دعوا لتحسين الرواتب والملاعب
حكام سوريون ينتقدون تأثير المحسوبية والفساد على أدائهم
عنب بلدي – هاني كرزي
عانى الدوري السوري على مدار سنوات من سوء أداء الحكام، وانعكس مستواهم على نتائج المباريات، فضلًا عن تفشي الفساد في المنظومة التحكيمية، ما أثر بشكل كبير على النزاهة والمتعة في الدوري، ودفع أندية للانسحاب من بطولات كروية اعتراضًا على أداء الحكام.
عقب سقوط النظام السوري، تعالت الأصوات التي تطالب بإحداث تغييرات جوهرية لتحسين جودة الحكام في الدوري السوري، إذ يأمل السوريون أن يكون في دورياتهم حكام متمكنون أسوة بحكام الدوريات الأوروبية.
عوامل تضعف مستوى الحكام
شهدت الكثير من مباريات الدوري السوري مشكلات تحكيمية، ولا تكاد تمر مباراة دون أن يتعرض حكامها للشتائم من قبل الجمهور، ويتبعها حبر يُسال على صفحات الجرائد الرياضية المحلية التي تنتقد التحكيم، وقد يتخللها أحيانًا ضرب واعتداء جسدي من رؤساء الأندية واللاعبين للحكم.
وقال رئيس لجنة حكام حمص، صفوان العثمان، لعنب بلدي، إن هناك عدة عوامل تسببت في انخفاض مستوى الحكام في الدوري السوري، أبرزها ضعف الدوري المحلي، بسبب انخفاض مستوى اللاعبين والمدربين، وسوء أرضيات الملاعب، ما ينعكس سلبًا على أداء الحكام، وبالتالي كلما ارتقى مستوى المباريات في الدوري ارتقى مستوى التحكيم.
ولفت العثمان، وهو حكم دولي منذ عام 2008، إلى عدم اهتمام الاتحاد الرياضي بتنظيم دورات لتطوير مستوى الحكام، الذين من حقهم أن يكونوا مطلعين على كل التعديلات التي تطرأ على قوانين كرة القدم.
وأضاف العثمان، “عندما كنا نشارك كحكام دوليين في بطولات خارجية بدوري أبطال آسيا أو كأس الاتحاد الآسيوي، كنا نصاب بالصدمة عندما نعود إلى الدوري السوري ونرى تدني مستوى اللاعبين وسوء الملاعب والتجهيزات اللوجستية مقارنة بالخارج، ما يؤثر نفسيًا على مستوانا”.
وتشتكي الأندية السورية من سوء أرضيات الملاعب، التي تمتلئ بحفر المياه والوحل خاصة في فصل الشتاء، ما يشكل صعوبة في حركة اللاعبين، كما أن انقطاع التيار الكهرباء وندرة المحروقات، كان يعوق إقامة المباريات في المساء تحت الأضواء الكاشفة ولا سيما مع اشتداد درجات الحرارة.
أجور ضئيلة
من المشكلات البارزة التي اشتكى منها الحكام أيضًا في الدوري السوري تدني الأجور التي يتقاضونها مقابل كل مباراة، والتي تؤثر كذلك على أداء الحكم.
في حزيران 2020، هدد حكام الدوري السوري بالإضراب، في حال عدم رفع الأجر المالي لإدارة المباريات والعقوبات المتخذة بحقهم من قبل اللجنة، بعد قرارات تحكيمية جدلية وأخطاء ارتكبها الحكام في مباريات الدوري.
وقال الحكم الدولي مازن زيزفون، إن الحكم السوري جندي مجهول في الدوري، يعاني من ضغط الجماهير ومشقة السفر والأجور الزهيدة دون أي اكتراث من الاتحاد الرياضي، مشيرًا إلى أن الأخير لم يكن يهتم بتكريم الحكام على مستواهم في المباريات، أو حصولهم على الشارة الدولية، أو تقديم مكافآت لهم على الأقل.
وأضاف الحكم زيزفون لعنب بلدي، أن الحكم دائمًا يقدم جهدًا وأداء عاليًا، لكنه في المقابل يتقاضى أجرًا زهيدًا، وأن “بعض الحكام كانوا يضطرون للاستدانة لتأمين نفقات السفر والإقامة واللباس، عند تحكيمهم مباراة في محافظة أخرى”.
بدوره، انتقد الحكم صفوان العثمان تدني أجور الحكام قائلًا، إن الحكم في السابق كان يتقاضى 40 ألف ليرة سورية فقط على كل مباراة، لكن بسبب الاعتراض الكبير من الحكام رُفعت الأجور إلى 400 أو500 ألف ليرة للحكم الدولي في الدوري الممتاز قبل عامين، و200 ألف في دوري الدرجة الأولى، بينما يتقاضى الحكام في دوريات الناشئين والأشبال بين 50 ألفًا و100 ألف ليرة.
وأضاف العثمان أن الحكم يتقاضى عن كل يوم بين 300 و500 دولار في البطولات الآسيوية، فإذا كان الحكم مطالبًا بالإقامة في تجمع خارجي لـ20 يومًا، فإنه يتقاضى حوالي 6 آلاف دولار، وحين يعود إلى سوريا ويشرف على مباراة مصيرية في الدوري السوري يتقاضى حوالي 30 دولارًا فقط، “فكيف تطلب من الحكم أن يقدم مستوى كبيرًا بلا أخطاء وأنت تمنحه أجورًا كهذه”.
وأشار العثمان إلى أن الحكام في دول الجوار كلبنان وفلسطين والأردن يتقاضون كذلك أجورًا أعلى في المباريات المحلية، تصل إلى 150-200 دولار عن كل مباراة، بينما يتقاضى الحكم في الدوري السوري أجرًا لا يتجاوز 30 دولارًا، يدفع نصفها تكاليف مواصلات ونوم وطعام عند السفر لمحافظة أخرى.
منظومة فساد
عبر سنوات طويلة، شهدت كرة القدم السورية عشرات قصص الفساد التحكيمي، منها ما بقي مخفيًا وبعضها وصل إلى الإعلام، بما يشمل التهديد والابتزاز والضرب وتلقي الرشى، دون تحرك حقيقي لحل هذا الملف الذي يؤثر بشكل مباشر على الرياضة الأكثر شعبية.
في عام 2007، شهدت مباراة جمعت ناديي القرداحة وشباب الرقة في دوري الدرجة الثانية حالة فساد، إذ تلقى فريق التحكيم تهديدًا مباشرًا من قبل رئيس نادي القرداحة، محمد خير بيك.
نزل خير بيك حينها إلى غرفة تبديل الملابس، وتحدث بصوت عالٍ مع حكم الساحة، وطلب منه ركلة جزاء لمصلحة فريقه، ثم توجه للطاقم المساعد طالبًا بنبرة من التهديد ألا يرى راية التسلل مرفوعة، لكن لم يستجب طاقم التحكيم يومها لطلبات خير بيك.
في نهاية عام 2023، أعلن ناديا الحرية والساحل انسحابهما من الدوري السوري الممتاز لكرة القدم، بعد مباراتين شهدتا جدلًا حول قرارات اتخذها حكما اللقاءين.
وقررت لجنة الحكام الرئيسة في الاتحاد السوري حينها إيقاف الحكم محمد قرام حتى إشعار آخر، بعد دراسة الحالات التحكيمية التي رافقت الجولة التاسعة من ذهاب الدوري السوري الممتاز لكرة القدم لموسم 2023-2024.
الحكم مازن زيزفون، تحدث عن فساد الاتحاد الرياضي انطلاقًا من تجربته، وقال إنه مصنف ضمن نخبة حكام آسيا منذ عام 2013، ورغم ذلك قام اتحاد كرة القدم بإيقافه عن التحكيم في الدوري السوري لأنه انتقد سوء أداء المؤسسة الرياضية وفشلها في مساعدة منتخب سوريا بالتأهل لكأس العالم.
وأضاف زيزفون أن الاتحاد الرياضي الذي كان يديره النظام السابق كان يوجه اتهامات لبعض الحكام بالفساد لأغراض شخصية، حيث “قام بإيقافي عن التحكيم بحجة أني بلغت الـ45، علمًا أن الاتحاد الدولي سمح لأي حكم بالتمديد في حال كان يملك اللياقة البدنية الممتازة”.
وشدد زيزفون على أنه لم يكن أحد يتجرأ على فضح فساد الاتحاد الرياضي وبعض الحكام أصحاب النفوذ خوفًا من القبضة الأمنية، مشيرًا إلى أن مسؤولي الرياضة السورية كانوا يتعمدون إرسال كتب دعم للاتحاد الدولي من أجل التمديد لبعض الحكام وإهمال حكام آخرين بسبب العمر.
كما تحدث زيزفون عن أنه لو اتخذ الحكم قرارًا لا يعجب الجمهور قد يتعرض للضرب والشتائم، كون الحكم غير محمي من قبل الاتحاد الرياضي.
من جهته قال هاني عنطوز، حكم في الدوري السوري، إن التحكيم هو “الحلقة الأضعف” في كرة القدم السورية، وتعلّق عليه الأخطاء والمشكلات كافة، لافتًا إلى أن مكافحة الفساد بحاجة إلى عمل منظم، ولا يستطيع فرد واحد القضاء عليه، فيمكن للحكم النزيه أن يرفض الفساد في موقف ما، لكنه لا يستطيع بالتأكيد محاربة كل منظومة الفساد.
وأشار عنطوز لعنب بلدي، إلى أن الأندية تتولى دفع أجور الحكام التي تدير مبارياتها، حيث يدفع الفريق المستضيف الأموال لمراقب المباراة الذي يعطيها بدوره للحكم، لكن هذه الطريقة قد تفتح بابًا للرشى، والمفترض أن يكون لدى كل حكم حساب بنكي، بحيث تحوّل أجوره إليه تحت إشراف الاتحاد الرياضي.
مطالب ملحّة
يأمل الحكام أن يتم اتخاذ خطوات فعالة لتطوير مستوى الحكام وحل مشكلاتهم، ولا سيما في ظل تولي إدارة رياضية جديدة وطرد الشخصيات التي كانت تعمل تحت كنف النظام.
ويرى الحكم مازن زيزفون أنه يجب عدم الاستغناء عن الحكام أصحاب الخبرة في حال تقدمهم قليلًا في السن، بل يجب الجمع بين روح الشباب والخبرة، فالشباب امتداد لأي عمل، وأصحاب الخبرة لهم دور كبير في ترسيخ هذا العمل، “لذا يجب التمديد لأي حكم يستحق، وتقديم الدعم له ومكافأته على أدائه، والأهم أن نطوي صفحة أي خلافات شخصية في الماضي”.
وأشار زيزفون إلى أن البعض يقوم بتقديم تحليلات خاطئة عن أداء الحكام بغرض تفشيلهم وفرض عقوبات عليهم، مستغلين عدم وجود تقنيات تصوير تثبت صحة قرار الحكم من عدمه، “لذا نطالب بإدخال تقنية الفيديو (الفار) إلى الملاعب السورية التي تساعد في تقليل الأخطاء وإنصاف الفرق والحكام”.
بدوره، طالب الحكم الدولي صفوان العثمان بتوفير الأمور اللوجستية الأساسية للحكام من لباس موحد وأجهزة تواصل بين الحكام، لافتًا إلى أنه بعد مناشدات كثيرة جلب الاتحاد الرياضي العام الماضي ستة أجهزة تواصل لكنها غير متطورة، وفي ظل غياب الكهرباء فإن تلك الأجهزة تتوقف أحيانًا في منتصف المباراة بسبب نفاد شحنها”.
كما دعا العثمان إلى رفع أجور الحكام بما يوازي الجهد الذي يقدمونه خلال المباراة وتحملهم ضغط الجماهير، إضافة إلى إنهاء موضوع المحسوبيات التي كانت في الدوري السوري، حيث كان بعض رؤساء الأندية يدفعون رشى للحكام من أجل قلب نتيجة المباراة لمصلحتهم.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :