خطيب بدلة
تواصل معي رجل من أبناء منطقتنا، إدلب، وطلب مني إعطاءه رقم الواتس. أعطيته الرقم، فاتصل بي، وعرفني باسمه، واسم بلدته، وأعلمني أنه يكبرني بثلاث سنوات. استمرت المكالمة نحو 50 دقيقة، اكتشفت خلالها أنه رجل طيب، وصريح، ومولع بالحكي، وسرد السوالف.
وتبين لي، من خلال أحاديثه، أنه لم يكن على علاقة سيئة مع نظام الأسد، بل كان يعيش، قبل سنة 2011، بكثير من الانسجام مع ذاته. كان يقول لي، من جملة أقواله: ورحنا، يا أستاذ، لعند العميد نوفل، رئيس فرع الأمن العسكري، الرجل صاحبنا، أخذنا معنا صديقًا لنا، من قرية كفرية، هو من أقاربه، وكان لنا عنده مصلحة، والرجل، للأمانة، لم يقصر معنا، خدمنا.. هل تعرف عضو فرع الحزب فلانًا الفلاني؟ قلت أعرفه. قال: هو صهري، زوج ابنتي، كان يحل أكبر مشكلة في المنطقة، لأنه مدعوم من القيادة القطرية، ومن القصر.
ومرة، يا أستاذ، توقف ابن خالتي محمود، في فرع أمن الدولة، رئيس قسم التحقيق ضابط رتبته مقدم، لئيم صفراوي، وضعنا له عشرات الواسطات، دون جدوى، طلبت من صهري أن يأخذ لي موعدًا معه، وضعت في جيبي مئة ألف ليرة، وذهبت لزيارته، ولما دخلت، ألقيت رزمة النقود على مكتبه، وقلت له: أنا داخل عليك دخلة عرب، أريد ابن خالتي محمود، لا أخرج من هنا إلا برفقته. وبالفعل، أخلى سبيله.
واكتشفتُ، كذلك، من خلال مسرودات هذا الرجل، أنه مبسوط الآن كثيرًا، لأن نظام الأسد سقط، ومتحمس لحكومة أحمد الشرع، ويكاد يطير من الفرح لأن “أهل السنة”، أخيرًا، استلموا الحكم.
ما رويته لحضراتكم، حتى الآن، عادي، فغالبية الشعب، في المناطق السنية، كان متكيفًا مع الواقع، أيام حكم الأسدين، وعندما سقط، ووجدوا أن بديله ينتمي إلى “السنة”، انتابت القسمَ الأكبر منهم مشاعرُ فرح عفوية.. ولكن، ما حصل أن صاحبي الجديد، هذا، أرسل إلي، في اليوم التالي لتعارفنا، أكثر من 20 تسجيلًا صوتيًا، يعلق فيها على فيديوهاتي التي تحدثتُ فيها عن الوضع الجديد بلغة ناقدة.. تسجيلات مليئة باللوم، والتقريع، التوبيخ لي، لأني لستُ ماشيًا مع التيار، وهي طويلة جدًا، ومملة، يكرر فيها الفكرة ذاتها، وهي أن معظم أبناء الطوائف الأخرى، يعادوننا، نحن أهل السنة، ولكن الغريب في الأمر أنك، أنت السني، تنتقدنا، بينما المفروض بك أن تقف معنا، وتناصر (قائدنا) أحمد الشرع، وتدعمه.
على الرغم من سذاجة الأفكار التي صدرت عن هذا الرجل، فإنها، بالنسبة إلي، مألوفة، وأنا لا ألوم الناس العاديين، الذين لا يمتلكون أي ثقافة، أو معرفة، فالأخطر، والأدهى، أنك تصادف، حيثما تلفتَّ، أناسًا يفترض أن يكونوا وطنيين، محترمين، مناصرين لفكرة الدولة الديمقراطية الحديثة، وإذا بهم من أردأ أنواع الطائفيين، الداعين للانتقام، المحرضين على قتل أبناء بلدهم، لا لذنب ارتكبوه، سوى أن حظهم العاثر جعلهم يولدون من أم وأب علويين.
العلويون الأبرياء، دفعوا ثمن “علويتهم”، عندما حسبهم حافظ الأسد ووريثه على السلطة، وتحسبهم السلطة الحالية، زورًا وبهتانًا، على ذلك النظام البائد.