مع دخول حلفاء جدد

هل انتهى دور روسيا وإيران في سوريا الجديدة

عناصر من القوات الروسية داخل قاعدة حميميم العسكرية في اللاذقية بعد سقوط النظام السوري - 26 كانون الأول 2024 (عنب بلدي/ديان جنباز)

camera iconعناصر من القوات الروسية داخل قاعدة حميميم العسكرية في اللاذقية بعد سقوط النظام السوري - 26 كانون الأول 2024 (عنب بلدي/ديان جنباز)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – موفق الخوجة

مع تبدل المشهد السياسي في سوريا بعد سقوط النظام، تغيرت التحالفات التي تدعم السلطات هناك، فبعد أن كان نظام بشار الأسد يعتمد على حليفين رئيسين هما روسيا وإيران، أعادت الكثير من الدول علاقاتها المقطوعة سابقًا، ومع هذه الحركة الدبلوماسية، تثار التساؤلات حول طبيعة علاقة هذه الدول، وعن إمكانية إقامة علاقات دبلوماسية مع الأصدقاء السابقين للأسد.

من حلفاء النظام السابق

اعتمد النظام السوري السابق في حربه ضد السوريين على حليفين رئيسين، روسيا وإيران، وكانت العلاقات مع الأخيرة مبنية على أبعاد سياسية وأخرى مذهبية، تمثلت بإرسال ميليشيات ذات بعد طائفي، مثل “زينبيون” و”فاطميون”، إضافة إلى دعهما فصائل أخرى عراقية ولبنانية، على رأسها “حزب الله”.

وأما روسيا، وريثة الاتحاد السوفييتي، فكانت علاقتها مع سوريا قبل عهد الأسد الأب حافظ، إلا أنها ترسخت في عهده، وامتدت حتى فترة وريثه في الحكم بشار الأسد، وبنيت على أسس سياسية بحتة واقتصادية في بعض الجوانب.

روسيا حليف قديم

الموقف الروسي الداعم للنظام السوري السابق كان واضحًا منذ بداية الثورة السورية وحتى آخر أيامه، داخليًا من ناحية الدعم اللوجستي والعسكري، وخارجيًا من حيث المواقف في المحافل الدولية، لا سيما استخدامها حق النقض (الفيتو) لعدة مرات في مجلس الأمن لمصلحة نظام الأسد.

وتجلى موقف روسيا الداعم للأسد في تدخلها العسكري المباشر في 30 من أيلول 2015، الذي كان فارقًا في الصراع العسكري بين النظام والمعارضة، وأثر بشكل كبير على خارطة السيطرة.

وأشارت تصريحات وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، حينها، إلى أن تدخل الروس العسكري أنقذ النظام السوري (السابق)، الذي كان آيلًا للسقوط.

كما شاركت روسيا بقصف المواقع التي خرجت عن سيطرة النظام السابق لمصلحة المعارضة، واستخدمت قواعدها العسكرية لإسناد قوات حليفه الأسد.

من الإدارة الجديدة إلى روسيا

بدأت عملية “ردع العدوان” التي أطلقتها فصائل المعارضة المنضوية تحت مسمى “إدارة العمليات العسكرية” في 27 من تشرين الثاني 2024، وأدت إلى سقوط الأسد في 8 من كانون الأول من العام نفسه.

ومنذ بدء العملية، تقلص دور روسيا إلى حد كبير، ولم تشهد ساحات القتال على جانب المعارضة حضورًا كثيفًا للطيران الروسي الذي كان معهودًا في السنوات السابقة.

“إدارة العمليات العسكرية” في ثالث أيام “ردع العدوان”، وجهت رسالة إلى روسيا واعتبرتها “شريكًا محتملًا” في بناء مستقبل مشرق لسوريا.

كما دعت “إدارة العمليات العسكرية” روسيا إلى عدم ربط المصالح بالنظام السوري، أو شخص بشار الأسد، بل مع الشعب السوري.

ومع أولى ساعات سقوط النظام السابق، في 8 من كانون الأول 2024، تبدل موقف روسيا الداعم للنظام، إلى موقف أكثر توازنًا بالرغم من منحها اللجوء للرئيس المخلوع، بشار الأسد.

ومن جانبه، أبدى قائد إدارة سوريا الجديدة، أحمد الشرع، موقفًا أكثر “دبلوماسية” من روسيا، قائلًا إنه لا يريد أن تخرج روسيا بطريقة لا تليق بعلاقتها مع سوريا.

وفي أحدث التصريحات الرسمية حتى لحظة تحرير التقرير، قال مندوب روسيا لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، إن السلطات السورية الجديدة ترسل إشارات تتعلق باهتمامها باستمرار الوجود الروسي في سوريا.

وأضاف نيبينزيا أن السلطات الجديدة في سوريا تقدم نفسها باعتبارها السلطات التي تهتم بمصالح السوريين، معتبرًا أنها تتصرف “بكفاءة تامة”، وفق ما نقلته وسائل إعلام روسيا، منها “RT”.

الخبير في الشأن الروسي الدكتور نصر اليوسف، قال لعنب بلدي، إن موقف روسيا من السلطات الجديدة ليس سيئًا كما كان متوقعًا، لا سيما أن حكومة دمشق الحالية أطاحت بحليف موسكو بشار الأسد.

ودعا اليوسف السلطات الجديدة إلى المحافظة على العلاقات السورية- الروسية، وعدم قطعها إرضاء لأطراف أخرى، مشيرًا إلى أمريكا ودول غربية وأوكرانيا.

وأضاف أنه يجب على السلطات الجديدة أن توازن علاقاتها مع كل الأطراف، بما يخدم المصلحة السورية، وليس بما يخدم او يرضي جهة على حساب جهة أخرى.

ويعتقد الخبير في الشأن الروسي، أن الدول الغربية ليست سعيدة ببقاء روسيا في سوريا، خاصة في مجال الصراع الاستراتيجي الذي يجري حاليًا.

القواعد الروسية

بالرغم من تقليص دورها بعد سقوط النظام السابق، ما زالت روسيا تمتلك قاعدتين عسكريتين في سوريا، هما مطار “حميميم” وميناء طرطوس غربي سوريا.

هذه القواعد مرتبطة بعقود مع النظام السابق، إلا أن الإدارة السورية الجديدة لم تتخذ خطوات بشأنها.

الخبير في الشأن الروسي أشار في حديثه لعنب بلدي، إلى أن حكومة دمشق المؤقتة أعطت الضمانات لعدم تعرضها للقواعد الروسية.

وبالرغم من تأكيد روسيا على بقاء قواعدها في سوريا، يعتقد اليوسف أنها (القواعد) ستندثر، لأنها أصبحت في بيئة غير مرحبة بها.

ويرى اليوسف أن روسيا لن تضحي بهذه القواعد، إذ إن أي شخص باستطاعته إطلاق طائرة مسيّرة صغيرة لا تستطيع الرادارات كشفها، وتلحق الضرر بالقواعد الروسية في سوريا.

حكومة دمشق المؤقتة لن تستطيع منع مثل هذه الحوادث، وقواعد روسيا يجب أن تنسحب بـ”هدوء وكرامة”، بحسب حديث اليوسف، الخبير بالشأن الروسي.

وفي حال قررت روسيا سحب قواتها من سوريا ولم تتوصل إلى اتفاق مع حكومة دمشق المؤقتة يقضي باستمرار بقاء هذه القواعد، ستواجه موسكو صعوبات لوجستية في نقلها، بحسب تقرير لـ”BBC“ البريطانية.

ووفق تقرير القناة البريطانية، تضعف هذه الصعوبات موقف موسكو التفاوضي مع حكومة دمشق في حال أصرت على بقاء قواعدها.

وذكر التقرير أن نقل الدبابات الثقيلة والعتاد العسكري يحتاج إلى طائرات من نوع “An-124” (أنتونوف 124)، وهي واحدة من أكبر الطائرات في العالم، وطائرات “IL-76” (إليوشن 76) في فترة زمنية قصيرة.

الموقف الإيراني

إيران من أبرز داعمي الرئيس المخلوع بشار الأسد، وكان لها حضور عسكري، إلا أنها لا تعترف به، وكانت تسمي عناصرها الموجودين على الأراضي السورية بالمستشارين.

وبعد سقوط نظام الأسد، أصبحت إيران خارج المشهد السياسي السوري، وأغلقت سفاراتها وقنصلياتها، وأنهت تمثيلها الدبلوماسي، وربطت إعادة المسار بأداء السلطات الجديدة.

ودعت  في أول يوم بعد سقوط نظام الأسد إلى إنهاء الاشتباكات العسكرية، ومنع الأعمال “الإرهابية”، والبدء بحوارات وطنية بمشاركة جميع أطياف المجتمع السوري وتشكيل حكومة شاملة تمثل كافة أبناء الشعب السوري.

وعلى عكس موقف موسكو المتوازن، كانت طهران أكثر حدة في تصريحاتها، إلا أنها كانت تخفف من تصعيد لهجتها في بعض الأحيان.

تخفيف اللهجة تجلى بعد ردود فعل غاضبة من جامعة الدول العربية، التي وصفت تصريحات طهران بأنها تهدف إلى “تأجيج الفسقوط نظام الأسد تن بين أبناء الشعب السوري”.

يعتقد الباحث في الشأن الإيراني مصطفى النعيمي، أن إيران لن تقف مكتوفة الأيدي بعد إخراجها من سوريا، بل ستسعى لاستخدام جميع الوسائل المتاحة لزعزعة أمن الدولة السورية.

وبعد تراجع نفوذها في المنطقة، يرى الباحث النعيمي أن إيران ستستمر في محاولاتها لزعزعة استقرار سوريا، إذ يمثل سقوط حليفها الأسد خسارة كبيرة لمشروع استمر أكثر من 20 عامًا.

وأكد النعيمي، في حديث سابق لعنب بلدي، أن إحباط مخططات إيران يتطلب تضافر جهود محلية وإقليمية ودولية لحماية سوريا، ومنع أي تدخلات خارجية تهدد أمنها واستقرارها.

من بين هذه الوسائل، قد تلجأ إلى تفعيل ميليشيات مهجورة لتنفيذ عمليات إرهابية، مشابهة لما حدث في العراق من تفجيرات طائفية تهدف إلى إثارة التوترات بين مكونات الشعب السوري، وهذا الوضع يمنح إيران فرصة للتدخل مجددًا عبر إدخال عناصر مسلحين والمشاركة المباشرة على الأرض، بحسب النعيمي.

الحاجة لروسيا وإيران

يعتقد مدير مركز “إدراك للدراسات الاستراتيجية”، باسل حفار، أن الإدارة السورية الجديدة لا تستطيع أن تمارس دور الدولة دون أن تتواصل أو تبني علاقات مع أطراف مثل روسيا وإيران.

وقال حفار لعنب بلدي، إن هذه العلاقات ستكون محل شد وجذب، وقد تكون هناك أبعاد إيجابية وأخرى سلبية.

وأشار إلى أن إيران دولة إقليمية، وروسيا قوة كبيرة في العالم، معتبرًا أنه لا يمكن تجاهل وجودهما.

ويرى الباحث أن هذه العلاقة قد تكون محط نقاش كبير، خصوصًا في الفترة الأولى، إلى أن تتبلور بشكل ما.

وربط مدير مركز “إدراك” طبيعة هذه العلاقات بطريقة تعامل السلطات وإدارتها لهذه الملفات، وحرفيتها ومهارتها، إضافة إلى مكانة هذه السلطة أو السلطات القادمة من الدولة السورية.

حلفاء جدد.. دول على الحياد

منذ سقوط الأسد، برز على الساحة السياسية حلفاء جدد للسلطات الجديدة، على رأسهم تركيا وقطر والسعودية.

وفي أول زيارة رسمية للإدارة الجديدة، كان رئيس الاستخبارات التركية، إبراهيم كالن، موجودًا على الأراضي السورية، بحسب ما رصده مراسل عنب بلدي، ثم تلتها زيارة لوزير الخارجية التركي، هاكان فيدان.

قطر أيضًا كانت من أوائل البلاد التي أرسلت وفودها إلى دمشق، بعض سقوط النظام السابق، وأعادت فتح سفارتها المغلقة منذ 13 عامًا، وكانت معروفة بدعمها للمعارضة، وهي الوحيدة التي منحت السفارة السورية لـ”الائتلاف الوطني” منذ عام 2013.

وقال مدير مركز “إدراك”، إن موقف تركيا وقطر كان إيجابيًا، وهما من أكثر الدول المتفاعلة مع تفاصيل المشهد في الحالة السورية بطريقة ظاهرة.

وفي ذات السياق، نشطت التحركات الدبلوماسية لوزير الخارجية في حكومة دمشق المؤقتة، أسعد الشيباني، وكانت أول زيارة خارج البلاد له هي إلى السعودية، مع وزير الدفاع ورئيس الاستخبارات، ما ينبئ بدور لها في مستقبل “سوريا الجديدة”.

ويرى حفار أن موقف الدول الداعمة (تركيا وقطر والسعودية) بدأ بأخذ طابع عملي إلى جانب المواقف، ويعتقد أن باقي الدول في المنطقة والعالم ستأخذ نفس الخطوات، بنسب أو طرق مختلفة.

وعلل حفار اعتقاده بأن من مصلحة الجميع أن تكون سوريا مستقرة وآمنة ومتقدمة، مضيفًا أن هذه هي الطريقة الوحيدة حتى تستقر الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط.

وعلى مستوى آخر، قدمت وفود أمريكية وأوروبية وعربية، كما تلقى الشيباني مكالمات هاتفية من دول عربية مثل اليمن والسودان وسلطنة عمان ومصر، بينما لم تبدِ دول أخرى موقفها.

وأشار حفار إلى أن عدم ظهور مواقف واضحة على الصعيد الإعلامي من بعض الدول لا يعني أن موقفها سلبي مما جرى في سوريا.

ويعتقد أن هذه الدول ما زالت تبني أطر العلاقة مع السلطات الجديدة، وتنتظر تواصلًا أو تبادل أفكار وآراء، ليظهر حجم التفاعل مع الواقع الجديد لسوريا.

نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة