في الشوارع والمدارس والمستشفيات

سوريون يتسابقون إلى مبادرات مجتمعية بعد التحرير

متطوعون يزيلون الركام من مدرسة أحمد ليلا في القابون بدمشق - 6 كانون الثاني 2025 (عنب بلدي/ أنس الخولي)

camera iconمتطوعون يزيلون الركام من مدرسة أحمد ليلا في القابون بدمشق - 6 كانون الثاني 2025 (عنب بلدي/ أنس الخولي)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – موفق الخوجة

على أنغام أغنية “بالحب بدنا نعمرها”، انتشرت العديد من المقاطع المصورة لمبادرات مجتمعية، انطلقت من دمشق، وانتشرت في معظم المدن السورية، لإعادة الحياة إلى هذه المدن، بعد سقوط النظام.

يقف الطالب الجامعي والممثل فادي الرفاعي بأحد شوارع البرامكة بدمشق، لينظم حركة السير بعد فوضى أحدثها غياب عناصر شرطة المرور، بالرغم من عدم معرفته بالقوانين والأدوات التي تمكنه من هذا العمل.

وقال الرفاعي لعنب بلدي، إن “حب الوطن” هو ما دفعه إلى المبادرة من نفسه، والتوجه إلى أحد مراكز منظمات المجتمع المدني بمنطقة “الشهبندر” بدمشق، لتسلم المعدات.

محبته للناس كانت دافعًا إضافيًا لتطوعه بلا مقابل لتنظيم السير، برفقة عدد من الشبان، ومنهم غيث دبورة، الذي يدرس بكلية التجارة والاقتصاد، ويعمل بمجال التصميم، والدافع نفسه، أوجب عليه النزول وتنظيم حركة المرور بالرغم من عدم امتلاكه الخبرة الكافية، وفق حديثه لعنب بلدي.

فوضى ما بعد السقوط

في 8 من كانون الأول 2024، سقط النظام السوري بعد دخول فصائل المعارضة إلى العاصمة السورية دمشق، وهروب الرئيس المخلوع بشار الأسد، بعد 11 يومًا من العمليات العسكرية، التي بدأت في 27 من تشرين الثاني من العام نفسه.

وخلّف السقوط المفاجئ وهروب قيادات ورموز النظام فوضى عارمة في عموم سوريا، وخصوصًا بالعاصمة دمشق، وتعرضت الكثير من المباني والمؤسسات الحكومية للتخريب، وأسفر غياب الكوادر الخدمية عن تراكم النفايات والمخلفات في الشوارع.

دفعت الفوضى العديد من الفعاليات الشبابية ومنظمات المجتمع المدني العاملة في سوريا بمناطق سيطرة النظام السابق، أو بالشمال السوري الخارج عن سيطرته حينها، إلى إطلاق العديد من المبادرات التطوعية التي تهدف إلى تجميل المدن وطلائها وتنظيفها، أو تنظيم حركة السير في الشوارع بعد تخلف عناصر المرور عن الالتحاق بمراكزهم، أو توزيع الطعام أو الملابس في المستشفيات والأحياء والمراكز العامة.

وتريد مها الخطيب، أحد أعضاء مؤسسة “حدودي السما” التطوعية، إيصال رسالة من خلال مبادرة توزيع الطعام في مستشفى “المواساة” بدمشق، مفادها أن جميع السوريين يد واحدة، إضافة إلى رغبتها بزرع الابتسامة على وجه المرضى، بعد مناسبة “التحرير”، على حد قولها.

وترى هدى الشماع، وهي مشرفة مخبر بكلية الصيدلة بالجامعة العربية الدولية، والتي جاءت لتوزع الطعام على المرضى بمستشفيات دمشق، أن أي عمل صغير هو “إيجابي” بهذه الظروف.

وقالت لعنب بلدي، إن المبادرات التي قامت بالمدينة بالرغم من بساطتها، فإن الناس يرونها شيئًا جميلًا، داعية السوريين إلى المشاركة بهذه المبادرات وتقديم المساعدة حتى لو كانت بسيطة.

من جانبه، أنشأ فريق “كنا وسنبقى” التطوعي التابع لجمعية “مجال” عدة مبادرات بعد سقوط الأسد، تمثلت بتوزيع الطعام بشكل يومي على العاملين في المستشفيات الحكومية بدمشق، وتنظيفها، إضافة إلى تنظيف الدوائر الحكومية، وتوزيع الألبسة والاحتياجات الطبية لكبار السن.

دعم ذاتي

تستحضر حكمت أبو أذان ذكرياتها مع أصدقائها وهي تنظف مدرستها القديمة في القابون برفقة عدد من عائلتها وبعض سكان الحي، من الركام الذي خلفته العمليات العسكرية وقصف النظام السابق.

وقالت أبو أذان لعنب بلدي، إنها جاءت لترحّل الأنقاض من المدرسة وتنظفها، لتأهيلها تمهيدًا لإعادة استخدامها في التعليم أو لاستقبال الأهالي الذين يرغبون بمغادرة الخيام.

مالك عنطوز، فضّل بدوره التوجه إلى المدرسة مع عائلته وأبناء الحي، قبل التوجه إلى منزله المدمر لإعادة تأهيله، قائلًا، إن تنظيف المدرسة أولى من منزله، حتى تعود الأجيال الجديدة وتستخدمها للدراسة.

تنظيف المدرسة هي باكورة أعمال فريق “قابوني أنا” التطوعي، الذي شُكّل من شباب وفتيات معظمهم من الجامعيين، من حي القابون الدمشقي، الذي شهد دمارًا واسعًا، نتيجة قصف النظام السابق له.

بدوره، قال رئيس مجلس إدارة جمعية “مجال” للخدمات الاجتماعية، سائد عبد الغني، لعنب بلدي، إنهم لم يتلقوا الدعم والتمويل لهذه الحملات، بسبب توقف أعمال الكثير من المتبرعين بعد الأعمال العسكرية الأخيرة، وتوقف شركات التحويل والصرافة، ما قلل من كمية التبرعات.

وبحسب ما أوضحه عبد الغني لعنب بلدي، نشأ فريق “كنا وسنبقى” التطوعي عام 2012، وعمل على الكثير من المبادرات، كتوزيع الطعام والتبرع بالدم لمصابي السرطان ومرضى الثلاسيميا، وتوزيع الألبسة على الأسر المهجرة، ثم قام بترخيص “مجال” كجمعية عاملة في دمشق، عام 2021، بدعم من معارف شخصية أو تجار سوريين.

أمينة السر بمؤسسة “حدودي السما”، غادة حمامي، قالت إن المبادرة قامت على دعم ذاتي، وتبرعات من أشخاص، لافتة إلى أن إحدى المتبرعات قدمت مبلغ 50 ألف ليرة سورية (نحو أربعة دولار أمريكي) كانت قد ادخرتها لآخر الشهر.

وأوضحت حمامي أن المبادرة التطوعية تمثلت بتوزيع وجبات طعام على مرضى مستشفى “المواساة” بدمشق.

مجتمع مدني

لم تقتصر الفعاليات على الأفراد أو الجمعيات التي تعنى بالخدمات المجتمعية، بل انخرط فيها فنانون مثل الممثل السوري مكسيم خليل الذي شارك بتنظيف وطلاء الأرصفة، إضافة إلى منظمة “الدفاع المدني السوري” التي أسهمت في الفعاليات بسبب امتلاكها المعدات والخبرات اللازمة.

وقال منسق العلاقات العامة في “الدفاع المدني”، عامر حاج عمر، لعنب بلدي، إن الفريق بدأ بالعمل مع فرق تطوعية ومبادرات محلية ومنظمات مجتمع مدني، بعد توسيع أعماله في المحافظات السورية عقب سقوط النظام.

وأضاف حاج عمر أن أعمال الفريق تركزت على إزالة رموز النظام السابق، التي كانت “تبث الرعب في قلوب الناس”، وفق تعبيره، وإعادة شكل الحياة للمدن السورية.

وتشمل أنشطة المنظمة الإنسانية أيضًا، إزالة الركام ومخلفات القصف والحواجز الأسمنتية، وتنظيف الطرقات والعناية بالحدائق، وحملات تنظيف المرافق العامة، وإعادة تأهيل البنى التحتية.

“محبة” وقبول مجتمعي

تهدف حملات “الدفاع المدني” إلى زيادة المشاركة المجتمعية وحشد همم الشباب للمساعدة بالأعمال التي تساعد على النهوض بمستقبل سوريا، إضافة إلى توحيد الجهود على كامل الجغرافيا السورية لإزالة أشكال الموت والخراب، وفق ما أوضحه حاج عمر.

سارة، طالبة بدمشق ومتطوعة بفريق “كنا وسنبقى”، قالت لعنب بلدي، إن ما دفعها إلى المشاركة بهذه المبادرة هو حس المسؤولية الذي يقع على عاتق أبناء البلد، فسوريا اليوم هي أمانة بيد أبنائها، بعد أن انقضى عصر “الطغيان”، بحسب تعبيرها.

وتشعر سارة بالفخر بعملها التطوعي، معتبرة أن جهودها “مباركة” لأنها من أبناء الوطن الذي “لا يسيطر عليه الأسد أو ينهب ثرواته”، وفق قولها.

وترى الطالبة الجامعية غنى أبو أذان، إحدى متطوعات فريق “قابوني أنا”، أن دورها الآن إلى جانب دارستها هو الميدان، متمثلًا بإعادة تأهيل المدن وترميمها وتجميلها.

وأشار المتطوعون الذين قابلتهم عنب بلدي إلى القبول المجتمعي لمبادراتهم، والإشادة بها، لافتين إلى أنها كانت الدافع إلى الاستمرار بعملهم التطوعي.

مها الخطيب، أحد أعضاء مؤسسة “حدودي السما” التطوعية، قالت لعنب بلدي، إن الأعمال التطوعية التي انطلقت من دمشق تدل على أن الجميع يعملون كيد واحدة لبناء الوطن، مضيفة أن “المحبة عادت” إلى السوريين.

نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة