علي درويش | هاني كرزي
دخلت “إدارة العمليات العسكرية” وغرفة عمليات الجنوب إلى دمشق وأسقطت نظام المخلوع بشار الأسد في 8 من كانون الأول 2024، وأنهت جيشه خلال 11 يومًا، وأصبحت القوة العسكرية الرئيسة على الأرض هي “إدارة العمليات العسكرية”.
الشروع بتأسيس جيش جديد كان أحد الملفات الرئيسة التي تحدثت عنها القيادة الجديدة، واتخذت خطوات لذلك، أبرزها تعيين وزير للدفاع وقائد أركان، وعقد جلسات تنظيمية مع قيادات الفصائل العسكرية لبدء عملية انخراط الفصائل في وزارة الدفاع.
إعادة تأسيس جيش جديد بعد انهيار جيش النظام السابق تواجه العديد من العقبات، مثل وجود فصائل مختلفة الولاءات والتوجه، وتعرض المستودعات والقطع العسكرية السورية لضربات إسرائيلية مكثفة بعد ساعات من سقوط النظام، ما أضعف القدرات العسكرية السورية.
ويطرح إعادة تشكيل الجيش أسئلة حول مستقبل “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) وفصائل الجنوب في الجيش الجديد، وأيديولوجيا الجيش، وهل سيعتمد مستقبلًا على العناصر التطوعية فقط، خاصة بعد إلغاء التجنيد الإجباري.
خطوات لإعادة هيكلة الجيش
الخطوة الأولى في تشكيل الجيش الجديد كانت بإصدار “القيادة العامة” قرارًا بترفيع عدد من الأشخاص (بعضهم ضباط منشقون وآخرون قادة عسكريون في الفصائل) ومنحهم رتبًا عسكرية.
الرتبة العسكرية الأعلى للترفيع كانت لواء، ومنحت إلى مرهف أبو قصرة، المعروف سابقًا بلقب “أبو حسن 600″، وهو ليس ضابطًا سابقًا، وكان قائد الجناح العسكري لـ”هيئة تحرير الشام”، التي تعتبر أبرز الفصائل ضمن “إدارة العمليات العسكرية”.
اللواء الآخر هو الرائد المنشق عن جيش النظام السابق عام 2012، علي نور الدين النعسان.
عُيّن مرهف أبو قصرة وزيرًا للدفاع، وعلي النعسان قائدًا لهيئة الأركان، ولم يصدر بعد قرار يخص مناصب باقي الشخصيات التي تم ترفيعها.
وشمل الترفيع الأول مع أبو قصرة والنعسان، ترفيع خمسة أشخاص لرتبة عميد، و42 شخصًا لرتبة عقيد، تبعه ملحق للقرار الذي حمل “الرقم 8” بترفيع ستة أشخاص لرتبة عميد.
وبعض من شملهم قرار الترفيع ضباط منشقون، وقسم آخر قادة عسكريون في الفصائل، كما توجد بينهم شخصيات غير سورية.
ونقلت وكالة “رويترز” عن مصدرين “مطلعين” أن مبعوثين أمريكيين وفرنسيين وألمان حذروا الإدارة الجديدة في سوريا من أن تعيينها لجهاديين أجانب في مناصب عسكرية عليا يمثل “مصدر قلق أمنيًا وسيئًا” لصورتها في الوقت الذي تحاول فيه إقامة علاقات مع دول أجنبية.
وقال مسؤول أمريكي لـ”رويترز”، إن التحذير الذي وجهته الولايات المتحدة، والذي يأتي في إطار الجهود الغربية لدفع الزعماء السوريين الجدد إلى إعادة النظر في هذه الخطوة، صدر خلال اجتماع بين المبعوث الأمريكي دانييل روبنشتاين وقائد الإدارة السورية الجديدة، أحمد الشرع.
وبحسب مصدر عسكري لـ”رويترز”، حصل خلال الترفيعات ثلاثة غير سوريين على رتبة عميد، وثلاثة آخرون على الأقل حصلوا على رتبة عقيد.
الأجانب الحاصلون على رتبة عميد هم المواطن الأردني عبد الرحمن حسين الخطيب، والأويغوري (من الصين) عبد العزيز داود خدابردي الملقب بـ”زاهد”، وهو قائد “الحزب الإسلامي التركستاني” في سوريا.
الضباط المنشقون عن جيش النظام السابق هم في الواقع يجب أن يكونوا عماد الجيش ومن أركانه وهم الأقدر تنظيميًا واختصاصيًا على بناء هذا الجيش.
فايز الأسمر
عقيد منشق ومحلل عسكري
ما مرجعية قرار الترفيع
علّق الباحث المتخصص في العلاقات العسكرية المدنية بمركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” محسن المصطفى، على قرارات الترفيع بقوله، “يبدو أن المرجع الأساسي الذي استندت إليه القيادة العامة في تولي مسؤولية إدارة البلاد هو الشرعية الثورية، في ظل تعليق شبه كامل للدستور وغياب السلطة التشريعية”.
وذكر الباحث لعنب بلدي أنه مع التحولات الكبيرة التي تشهدها سوريا، ولضرورات فسرتها القيادة العامة بناء على المصلحة الوطنية، بدأت القيادة الجديدة باتخاذ قرارات استراتيجية تهدف إلى إعادة هيكلة الجيش والأمن وتطويرهما.
وبحسب الباحث محسن المصطفى، فإن القرار لا يمنح الأجانب أي صفة عسكرية قيادية داخل الجيش، بل يقتصر على ترفيعهم إلى رتب عسكرية أعلى، وهذا يشير إلى أن هؤلاء الضباط كانوا يحملون رتبًا عسكرية سابقة، حصلوا عليها إما من خلال القيادة العسكرية لـ”هيئة تحرير الشام”، أو باعتبارهم ضباطًا منشقين عملوا ضمن غرفة عمليات “ردع العدوان”.
المحلل العسكري العقيد فايز الأسمر، بدا مترددًا بشأن قانونية ودستورية إصدار الإدارة الجديدة مراسيم الترفيع إذا لم ترتكز على تعديلات دستورية، خاصة أن هناك أجانب غير سوريين من جنسيات مختلفة تم منحهم رتبًا دون أن يحصلوا على الجنسية.
وأضاف العقيد فايز الأسمر لعنب بلدي، “هذا مخالف للقوانين طبعًا، ناهيك بأن غالب الذين منحوا رتبًا هم مدنيون ثوريون”، وربما منحوا رتبًا تقديرًا لهم.
وقال الأسمر، إن الشرع يكافئ عناصره الموجودين معه في “الهيئة” أو ممن يوالونها، وعلى ما يبدو أن زمام الجيش والقوات المسلحة منذ البداية بيده، لذلك هناك أفراد مدنيون ممن حصلوا على رتب ضباط أمراء وقادة.
وأكد الأسمر أن هذا سيخلق إشكالات، خاصة أن هناك مئات إن لم نقل آلاف الضباط المنشقين من رتبة لواء حتى ملازم من خريجي الكليات العسكرية بجميع اختصاصاتها، البرية والبحرية والجوية، الذين لم يستدعوا حتى الآن، و”هم في الواقع يجب أن يكونوا عماد الجيش ومن أركانه، وهم الأقدر تنظيميًا واختصاصًا على بناء هذا الجيش”.
في أيلول 2022، خرجت الكلية العسكرية التابعة لحكومة “الإنقاذ” العاملة سابقًا في إدلب (تعتبر حاليًا نواة الحكومة المؤقتة بدمشق) دورة مقاتلين لأول مرة منذ إحداثها في آذار 2021.
وبلغ عدد خريجي الدورة التي حملت اسم “أبو عمر سراقب” 400 “طالب ضابط”، بحضور أفراد وقيادات في أغلبية الفصائل والتشكيلات العسكرية العاملة في إدلب.
وتفرض الكلية العسكرية معايير للقبول والانتساب، منها التحصيل العلمي بتوفر شهادة ثانوية عامة، وشروط طبية وبدنية وأخلاقية وثقافية، ويخضع الأفراد لدورات مكثفة عقائدية ودينية أيضًا.
وبحسب قرار إحداث الكلية، تتبع وترتبط برئيس مجلس الوزراء مباشرة، وتتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والإداري، وبموازنة مالية مستقلة تدخل ضمن موازنة رئاسة الحكومة.
الجيش الجديد يحتاج إلى تنظيم واعتماد الخبرات من الضباط المنشقين حصرًا، وتدريب الثوار والاستفادة من خبراتهم القتالية وإنصافهم.
العقيد زياد حاج عبيد
وزير الدفاع.. نشاط داخلي وخارجي
وجود أبو قصرة مع وفد الإدارة الجديدة في زياراته إلى الدول العربية مؤخرًا، والتي شملت السعودية وقطر والإمارات والأردن، والتقى مع وزراء دفاع أو قادة أركان هذه الدول.
داخليًا، كثف أبو قصرة من لقائه مع قادة الفصائل العسكرية، وأظهرت صور نشرتها وزارة الدفاع لقاءه مع مختلف الفصائل العسكرية، بعضها كان ضمن “غرفة عمليات الفتح المبين” التي أدارت العمليات العسكرية في إدلب بين 2020 و2024، وآخر كان ضمن “الجيش الوطني السوري” ويتبع لوزارة الدفاع في “الحكومة السورية المؤقتة” العاملة بريف حلب.
والتقى الوزير، في 9 من كانون الثاني الحالي، مع وفد من “جيش سوريا الحرة” المتمركز منذ سنوات في منطقة التنف، ويحظى بدعم أمريكي.
جميع هذه الجلسات عنونتها وزارة الدفاع بـ”جلسات تنظيمية مع القيادات العسكرية لبدء عملية انخراط الفصائل في وزارة الدفاع”.
والجلسات مع الفصائل، بحسب الوزير، هي من أجل وضع خطوات انخراطهم بوزارة الدفاع، حيث تهدف إلى وضع خارطة طريق لتحقيق الاستقرار بالبنية التنظيمية للقوات المسلحة.
تعهد أبو قصرة في تصريحات نشرتها معرفات وزارة الدفاع بالعمل على إعادة الجيش إلى هدفه الأساسي “حاميًا للديار مدافعًا عن الشعب مدعاة للفخر”، والسعي “لترميم الفجوة بين القوات المسلحة والشعب السوري”.
وقال الوزير، إن أهمية إعادة هيكلة البنية التنظيمية تحتم العمل بلا راحة، للوصول “لأهدافنا المبدئية ضمن فترة قياسية، لتبدأ بعدها مرحلة التطوير بجميع أركان الجيش العربي السوري”.
وخلال تسجيل مصور، وفي رده على سؤال حول التجنيد الإجباري، قال الشرع، إنه يدرس الأمور مبدئيًا، وسيكون هناك جيش تطوعي، فالإقبال كبير، ولا حاجة لزيادة كاهل السوريين بقضية “كابوس التجنيد الإجباري”، مع إمكانية إجراء بعض الاختصاصات بأن يكون فيها تجنيد إجباري لمدة 15 إلى 20 يومًا في حالات الخطر الشديد التي ستكون فيها تعبئة عامة.
العقيد زياد حاج عبيد، يرى أن إيقاف التجنيد الإجباري خطوة صحيحة من أجل بناء جيش سوريا الجديد، و”يجب أن يكون جيشًا وطنيًا حقيقيًا من متطوعين يخدمون سوريا بصدق وشرف، ويعمل الجيش لحماية سوريا”.
وأشار العقيد عبيد إلى أن جيش النظام السابق أصبح خارج دائرة القرار، وبحكم المنحل.
والجيش الجديد “يحتاج إلى تنظيم واعتماد الخبرات من الضباط المنشقين حصرًا، وتدريب الثوار، والاستفادة من خبراتهم القتالية، وإنصافهم”، وفق تعبير العقيد زياد حاج عبيد.
محددات داخلية وخارجية لبناء الجيش
أسس بناء الجيوش في الدول ترتبط مباشرة بالمطلب الوطني والأهداف الوطنية للدولة، وهذه تُحدد على أعلى المستويات القيادية، وتبنى عليها الاستراتيجية الوطنية الشاملة التي تتفرع منها الاستراتيجيات التخصصية ومنها الدفاعية والأمنية.
وهناك عوامل رئيسة تؤثر في بناء الجيش تتعلق بالغاية منه، وهل نظرة الدولة توسعية، أم هو للدفاع عن سيادتها وسلامة أراضيها ضد التهديدات الداخلية والخارجية، كذلك فإن عقيدة الدولة وتاريخها وثقافة مجتمعها ومحيطها الإقليمي وعلاقاتها الدولية جميعها عوامل تؤثر في بناء الجيش.
وموقع الدولة وإمكاناتها الاقتصادية والسياسية والبشرية والعلمية والتكنولوجية (عناصر قوة الدولة)، هي عوامل حاسمة في بناء الجيش الذي تريده الدولة، أي أن تموضع الدولة إقليميًا ودوليًا ودورها يفرض عليها شكل وحجم وطبيعة الجيش الذي تبنيه.
وأثبتت الحروب في الفترة الأخيرة أن الجيوش المحترفة التي تبنى على أسس تطوعية أفضل من الجيوش التي تبنى على الخدمة الإلزامية.
وأعتقد أن توجه القيادة السورية الجديدة صحيح، لكن هناك محددات ومؤثرات كثيرة داخلية وخارجية يجب التعامل معها بحكمة لبناء الجيش على أسس وطنية سليمة تضمن أنه جيش دولة وليس جيشًا بخدمة الحاكم.
وبالنسبة لموضوع الترفيعات، لا بد منه في المرحلة الانتقالية لبناء نواة الهيكل القيادي الرئيس، ولكن يجب أن يكون على أسس احترافية ما أمكن، لأن تأهيل القيادات العسكرية المحترفة ليس أمرًا سهلًا.
بالمحصلة، أهل مكة أدرى بشعابها، وما يناسب دولة يمكن ألا يناسب دولة أخرى، لكن النهج الصحيح والأسس السليمة واضحة لمن يريد أن يخدم بلده بإخلاص.
اللواء الركن المتقاعد محمد سليمان فرغل
مساعد رئيس أركان الجيش الأردني سابقًا
تحديات تشكيل الجيش الجديد
بعد سقوط النظام السوري، بدأت الأنظار تتجه نحو تشكيل جيش سوريا الجديد، وسط مخاوف من وجود عدة تحديات قد تؤثر على عملية إعادة هيكلة الجيش، ولا سيما في ظل وجود الكثير من الفصائل المحلية بقدرات عسكرية متفاوتة وأيديولوجيات مختلفة.
في 24 من كانون الأول 2024، أعلنت “إدارة العمليات العسكرية” في سوريا، الاتفاق على حل جميع الفصائل العسكرية ودمجها تحت مظلة وزارة الدفاع.
جاءت هذه الخطوة بعد سلسلة اجتماعات عقدها قائد الإدارة السورية الجديدة، أحمد الشرع، مع الفصائل العسكرية لمناقشة شكل المؤسسة العسكرية الجديدة في سوريا.
وقبيل تنفيذ تلك الخطوة قال الشرع، إنه سيتم تشكيل لجنة من قيادات عسكرية جديدة لرسم هيكلية جديدة للجيش القادم، وبدء حل الفصائل نفسها تباعًا والانخراط في الجيش، مع التشديد على عدم السماح بوجود سلاح خارج يد الدولة.
وأضاف أن هناك توافقًا مع غالبية الفصائل على أن تكون هناك قيادة موحدة، وتشكيل وزارة دفاع بعد انتهاء العمل العسكري.
دمج الفصائل في الجيش هو التحدي الأكبر، ولا سيما أن بعضها لديه رؤى مختلفة سياسية وأيديولوجية، وبعض الفصائل مختلفة في القدرة والعقيدة القتالية، أو ترفض الانخراط في الجيش إلا ضمن شروط معينة كـ”قسد”.
العقيد أحمد حمادة
محلل عسكري
معضلة دمج الفصائل
بعد إعلان دمج الفصائل، قالت وكالة الأنباء السورية (سانا)، في 8 من كانون الثاني الحالي، إن وزارة الدفاع السورية تستمر بعقد الجلسات التنظيمية مع القيادات العسكرية للبدء بعملية انخراط الفصائل في الوزارة.
ويرى الباحث المتخصص في شؤون شمال شرقي سوريا سامر الأحمد، أن دمج المكونات العسكرية كمجموعات يعتبر خطيرًا على شكل الدولة، وهو المنطلق الذي يبحث فيه أحمد الشرع، وفق الباحث، إذ يشكل اندماج الفصائل بالجيش على شكل مجموعات ما يشبه “دولة ميليشيات” كما هو الوضع في الحالة الليبية والعراقية.
ويمكن النظر اليوم إلى وزارة الدفاع العراقية التي تضم داخلها قوات “البيشمركة” التي تعتبر مستقلة من حيث القيادة، وسبق أن واجهت الجيش العراقي، كما تضم “الحشد الشعبي” الموالي لإيران، ولا يدين بالولاء للعراق.
وأضاف الأحمد لعنب بلدي أن من غير المعقول ضم فصائل مسلحة لوزارة الدفاع في حال كانت الحكومة تريد بناء دولة وطنية، إذ لا يمكن دمج “الجبهة الشامية” أو “السلطان مراد” أو “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) على سبيل المثال لا الحصر، بشكلها التنظيمي، ووضع الجيش أمام تهديد انقسام عسكري لاحقًا في حال نشب خلاف بين القادة.
ولتفادي تلك المعضلة، شدد الباحث في الشؤون العسكرية بمركز “جسور” للدراسات رشيد حوراني، على أهمية نقل قادة الفصائل إلى فصائل أخرى، وهو ما يمنع أن يشكل قائد هذا الفصيل عصيانًا أو تمردًا داخل الجيش.
وأضاف حوراني لعنب بلدي، أن الحل الأمثل لدمج الفصائل ضمن منظومة الجيش، يكون عبر اعتماد المعايير المتبعة في معظم جيوش العالم، بالنسبة للعاملين في المؤسسة العسكرية كالعمر ومستوى التعليم والمهام، وبالتالي فإن تطبيق هذه المعايير قد يجعل الكثير من عناصر هذه الفصائل خارج العمل العسكري.
كما أن نسبة جيدة من قوام هذه الفصائل هم من طلاب الجامعات، ولذلك بعد انتهاء الأعمال العسكرية التي تتمثل حاليًا في ملاحقة فلول الأسد وضبط الأمن، بالتأكيد سيُفضل هؤلاء العودة إلى حياتهم وإكمال تخصصاتهم العلمية، وفق حوراني.
من جهته، قال المحلل العسكري أحمد حمادة، إن دمج الفصائل في الجيش هو التحدي الأكبر، ولا سيما أن بعضها لديه رؤى مختلفة سياسية وأيديولوجية، وبعض الفصائل مختلفة في القدرة والعقيدة القتالية، أو ترفض الانخراط في الجيش إلا ضمن شروط معينة كـ”قسد”، وهناك بعض المكونات السورية تريد لفصائلها أن تحتفظ بالسلاح لفترة معيّنة، ولكن قرار الدولة السورية الجديدة هو أن يكون السلاح بيدها.
ولفت حمادة في حديثه لعنب بلدي، إلى أن وزارة الدفاع والدولة السورية تسعى لخفض التوترات بين كل الفصائل، وبالتالي دمج الجميع في وزارة دفاع جديدة، ما يؤدي الى تحقيق استقرار عسكري، ولكن الأمر يتطلب التفاهم العميق بين كل الأطراف المعنية، وضمان إشراك الجميع في عملية اتخاذ القرار، حتى تكون إعادة هيكلة الجيش في مصلحة الجميع.
الأولوية الآن لإعادة هيكلة الجيش، وبناء عقيدة قتالية جديدة وعقيدة تسليحية منتظمة.
العقيد أحمد حمادة
محلل عسكري
مشكلات مالية
الباحث في الشؤون العسكرية رشيد حوراني، اعتبر أن ضعف الإمكانيات المالية، من أبرز التحديات التي ستواجه إعادة هيكلة الجيش، حيث حررت الفصائل البلاد وتسلمتها بحالة منهكة اقتصاديًا، وبالتالي سيدفعها الأمر إلى إنشاء جيش بالتدريج، إضافة الى المحاصصات أو المكاسب التي تحاول بعض الأطراف تحصيلها.
وأضاف حوراني أن مسألة إعادة التأهيل والتدريب تتطلب مصاريف مالية كبيرة، فتنظيم الجيش يختلف عن تنظيم الجيوش، فالفصائل كانت مقتصرة على سلاح المشاة بشكل رئيس، بينما اليوم من الممكن أن تستفيد الفصائل في إعادة تعمير وصيانة ما تبقى من عتاد جيش النظام السابق، كالقوى البحرية والطيران.
في السياق ذاته، أكد العقيد أحمد حمادة أن المرحلة اللاحقة تتطلب تأمين الدعم المالي لتسليح الجيش ودفع رواتبه، وتعزيز القدرات العسكرية التي تعرضت لاستنزاف كبير بسبب الحرب لـ14 عامًا والقصف الإسرائيلي، ولكن الأولوية الآن لإعادة هيكلة الجيش، وبناء عقيدة قتالية جديدة وعقيدة تسليحية منتظمة.
كانت إسرائيل صعّدت قصفها لمواقع عسكرية في سوريا بعد ساعات من سقوط الأسد، وقالت إذاعة الجيش الإسرائيلي، في 12 من كانون الأول 2024، إنه جرى تدمير من 70 إلى 80% من القدرات العسكرية لنظام بشار الأسد.
وأضافت إذاعة الجيش الإسرائيلي أن 350 مقاتلة هاجمت مواقع من دمشق إلى طرطوس، وأنه تم تدمير عشرات الطائرات وأنظمة الدفاع الجوي، ومستودعات الأسلحة.
عراقيل بين “قسد” ودمشق
بدأت “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) العمل على التواصل مع حكومة دمشق المؤقتة، بعد سقوط الأسد، بغية الوصول إلى صيغة توافقية حول اندماجها في جيش سوريا الجديد.
قائد “قسد”، مظلوم عبدي، أبدى مرارًا استعداده الانخراط في اندماج عسكري مع المعارضة السورية، إذ قال، في 20 من كانون الأول 2024، لصحيفة “التايمز” البريطانية، إن قواته المكونة من 100 ألف عنصر مستعدة لحل نفسها، والانضمام إلى جيش سوريا الجديد.
ويرى مدير مركز “رامان للدراسات”، بدر ملا رشيد، أن هناك تحديات تواجه وصول “قسد” وحكومة دمشق لتوافق شامل، أبرزها موقف “قسد” السابق من الانضمام للجيش السوري، والذي يتمثل في أنها تطالب بالحفاظ على هيكليتها العسكرية كجماعة مسلحة وليس كأفراد ضمن الجيش السوري.
وأضاف رشيد لعنب بلدي أن “قسد” تتخوف من غياب أي ضامن يحفظ مناطق سيطرتها، سواء من عمليات انتقامية بناء على اصطفافها العسكري، أو يتم إخراجها بالكامل من المعادلة في حال تخلت عن سلاحها، إلى جانب أن الكتلة الكردية ضمن “قسد”، تطرح مطالب تخص الحصول على شكل من الإدارة الذاتية الموسعة.
مطالب “قسد” للاندماج في الجيش السوري تتعارض مع شروط حكومة دمشق المؤقتة، حيث قال أحمد الشرع، إنه موافق على دمج جميع الفصائل العسكرية في سوريا تحت مظلة وزارة الدفاع السورية، لكنه اشترط أن يكون هذا الاندماج على شكل أفراد لا مجموعات.
الشرع خلال لقاء مع قناة “العربية“، أشار إلى أن “قسد” ستنضم لوزارة الدفاع السورية، لافتًا إلى أن “إدارة العمليات العسكرية” تتفاوض لـ”حل أزمة شمال شرقي سوريا”.
كما تبرز تحديات أخرى إقليمية ومحلية، تتمثل بملف العناصر الأجانب من حزب “العمال الكردستاني” الموجودين في المنطقة، ووجود ضغط من جهة تركيا ومن جهة القوى المحلية لضرورة مغادرتهم، وتسليم جميع مفاصل ومكامن القرارات للسوريين، وفق الباحث في الشؤون الكردية بدر ملا رشيد.
ورغم وجود تلك التحديات، يرى رشيد أن هناك بوادر تتسم بالإيجابية حتى الآن للوصول إلى حل بين “قسد” ودمشق، خاصة بعد اللقاء الذي تم الحديث عنه بين مظلوم عبدي وأحمد الشرع في دمشق، وحول وجود توافق على بنود مهمة بينهما، وكون الخلاف بشكل رئيس هو حول عناصر تنظيم “الدولة” المسجونين لدى “قسد”، حيث إن اندماج الأخيرة في الجيش السوري الجديد قد يهدد بمشكلة جديدة تتمثل في من سيتولى ضمان عدم هروب عناصر التنظيم من السجون، والذين إن استطاعوا الفرار سيشكلون خطرًا على استقرار الدولة السورية.
وتسيطر “قسد” المدعومة من التحالف الدولي على أكثر من 26 معسكرًا وسجنًا، تحتجز فيها حوالي 50 ألف فرد مرتبطين بتنظيم “الدولة” (41 ألفًا في المعسكرات، و9 آلاف في السجون)، وفق إحصائية معهد “واشنطن لدراسات الشرق الأدنى“، نهاية العام الماضي.
في 19 من كانون الأول 2024، قال مظلوم عبدي لوكالة “رويترز“، إن المقاتلين الكرد الأجانب الذين جاؤوا إلى سوريا من أنحاء الشرق الأوسط لدعم قواته، سيغادرون إذا تم التوصل إلى وقف كامل لإطلاق النار مع تركيا.
وأضاف عبدي أنه على الرغم من وصول مقاتلي حزب “العمال الكردستاني” إلى سوريا، لا يعني أن لقواته (قسد) روابط تنظيمية مع الجماعة.
لكن من المعروف، وفق ما تحدث به خبراء في الشأن الكردي ودراسات لمراكز أبحاث، أن الكلمة العليا في “قسد” هي لكوادر حزب “العمال الكردستاني” التي تتحكم بـ”قسد”، وبشكل خاص بالمفاصل الأمنية والعسكرية فيها.
من جانبه، اشترط أحمد الشرع وجود قواعد أساسية لحل المشكلة القائمة شمال شرقي سوريا، وهي ألا يكون هناك تقسيم في سوريا بأي شكل من الأشكال، حتى لو كانت بشكل فيدرالي، ومغادرة المسلحين الأجانب الذين يتسببون بمشكلات لدول مجاورة، وأن يكون السلاح محصورًا بيد الدولة فقط.
الشروط التي طرحها الشرع حول خروج المقاتلين الأجانب، والموافقة على سوريا موحدة، يدرجها الباحث المتخصص في شؤون شمال شرقي سوريا سامر الأحمد، بـ”شروط ما قبل بدء المفاوضات”، إذ اعتبر أن أي تغيير لن يطرأ على مجريات الأحداث، قبل أن توافق “الإدارة الذاتية” عليها.
ولم يستبعد الأحمد أن تحضر “الإدارة الذاتية” مؤتمر الحوار الوطني كأفراد، في حال وافقت على الشرطين اللذين طرحهما الشرع مسبقًا.
وأشار الأحمد إلى أن عددًا من قادة “قسد” و”المجالس العسكرية” التابعة لها يمكن أن ينضموا لوزارة الدفاع السورية كأفراد، ومن الممكن أن يكونوا ضباطًا في الوزارة، لكن كأفراد مجددًا وليس ككيانات.
الجنوب والتنف خواصر رخوة
في محافظات الجنوب برزت عدة قوى عسكرية في محافظتي درعا والسويداء خلال سنوات الثورة.
في درعا قاتلت فصائل “الجيش الحر” قوات النظام منذ سنوات الثورة الأولى حتى سيطرة النظام بدعم روسي على درعا بموجب اتفاق “تسوية” في تموز وآب 2018.
الفصائل في درعا بعد “التسوية” اتخذت عدة مسارات، منها ما حل نفسه ورفض التبعية لقوات النظام السابق وفروعه الأمنية، وهذه القوات كان لها دور بارز في مؤازرة باقي مناطق درعا التي كانت تتعرض لمداهمات أو حصار بعد اتفاق “التسوية”، واصطدمت مع النظام في درعا البلد عام 2021 إلى أن توصلت الأطراف لاتفاق أنهى حصار النظام حينها.
فصائل أخرى أصبحت تابعة لقوات النظام السابق الأمنية أو روسيا، ولعل أبرزها فصيل “شباب السنة” تحت قيادة أحمد العودة، الذي انخرط في صفوف “الفيلق الخامس” في جيش النظام المدعوم من روسيا تحت اسم “اللواء الثامن”، وفي عام 2022 أصبح تابعًا لـ”الأمن العسكري”.
أما السويداء فتمتعت بنوع من الاستقلالية العسكرية خلال سنوات الثورة، خاصة بعد تأسيس “حركة رجال الكرامة” على يد وحيد البلعوس، ما منح أبناء المحافظة فرصة عدم الالتحاق بجيش النظام.
وتوجد في السويداء فصائل ذات مرجعيتين، الأولى تتبع أو مدعومة من رجال الدين مثل “حركة رجال الكرامة” و”قوات شيخ الكرامة” تحت قيادة ليث البلعوس، وفصائل أخرى تأسست بدعم من القوى الأمنية للنظام السابق، وهي منتشرة في مختلف مناطق المحافظة واصطدمت أكثر من مرة مع القوات ذات المرجعية المشيخية.
ما بعد “ردع العدوان”
عقب إطلاق فصائل المعارضة في الشمال السوري عملية “ردع العدوان”، في 27 من تشرين الثاني 2024، شكلت فصائل درعا والقنيطرة والسويداء غرفة عمليات الجنوب في 6 من كانون الأول 2024، وطردت النظام من هذه المحافظات وتوجهت إلى دمشق.
قادة فصائل درعا وعلى رأسهم أحمد العودة التقوا مع “القيادة العامة” بدمشق، أحد هذه اللقاءات وأبرزها كان في 11 من كانون الأول.
وخلص الاجتماع إلى أربعة مخرجات هي:
- تحديد أولويات العمل في المرحلة المقبلة بمختلف المجالات.
- تنسيق العمل وتعزيز التعاون في كلا المجالين، المؤسسة العسكرية والإدارة المدنية.
- تعزيز آليات وسبل التنسيق والتعاون بين جميع الكوادر الفاعلة في المحافظة.
- بحث خطوات تعزيز الأمن والحفاظ على مكتسبات الوطن.
وفي 14 من كانون الأول، وصل رتل عسكري يتبع لـ”إدارة العمليات العسكرية” إلى محافظة درعا جنوبي سوريا، قادمًا من دمشق، وتسلم الوحدات الشرطية والجمارك ومعبر “نصيب” الحدودي مع الأردن، واجتمع وفد منه مع الفعاليات المدنية والعسكرية في المركز الثقافي بمدينة درعا، ونسّقوا آلية العمل الجديدة.
وبعد أيام على إعلان “إدارة العمليات العسكرية” عن حل الفصائل، وبدء العمل على إعادة هيكلة الجيش، أعربت “حركة رجال الكرامة” و”لواء الجبل”، وهما من أبرز الفصائل المحلية في السويداء، عن استعدادهما للاندماج ضمن جيش سوريا الجديد.
وقال الفصيلان في بيان مشترك، في 6 من كانون الثاني الحالي، إن “حمل السلاح كان دفاعًا عن أهل السويداء بجميع أطيافهم وليس حبًا به، وهو وسيلة اضطرارية وليس غاية”، مشددًا على ضرورة تأسيس دولة قائمة على العدالة وسيادة القانون، حيث يصبح السلاح حكرًا على مؤسسة عسكرية وطنية.
وجاء البيان بعد أسبوع من إقدام فصائل محلية في السويداء على منع رتل تابع لـ”إدارة العمليات العسكرية” من دخول المدينة، بسبب عدم التنسيق معها، إضافة إلى قدوم الرتل ليلًا، ما دفعها لمنع دخوله، وفق مراسل عنب بلدي.
وأضاف المراسل أن الفصائل المحلية تطالب أن تكون مهمة حفظ الأمن على عاتق أبناء السويداء، لكن بالتنسيق مع حكومة دمشق، لأنهم أعلم بالطبيعة العشائرية والاجتماعية في محافظتهم.
وقال الناطق الإعلامي باسم “حركة رجال الكرامة”، أبو تيمور، “نحن جاهزون لنشارك ببناء سوريا والانضمام للجيش السوري، بشرط أن يكون جيشًا عقائديًا هدفه حماية الوطن، وغير فئوي أو طائفي، ولا يُستخدم كأداة بيد السلطة”.
وأضاف أبو تيمور لعنب بلدي، “في حال تحققت تلك الشروط، فلا مانع لدينا من إرسال أبنائنا للخدمة العسكرية، فنحن بانتظار دولة قوامها العدل وتضمن حقوق الإنسان وسيادة القانون والمواطنة”.
وحول موقف باقي الفصائل المحلية من الانضمام لجيش سوريا الجديد، قال الإعلامي باسم “حركة رجال الكرامة”، إن “باقي الفصائل في السويداء ما زالت لديها بعض التخوفات، ولكن التنسيق جارٍ معها، مشيرًا إلى أن عددًا من الفصائل المقبولة والمهمة في السويداء، ستعلن قريبًا انضمامها لبيان “حركة رجال الكرامة”، التي أعلنت استعدادها مع “لواء الجبل” للاندماج ضمن جيش سوريا الجديد.
بدوره، استبعد رشيد حوراني أن تبقى فصائل السويداء مستقلة عن قرار جيش الدولة كما كان الحال في عهد النظام السابق، مشيرًا إلى أن دور تلك الفصائل سيتقلص تدريجيًا وينتهي مع مرور الأيام.
ويعود ذلك، بحسب حوراني، لأسباب عديدة، أولها أن فصائل السويداء كانت تقوم على التطوع من أبناء المجتمع المحلي لظروف استثنائية لم تعد قائمة اليوم، إضافة إلى توقف دعمها الذي كان يصلها من تبرعات المجتمع المحلي في السويداء أو من الخارج، وأخذ الفصائل المندمجة مع الجيش الجديد دورها في حفظ الأمن.
وفي مثلث الحدود السورية- العراقية- الأردنية (منطقة التنف)، يسيطر “جيش سوريا الحرة” على منطقة الـ”55 كم”، ولم يتجاوز مناطق سيطرته منذ العام 2017.
إلا أنه بعد اقتراب “إدارة العمليات العسكرية” من سيطرتها على مدينة حمص، توجه الفصيل إلى مدينتي تدمر والقريتين الواقعتين شرقي حمص، وسيطر عليهما في 7 من كانون الأول (قبل ساعات من سقوط النظام) بعد انسحاب قوات النظام منها.
“جيش سوريا الحرة” هو عبارة عن مجموعات سابقة في “الجيش الحر” قدمت من مناطق دير الزور، وتدمر، وريف حلب، بعد معارك ضد تنظيم “الدولة” انتهت بسيطرة التنظيم على مناطقهم.
يتمركز في قاعدة “التنف” العسكرية كقوات حامية للقاعدة التابعة لقوات التحالف الدولي في المنطقة، وتعتبر الولايات المتحدة الأمريكية الداعم الرئيس للفصيل منذ تأسيسه عام 2015.
وأظهرت صور نشرتها وزارة الدفاع في حكومة دمشق المؤقتة، في 9 من كانون الثاني الحالي، اجتماع الوزير مرهف أبو قصرة مع وفد من “جيش سوريا الحرة” بقيادة العقيد سالم العنتري.
وكان العنتري قال في لقاء مع قناة “الغد“، إن “جيش سوريا الحرة” مستعد للانخراط في جيش وطني موحد.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :