كيف ينعكس تخفيف العقوبات على الاقتصاد السوري

  • 2025/01/12
  • 12:34 م
موظفون ينتظرون في طوابير لقبض رواتبهم من الصرافات الآلية في دمشق - كانون الأول 2024 (أنس الخولي / عنب بلدي)

موظفون ينتظرون في طوابير لقبض رواتبهم من الصرافات الآلية في دمشق - كانون الأول 2024 (أنس الخولي / عنب بلدي)

تعددت العقوبات المفروضة على نظام المخلوع بشار الأسد ورجاله العسكريين والأمنيين والاقتصاديين منذ العام 2011، جراء القمع الذي مارسه النظام على المتظاهرين السلميين في مختلف المحافظات السورية.

العقوبات طالت رأس النظام السابق بشار الأسد وأفرادًا من عائلته نزولًا باتجاه الشخصيات الحكومية والاقتصادية الداعمة له، لكن أبرز هذه العقوبات والتي انعكست سلبًا على حياة السوريين كانت المفروضة على قطاعات خدمية واقتصادية، وأبرزها قانون العقوبات الأمريكي “قيصر”.

الولايات المتحدة خففت من العقوبات على سوريا في 6 من كانون الثاني الحالي، ولفترة ستة أشهر فقط، وهو ما سينعكس على الاقتصاد السوري إيجابًا بحسب خبراء وباحثين بالاقتصاد السوري، وبالتالي سيخفف من الأعباء على المواطنين.

فترة اختبار

قال الباحث الاقتصادي زكي محشي لعنب بلدي، إن الرخصة العامة الصادرة عن الخزانة الأمريكية “هي إشارة إيجابية بالنسبة للوضع السوري”، لأن العقوبات الأمريكية أغلبها أو كلها تقريبًا كانت مفروضة بهدف تغيير سلوك نظام الأسد.

وبسقوط نظام الأسد، لم تعد هناك حجة لوجود العقوبات، لكن الباحث زكي محشي يرى أن الرخصة العامة لمدة ستة أشهر هي “فترة اختبار” من قبل الإدارة الأمريكية.

ورجح الباحث زكي محشي اتباع الاتحاد الأوروبي وبريطانيا نفس خطوة الولايات المتحدة، فهي فترة اختبار ليعاينوا ما ستقوم به الإدارة الحالية بدمشق، حول اتخاذ خطوات باتجاه انتقال سياسي سلمي ديمقراطي تشاركي، وبعد ستة أشهر قد يتم تجديد الرخصة لمدة ستة أشهر مرة أخرى أو قد يتم البدء بالحديث عن رفع العقوبات بشكل تدريجي أو إعادة العقوبات على حسب الخطوات التي تتخذها الإدارة.

في 3 من كانون الثاني الحالي، التقى وزيرا خارجية فرنسا جان نويل بارو، وألمانيا أنالينا بيربوك، قائد الإدارة السورية الجديدة، أحمد الشرع، في دمشق.

وقالت وزيرة الخارجية الألمانية حينها، إن “أوروبا لن تمول إنشاء هياكل إسلامية جديدة في سوريا”، مضيفة أن رفع العقوبات عن سوريا سيعتمد على تقدم العملية السياسية.

ونقلت وكالة “رويترز”، في 8 من كانون الثاني، عن مصادر في الخارجية الألمانية، أن ألمانيا تناقش “بنشاط” سبل تخفيف العقوبات عن الشعب السوري في قطاعات معينة، وهو ما يتطلب قرارًا بالإجماع من جانب الاتحاد الأوروبي.

وكان المسؤولون الألمان تداولوا لأول مرة أفكارًا بشأن تخفيف العقوبات على سوريا، في وثائق أرسلت إلى بروكسل قبل عيد الميلاد.

ونقلت صحيفة “فاينانشال تايمز” الأمريكية عن مصادر مطلعة قولها، إن مسؤولين ألمانيين وزعوا وثيقتين مقترحتين بين عواصم الاتحاد الأوروبي تحددان اقتراحات بشأن القطاعات الرئيسة التي يمكن فيها تخفيف العقوبات التي يفرضها الاتحاد على سوريا.

وأضافت الصحيفة أن الوثيقتين تحددان سبل تخفيف القيود تدريجيًا عن دمشق، مقابل إحراز تقدم في القضايا الاجتماعية، بما في ذلك حماية حقوق الأقليات والنساء والالتزام بالتعهدات بمنع انتشار الأسلحة.

كما نقلت الصحيفة عن مصدر وصفته بأنه مطلع على مناقشات الاتحاد الأوروبي بهذا الشأن، قوله إن الاتحاد مثل واشنطن قد يصدر قرارًا بتخفيف مؤقت للعقوبات لضمان إمكانية التراجع عنه إذا لزم الأمر.

وتشمل المقترحات، تخفيف القيود المفروضة على القطاع المصرفي في سوريا، لتسهيل تدفق الأموال إلى البلاد، وعلى قطاع الطاقة للمساعدة في معالجة انقطاع التيار الكهربائي.

كما ستعمل المقترحات على تخفيف العقوبات المفروضة على النقل الجوي، ورفع القيود المفروضة على نقل الأصول الخاصة التي تمنع اللاجئين السوريين الذين يريدون العودة إلى وطنهم من أخذ سيارة معهم أو فتح حساب.

ولم يتضح بعد ما إذا كان هناك دعم بالإجماع بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي البالغ عددها 27 دولة لتخفيف العقوبات، حيث لا تزال بعض العواصم تدعو إلى تقييم كامل للإدارة الجديدة في دمشق وكيفية حكمها، وفق ما نقلته “فاينانشال تايمز” عن مسؤول مشارك في المناقشات الأوروبية.

مبنى المحافظة في دمشق – كانون الأول 2024 (أنس الخولي/عنب بلدي)

أثر إيجابي

يرى الباحث زكي محشي أن تخفيف العقوبات هو إشارة إيجابية على الاقتصاد السوري، وخاصة على صعيد تقديم المساعدات والدعم لسوريا، إذ سيصبح الدعم والتعامل مع المؤسسات الحكومية أسهل، وستصبح هناك إمكانية مباشرة للتعامل معها.

وهذا الشيء “مهم جدًا” بالوضع الحالي في سوريا لمساعدة الإدارة الحالية والمجتمع السوري، فهو بأمس الحاجة للمساعدات الإنسانية، لأن مستويات الفقر تزيد، وهناك ارتفاع كبير بالأسعار.

يضاف إلى ذلك أنه أصبحت هناك قدرة أكثر على تحويل أموال فردية، لكن ما زالت هناك عقوبات على تحويل أموال عن طريق المصرف المركزي للأنشطة التجارية.

مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، حذر مطلع الشهر الحالي من أن سوريا لا تزال تواجه “تهديدًا ثلاثي الأبعاد”، يتمثل في انعدام الأمن وأزمتين اقتصادية وإنسانية.

ويعيش في سوريا 90% من السكان تحت خط الفقر وفق تقديرات أممية، إلى جانب أزمات في مختلف القطاعات خاصة الطبي.

وأشار الباحث زكي محشي إلى وجود تحديات أبرزها استمرار أثر “الالتزام المفرط”، فأغلب الشركات والمؤسسات العالمية حتى البنوك والمؤسسات المالية لا يمكن أن تستثمر بسوريا وتدخل السوق السورية إذا كانت هناك عقوبات، فهي لن تخاطر بذلك.

وهذا الأثر السلبي لـ”الالتزام المفرط” سيستمر على المؤسسات المالية والمؤسسات التجارية والاقتصادية العالمية ما دامت هناك عقوبات.

التحدي الآخر له علاقة بالوضع الاقتصادي الحالي، في حال رفعت كل العقوبات وليس فقط تخفيفها أو منح رخصة عامة، فالاقتصاد السوري أو سوريا ما زالت “غير جاذبة للاستثمارات” باستثناء المغتربين الذين يريدون الاستثمار ببلدهم.

لكن السوق السورية صغيرة نسبيًا، والقدرة الشرائية للسوريين منخفضة، بسبب تدميرها المنهجي من قبل النظام السابق، والقرارات الاقتصادية ما زالت غير واضحة، وهناك عدم وضوح للتوجه الاقتصادي على الرغم من أن الحكومة صرحت عن التوجه لاقتصاد السوق الحرة، وفق الباحث زكي محشي.

والإدارة الحالية هي إدارة مؤقتة أو انتقالية، وهو ما يطرح سؤالًا: هل هذا التوجه سينطبق على الحكومات المقبلة بسوريا؟ وفي حال توجهت إلى اقتصاد السوق الحرة كيف تتبع الإدارة نظام حماية اجتماعية؟ إلى جانب أسئلة أخرى لها علاقة بالإطار التنظيمي للنشاط الاقتصادي بسوريا.

وأوضح زكي محشي أن الإطار التنظيمي للنشاط الاقتصادي بسوريا ما زال بحاجة لعمل من قبل الإدارة الحالية و الحكومات المقبلة، حتى تصبح هناك بيئة مناسبة للاستثمار وجذب الاستثمار من الخارج، كي تكون البيئة جاهزة عند رفع العقوبات.

تخفيف العقوبات

شمل الأمر التنفيذي رقم “24” الصادر عن الخزانة الأمريكية، المساعدة في ضمان عدم إعاقة العقوبات للخدمات الأساسية، واستمرارية وظائف الحكم في جميع أنحاء سوريا، بما في ذلك توفير الكهرباء والطاقة والمياه والصرف الصحي.

ويستمر هذا الترخيص لمدة ستة أشهر، حيث تواصل حكومة الولايات المتحدة مراقبة الوضع المتطور على الأرض، وفق القرار.

وقال نائب وزير الخزانة، والي أديمو، إن “نهاية حكم بشار الأسد الوحشي والقمعي، المدعوم من روسيا وإيران، توفر فرصة فريدة لسوريا وشعبها لإعادة البناء”.

وأضاف أنه خلال هذه الفترة الانتقالية، ستواصل وزارة الخزانة دعم المساعدات الإنسانية والإدارة السورية الجديدة.

ولا يؤدي هذا التفويض إلى رفع الحظر عن ممتلكات أو مصالح أي شخص محظور بموجب أي من برامج العقوبات لدى واشنطن، بمن في ذلك الأسد وشركاؤه، أو حكومة سوريا، أو البنك المركزي السوري، أو “هيئة تحرير الشام”.

ولا يسمح التفويض بأي تحويلات مالية إلى أي شخص محظور، بخلاف الغرض من إجراء مدفوعات معينة مصرح بها للمؤسسات الحاكمة، أو مقدمي الخدمات المرتبطين في سوريا.

مقالات متعلقة

  1. الأسد يفشل بتخفيف العقوبات.. الغرب يتوعده بالمزيد
  2. أمريكا تعدّل تراخيص في برامج عقوباتها.. ما الأثر في سوريا
  3. هل تستجيب الإدارة الأمريكية للمطالب بتخفيف العقوبات عن النظام
  4. تحرك مضاد يواجه حملة فواز الأخرس لرفع العقوبات عن النظام السوري

أخبار وتقارير اقتصادية

المزيد من أخبار وتقارير اقتصادية