استخدمت لتثبيت نظام الأسدين
النقابات تتحرر من قبضة “البعث”
عنب بلدي – موفق الخوجة
يتطلع الصيدلاني ضياء الدين الزامل (53 عامًا) إلى الإسهام في بناء ما أسماها “سوريا الحديثة” بعد إعادة قيده إلى نقابة الصيادلة في حلب، من خلال العمل بموقعه كصيدلاني.
وتعني العودة إلى النقابة للزامل الكثير، إذ يعتبرها علامة لتعافي سوريا، وتحولها إلى وطن “حقيقي” يحتضن أبناءه بدلًا من أن يطردهم.
ويعتبر الدكتور قتيبة سيد عيسى (58 عامًا) عودته إلى نقابة الصيادلة نصرًا على الصعيد الشخصي، وعلى الصعيد المهني، وتهيئ له العودة إلى مزاولة مهنته التي أحبها في سوريا.
المحامي عبد الرزاق الرزوق، يعتقد أن عودة المحامين المفصولين إلى نقابة المحاماة، هي رد اعتبار لكل المحامين الذين ضحوا في سبيل نصرة قضية الشعب “المحقة”.
ويسعى الرزوق إلى استعادة الحقوق “المسلوبة” من النظام السابق ومجلس نقابته، وإلى متابعة حياته المهنية في سوريا.
وبعد سقوط النظام السوري، في 8 من كانون الأول 2024، تغير المشهد السياسي كليًا في البلاد، مع بقاء بعض الكوادر الإدارية على رأس عملها، إلا أن العمل النقابي شهد تغيرًا في معظم كياناته، التي كانت محسوبة على حزب “البعث”.
وأصدرت عدة نقابات مهنية في سوريا قرارات تقضي بإعادة قيد المفصولين لأسباب أمنية، ومنها نقابة الأطباء والمحامين والمهندسين والفنانين وغيرها.
أسباب سياسية
فصلت نقابة الصيادلة في حلب الصيدلاني الزامل تحت غطاء قانوني، بزعم صدور أحكام بحقه من محكمة “الإرهاب”، إلا أن السبب الحقيقي كان مشاركته بالثورة السورية، بحسب ما أوضحه لعنب بلدي.
كما اكتشف النظام السابق تأسيس الزامل فريقًا سريًا لعلاج المصابين جراء قمع نظام الأسد للمظاهرات المناهضة له، منذ 2011.
“في ثقافة نظام الأسد، يجب على كل جريح أن ينزف حتى الموت، ليكون عبرة لغيره، وليردع الشعب عن مواصلة طريق الثورة”، كما قال الزامل لعنب بلدي، موضحًا أن النظام السابق تعمد التضييق على الكوادر الطبية التي كانت تسعى لعلاج المصابين من المتظاهرين، عبر إخضاع النقابات لإملاءاته، وإيقاف قيودهم.
القرار نفسه طُبّق على الدكتور عيسى الذي فصلته نقابة الصيادلة المركزية على خلفية مشاركته بالثورة السورية، وانضمامه كناشط سياسي لتجمع يضم مجموعة من أعضاء النقابات السورية.
ويضم التجمع نحو 150 إلى 200 عضو، ضمن نقابات متعددة في سوريا، منهم أطباء ومهندسون ومحامون، بحسب ما أوضحه عيسى.
وقال الدكتور عيسى في حديثه لعنب بلدي، إن النظام السوري السابق كان يتخوف من انضمام المثقفين إلى الثورة السورية، إذ كان يصورها على أنها مجموعة من الإرهابيين والجهلة.
وبحسب المحامي الرزوق، كل محامٍ شارك بالثورة ضد نظام الأسد، أزيل اسمه من قائمة النقابة، ولأسباب مختلفة.
وتعود أسباب “الشطب” (إزالة القيد) من النقابة، بحسب الرزوق، إلى أحكام أمنية بحق المحامين، أو لخروجهم من البلاد، أو بسبب عدم تثبيت وجودهم على رأس عملهم أو لعدم سداد الرسوم.
ورقة ضغط
قرارات الفصل أثرت على النقابيين في حياتهم المهنية، فبعدما اضطر عيسى للخروج إلى تركيا، ومحاولة تعديل شهادته، طُلب منه إحضار أوراق من نقابة الصيادلة، وحاول عن طريق معارفه وأصدقائه الحصول على هذه الأوراق، إلا أن النقابة رفضت منحه الوثائق، بحجة أنه مفصول.
ولهذا السبب، لم يستطع عيسى مزاولة مهنته، واضطر لتغييرها والدخول في العمل الإنساني والإغاثي، بعد خروجه من سوريا وانتقاله إلى تركيا.
وأوضح المحامي الرزوق، أن فصل المحامين من النقابات أثر على جانبين، أولها المادي، فقد حرم من حقوقه النقابية والمادية، كذلك أثر على الجانب المعنوي.
ويفترض بالنقابات المهنية أن تكون كيانات منفصلة عن سلطة الدولة، إلا أنها في سوريا كانت تخضع لقرارات حزب “البعث” الحاكم وتستخدم للضغط على معارضي النظام السابق.
وفي آخر التعيينات النقابية التي جرت بضغط من حزب “البعث”، قبل سقوط النظام، عينت نقابة المحامين في سوريا حيدر فرداوي نقيبًا للمحامين، في تشرين الثاني 2024، ما أثار جدلًا حول آلية التعيين.
النقابة قالت إن تعيين فرداوي جرى باعتباره أقدم الفائزين، إلا أن موقع “صوت العاصمة” المحلي قال إن تعيينه جاء بضغط أمني بعد فوز منافسه أسامة أبو الفضل.
وفي آب 2024، أصدرت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” تقريرًا اتهمت فيه النظام السابق باستخدام حزب “البعث” كأداة للسيطرة على النقابات المهنية في سوريا.
التقرير جاء على خلفية إعفاء نقيب المهندسين الزراعيين في سوريا، وتعيين بديل عنه، في تموز 2024، وهو ما اعتبرته “الشبكة السورية” خرقًا للقانون الناظم للمهنة.
وقالت “الشبكة السورية” في تقريرها، إن قرار تغيير نقيب المهندسين الزراعيين، يأتي في سياق تعزيز مركزية اتخاذ القرارات وحصرها في يد حزب “البعث”، ويشكّل امتدادًا لسياسة الحزب في السيطرة على أي حراك سياسي أو عمل مدني أو نقابي أو اجتماعي.
وأضافت الشبكة الحقوقية، أن البعث عمل على “شرعنة” سيطرته المطلقة على الدولة والمجتمع عبر المادة الثامنة من دستور 1973.
صندوق اقتباس:
تنص المادة الثامنة من دستور 1973 على أن “حزب البعث العربي الاشتراكي هو الحزب القائد في المجتمع والدولة ويقود جبهة وطنية تقدمية تعمل على توحيد طاقات جماهير الشعب ووضعها في خدمة أهداف الأمة العربية”.
وذكرت المنظمة الحقوقية، أن نظام الأسد الأب حلّ النقابات واعتقل أعضاءها، واستبدل مجالسها بأخرى جديدة تابعة للسلطة ومرتبطة بالأجهزة الأمنية.
وفي عهد الرئيس المخلوع بشار الأسد، ومع الحراك المناهض الذي بدأ عام 2011، عمد النظام إلى إعادة تقييم أدوار المؤسسات المجتمعية لدمجها في شبكاته المساهمة في قمع الحراك.
وأصدر أوامر للاتحادات والنقابات المهنية بإقصاء أعضائها المشاركين في الاحتجاجات، وفق ما ذكرته المنظمة الحقوقية.
وبحسب “الشبكة”، رفعت التقارير الأمنية بحق المشاركين في الثورة، تمهيدًا لملاحقتهم وفصلهم وحرمانهم من حقوقهم المالية.
وبالرغم من إلغاء النظام السوري المادة الثامنة من دستور 1973، فإن حزب “البعث” ظل يمارس نفس الصلاحيات والامتيازات والدور “الاستعلائي والوصائي” على الدولة والمجتمع السوري، وفق توصيف “الشبكة”.
نقابات الثورة
الباحث المساعد في مركز “عمران للدراسات” محمد السكري قال في ورقة بحثية، إن فترة حكم نظامي الأسد (الأب والابن) اتسمت بصدام مستمر مع البنى النقابية، كما استطاعا استئصال معظم البنى المدنية ومنها النقابية.
وأضاف السكري أنه مع انعدام الحياة السياسية في سوريا، يصعب ممارسة أي عمل نقابي في ظل غياب فضاء حر ونزيه، معتبرًا أن ذلك من الدوافع الأساسية للقيام بانتفاضة، جراء الاحتقان الكبير.
وبعد اندلاع الثورة عام 2011، حاول النقابيون العودة إلى المشهد النقابي من خلال الثورة نفسها، على أمل استعادة دورهم، إلا أن محاولاتهم باءت بالفشل، نتيجة تطويع النظام لهذه النقابات التي باتت إحدى أهم الأذرع الأمنية، وفق ما يرى السكري.
وبعد تقسيم الجغرافيا السورية لمناطق نفوذ لأطراف الصراع، وخروج بعضها من يد النظام، إضافة إلى تهجير الكوادر النقابية، تشكلت نقابات رديفة معارضة، معظمها كان في مناطق سيطرة المعارضة أو في بلاد المهجر.
واتسمت هذه النقابات بإضافة مفردات من قبيل “الحرة، الأحرار” مثل “نقابة المهندسين الأحرار”، و”المحامين الأحرار”، وغيرهما، للتمييز بينها وبين النقابات التابعة للنظام.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :