شمالي سوريا، لم تكن تتقاضى رسومًا جمركية، وإنما أجور خدمية بسيطة.
ووفق الباحث الاقتصادي، فإن الذي أثار الجدل هو اعتراض بعض التجار والمخلّصين الجمركيين العاملين في مدينة إدلب، شمال غربي سوريا، الذين اختلفت عليهم الرسوم.
والرسوم الجديدة لا تقاس بالنسب، بحسب شعبو، الذي أعطى مثالًا على مادة الطحين التي كانت تفرض “الإنقاذ” رسومًا على الطن الواحد منها بنحو دولارين، وازدادت إلى نحو 20 دولارًا.
الباحث الاقتصادي شعبو لا يرى الزيادة كبيرة، بالرغم من أن النسبة تضاعفت إلى حد كبير، إذ لا يزيد على الكيلو الواحد من مادة الطحين إلا “سنتات قليلة”، وهذا لا يؤثر على الواقع المعيشي بشكل ملحوظ.
وحول الأسعار، قال شعبو، إنها ستتجه نحو الارتفاع، وهو أمر لا بد منه، موضحًا أن الأمر ينطبق على الشمال دونًا عن باقي المناطق التي ستشهد انخفاضًا في الأسعار عما كانت عليه.
وبحسب ما رصدته عنب بلدي، اعترض بعض التجار شمالي سوريا على تنفيذ القرار بيوم صدوره، إذ يؤثر على العقود المبرمة بينهم وبين بائعي الجملة، بعد تثبيت أسعارهم وفق التعرفة الجمركية السابقة.
شعبو يعتقد أن الزيادة الأخيرة على الرسوم المعتمدة سابقًا على معبر “باب الهوى” لن تؤدي إلى خسارة في جانب التجار، وإنما تقليل هامش الربح، إذ لا يعتبر فرض 40 دولارًا على كمية الطن من السكر، على سبيل المثال، زيادة كبيرة.
بالمقابل، يرى شعبو أن تطبيق القرار “لم يكن موفقًا” من حيث التوقيت، إذ حصل بوقت “حرج”، داعيًا إلى إعادة النظر بتعرفة بعض المواد، وبالأخص المحروقات والضرورات الأساسية للمواطن.
كما دعا شعبو إلى دعم الحكومة لما أسماها الفئات الضعيفة والهشة من المجتمع، بعد الارتفاع المتوقع في زيادة الأسعار، ما يسبب فجوة بين الدخل والإنفاق.
“خزينة فارغة”
الدكتور والباحث الاقتصادي شعبو قال لعنب بلدي، إن الحكومة الحالية تسلّمت خزينة الدولة فارغة، ما يستدعي إدخال موارد لتغذية الصندوق.
وأضاف شعبو أن الموارد الجمركية هي أسرع طريقة لتمويل الميزانية السورية، وتغذية القطاعات الأخرى من الماء والكهرباء وغيرها.
رئيس وزراء حكومة دمشق المؤقتة، محمد البشير، قال في بداية تسلمه الإدارة بعد سقوط النظام، قبل نحو شهر، إنه تسلم الخزينة السورية فارغة من النقد الأجنبي، ولا توجد سوى الليرة السورية التي “لا تساوي شيئًا”، وفق قوله.
وفي 18 من كانون الأول 2024، حلّت الحكومة الضابطة الجمركية التابعة للنظام السابق، وبقيت المعابر البرية والبحرية التي كانت تحت سلطة النظام السابق تدخل العديد من أنواع البضائع دون رسوم جمركية، وهو ما رآه باحثون اقتصاديون “تهديدًا لخزينة الدولة”.
الباحث في الاقتصاد السياسي أيمن الدسوقي، قال لعنب بلدي في وقت سابق، إنه يمكن تفهم أن إزالة العديد من الرسوم تشجع حركة الاستيراد لتأمين احتياجات السوق المحلية من السلع، لكن ذلك على المدى البعيد يسهم في خسارة موازنة الدولة موارد من جهة، ويسهم من جهة أخرى في إعاقة نمو الإنتاج المحلي لا سيما للسلع المنتجة محليًا.
وبحسب شعبو، جرى قانون توحيد الرسوم الجمركية بضغط من صناعيين داخل سوريا، إذ يعتبر إلغاء الرسوم “تهديدًا للمنتج المحلي”، إذ يتم الاستغناء عن الصناعات المحلية بأخرى مستوردة.
وتهدف الرسوم الموحدة في القرار الأحدث، بحسب علوش، لدعم القطاع الصناعي وتعزيز جذب الاستثمار، من خلال تقديم إعفاءات للمستثمرين وأصحاب المعامل الذين اضطروا لإخراج معداتهم أو منشآتهم نتيجة لظروف الحرب، ويرغبون بإعادتها إلى سوريا أو الذين يرغبون بإدخال معامل جديدة متكاملة.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :