الاقتصاد السوري ينتظر رافد “الترانزيت” عبر المعابر

جانب من حركة الشاحنات التجارية عبر معبر "نصيب- جابر" على الحدود السورية- الأردنية- 18 من كانون الأول 2024 (عنب بلدي/ حليم محمد)

camera iconجانب من حركة الشاحنات التجارية عبر معبر "نصيب- جابر" على الحدود السورية- الأردنية- 18 من كانون الأول 2024 (عنب بلدي/ حليم محمد)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – جنى العيسى

تشكّل إعادة تشغيل المعابر البرية بين سوريا والدول المجاورة نافذة لتحسن حركة الأسواق، وهو ما ينعكس على الاقتصاد الوطني عند بدء استخدام الأراضي السورية كمناطق عبور بين عدد من الدول.

سابقًا، تعذر تشغيل الحركة التجارية، بسبب تعدد الجهات المسيطرة على مناطق مختلفة من سوريا، إلا أن تحرير سوريا وسيطرة حكومة دمشق حاليًا على مساحة أكبر ينبئ بعودة هذه الحركة من وإلى دول الخليج أو من وإلى تركيا على أقل تقدير.

عودة شرايين حياة الاقتصاد السوري هذه قد تشكّل حجر أساس لتعافٍ اقتصادي جزئي في ملف المعابر، ما سينعكس إيجابيًا على خزينة الدولة.

موقع استراتيجي.. لاعب محوري

تحتل سوريا موقعًا استراتيجيًا يجعلها ممرًا مهمًا بين آسيا وأوروبا ودول الخليج، وتاريخيًا كانت الطرق البرية السورية أساسية في حركة التجارة بين هذه الدول، وكانت حركة الترانزيت تدر إيرادات كبيرة من الرسوم الجمركية ورسوم العبور على خزينة الدولة.

الترانزيت (Transit) هو مصطلح يستخدم للإشارة إلى حركة البضائع أو الأشخاص عبر دولة أو منطقة معينة، دون أن تكون تلك الدولة أو المنطقة هي الوجهة النهائية.

في سياق التجارة والنقل، يعرف الترانزيت أكاديميًا على أنه عملية نقل البضائع أو الركاب عبر أراضي دولة وسيطة بين بلد المصدر وبلد الوجهة النهائية، مع تطبيق إجراءات جمركية خاصة تضمن عدم تأثر هذه البضائع أو الركاب بالقوانين الاقتصادية أو الضرائب المحلية للدولة الوسيطة.

تخضع البضائع العابرة وفق هذا المصطلح لإجراءات جمركية خاصة تعرف باسم “الترانزيت الجمركي”، بينما لا يفرض عليها أي ضرائب أو رسوم داخلية باستثناء ذلك، كما تتطلب بنية تحتية مناسبة مثل الطرق السريعة والسكك الحديدية والمواني.

تبرز أهمية الترانزيت من الناحية الاقتصادية بأنها توفر دخلًا للدول الوسيطة عبر رسوم العبور، ولوجستيًا تقلل تكاليف النقل وتعزز الربط بين الأسواق الدولية، فيما تجعل الدولة الوسيطة لاعبًا محوريًا في التجارة الإقليمية والدولية، وهنا تبرز أهميتها من الناحية الجيوسياسية.

تصريحات أردنية

عقب سقوط النظام، أبدى الأردن رغبة واضحة بعودة تفعيل تجارة الترانزيت عبر سوريا، إذ قال عضو غرفة تجارة الأردن ونقيب تجار الألبسة والأقمشة والأحذية، سلطان علان، إن تعزيز تجارة الترانزيت بين الأردن وسوريا يمثّل فرصة واعدة لاستفادة المملكة من موقعها الاستراتيجي كمنفذ جنوبي وحيد وآمن للجنوب السوري.

وفي 18 من كانون الأول 2024، بدأت الشاحنات الأردنية بالدخول مباشرة إلى الأراضي السورية عبر معبر “نصيب- جابر” الحدودي لتسليم البضائع، في خطوة تهدف إلى تعزيز الحركة التجارية بين البلدين، وذلك بعد أن أتاحت السلطات السورية خيار تسليم البضائع مباشرة للتجار دون الحاجة إلى تبديل سيارة النقل عند المعبر.

العودة مشروطة

كان اختلاف الجهات المسيطرة أحد أبرز الأسباب التي تمنع تجارة الترانزيت، فضلًا عن وجود معابر داخلية أساسًا بين مناطق السيطرة تمنع مرور هذه التجارة بسلاسة.

الباحث في الاقتصاد السياسي يحيى السيد عمر، قال إنه لا ضرورة حاليًا لوجود المعابر بين مناطق الدولة، إذ يعد استمرار وجودها بين حلب وإدلب عرقلة للعمل التجاري والاقتصادي، وينعكس سلبًا على الأفراد.

وأكد السيد عمر في حديث إلى عنب بلدي، أن إلغاء المعابر الداخلية يعد ضرورة اقتصادية واجتماعية، كما أن إلغاءها ينعكس إيجابًا على تكاليف الإنتاج، لأن أي رسوم تفرضها هذه المعابر ستؤدي إلى زيادة الأسعار، ما يتعارض مع السياسة الاقتصادية التي تسعى إليها الحكومة.

فالحكومة تسعى لتسهيل العمل والإنتاج، وتحفيز المؤشرات الاقتصادية، وهذا يتطلب سهولة تدفق السلع بين مناطق الدولة، وفق الباحث.

فيما يتعلق بعودة تجارة الترانزيت في سوريا بين تركيا ودول الخليج العربي، فهو متوقع، بحسب ما أكده الباحث يحيى السيد عمر، إلا أن عودتها لن تكون في المدى القريب، بحسب اعتقاده.

الباحث برر رأيه بأن عودة تجارة الترانزيت تحتاج إلى استقرار أمني تام، وصيانة الطرق الرئيسة في الدولة، وهذا يتطلب بعض الوقت، كما يحتاج إلى تمويل لا تمتلكه الحكومة حاليًا.

وعندما يتم ذلك سينعكس إيجابًا على الاقتصاد السوري، من حيث العوائد المتوقعة من المعابر مع تركيا والأردن، خاصة معبر “نصيب” الذي يعد المعبر الأهم في الشرق الأوسط، ودخله الشهري لا يقل عن 100 مليون دولار، وفق السيد عمر.

وأضاف الباحث أن هذه التجارة تعزز من ربط الاقتصاد السوري باقتصادات المنطقة، ما يعزز من سرعة التعافي ويشجع على الاستثمارات الأجنبية.

رغبة تركية

الدكتور في العلوم المالية والمصرفية فراس شعبو، قال إن وجود المعابر بين المحافظات سابقًا كان غير قانوني أو منطقي، ومن الطبيعي الآن أن تلغى بعد عودة السيطرة لجهة واحدة.

وأوضح شعبو في حديث إلى عنب بلدي، أن أثر ذلك سيكون إيجابيًا على أسواق المحافظات جميعها دون استثناء من حيث تبادل الموارد، الأمر الذي يكفل النهوض بالاقتصاد إلى حد كبير.

وحول حركة تجارة التزانزيت عبر سوريا، يتوقع الباحث فراس شعبو عودتها بشدة، خاصة تلك القادمة من وإلى تركيا، إذ كانت الأخيرة تسعى منذ سنوات لإعادة فتح الطرقات البرية الرئيسة أمامها بسبب خسارتها السوق الخليجية.

من مصلحة تركيا بالكامل تحريك التجارة من مدن وولايات تركية حتى معبر “نصيب”، الأمر الذي من شأنه إنعاش السوق والبضائع التركية، فيما ستحصل الحكومة السورية على حصتها من هذا الانتعاش عبر الرسوم التي ستتقاضاها لمرور التجارة عبر أراضيها، بحسب شعبو.

إلى جانب ذلك، قد تستفيد الدولة السورية من هذه المعابر للحصول على المساعدات بجميع القطاعات، وستؤدي أيضًا عودتها إلى إنعاش الحالة الاقتصادية وتأمين فرص عمل، وإحياء المناطق التي ستمر عبرها حركة الترانزيت.

لكن ذلك سيتم بعد ضمان سلامة الطرق الدولية، وفق شعبو، مضيفًا أن ذلك لن يكون صعبًا لكنه أولوية بالنسبة للحكومة الجديدة التي تريد انتعاش البلاد اقتصاديًا.

معابر تربط سوريا بدول الجوار

يوجد في سوريا حوالي 12 معبرًا بريًا يربط الأراضي السورية بدول الجوار (تركيا ولبنان والأردن والعراق)، بعضها يعمل بشكل كامل، فيما توقف عدد قليل عن العمل منذ عام 2011، دون إعلان رسمي حتى الآن حول إعادة تفعيله.

مع تركيا ترتبط الأراضي السورية بعدة معابر، منها معبر “باب الهوى” في إدلب، ومعبرا “باب السلامة” و “جرابلس” في ريف حلب، ومعبر “تل أبيض” في محافظة الرقة ويربطها بولاية شانلي أورفا التركية.

ومع لبنان يوجد أكثر من أربعة معابر، الأول هو “جديدة يابوس- المصنع” وهو أهم معبر بري يقع على الطريق الواصل بين دمشق وبيروت، إضافة إلى معابر “الدبوسية” و”العريضة” و”تلكلخ”.

فيما ترتبط الأراضي السورية والعراقية بثلاثة معابر، أبرزها “البوكمال- القائم” الذي يربط محافظة دير الزور بمحافظة الأنبار العراقية، و”اليعربية- ربيعة” الذي يربط محافظة الحسكة بسهل نينوى في العراق، و”التنف” في الصحراء الذي كان يستخدم سابقًا لنقل البضائع.

ومع الأردن يوجد معبران، الأول “نصيب- جابر” وهو المعبر الرئيس بين البلدين ويربط محافظة درعا بالأردن، والثاني “الرمثا”، وهو معبر صغير نسبيًا وكان يستخدم سابقًا لحركة السفر بشكل رئيس.

نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة