عنب بلدي – جنى العيسى
تفتح المتغيرات السياسية الأخيرة في سوريا الباب واسعًا أمام متغيرات اقتصادية تفرضها المرحلة في سياق إعادة إعمار البلاد.
ومن أبرز تلك المتغيرات الاعتماد على الاستثمار، خاصة الأجنبي، كواحد من أكثر حوامل الاقتصاد لجهة تعجيل دوران العجلة الاقتصادية وملء خزينة الدولة.
وفي البيئة السورية، توجد مئات الفرص الاستثمارية التي يمكن أن تجذب رأس المال، إلا أن الرغبة العالية للمستثمرين ببدء مشاريعهم في سوريا قد تصطدم بمعوقات عديدة في ظل غياب البيئة الآمنة للاستثمار.
مدخل لتطوير الدولة
يجب على المستثمرين الأجانب قبل اتخاذ قرارهم بالاستثمار في بلد معيّن، دراسة وتحديد مدى خطورة “مناخ الاستثمار” في هذه الدولة، بحسب ما يوضحه تقرير نُشر عبر موقع “Investopedia” المختص بالمال والاستثمار.
ومناخ الاستثمار هو الظروف الاقتصادية والمالية والاجتماعية والسياسية في بلد ما، التي تؤثر على مدى استعداد الأفراد والبنوك والمؤسسات لإقراض الشركات العاملة الخاصة فيها.
ويتأثر مناخ الاستثمار، بحسب التقرير، بعدة عوامل غير مباشرة، تكاد تكون معظمها موجودة في سوريا، منها مستوى الفقر، ومعدل الجريمة، والبنية التحتية، ومشاركة القوى العاملة، واعتبارات الأمن القومي، والاستقرار السياسي، والضرائب، والسيولة، واستقرار الأسواق المالية، وسيادة القانون، وحقوق الملكية، والبيئة التنظيمية، وشفافية الحكومة، ومساءلة الحكومة.
يعد الاستثمار الأجنبي مدخلًا رئيسًا لتطوير الدولة، خاصة في الحالة السورية، بحسب ما أوضحه الباحث في الاقتصاد السياسي يحيى السيد عمر، ولا سيما أن تكلفة إعادة الإعمار مرتفعة، لذا لا بد من السعي لتطوير مؤشرات الاستثمار الأجنبي في البلاد.
وأضاف السيد عمر، في منشور له عبر صفحته الشخصية في “فيس بوك“، أن الاستثمار يحتاج إلى مجموعة من المتطلبات، وعمومًا ولجذب المستثمرين لا بد من معرفة التحديات التي قد تواجههم والعمل على مواجهتها.
الأمن أولوية
تتركز تحديات الاستثمار الأجنبي بشكل رئيس حول الأمن ومؤشرات الاستقرار المختلفة السياسية والاجتماعية، إضافة إلى وجود بيئة قانونية وتشريعية داعمة، وتقديم تسهيلات ومزايا واسعة، بحسب ما أكده الباحث يحيى السيد عمر.
كما يعد تطوير البنية التحتية (المرافق، الشبكات، المطارات، الموارد والطاقة) عاملًا حاسمًا، فضلًا عن استقرار المنطقة بالكامل، وهو ما يسمى بالاستقرار الجيوسياسي، لأن الاستقرار الإقليمي ينعكس بشكل غير مباشر على الاستثمار في الدولة، وفق الباحث، الأمر الذي يعتبر كفيلًا بجذب ودفع الاستثمارات الأجنبية إلى سوريا.
المحلل الاقتصادي جورج خزام، أشار إلى أن أصحاب رؤوس الأموال يستطيعون التوجه لكل الأماكن الآمنة بالعالم للعيش أو الاستثمار فيها، ولن يفكر أي منهم بالاستثمار بمكان يشكل لهم أي تهديد شخصي أو أي تهديد على أموالهم، أو يكون السبب في تراجع النشاط التجاري بالمستقبل.
وأضاف خزام في منشور له عبر صفحته الرسمية في “فيس بوك” أن استقرار الأمن والسلم الأهلي دون احتمال نشوب أي نزاعات مستقبلية هو الشرط الأكثر أهمية قبل القيام بأي إصلاحات اقتصادية، خاصة أن هناك من الدول الأجنبية والعربية من يقوم بتقييم درجة الأمن والسلم الأهلي من أجل عودة علاقاته التجارية والدبلوماسية مع سوريا.
للعام السادس على التوالي، حافظت سوريا للعام الخامس على موقعها في ذيل مؤشر “السلام العالمي”، وفق تقرير معهد “الاقتصاد والسلام” العالمية، لعام 2024، وهو أحد أبرز المؤشرات التي يعتمد عليها المستثمرون لتقييم البيئة الاستثمارية في البلاد.
وبحسب المؤشر، حلت سوريا في المرتبة الـ161 من أصل من 163، بدرجة واحدة قبل اليمن التي حلت في المركز الـ162، فيما احتلت أفغانستان المرتبة الأخيرة.
وتصدرت أيسلندا المؤشر، وجاءت في المرتبة الأولى، لهذا السبب تستقطب سنويًا استثمارات بمئات ملايين الدولارات.
يقيس مؤشر “السلام العالمي” حالة السلام وفق ثلاثة مجالات، هي مستوى الأمن والسلامة المجتمعية، ومدى استمرار الصراع المحلي والدولي، ودرجة العسكرة.
شقان لرأس المال
الأكاديمي والباحث الاقتصادي سنان حتاحت، قال في حديث إلى عنب بلدي، إن الاستثمار الأجنبي في سوريا له شقان، الأول هو المال الموجود في الخارج لكن يملكه سوريون سواء من مزدوجي الجنسية أو المقيمين في الخارج، والثاني هو شركات أجنبية دولية تريد الاستثمار.
يعتبر الشق الأول مهمًا جدًا، لأن الحالة الاقتصادية في البلد تحتاج إلى تضافر جميع الجهود من أجل النهوض بالعملية الاقتصادية، وتلعب دورًا في تنشيط القطاع الخاص الذي يجب أن يكون الموظِف الأول في سوريا كما كان تاريخيًا أساسًا، إذ في أسوأ الأحوال وصلت نسبة موظفي القطاع الخاص إلى 75% بينما كانت نسبة موظفي الدولة 25% فقط.
ويرى حتاحت أن المال السوري يجب أن تكون له أولوية من أجل الحفاظ على القرار الوطني، فيما يعد المال الأجنبي مهمًا بشرط وجود ضوابط تشريعية وقانونية تحفظ حق البلاد، دون السماح بحدوث عملية استغلال للمستهلك المحلي.
وفي الشقين على حد سواء، تتطلب عملية الاستثمار وجود عدة مؤشرات، أولها تشريعية تحميه من السرقة والتنافس غير الشريف، وتحمي الاقتصاد من عملية الاحتكار التي يمكن ممارستها من قبل المستثمر.
كما تتطلب العملية وجود الأمان وشركات التأمين وضمان الطاقة والموارد البشرية التي يجب أن تكون مدربة على نوع عالٍ من الخبرات حتى ينطلق العمل، فضلًا عن وجود بيئة مالية للتمويل مثل البنوك.
دون هذه المؤشرات الحتمية لن يكون هناك استثمار أجنبي كبير في سوريا، وفق ما يتوقعه حتاحت، مضيفًا أن رفع العقوبات عن سوريا بالكامل ورفع تصنيف “هيئة تحرير الشام” عن قوائم الإرهاب أيضًا عامل مهم في هذا السياق، ويمكن أن يضاعف الاستثمارات في البلاد.
في ذيل الإنتاجية وصدارة الفساد
على صعيد العمال، حلّت سوريا في المركز الـ18 من أصل 117 بلدًا في مؤشر معدل فقر العاملين، بحسب تصنيف “منظمة العمل الدولية” لعام 2022، كما صنفت إنتاجية العمل في سوريا بالمركز الـ149 من أصل 185 بلدًا، ما يشير إلى ضعف الإنتاجية.
وعن نسبة العمالة إلى عدد السكان، جاءت سوريا في المركز الـ166 من أصل 190 بلدًا بمعدل 39.2%، وفق تحديثات المنظمة الدولية، وهو ما يشير إلى هجرة اليد العاملة.
ولأعوام متتالية، حافظت سوريا على مرتبتها قبل الأخيرة في تقرير قائمة التقرير السنوي لمؤشرات “مدركات الفساد” الذي تصدره “منظمة الشفافية الدولية”، والذي يرصد حالتي الشفافية والفساد في 180 دولة حول العالم.
وصنفت المنظمة، في تقريرها الأخير، سوريا في المرتبة الـ177 من أصل 180 دولة، برصيد 13 نقطة من أصل 100 نقطة، وبذلك تكون سوريا تراجعت من المرتبة الـ144 برصيد 26 نقطة وفق الترتيب الصادر في العام 2012، لتصل إلى الترتيب الحالي، بعد تراجعها 13 نقطة.
وتعد درجة الدولة على مؤشر “مدركات الفساد العالمي” هي المستوى المتصور لفساد قطاعها العام على مقياس من صفر إلى 100، إذ تعني درجة صفر الأكثر فسادًا، ودرجة 100 الأكثر نزاهة.