نزع السلاح والتسريح في سوريا بعدسة نسوية
لمى قنوت
تمثل عملية نزع السلاح والتسريح والتأهيل جزءًا مهمًا من مراحل تعزيز الأمن والاستقرار وإنهاء دورات العنف، لكنها، وكي تعزز السلام المستدام، لا بد وأن يرافق تلك العملية إجراءات تحفيزية، عينية أو نقدية، مقابل تسليم السلاح والذخائر، وتأهيل المقاتلين الذين تم تسريحهم للعودة إلى الحياة المدنية وتعزيز قدرتهم على مقاومة حمل السلاح مرة أخرى، فغالبًا، لا يُسلم المقاتلون المنضوون تحت الفصائل والعناصر والضباط التابعون للقوات النظامية أسلحتهم وذخيرتهم طوعًا، والتي يُخشى أن تُستخدم في أعمال عنف، وبضمنها العنف الأسري.
ثلاثية نزع السلاح والتسريح والتأهيل، خطوات مهمة خلال مرحلة توطيد الأمن في سياق التعافي بالمراحل الانتقالية، وخاصة في المجتمعات التي تمت عسكرتها لعقود طويلة كسوريا، فالدمج أو إعادة التأهيل يشمل العديد من الجوانب الصحية والاقتصادية والاجتماعية، للتشجيع والمساعدة على العودة إلى الحياة المدنية، وخاصة للمنخرطين في القتال لسنوات طويلة.
سهولة الحصول على الأسلحة والاتجار بها في المرحلة الانتقالية ازدادت بعد انهيار الجيش وفرار قواته ورمي أسلحة عناصره وبزاتهم العسكرية في الشوارع، وترك المقار الأمنية بمحتوياتها عرضة للنهب، الأمر الذي سيزيد من الجرائم وعسكرة الحياة اليومية والعنف ضد النساء والفتيات بتنوعاتهن، فالروابط وثيقة بين النزعة العسكرية والعنف ضدهن، ويضاف إليها ازدياد حجم العنف الأسري بعد انتهاء الصراعات والحروب والذي تناولته الدراسات النسوية.
تقوم المؤسسات الأمنية، وبضمنها مؤسسة الجيش وبنى الفصائل العسكرية، على تراتبية عسكرية هرمية ذكورية عمادها الإخضاع والهيمنة وطاعة الأوامر دون اعتراض، وتحطم تلك المؤسسات الهوية المدنية الفردية لعناصرها، وتستفيد من الأيديولوجيا الأبوية المرتكزة على الاستعلاء الذكوري وامتيازاته، وتكريس الأدوار الجندرية النمطية التي تعيد إنتاجها بشكل مستمر، كصورة الرجل القوي المقاتل الذي يحمي، وصورة المرأة الممتنة التي تقوم بالدور الرعائي في المساحات الخاصة وهي تنتظره، مما يديم التمييز ضد النساء بتنوعاتهن وتنوع سياقاتهن ويجعل مواطنيتهن غير مكتملة.
وبالتالي فإن تدابير نزع السلاح والتسريح وإعادة التأهيل المرتبطة مع العدالة الانتقالية التحولية يجب أن تعي الآثار العنفية المديدة للعسكرة وانتشار السلاح على المجتمع بشكل عام، وعلى النساء والفتيات بشكل خاص، إذا لم تكن شاملة ومنهجية وعميقة، وعلى التدابير ألا تقولب نفسها وتتقوقع في الطابع الأمني للعملية الجارية حاليًا، والتي تقتصر على شقيها المتمثلين بنزع السلاح والتسريح، وإهمال إعادة التأهيل من جهة، وألا تكون منفصلة عن التحضير لمسار وطني للعدالة الانتقالية التحولية من جهة أخرى.
تكثف الدراسات النسوية الأمنية أهمية الاعتراف بتجارب النساء مع العنف وهياكل البنى القمعية، وتنتقد أطر تدابير نزع السلاح والتسريح وإعادة التأهيل، والأطر القانونية للعدالة الانتقالية، والتي تعتبر أن دوائر العنف ضدهن هي أضرار جانبية، غير مهمة، غير سياسية وخاصة، طالما كانت في إطار المنزل، فعلى سبيل المثال، كانت مبادرات نزع السلاح من الجماعات شبه العسكرية في كولومبيا تهدف إلى إنهاء العنف في الفضاء العام، وتجاهلت أن تلك الجماعات نقلت العنف إلى المنازل وأجساد النساء.
لقد وضحت عدة عالمات ومختصات كعالمة الاجتماع إليزابيث ليرا وعالم الأنثربولوجيا ناي بارسن أوجه التشابه بين ديمومة آثار العنف والصدمات الناجمة عن العنف الجنسي والأسري، وعنف الدولة الاستبدادية، ودرست الطبيبة النفسية جوديث هيرمان في كتابها “الصدمة والتعافي” خصائص اضطرابات ما بعد الصدمات التي يعاني منها المقاتلون السابقون، ومعظمهم من الذكور، وضحايا العنف الجنسي والأسري، ومعظمهم من الإناث، وصاغت مفاهيم عيادية واجتماعية توحد هذه التجارب المتباينة للصدمات، وبموجب العلم والنتائج البحثية، يجب تطوير عدسة الرؤية لمفهوم شبكة الأضرار ودوائر العنف الناجمة عن العسكرة وانتشار السلاح وأثرهما المديد في المجتمع.
إن فجوات العدالة في سياقات التعافي وبناء الدولة، سواء في اعتبار العنف الأسري عنفًا وضررًا جانبيًا، أو في سياق أمننة تدابير نزع السلاح والتسريح، أو في سياق ارتكاب انتهاكات جديدة خلال عمليات البحث عن مجرمي الحرب والجرائم ضد الإنسانية في هذه المرحلة التأسيسية، هي وصفات لتقويض العدل وإعادة إنتاج العنف.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :