ما دلالات الزيارة الفرنسية- الألمانية إلى سوريا
أثارت زيارة وزيري خارجية فرنسا وألمانيا إلى سوريا موجة انتقادات واسعة طالت بشكل خاص الجانب البروتوكولي من الزيارة، وهو ما غطى على أهمية ودلالات الزيارة.
تعد فرنسا وألمانيا أبزر دول الاتحاد الأوروبي، وزيارتهما لمعاينة الوضع في سوريا ولقاء الإدارة الجديدة لا تمثل بلديهما فقط إنما تتعدى ذلك إلى الاتحاد ككل.
كما أن المحددات التي وضعتها وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيربوك، والتي تتعلق بالدعم المستقبلي للإدارة السورية الجديدة، لم تقدمها باسم بلدها فقط إنما نيابة عن الاتحاد الأوروبي.
ما أهمية الزيارة
الدبلوماسي السوري السابق داني البعاج، قال إن الزيارة تشير إلى اهتمام دولي واضح بعملية الانتقال السياسي في سوريا، فالجميع يريد أن يرى مستقبل سوريا إلى أين يتوجه، وكيف يمكن تقديم أو المساهمة بالدعم.
وقال البعاج لعنب بلدي، إن زيارة الوزيرين الأوروبيين ولقاءهما قائد الإدارة السورية الجديدة، أحمد الشرع، أيضًا لها عدة دلالات، فهما موفدان من الاتحاد الأوروبي، ومن خلال الزيارة سيخرجان بتقارير حول الأوضاع في سوريا ومشاهداتهما على الأرض، وسيتم نقلها إلى باقي دول ومؤسسات الاتحاد، “معاينة وزيري خارجية بشكل مباشر يكون ذا أهمية كبيرة للتفحص”.
وانتقد بعاج مبدأ “العصا والجزرة” للتعامل مع حكومة دمشق، أي فرض خطوات أو مطالب محددة لرفع العقوبات مثلًا أو تقديم مساعدات أو المساهمة بإعادة الإعمار.
لكن هذه الدول يمكن أن “تنخرط إيجابيًا”، بمعنى أنه كلما تقدمت الإدارة الجديدة خطوة بالعملية السياسية لجهة ضمان الحريات سياسية، ومساحة العمل السياسي، والانتقال السلمي للسلطة، وعدم وجود انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان خلال العملية الانتقالية، عندها يكون الانخراط الغربي والدولي بدعم سوريا أكبر.
توقيت حساس
الزيارة جاءت في توقيت “حساس يعكس اهتمام الاتحاد الأوروبي المتجدد بالملف السوري”، وفق الدبلوماسي السوري السابق بشار حاج علي، وتصريحات الوزيرين بشأن حماية الأقليات وتمكين النساء والمجتمع المدني يمثل أداة ضغط ناعمة لتعزيز دور أوروبا في مواجهة القوى الأخرى المؤثرة كروسيا وإيران.
الزيارة تحمل خطابًا موجهًا للرأي العام الأوروبي، لكنها في جوهرها ترتبط بأبعاد استراتيجية تتجاوز هذه القضايا (حماية الأقليات وتمكين النساء والمجتمع المدني)، وعلى رأس هذه الأبعاد تعزيز النفوذ الأوروبي.
الزيارة تعكس رغبة الاتحاد الأوروبي في إعادة ترسيخ نفوذه بالمنطقة، خصوصًا مع تعقيدات الملف السوري المستمرة.
الأمر الآخر، بحسب الحاج علي، ضمان سلاسل توريد الطاقة، وسوريا، بموقعها الجغرافي، تمثل نقطة محورية في الترانزيت الدولي للنفط والغاز، فالزيارة تشير إلى اهتمام أوروبي بضمان استقرار المنطقة لتأمين مد خطوط الطاقة من الخليج إلى أوروبا، كجزء من استراتيجية تقليل الاعتماد على الغاز الروسي في ظل الأزمة الأوكرانية.
والاتحاد الأوروبي يدرك أن استقراره الإقليمي يتطلب إعادة إعمار سوريا، والتصريحات الأوروبية تحمل تلميحًا بإمكانية تمويل مشاريع إعادة الإعمار، لكن ذلك يظل مشروطًا بتحقيق مصالح أوروبا، سواء عبر ضمان الاستقرار الأمني أو الحفاظ على التوازن السياسي الذي يضمن استمرار النفوذ الأوروبي في المنطقة.
هل تم تجاوز البروتوكول
أثارت الزيارة موجة انتقادات عبر منصات التواصل الاجتماعي، منها لباس وزيرة الخارجية الألمانية، وعدم وجود العلم في دار البطريركية خلال زيارتهما بطريرك أنطاكية للروم الأرثوذكس يوحنا العاشر في دمشق.
وأوضح الدبلوماسي داني البعاج أن الزيارة ليس فيها خلل بروتوكولي، لأن الوزيرين لم يذهبا إلى أي مكان دون تنسيق مع حكومة دمشق المؤقتة، لأن التنقل في الدولة المضيفة يجب أن يكون منسقًا وموافقًا عليه، والترتيبات الأمنية لزيارتهما أيضًا كان عليها إشراف كامل من قبل حكومة دمشق، و”طالما لديك إشراف كامل هذا يعني أن لديك موافقة كاملة”.
بالنسبة لبروتوكولات الأعراف، أشار البعاج إلى أن الوزيرة الألمانية لم تمد يدها لمصافحة الشرع، ووزراء الخارجية الأوروبيون لديهم معرفة واطلاع على أن العديد من الدول التي لا تتم فيها المصافحة وليس بالضرورة أن تكون إسلامية.
وحول عدم وجود العلم في البطريركية، قال بعاج إن البطريركية هي مؤسسة ليست رسمية، والأعلام بروتوكوليًا يجب أن تكون موجودة بالمؤسسات الحكومية لكن وجودها اختيار بأي مؤسسة ليست حكومية.
هل لعدم المصافحة دلالات
قال الدبلوماسي بشار حاج علي إن التجاوز البروتوكولي، المتمثل في امتناع أحمد الشرع عن مصافحة وزيرة الخارجية الألمانية، يحمل دلالات سياسية وثقافية في آن واحد.
الشرع استند في موقفه إلى مرجعيته الدينية، ما يعكس التزامًا بالقيم المحلية ويوجه رسالة بضرورة احترام الخصوصيات الثقافية والدينية السورية في التعاملات الدولية، وعدم فرض قيم أو مقاربات تتعارض مع الخصوصيات المحلية.
لكن الواقعة تعكس أيضًا “غياب بروتوكول واضح من قبل الإدارة الجديدة وحكومة تصريف الأعمال، ما يعكس حالة انتقالية تحتاج إلى إعادة تنظيم قواعد التعامل الدبلوماسي بما يتماشى مع المتغيرات”، وفق الحاج علي.
ويرى الحاج علي أن الزيارة الأوروبية والتجاوزات البروتوكولية لم تكن مجرد تفاصيل سطحية، بل عكست بوضوح التحديات الثقافية والسياسية التي تواجه سوريا في المرحلة الحالية.
ويمكن قراءة التجاوز البروتوكول من قبل وزيري الخارجية الفرنسي والألماني، وفق الحاج علي، على أنه رسالة غير مباشرة تحمل أبعادًا سياسية، وقد يكون هذا التصرف إشارة إلى اعتراف مشروط بالإدارة الجديدة، بمعنى أن الاتحاد الأوروبي قد يسعى من خلال تجاوزات بروتوكولية محسوبة، إلى توجيه رسالة مفادها أن التعامل مع الإدارة السورية قائم، لكنه مرهون بتحقيق شروط محددة.
وتتمثل هذه الشروط بضمان مصالح أوروبا الاستراتيجية، سواء في إعادة الإعمار أو تأمين خطوط الطاقة من الخليج إلى أوروبا، وهذا يعني “استعداد أوروبا لإعادة الانخراط في الملف السوري، ولكن بحذر”.
وتجاوز البروتوكول قد يكون وسيلة للتأكيد على أن أوروبا تراقب عن كثب وتختبر مدى جدية الطرف السوري في تحقيق الاستقرار وتنفيذ الإصلاحات المطلوبة، ورسالة دبلوماسية مزدوجة، في ظل تعقيدات المشهد الدولي.
وأضاف الحاج علي، “ربما تسعى أوروبا إلى تقديم اعتراف ضمني دون أن يكون ذلك علنيًا أو غير مشروط، مما يتيح لها الحفاظ على هامش المناورة السياسية أمام شركائها الدوليين والمعارضة السورية”.
علاقات مع سوريا
الوزيران الأوروبيان اللذان زارا سوريا نيابة عن الاتحاد الأوروبي أكدا الرغبة في إقامة علاقات جيدة مع سوريا وحثا على تحقيق انتقال سلمي للسلطة.
زيارة وزيرة الخارجية الألمانية ونظيرها الفرنسي هي الأولى لوزراء أوروبيين إلى دمشق بعد سقوط نظام بشار الأسد المخلوع، في 8 من كانون الأول 2024، وتهدف إلى التعامل بحذر مع الإدارة الحالية في سوريا والاعتراف بوضعهم كحكام جدد في سوريا، مع حثهم على الاعتدال واحترام حقوق الأقليات.
ربطت بيربوك رفع الاتحاد الأوروبي للعقوبات المفروضة على سوريا بالتقدم السياسي، مشيرة إلى ما اعتبرتها “بعض الإشارات الإيجابية”، مع تأكيدها أنه من السابق لأوانه اتخاذ أي إجراء.
وأكدت الوزيرة الألمانية الحاجة إلى إشراك كل المجموعات العرقية في عملية الانتقال إلى الديمقراطية مع ضمان عدم وقوع الأموال الأوروبية المحتملة في أيدي ما قالت إنها “هياكل إسلامية جديدة”.
وأوضحت أن الأسابيع القليلة الماضية أظهرت مدى الأمل في سوريا بأن المستقبل سيكون “مستقبل الحرية للجميع”، بصرف النظر عن عرقهم أو جنسهم أو دينهم، ومن غير المؤكد أن هذا سيحدث.
وأعرب وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، عن أمله في أن تكون سوريا “ذات سيادة وآمنة” ولا تترك مجالًا للإرهاب أو الأسلحة الكيماوية أو الجهات الأجنبية “الخبيثة”، وذلك خلال اجتماع مع ممثلين عن منظمات المجتمع المدني السوري.
كما دعا إلى حل سياسي لدمج المقاتلين الكرد في الدولة السورية، ولتحقيق وقف دائم لإطلاق النار.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :