الإعلام السوري.. على نار حامية

  • 2025/01/12
  • 2:46 م
الصحفي علي عيد

علي عيد

لا يمكن اعتبار النقاش والحوارات المجتمعية الجانبية في الشأن السوري اليوم حالة سلبية، على العكس، هذه هي البيئة الصحية لمناقشة القضايا الملحّة، واستخلاص الأفكار وتطويرها، لكن من يستطيع أن يحدد أي نقاش يريد السوريون، وأي نقاش هو المفيد، وما الذي أتاح هذه الحيوية. الإعلام أم الجوّ السياسي؟ دعونا نتحاور في طبيعة النقاش والمضمون والأهداف وطريقة إدارته.

لم تشهد سوريا في الـ60 عامًا الماضية مثل هذه الحيوية داخل المجتمع، بل كانت بيئة ميتة سياسيًا وفكريًا بفعل الحزب الواحد والقائد الواحد والرأي الواحد، وها هو الباب ينفتح على مصراعيه، وهو ما يُشعر الكثيرين بما أسميه “الصدمة الحوارية”، لأن معظم السوريين كانوا متقوقعين ومغلقين على أفكارهم، دون الإفصاح، واليوم يريد الجميع أن يتكلم، وهذه شهوة لا يمكن مقاومتها لدى الجميع.

حرية الإعلام جزء مهم في الحريات العامة، لكنه كأداة لتداول الأفكار يصبح الجزء الأهم، حتى لو احتلت وسائل التواصل الاجتماعي مساحة واسعة من دور الإعلام، وأسهمت في انتشار خطاب الكراهية في نفس الوقت الذي أفسحت المجال لمشاركة الجميع وسماع أصواتهم.

هناك قلق على حالة السلم الأهلي في سوريا من الخطاب المتشنج، ويطالب كثيرون الإعلام الرسمي بأخذ دوره إزاء ذلك، لكن ليس مضمونًا أن ذلك الإعلام سيغير شيئًا إذا كان سينقل رسالة السلطة فحسب.

والدور الإعلامي المطلوب للاستثمار في تنوع الرؤى لا يقتصر على إيجاد قناة رسمية لنقل المعلومة، ولو كان الأمر كذلك لاستطاع إعلام الـ60 سنة الماضية لعب دور في بناء الهوية الوطنية وتسليط الضوء على الخلل وملاحقة الفساد، لكنه كان مفصلًا على قياس نظام الحكم، لتنحسر مساحة الحرية والتعبير عن الرأي والنقد، وحتى الإبداع.

الإعلام الرسمي ضروري في هذه المرحلة لمنع التشويش على الحياة العامة بأخبار متناقضة، ومنع انزلاق البلاد إلى الفوضى، وربما الصراع الطائفي، إذا استمر الالتباس الحاصل في هوية الحكم الجديد، أي لا يمكن الاعتماد على أي ترميزات ما قبل 8 من كانون الأول 2024 في نقل رسالة الدولة، لأنها ترميزات واعية لأيديولوجيا أو فكرة أو منهجية طرف، ولا تستطيع الانتقال من فكر الفئة أو الجهة أو حتى الثورة إلى فكر الدولة، وحتى موظفو ومديرو الإعلام الرسمي خلال العقد الماضي لا يمكنهم السير في النهج الجديد دون تغذية مهنية، ومراجعة للمرحلة، وتقييم للأداء على المستوى الشخصي قبل العام.

إذًا، ما الإعلام الذي نتحدث عنه اليوم؟ إنه كل أدوات ووسائل الاتصال ونقل المعلومة والصورة والخبر والتحليل، سواء كانت خاصة أو رسمية، أفردًا أو مؤسسات.

يمكن فهم صعوبة خلق “توليفة” إعلامية مناسبة في سوريا هذا الوقت، لأن كل شيء موضوع على “نار حامية”، بدءًا بالرغيف وانتهاء بهوية الدولة، وبينهما القرارات الاقتصادية وشكل المؤسسات وجمع السلاح والطوائف والقوميات والتحالفات والسياسة الداخلية والخارجية.

هل يعني هذا ترك المسألة على ما هي عليه حتى تتضح هوية الدولة؟ ليس ذلك بالضبط، لأن التدخل السافر يعني خيبة أمل تشبه ما حصل في ربيع دمشق، أما “ترك الحبل على الغارب” فينذر بكارثة وشرّ مستطير.

أمام ضبابية كل شيء، ستحاول كل فئة تناضل لهدف أن تحتل مساحة من الحوار على مستوى المجتمعات المحلية، لتفاوض عليه إذا تمنّعت السلطة القادمة، كما يحاول كل متضرر خلط الأوراق لكسب الوقت، كما ستتعزز النزعات الفردية في غياب العمل الجماعي.

طيب، ما دور الإعلام في كل هذا؟ دور الإعلام أنه المكان الذي ستطفو على سطحه كل الأشياء، وسيكون المرآة العاكسة، فإما أن يشكل نقطة ضعف أو قوة، فكل الصراعات تحتاج إلى وسائل الاتصال السمعي البصري لكي تعبر عن نفسها، وإذا استطاعت القوى المجتمعية والمؤسسات الرسمية أن تتبنى تفاهمًا بالحدّ الأدنى، فإن ما سيظهر في الإعلام حتى ولو كان أقسى درجات النقد، يشكل جزءًا من حركة البناء لا الهدم، فالدولة وُجدت من أجل مواطنيها، وبناء الدولة مهمة الفرد قبل الجماعات، وتلك مصلحة مشتركة.

مشكلة الإعلام ليست مجرد إعادة صحفي منشق أو معالجة وضع آخر بتهمة التورط في تبني نهج سلطة فاسدة، وألا تترك مهمة نقل أخبار الدولة لمؤثر على وسائل التواصل، أو تغيير شعار لجريدة “تشرين” أو الهوية البصرية للتلفزيون الرسمي، فكل هذه تفاصيل، وليست أولويات، المشكلة هي أننا لا نعرف حتى اللحظة هويتنا القادمة، كما أننا لا نعرف إن كانت السلطة القادمة قادرة على هضم مسألة الحريات العامة وعلى رأسها حريّة الصحافة، والمشكلة الأكبر من كل ذلك هي أن نعرف ماذا سنفعل بالحرية إذا امتلكناها، وهذا يتطلب حوارًا حيويًا بعيدًا عن الأحقاد بين “الدولة” وجميع أبنائها.. وللحديث بقية.

مقالات متعلقة

  1. مثقفو الغوطة يُناقشون الإشاعة وآثارها السلبية
  2. ضمن حملة "نحن أهلها" شرقي سوريا.. منظمات مدنية تناقش الدستور ومشاركة المرأة
  3. على طريقة السيسي.. الأسد ينظم ندوة حوارية للشباب
  4. المعارضة السورية في قطر.. ندوة لـ"توليد أفكار" فقط

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي