هل تحرج فيديوهات وزير العدل العهد الجديد في سوريا

وزير العدل في حكومة دمشق المؤقتة، شادي الويسي - 1 كانون الثاني 2025 (وزارة العدل السورية)

camera iconوزير العدل في حكومة دمشق المؤقتة، شادي الويسي - 1 كانون الثاني 2025 (وزارة العدل السورية)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – حسن إبراهيم

انتشر تسجيلان مصوّران يعودان لعام 2015، أظهرا وزير العدل السوري في حكومة دمشق المؤقتة، شادي الويسي، خلال عمليتي إعدام ميداني بحق امرأتين بتهمة “الإفساد وامتهان الدعارة”، وكان حاضرًا بصفته قاضيًا شرعيًا في “جبهة النصرة” (هيئة تحرير الشام حاليًا).

إعادة تداول التسجيلين أثارت جدلًا وصدمة في أوساط الشارع السوري، وحركت مطالب بإقالة الويسي من منصبه، وإجراء تحقيق معه، وخضوعه لمحاكمة “عادلة”، مع انتقادات ومخاوف من عدم تطبيق القانون على الجميع، وعدم انخراط الحكومة في “العدالة الانتقالية”.

انتقادات ومطالب بالإقالة والتحقيق

عنب بلدي تأكدت من صحة أحد التسجيلين، عبر مصدر عسكري في “تحرير الشام” (غير مخوّل بالتصريح)، وقال إن حادثة منهما وقعت في مدينة معرة مصرين شمالي إدلب، وعلّق بأن “الأمر طبيعي يستند إلى الشريعة، ولو كان انتهاكًا لما تم توثيقه، لكن مشاهد الموت تترك أثرها السلبي في نفوس البشر”.

وذكرت منصة “تأكد” نقلًا عن “مسؤول رفيع” في الإدارة السورية الجديدة أن الرجل الذي يظهر في التسجيلين هو بالفعل وزير العدل الحالي شادي الويسي، وكان حينها قاضيًا، قائلًا (المسؤول) إن “محتوى الفيديو هو عملية إنفاذ القانون في فترة زمنية ومكان محددين، حيث تمت الإجراءات وفقًا للقوانين السارية آنذاك وضمن عملية إجرائية توافقية”.

ولفت “المسؤول” إلى أن هذه العملية تعكس مرحلة تم تجاوزها في ظل التحولات القانونية والإجرائية الراهنة، ما يجعل من غير المناسب تعميمها أو استخدامها لتوصيف المرحلة الحالية، نظرًا إلى اختلاف الظروف والمرجعيات، مع تأكيد الالتزام قانونيًا وإجرائيًا بالقواعد والمبادئ الجديدة التي يتفق عليها السوريون، والتي تضمن العدالة وسيادة القانون.

تواصلت عنب بلدي مع حكومة دمشق المؤقتة، للحصول على توضيحات أو تعليق من الحكومة أو الوزارة حول الجدل الحاصل، لكنها لم تحصل على رد حتى لحظة إعداد هذا التقرير.

صفحة “حقوقيون سوريون من أجل العدالة ودولة القانون” طالبت رئيس الحكومة الحالية، محمد البشير، بإقالة الويسي من منصبه كوزير للعدل، لأنه لا يصح أن يناط أمر العدالة والقضاء بـ”مجرم”.

وذكرت أنه “لا يصح أن نطالب ونقبل بمحاسبة مرتكبي الجرائم والانتهاكات من قبل فلول النظام السابق، ونغض الطرف عمن فعلوها ممن هم محسوبون على القوات المناهضة للنظام المجرم”.

استنادًا إلى التسجيلين المصورين، اعتبرت صحيفة “BILD” الألمانية أن وزير العدل الجديد هو “إسلامي مرعب”، ووصفته بأنه “قاضي الرعب الذي أعدم النساء”، وتساءلت عن إمكانية أن يُظهر حكام سوريا “ألوانهم الحقيقية”.

عائق أمام العدالة الانتقالية

عاد التسجيلان إلى الواجهة الإعلامية بعد عشر سنوات على وقوع عمليات “الإعدام الميداني”، وهي جزء من أحكام نفذتها “النصرة” و”الهيئة” حاليًا في مناطق سيطرتها بحق عدة أشخاص لأسباب مختلفة، منها تهمة التعامل مع النظام السوري، والتبعية لتنظيم “الدولة الإسلامية“، وعمليات خطف وقتل وسرقة.

وفي 13 من تشرين الثاني 2024، نفذت حكومة “الإنقاذ” بإدلب (نواة حكومة دمشق المؤقتة) حكم القتل بحق ثلاثة أشخاص متهمين بقتل القيادي في “تحرير الشام”، “أبو ماريا القحطاني”، وهو حكم صادر عن محكمة الجنايات المصدق من لجنة تصديق الأحكام، بالقتل “حدًا للحرابة”.

مدير منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”، بسام الأحمد، قال إن الحادثة (الإعدام الميداني) جرت حين كانت سوريا تعيش في ظل سياق نزاع مسلح، وعملية “إنفاذ القانون” بالزمان والمكان المحددين لها شروط ومحددات، إذ يجب أن يكون القانون نفسه متوافقًا مع المعايير الدولية وخصوصًا قانون النزاعات المطبّق.

وأعطى الأحمد مثالًا، بأن النظام السوري أجرى محاكم ميدانية لمعتقلين، وحاكم الأفراد خلالها وفق “قوانين” وضعها، لكن ذلك كان مخالفًا للقانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان، ويرقى لكونه جريمة حرب، معتبرًا أن فكرة وضع أي جهة لقانون ما لا تكفي أو تبرر لتنفيذها.

وأضاف أنه بحالات النزاع المسلح، وسيطرة أي جهة على منطقة ما، والرغبة بتشكيل قوانين ومحاكم، فيجب أن توافق المعايير الدولية، وتراعي أصول المحاكمات العادلة، منها حق عرض الأشخاص أمام محكمة مشكلة تشكيلًا قانونيًا، وأن يملك الأشخاص القدرة على الدفاع عن أنفسهم، وحق الطعن، مع وجود محاكمة علنية، وغيرها من الشروط.

وأوضح أن اتخاذ إجراء أو تعليق قانوني بحق الويسي، مرتبط بالدور الذي لعبه في تلك الحوادث وانخراطه بها، من إعطاء حكم، أو تسهيل العملية، أو التواطؤ، أو التنفيذ، أو غيره، وهو ما يحتاج إلى تحقيق مستقل وشفاف.

يرى الأحمد أن هذه الحوادث وضلوع شخصيات في حكومة دمشق المؤقتة بحوادث “انتهاكات” تشكل عائقًا أمام تحقيق العدالة بشكل عام، والانتقالية في سوريا بشكل خاص، بغض النظر عن دوره بالحادثة حينها، لأن هذه الحوادث تحمل تأثيرًا سلبيًا على مصداقية الأشخاص القائمين على عملية العدالة الانتقالية، إذ لا يمكن أن يعمل شخص أو جهة على العدالة الانتقالية ولديها تاريخ تشوبه الانتهاكات.

واعتبر أن العدالة الانتقالية بحد ذاتها قائمة على أشخاص لديهم تاريخ خالٍ من أي انتهاكات أو شوائب.

مدير “المركز السوري للعدالة والمساءلة“، محمد العبد الله، دعا إلى إقالة الويسي، واصفًا تعيينه كوزير للعدل بأنه “فضيحة”، معربًا عن مخاوفه من أن تدفع حوادث مماثلة القيادة الجديدة في سوريا إلى تجنب “الانخراط في أي عمليات حقيقية للعدالة الانتقالية” تجنبًا للمساءلة.

الإرباك والإحراج داخليًا وخارجيًا

نادر الخليل

باحث سياسي سوري

قضية وزير العدل شادي الويسي تتطلب تحليلًا دقيقًا للأبعاد الداخلية والخارجية، مع الأخذ بعين الاعتبار السياق السياسي الحالي للإدارة الجديدة بقيادة أحمد الشرع.

  • على الصعيد الدولي:

حاليًا، يبدو أن هناك تريثًا وترقبًا من قبل المجتمع الدولي تجاه الإدارة الجديدة في سوريا، متمثلًا بغض النظر عن خلفيات الأشخاص القائمين بمواقع المسؤولية. كما هو معروف، أحمد الشرع نفسه كان مطلوبًا ومصنفًا “إرهابيًا” لدى بعض الدول، ومع ذلك، فإن هذه الدول، وخاصة الغربية، لم تتخذ موقفًا سلبيًا مباشرًا تجاهه أو من الإدارة الجديدة، بل اختارت الانتظار لرؤية أفعاله. بناء على ذلك، لا أعتقد أن خلفية شادي الويسي ستدفع الدول الغربية إلى اتخاذ موقف سلبي في الوقت الحالي.

ولكن، هذا لا يعني أن القضية لن تُفتح لاحقًا (إن خالفت أفعال الإدارة أقوالها، للجانب الغربي على الأقل)، إذا خالفت الإدارة الجديدة تعهداتها أو أظهرت ممارسات تتناقض مع معايير حقوق الإنسان، فإن قضية الويسي قد تصبح نقطة ضغط تستخدمها الدول الغربية ضد الحكومة. بمعنى آخر، هذا الملف قد يُفتح في المستقبل القريب إذا لم تتطابق أفعال الإدارة مع وعودها.

  • على الصعيد الإقليمي:

معظم الدول الإقليمية المؤثرة، مثل تركيا وقطر والسعودية، تتخذ موقفًا إيجابيًا أو قائمًا على الترقب الإيجابي تجاه الإدارة الجديدة. هذه الدول تركز على النتائج والأفعال أكثر من التركيز على خلفيات الأشخاص المسؤولين. ومع ذلك، قد تستغل بعض الدول غير المرحبة بالتغيير في سوريا (مثل مصر وربما الإمارات)، قضية شادي الويسي للتحريض الإعلامي وحتى الدبلوماسي ضد الإدارة الجديدة. هذا السيناريو وارد، لكنه يعتمد على مدى تأثير هذه الدول في الإقليم، والذي يبدو محدودًا في هذه المرحلة.

لذلك، نعم، يشكّل بقاء الويسي إحراجًا نسبيًا لحكومة تسيير الأعمال، لكن لا نعرف إلى أي درجة تأثير أطراف إقليمية محدودة، سيكون مؤثرًا.

  • داخليًا:

يُشكل بقاء الويسي إحراجًا نسبيًا للإدارة الجديدة، خاصة مع تصاعد بعض الانتقادات الشعبية والمطالبات بإقالته، بعد تداول تسجيلات مصورة لعمليات إعدام كان حاضرًا فيها، بما يُعيد فتح ملفات حساسة تتعلق بممارسات الماضي، ما يضع الحكومة في موقف دفاعي أمام الرأي العام. واستمرار الويسي في منصبه قد يُفسَّر على أنه تجاهل لمطالب الشارع، ما قد يؤدي إلى تآكل الثقة في الحكومة الناشئة.

· إمكانية الاستجابة لمطالب الإقالة

لطالما عُرف أحمد الشرع ببراغماتيته، فلن يتردد دون شك في إبعاد أي شخص عن المشهد المباشر على الأقل، إذا تسبب بضرر سياسي ملموس للإدارة الجديدة. لكن قرار إقالة الويسي يعتمد على حجم الضغط الناجم عن المطالبات الشعبية والسياسية. إذا وصل الضغط إلى درجة تهدد استقرار الحكومة أو تعوق قدرتها على العمل داخليًا وخارجيًا، فمن المرجح أن تتم إقالته، أما إذا بقيت المطالبات ضمن إطار محدود التأثير، فقد تفضل الإدارة التريث وعدم الاستجابة الفورية لهذه الضغوط.

الخلاصة

بقاء شادي الويسي في منصبه يشكل إحراجًا نسبيًا لحكومة تسيير الأعمال داخليًا وخارجيًا. القرار بشأن إقالته يعتمد على حجم الضغوط ومدى تأثيرها على استقرار الحكومة وصورتها، أو وصوله لمرحلة تهدد بضرر سياسي لنشاط الإدارة الجديدة. الإدارة الجديدة تمتلك المرونة الكافية لاتخاذ القرار المناسب بناء على المعطيات، مع التركيز على الحفاظ على توازنها السياسي في هذه المرحلة الحساسة.

من شادي الويسي

شادي محمد الويسي من مواليد محافظة حلب عام 1985، حاصل على إجازة في الشريعة الإسلامية ودبلوم تأهيل تربوي، ويعمل على إعداد رسالة ماجستير في الدراسات الإسلامية والقضائية.

عمل مدرّسًا لمادة التربية الإسلامية في محافظة حلب، ثم إمامًا وخطيبًا في مدينة حلب لمدة سبع سنوات، وفق ملف التعريف الخاص به المنشور على معرفات الوزارة.

بعد انطلاق الثورة السورية عام 2011، نشط الويسي في مجال القضاء الشرعي، حيث شارك في تأسيس “الهيئة الشرعية” في حي ضهرة عواد بمدينة حلب، وعمل فيها قاضيًا شرعيًا، ثم انضم إلى الكادر التأسيسي للهيئة الشرعية الرباعية في حلب منذ تأسيسها في 10 من تشرين الثاني 2012، وشغل عدة مناصب فيها، بدءًا من قاضي جزاء عسكري، ثم قاضي استئناف، ثم نائب عام، وفق مؤسسة “الذاكرة السورية”.

عمل الويسي على تأسيس “مشروع دور القضاء”، وترأس عددًا من المحاكم الشرعية، مثل محكمة “سلقين”، ومحكمة “حريتان”، ومحكمة “البادية الشمالية”.

وبعد تأسيس حكومة “الإنقاذ” السورية في إدلب عام 2017، شغل الويسي عدة مناصب في وزارة العدل التابعة لها، منها عضو محكمة الجنايات المدنية، ثم رئيس هيئة الاستئناف الجزائي، ثم رئيس محكمة الاستئناف، إضافة إلى كونه عضوًا في المجلس الأعلى للقضاء بحكومة “الإنقاذ”.

تولّى شادي الويسي رئاسة وزارة العدل في حكومة “الإنقاذ” السورية بدورتها السادسة (19 من كانون الثاني 2023) برئاسة علي عبد الرحمن كده، وفي 21 من كانون الأول 2024، أعلنت “القيادة العامة” تكليفه بحقيبة وزارة العدل في حكومة دمشق المؤقتة.

“تحرير الشام” بانتظار أن تحل نفسها

أما “تحرير الشام”، فنشأت في سوريا تحت مسمى “جبهة النصرة” نهاية عام 2011، وهي فصيل تميّز بخروجه من رحم “القاعدة”، أبرز الفصائل “الجهادية” على الساحة العالمية، وأعلنت لاحقًا انفصالها عن أي تنظيم، واعتبرت نفسها قوة سورية محلية، لكنها لا تزال مدرجة على قوائم “الإرهاب”.

خلال معركة “ردع العدوان” التي أطلقتها فصائل المعارضة، وانتهت بسقوط النظام السوري، وهروب بشار الأسد إلى روسيا، وما تلاها، تكرر حديث قائد “تحرير الشام” وهو قائد الإدارة السورية الجديدة، أحمد الشرع، عن حل الفصيل، وذكر أن ذلك سيتم خلال “مؤتمر الحوار الوطني” المزمع عقده في سوريا قريبًا.

وكانت “تحرير الشام” رأس حربة الفصائل التي شاركت بعملية “ردع العدوان”، وابتعدت عن التصريح أو الظهور بشكل رسمي كفصيل عسكري، منذ 27 من تشرين الثاني 2024، وكل ما يتعلق بها يندرج تحت عمل “إدارة العمليات العسكرية”، وحكومة دمشق المؤقتة.

الولايات المتحدة التي لا تزال تصنّف الشرع كـ”إرهابي عالمي” منذ أيار 2013، أوقفت، في 20 من كانون الأول 2024، رصد مكافأة قدرها 10 ملايين دولار أمريكي لمن يدلي بمعلومات عنه، بعد أن عرضتها منذ 2020، بينما تبقى إزالة الفصيل من قوائم الإرهاب قيد النظر، وتعتمد على تغيير السلوك، حيث أبدت واشنطن لهجة مختلفة تجاه الفصيل وقائده مؤخرًا.

نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة