الممتلكات المسلوبة في سوريا.. مشكلة قانونية متعددة الأوجه

  • 2025/01/12
  • 2:00 م
رجال يحملون علم الثورة السورية فوق سيارة في دمشق احتفالًا بسقوط نظام الأسد- 8 من كانون الأول 2024 (رويترز)

رجال يحملون علم الثورة السورية فوق سيارة في دمشق احتفالًا بسقوط نظام الأسد- 8 من كانون الأول 2024 (رويترز)

عنب بلدي – نوران السمان

بعد سقوط النظام السوري، عادت قضية الممتلكات المسلوبة إلى الواجهة، مثيرة تساؤلات حول كيفية استردادها بعد سنوات من السيطرة غير المشروعة عليها من قبل أفراد وكيانات مرتبطة بالنظام السابق، والإجراءات القانونية اللازمة لضمان عودة الحقوق لأصحابها.

وزارة الإدارة المحلية في سوريا ذكرت، في 5 من كانون الثاني الحالي، أن فترة حكم النظام السابق شهدت عمليات سرقة واسعة للأملاك العامة والخاصة، وتزويرًا ممنهجًا لعقود البيع والشراء، ما أدى إلى تهديد حقوق المواطنين وممتلكاتهم.

وكانت شخصيات مقربة من النظام السابق، استغلت الفوضى وتهجير السكان للسيطرة على ممتلكاتهم بطرق غير قانونية، سواء باستخدام التهديد أو التزوير، وبيعها لاحقًا لمواطنين بعقود مزورة من دون علم أو موافقة مالكيها الأصليين.

وبعد سقوط النظام حاول ملاك العودة إلى عقاراتهم، ومن بين الحالات التي نجحت في استرداد ممتلكاتها، تمكن ورثة برهان العظم والمحامي أسامة المؤيد العظم وأشقاؤه من استعادة بنائهم الخاص في منطقة الجبة بالعاصمة السورية، دمشق، والذي كان تم الاستيلاء عليه بعقد إيجار قسري وغير عادل منذ عام 1963.

وقال أحمد عمر العظم أحد أحفاد العائلة لعنب بلدي، إن البناء المستعاد يعود إلى عم والده، بديع مؤيد العظم، الذي كان أول وزير عدلية في تاريخ سوريا الحديث.

وأشار إلى أنه تم الاستيلاء عليه بعد وصول حزب “البعث العربي الاشتراكي” إلى السلطة، إثر انقلاب 8 من آذار 1963 “المشؤوم”، ضمن حملة استحواذ على ممتلكات خاصة عبر عقود إيجار “مجحفة” فرضها النظام آنذاك.

القصر الذي يعود تاريخه إلى مطلع القرن الماضي، تحول إلى وحدة عسكرية تحت اسم “الوحدة 205” التابعة لوزارة الدفاع، ولم يُعوض أصحابه سوى بمبالغ رمزية لا توازي قيمته المادية أو التاريخية.

وأضاف  أحمد أن النظام أصدر قوانين منح فيها المستأجرين حماية كاملة، ومنع المالكين من استعادة ممتلكاتهم، واصفًا تلك الإجراءات بأنها “ممنهجة” للاستيلاء على الأملاك الخاصة.

ومع سقوط النظام في 8 من كانون الأول 2024، وتفكك منظومته الأمنية والسياسية، أصبحت الممتلكات التي كانت تحت إدارته مستقلة، وأُلغيت العقود غير القانونية، بحسب أحمد.

وأكد أن العائلة تمكنت من استعادة البناء بعد تقديم الوثائق القانونية التي تثبت ملكيته لمخفر الصالحية، حيث جرى تأمينه وإعادته للعائلة.

وذكر أحمد أن أفرادًا من العائلة سارعوا إلى القصر فور سقوط النظام، وكانوا “على يقين بأن ميليشيات النظام تركته بعد هروب بشار الأسد، وعند الوصول كان القصر خاليًا وأبوابه مفتوحة”.

وحرصت العائلة على اتخاذ جميع الإجراءات القانونية لحماية القصر، خاصة مع انتشار حوادث السرقة في دمشق خلال تلك الفترة.

وأشار أحمد إلى أن استعادة القصر تمثل خطوة مهمة للعائلة التي عانت من التهجير والإبعاد القسري، معربًا عن أمله في أن يصبح القصر رمزًا لاستعادة تاريخ العائلة وهويتها، ومكانًا يجمع شمل أفرادها من جديد.

حالات متكررة

عودة بناء العظم لأصحابه تندرج ضمن موجة أوسع من استعادة الأملاك المسلوبة، وبرزت على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع مصورة تُوثق استرجاع بعض المواطنين لمنازلهم، من بينها منزل في حي المالكي بدمشق، كان مستولى عليه من قبل أحد أفراد النظام السابق.

كما انتشر مقطع فيديو آخر يظهر استعادة شخص لمنزله في حي شارع بغداد بدمشق، بعد أن كان مستولى عليه من قبل أحد الضابط، إضافة إلى مقطع مصور آخر تظهر فيه عائلة تستعيد منزلها في محافظة حمص بعد 42 عامًا من مصادرته قسرًا.

رهام، التي تنتمي لإحدى العوائل من حي ركن الدين في العاصمة السورية، قالت لعنب بلدي، إن أحد بيوت العائلة استعيد بعد 50 عامًا من السيطرة عليه، مشيرة إلى أنه في عام 2009، تم تثبيت عقد لإخلاء المستأجرين، إلا أن أفرادًا كانوا مرتبطين بالنظام لجؤوا إلى التهديد لمنع تنفيذ الإخلاء.

وأضافت أنه بعد سقوط نظام الأسد، تمكنت العائلة من استعادة المنزل بمساعدة الهيئة المختصة بعد تقديم الوثائق القانونية التي تثبت ملكية العائلة للعقار، ما أتاح لها استرجاعه بعد سنوات طويلة من الحرمان.

 ماذا يقول القانون؟

الأستاذ في كلية الحقوق بجامعة “دمشق” حسن البحري، قال لعنب بلدي، إن استرجاع الممتلكات المصادرة يعتمد في بعض الحالات على قرارات المصادرة ذاتها، حيث يمكن استخدامها لإثبات ملكية من تمت مصادرة أملاكه تحت ذريعة الإرهاب.

وشدد على ضرورة إلغاء جميع قرارات المصادرة الصادرة بعد عام 2011، بالإضافة إلى العديد من قرارات ومراسيم الاستملاك التي تمت خلال تلك الفترة.

ومنذ بداية عام 2011، أصدرت حكومة النظام السوري السابق مجموعة من القوانين والمراسيم التشريعية المتعلقة بحقوق الملكية، كان لها تأثير على السوريين الموجودين داخل وخارج البلاد، كما شملت الحجز على الأموال المنقولة وغير المنقولة لمعارضين سياسيين أو متعاطفين مع الثورة السورية من فنانين ومثقفين وتجار، وُجهت إليهم تهم دعم ما يسمى بـ”الإرهاب”.

ونص قانون “مكافحة الإرهاب” رقم “19” لعام 2012، في المادة “12” منه على أنه، “في جميع الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون، تحكم المحكمة بحكم الإدانة بمصادرة الأموال المنقولة وغير المنقولة وعائداتها والأشياء التي استخدمت أو كانت معدّة لاستخدامها في ارتكاب الجريمة، وتحكم بحل المنظمة الإرهابية في حال وجودها”.

وأضاف البحري أن استرداد الممتلكات يعتمد على طبيعة إشغال العقار، فإذا كان إشغال العقار قد تم بحسن نية، عبر قوانين إدارية أو قانون الإصلاح الزراعي، فقد لا يكون بالإمكان استرداد العقار.

أما إذا كان الإشغال قد تم دون حسن نية، وكان الشاغلون من “الشبيحة” أو “المجرمين”، فيمكن ملاحقتهم قضائيًا.

شهدت سوريا صدور مجموعة من القوانين التي أثرت بشكل مباشر على حقوق الملكية، بدءًا من قانون الإصلاح الزراعي رقم “161” لعام 1958، الذي حدد سقفًا للملكية الزراعية، ومنح الحكومة الحق في مصادرة المساحات التي تتجاوز الحد المسموح به.

وتمت هذه المصادرة مقابل تعويض رمزي يُحسب بناء على عشرة أمثال متوسط بدل إيجار الأرض لدورة زراعية لا تتجاوز ثلاث سنوات.

وصدر  قانون تقسيم وعمران المدن رقم “9” لعام 1974، الذي سمح للجهات الإدارية اقتطاع ما يصل إلى ثلث مساحة المناطق الخاضعة للتنظيم، وفي بعض الحالات النصف، بحجة المصلحة العامة دون تقديم تعويض.

كما أن القانون رقم 26 لعام 2000 منح الإدارة الحق في اعتبار بعض المناطق توسعًا عمرانيًا، مع إمكانية استملاكها وفق شروط غالبًا ما تخدم مصالح الجهات الإدارية، وصدرت العديد من القوانين العقارية الأخرى التي كان الهدف منها سلب المواطن ممتلكاته، ومنها  قانون التطوير والاستثمار العقاري رقم 15 لعام 2008، وقانون التخطيط وعمران المدن رقم 23 لعام 2015.

وأشار الأستاذ في كلية الحقوق بجامعة “دمشق” إلى أن حق الملكية الخاصة مكفول دستوريًا ودوليًا ودينيًا، مؤكدًا أهمية معالجة قضايا استرجاع الممتلكات ضمن إطار قانوني واضح، ومحذرًا من الفوضى وانعدام سلطة القانون التي تهيمن حاليًا على هذه العمليات.

من جانبه، قال خالد زعين وهو محامٍ في دمشق، لعنب بلدي، إن مسألة استرجاع الممتلكات لا تزال في مراحلها الأولى، وإن هناك حاجة ملحة لوضع قوانين واضحة لتنظيم العملية.

وأضاف، “سمعنا عن إعادة بعض العقارات إلى أصحابها، لكن هذا برأيي غير قانوني. يجب أن يتم الأمر عبر إجراءات قانونية دقيقة وبالتنسيق مع جهات متعددة”.

وأشار المحامي إلى وجود مشكلة تتعلق بالعقارات التي مر زمن طويل على مصادرتها، إذ إن العديد من أصحابها قد توفوا، ما يستلزم التأكد من جميع الورثة قبل إعادة الممتلكات لتجنب النزاعات بين أفراد العائلة الواحدة.

ولفت إلى أن حل هذه القضية ما زال سابقًا لأوانه، حيث يتطلب الأمر استقرار الدولة وصدور دستور جديد يمكن أن يكون مرجعًا قانونيًا لهذه القضايا.

وفي عام 2021  أصدرت “هيئة القانونيين السوريين” مذكرة قانونية تسلط الضوء على استيلاء النظام السوري السابق على أملاك وعقارات السوريين وأموالهم المنقولة، عبر قرارات أمنية صادرة عن حزب “البعث”، في ظل غياب القانون وسلطة القضاء.

وأوضحت المذكرة أن هذه العمليات تأتي ضمن “خطة ممنهجة” بدأها النظام السابق خلال الثورة السورية بقوانين مكافحة “الإرهاب”، وتوجت بالقانون رقم 10 لعام 2018، الذي استهدف أملاك السوريين المسجلة في السجلات العقارية.

كما شملت الخطة حرمان السوريين من حقوق الانتفاع والإيجار والمزارعة، بالإضافة إلى مصادرة محاصيلهم الزراعية.

وأشارت الهيئة إلى أن النظام استغل هذه الأملاك كـ”مكافآت” لعناصر “الشبيحة” والميليشيات الموالية له، تقديرًا لما أسمته “جرائمهم بحق الشعب السوري”.

وأضافت أن هذه الإجراءات تأتي ضمن سياسة “العقاب الجماعي” للسوريين، وفي الوقت ذاته تُعتبر وسيلة للنظام لرفد خزينته بالأموال، في محاولة للتغلب على العقوبات الدولية المفروضة عليه.

ووصفت “هيئة القانونيين” هذه الممارسات بأنها “اعتداء صارخ” على حقوق الملكية المكفولة دستوريًا وقانونيًا، مستشهدة بالمادة “768” من القانون المدني، التي تنص على أن “لمالك الشيء وحده في حدود القانون حق استعماله واستغلاله والتصرف فيه”.

مقالات متعلقة

  1. سوريا.. تحذير من شراء عقارات من "المتورطين بالدماء"
  2. ما الوسائل المتاحة لحماية الملكيات العقارية في سوريا
  3. "نصراني متغيب".. الأملاك العقارية لمسيحيي إدلب خارج حيازتهم
  4. البيوت السورية هواجس أصحابها بغياب العدالة.. لقاء مع المحامي غزوان قرنفل

المساكن والأراضي والممتلكات

المزيد من المساكن والأراضي والممتلكات