جراء الإهمال واستخدامها مراكز عسكرية.. “الملاعب السورية” تحتضر

واقع ملعب العباسيين في دمشق جراء إهماله من حكومة النظام السابق- 6 كانون الثاني 2025 (bein sports)

camera iconواقع ملعب العباسيين في دمشق جراء إهماله من حكومة النظام السابق- 6 كانون الثاني 2025 (bein sports)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – هاني كرزي

عانى اللاعبون في سوريا لعقود من الزمن من سوء الملاعب المحلية، في ظل عدم اهتمام حكومة النظام السوري السابق بتطويرها، بل إن الأخير اتجه لتحويلها إلى ثكنات عسكرية ومعتقلات، أو تعمّد إهمالها لتصبح مراعي للمواشي.

حالة ملاعب الدوري السوري والصالات الرياضية كانت مثار جدل وسخرية على مواقع التواصل الاجتماعي، خلال السنوات الماضية، نظرًا إلى سوء الأرضيات في معظمها، بينما كان النظام السابق يتذرع بالعقوبات الغربية بأنها السبب وراء عدم صيانتها.

معتقلات ومراعٍ للمواشي

الشكاوى من حال الملاعب السورية تتكرر كل موسم، إذ لا تحتوي في الغالب مرافق صحية مجهزة ولا مقاعد للجلوس، كما يدور الحديث عقب كل مباراة في الدوري السوري أو المسابقات الأخرى عن ضعف التجهيزات الطبية في الملاعب وسوء الأرضيات والمدرجات.

وتضم العاصمة دمشق أربعة ملاعب هي “الفيحاء” و”تشرين” و”الجلاء” و”العباسيين”، حيث دُمرت مدرجات الأخير وتحولت أرضيته إلى دشم ومتاريس، بحسب تسجيلات مصورة نشرها إعلاميون وناشطون.

ويعتبر ملعب “العباسيين” من أقدم الملاعب الرياضية في سوريا، وبني عام 1957، وكان الملعب الرئيس للمنتخب السوري لكرة القدم وأندية الجيش والمجد والوحدة.

في حزيران 2012، حوّل النظام السوري السابق ملعب “العباسيين” إلى ثكنة عسكرية، ودخله مئات العناصر وعشرات الدبابات والآليات العسكرية، كونه قريبًا من جوبر والغوطة الشرقية.

يعتبر “العباسيين” رابع أكبر ملعب كرة قدم في سوريا، ويتسع لـ30 ألف متفرج بعد توسعته أكثر من مرة.

لم يقتصر الأمر على ملعب “العباسيين”، ففي بداية الثورة السورية، حوّل النظام السابق ملعبي “تشرين” و”الجلاء” في دمشق، وملعب “الحمدانية” في حلب، وملاعب درعا ودير الزور، إلى مراكز اعتقال أو مهابط للطائرات المروحية.

في أيلول 2019، ذكرت صحيفة “تشرين” الحكومية (الحرية حاليًا)، أن واقع الملاعب السورية وأرضيتها تحديدًا، في “أزمة كبيرة”، وأن بعض الملاعب تحوّل إلى ما يشبه “حقلًا زراعيًا يابسًا”، مشددة على مدى تأثير سوء الاهتمام بالملاعب السورية على مستوى اللاعبين في أثناء المباريات.

كما انتشرت الكثير من الصور لملاعب تحوّلت إلى مراعٍ للمواشي، بسبب إهمال صيانتها وتوقف النشاطات الرياضية في سوريا.

قبل 20 عامًا، بدأ النظام بتشييد المدينة الرياضية في مدينة بانياس، لتكون مركزًا للأنشطة الرياضية في محافظة طرطوس، وبسبب الإهمال تأخر افتتاح تلك المنشأة إلى عام 2009، وضمت استاد كرة قدم ومسابح وملاعب مكشوفة.

على الرغم من التكاليف العالية لملعب “بانياس”، لم يجد الملعب بعد أقل من خمسة أعوام من افتتاحه الاهتمام والرعاية من حكومة النظام السابق، وتحوّل إلى مكان لرعي الأغنام، ما اضطر فريق “مصفاة بانياس” إلى الانتقال للعب في مدينة طرطوس.

“تحسين الأرضيات” مطلب أساسي

تعاني الملاعب في سوريا من تحديات كثيرة، تنعكس بشكل سلبي على أداء اللاعبين، وعلى رأسها سوء الأرضيات التي تتحوّل في الشتاء إلى مستنقعات من الوحل.

وقال الصحفي الرياضي أنس عمو، لعنب بلدي، إن الملاعب السورية حاليًا في وضع كارثي، وبالتالي نحن بحاجة كمرحلة أولى لحلول إسعافية عاجلة لتكون تلك الملاعب قادرة على استضافة ما تبقى من مباريات الدوري السوري لهذا الموسم، وعقب نهاية الدوري يمكن في الصيف وضع خطة أولية لتجهيز الملاعب للموسم المقبل بطريقة أفضل.

وشدد عمو على ضرورة تحسين عشب الملاعب، عبر البدء بتسوية الأرضية ومد شبكات تصريف للمياه والري، ومن ثم وضع العشب، واعتماد النوع الطبيعي وفق المواصفات الدولية عبر الاعتماد على مساعدة بعض الدول الصديقة، مشيرًا إلى أن العشب الصناعي يتسبب في العديد من الإصابات للاعبين ومن بينها الرباط الصليبي.

وتعتمد الكثير من الملاعب في سوريا على العشب الصناعي، ومنها ملعب “الجلاء” بدمشق، وملعب “7 نيسان” بحلب، بينما توجد في المقابل ملاعب بعشب طبيعي لكنها لا تخضع للاهتمام الجيد، ما يتسبب في حدوث حفر داخل أرضية الملعب.

بدوره، قال الصحفي الرياضي مؤيد كيالي، إنه ينبغي تنظيف الملاعب وأماكن اللعب التي تحتوي على الأتربة والأوراق والشوائب بانتظام، للحفاظ على جودة الأرضية باستخدام معدات متخصصة، ويتضمن ذلك معالجة الحفر وثغرات الأرضية، واستخدام سماد جيد للعشب وريه بشكل دوري، إضافة إلى الاعتناء بالمرمى والتأكد من سلامة الشباك.

وأضاف كيالي لعنب بلدي أن الاهتمام بأرضيات الملاعب يسهم في تعزيز جودة أداء اللاعبين وحمايتهم من الإصابات، وزيادة متعة التدريب والمباريات، ويُطيل عمر الملاعب ويحافظ على مظهرها الجمالي، ويعزز سمعة الملعب ويجذب المزيد من الأندية والجماهير والشركات الراعية.

متطلبات ضرورية

لا تقتصر عمليات النهوض بواقع الملاعب في سوريا بعد سقوط النظام السوري على تحسين جودة الأرضيات فقط، بل هناك متطلبات أخرى ضرورية يجب التركيز عليها.

وقال أنس عمو، إنه يجب على الاتحاد الرياضي العام وضع منظومة جديدة لتطوير الملاعب، فيجب أن يُفرض على كل نادٍ أن يكون لديه منسق أمني مسؤول عن ضبط أمن المباراة ومنع الشغب الجماهيري، ويكون ذلك عبر الاعتماد على عناصر الأمن الرسميين،  أو التعاقد في المستقبل مع شركات أمن (سيكيورتي) مختصة في تنظيم المباريات، كما هو الحال في معظم دول العالم.

كما يجب الاهتمام بتطوير مرافق الملاعب، عبر صيانة المدرجات والمرافق الصحية، ومقاعد الجماهير وزيادة بوابات الدخول، وإنشاء مقاهٍ ومنتزهات حول الملعب، إضافة إلى تجهيز المدرجات التي تساعد على وضع الكاميرات الحديثة الخاصة بتقنية الفيديو (الفار).

وأقر رئيس “الاتحاد الرياضي العام” الأسبق في سوريا، موفق جمعة، “بسوء المرافق الصحية” في الملاعب والصالات السورية، متهمًا “بعض رواد الملاعب والصالات بتخريبها”.

وعقب سقوط النظام السوري، اندلع حريق في استاد “حلب الدولي” بحي الحمدانية غربي المدينة، ما ألحق أضرارًا فيه.

وقال “الدفاع المدني السوري”، إن حريقًا ضخمًا مجهول السبب اندلع في قاعة استقبال استاد “حلب”، في 18 من كانون الأول 2024، مشيرًا إلى أن فرقه تمكّنت من إخماد الحريق وتبريد المكان بعد ساعتين من العمل المتواصل.

وأشار الصحفي أنس عمو إلى أنه من غير المنطقي أن مباراة يحضرها 40 ألف متفرج، يكون هناك باب أو اثنان فقط لدخول الجماهير، أو هناك ثلاثة أشخاص لبيع التذاكر، وبالتالي سيضطر المشجع للقدوم إلى المباراة قبل ثلاث ساعات لانتظار الدخول إلى الملعب، عدا عن الفوضى والتدافع الذي سيحصل عند الدخول والخروج، والذي يمكن أن يتسبب في وقوع إصابات أو حالات اختناق بسبب الازدحام الشديد عند البوابات.

وتفتقر الكثير من الملاعب في سوريا إلى أنظمة الإنارة، وفي حال توفرت فإنها قد تكون معطلة أو لا يوجد كهرباء أو محروقات لتشغيلها، وبالتالي فإن توفير الإنارة الليلية مطلب ضروري، ولا سيما أن المباريات التي تقام في الصيف يجب أن تكون ليلًا لتجنيب اللاعبين درجات الحرارة العالية.

ولفت عمو إلى أن هناك مطالب جماهيرية لتأمين النقل التلفزيوني لكل مباريات الدوري، وبالتالي لا يمكن إقامة كل المباريات في وقت واحد، ما يعني أن هنالك مباريات ستلعب ليلًا، وبالتالي يجب توفير الإنارة الليلية، التي تجعل أجواء المباريات مثالية للاعبين والجماهير خاصة في الصيف.

ومن المتطلبات الضرورية في الملاعب السورية أيضًا، تجهيز غرف من أجل المعلقين والصحفيين وتبديل الملابس، وأماكن مخصصة لسيارات البث التلفزيوني، بدلًا من وقوف السيارات قرب أرضية الملعب كما كان يحصل في مباريات الدوري السوري.

وشدد الصحفي عمو على أن تجهيز الملاعب أمر ضروري لدفع الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) لرفع الحظر عن الملاعب السورية، إذ ما زال المنتخب السوري يلعب مبارياته الدولية في دول محايدة، وبالتالي فإن تجهيز الملاعب وتحقيق باقي الشروط كتوفير الأمن وتحسين الطرقات وشبكات المواصلات، سيشجع “فيفا” على رفع الحظر عن الملاعب المحلية، وبالتالي سيلعب المنتخب أو الأندية السورية التي تخوض مباريات قارية على أرضها وبين جماهيرها.

نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة