“خيانات اللغة والصمت”.. عن المعتقلات تحت حكم عائلة الأسد
يحمل كتاب “خيانات اللغة والصمت”، بعنوانه الفرعي “تغريبتي في سجون المخابرات السورية”، مفهومًا واسعًا عن العمل الذي كتبه الشاعر والأديب السوري فرج بيرقدار، حول معاناته الشخصية في سنوات الاعتقال الطويلة بزمن حكم حافظ الأسد الذي جاء إلى السلطة مطلع السبعينيات بانقلاب عسكري أسماه “حركة تصحيحية”، ليورث الحكم بعد ثلاثة عقود لابنه بشار الذي أسقط السوريون نظامه في 8 من كانون الأول 2024.
الرواية التي تشكل رحلة مريرة بين فروع معدّة بأساليب الشر لترويع الشعب وتغييبه، شكّلت أيضًا تاريخًا فرديًا وجمعيًا في الوقت نفسه للمعاناة والألم في منشآت إخراج البشر عن آدميتها، تلك المباني محكمة الأقفال وكاتمة الأصوات، التي شكّلت للشارع غولًا وفيلم رعب طويلًا لم يدركه بشكل ملموس إلا ضحاياه، فخرج من نجا منهم ليروي الكثير عن الويلات التي يصبها السجّان على السجين برضا ذاتي، وكأن بين الطرفين ثأرًا ما، تنفيذًا لأوامر قادته الأعلى رتبة في الجريمة.
هذا التأريخ فردي لأنه تجربة فرج بيرقدار نفسها، التي عاينها وعاشها وقاساها، وجمعي نسبيًا لأن آلافًا من المعتقلين مروا بهذا الطريق المظلم مع اختلافات طفيفة في السيناريو ربما.
في الرواية شروح لبعض وسائل التعذيب الوحشية التي كانت تمارس بحق المعتقلين، وحديث طويل عن أسباب عبثية لإنزال الألم بمدنيين عزّل مجوّعين ومنهكين ويخضعون لاعتقالات طويلة لا يحدّها أجل معلوم، فالحكم يطول بجرّة قلم.
الظروف التي عاينها بيرقدار الذي عاشها عمرًا في المعتقلات والسجون وخبرها وخبر معاناتها لم تختلف حين جاء بشار الأسد إلى السلطة بلا انتخابات عام 2000، ولم تشفع شعارات “التطوير والتحديث” التي أغرى الشعب بها، بإخلاء المعتقلين منذ عهد حكم أبيه، بل زاد عليهم أكثر من 130 ألف معتقل موثقين لدى منظمات حقوقية، ليكشف سقوط حكمه وفتح أبواب السجون والزنازين عن العالم الموازي لشعارات الأسد التي قاربت في بعضها معسكرات الاعتقال النازية.
وشكّلت سجون حكم عائلة الأسد مادة دسمة لوسائل الإعلام الغربية التي راحت تتلقف الصور والمقابلات مع أناس ينتظرون دون جدوى خروج أفراد من عائلتهم من تلك السجون التي كانت تصّدر الجثث إلى مقابر جماعية بشكل منظم بعد إطفاء جسد المعتقل بالتجويع والمرض والتعذيب.
في الكتاب الصادر عام 2012، يذمّ الكاتب الصمت وينادي بكسره، ليأتي التنفيذ بعد 12 عامًا من الدعوة، حمل السوريون خلالها على عاتقهم التخلّص من حكم عائلة الأسد، دافعين أثمانًا لا تحصى.
فرج بيرقدار شاعر سوري، ولد عام 1951، ودرس اللغة العربية، وتعرض للاعتقال مرتين، أولاهما عام 1978، بسبب مشاركته في إصدار مطبوعة أدبية بجامعة “دمشق”، والثانية عام 1987 بسبب الانتماء للحزب “الشيوعي” حينها، وبعد اعتقال استمر ست سنوات، أُحيل إلى محكمة “أمن الدولة العليا”، التي قضت بسجنه 15 عامًا مع الأشغال الشاقة والحرمان من الحقوق المدنية والسياسية، لكن حملة دولية دفعت النظام السوري للإفراج عنه في تشرين الثاني 2000، بعد 14 عامًا من الاعتقال.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :