داريا المحاصرة تتخوف من سيناريو مضايا

  • 2016/04/10
  • 2:58 ص

طفل في مدينة داريا 9 نيسان 2016 (عنب بلدي)

زين كنعان – داريا

الموت جوعًا والتجربة القاسية التي شهدتها مدينة مضايا، هو الكابوس الذي يؤرق أهالي مدينة داريا اليوم، بعد أن دخلت عامها الرابع في حصار فرضته المعركة ضد قوات الأسد، التي تمكنت أخيرًا من فصل المدينة عن الجارة معضمية الشام، وهي الشريان الوحيد للمدينة.

“سياسة الأرض المحروقة لم تمكنه من السيطرة على المدينة، ليكمل ما بدأ به منذ أول يوم، وهو عدم السماح بدخول مقومات الحياة، حتى يموت جوعًا من لم يقتل ببرميل متفجر”، يقول زياد أبو محمد (40 عامًا)، وهو من مزارعي المدينة.

لم يعطِ النظام أدنى أهمية للمدنيين أثناء قصف المدينة بالبراميل، بل تقصد استهداف التجمعات المدنية كورقة ضغط على الجيش الحر، بحسب المزارع، الذي يضيف “كيف سيسمح بدخول المساعدات لناس تقصد قتلهم”، مشيرًا إلى ما وصفه بـ “فشل المجتمع الدولي في إدخال رغيف خبز لطفل جائع”.

ويتوجه غالبية أهالي داريا والمؤسسات العاملة فيها إلى الزراعة، بمساحات تتناسب مع قدراتهم المادية، فالمدنيون لا يتمكنون من زراعة سوى مساحات صغيرة من الأرض أو حدائق منازلهم.

الشورباوجبة رئيسية.. والزراعة لا تكفي

أما “الشوربا”، فهي الوجبة الرئيسية عند الأهالي، الذين يعتمدون على وضع الكثير من التوابل مع القليل من الأرز، لتعطيها لونًا ومذاقًا يساعدهم على الشعور بالشبع.

أبو حسن الصوص (50 عامًا)، يعمل على زراعة ما تبقى من حديقة منزله المدمر، يصف نفسه بـ “الغريق الذي يتعلق بقشة” لصغر المساحة التي يزرعها، ويقول “أعلم أن كل ما زرعته لا يكفي لإطعام زوجتي وأطفالي أكثر من يومين، ولكن ما باليد حيلة”.

أصبح تناول وجبة واحدة في اليوم أمرًا اعتياديًا، لكن من غير المقبول أن تكون هذه الوجبة غير مشبعة أيضًا، بحسب “أبو حسن”، مضيفًا “شوارع المدينة رجعت إلى الحياة مع بدء وقف إطلاق النار، ولكنها كشفت آلامًا كان الأهالي يعيشونها وحدهم في ظلمة الأقبية، كنت أظن أن حالي هو الأسوأ بسبب نفاد ما عندي من مؤن، فاكتشتف أن جيراني وجميع من أعرفهم يعيشون حالًا أسوأ من حالي”.

المجلس عاجز عن تلبية طلبات الأهالي.. وإفلاس في الموارد

ويقف المكتب الإغاثي في المجلس المحلي للمدينة عاجزًا، أمام تأمين طلبات الأهالي للطعام، بحسب مديره هيثم أبو مصطفى، الذي يقول لعنب بلدي “نقدم وجبات إسعافية لأكثر الناس احتياجًا، لكن هذه الوجبات لا تكفي سوى عدة أيام، فالمدينة تحت حصار خانق طال أمده واستنزف جميع مواردها”.

“عملنا في المكتب على تنظيم الموارد الموجودة لدينا، وتقديمها وفق خطة مدروسة تتناسب مع صعوبة الحصار”، بحسب هيثم، الذي يؤكد “نفتقد الموارد اللازمة لكفاية المدنيين ولا نستطيع سوى سد جزء من احتياجاتهم اليومية”.

ويعتبر مدير المكتب، النشاط الزراعي من أهم النشاطات التي تساعد قليلًا على مواجهة الحصار، مشيرًا إلى أنه توقف خلال أيام التصعيد العسكري على المدينة، فقد تضررت أجزاء كبيرة من المحاصيل وتعرضت حقول أخرى للقصف أو القنص، ومع بداية وقف إطلاق النار، عاد المكتب إلى استصلاح أراضٍ جديدة وزراعتها، لتكون سندًا للأهالي في حال استمر الحصار.

“إفلاس في جميع الموارد”، هو التعبير الذي يصف به مدير المكتب الحال في المدينة، إذ أصبح من الصعوبة إيجاد البذار والأسمدة والمبيدات الحشرية، بالإضافة إلى عدم توفر المحروقات اللازمة لري الأراضي الزراعية، عدا عن تضرر مضخات المياه بسبب القصف.

مادة المازوت الأساسية والمستخدمة لتشغيل مولدات الكهرباء ومضخات المياه، باتت بحكم المنتهية، ما دفع المكتب والأهالي إلى استخدام بديل للوقود يسمى “الخلطة”، وهو عبارة عن بلاستيك مذاب ومكرر يصلح مكان المازوت، ولكنه ذو جودة سيئة ويسبب أعطالًا في المحركات.

وختم أبو مصطفى أن أهالي المدينة يعيشون “واقعًا سيئًا جدًا”، محذرًا من وقوع “كارثة إنسانية، في حال استمرار الحصار وعدم دخول المساعدات الطبية والإغاثية بشكل عاجل”.

مطبخ المدينة يتوقف

“مشروع العطاء الخيري” المستقل، ترك بصمة وانطباعًا جيدًا عند أهالي المدينة طيلة عام ونصف مضت، لكنه توقف مطلع آذار الماضي.

يقول محمود أبو مجاهد، وهو من المسؤولين عن المشروع، “بدأ العمل منتصف الشهر العاشر 2014، وذلك بافتتاح مطبخ يقدم وجبات يومية لكافة الأهالي، ولكن بعد إغلاق معبر المعضمية اضطررنا إلى تخفيض أيام الطبخ إلى ثلاثة، بسبب شح المواد الغذائية إلى أن فصل النظام بين داريا والمعضمية، وبتنا نعمل على الموارد التي خزناها حتى نفدت مطلع آذار الماضي واضطررنا إلى التوقف”.

زرع القائمون على المشروع بعض المحاصيل الزراعية، وأنشأوا مزرعة للأبقار، ويقومون اليوم بتوزيع الحليب على العائلات بمعدل ليترٍ لكل عائلة أسبوعيًا، ويؤكّد أبو مجاهد “بدأت المعاناة تزداد بشكل مخيف والجوع يأخذ مكانه من أجساد الأهالي”.

اتهمت منظمة “هيومن رايتس ووتش” النظام السوري بعرقلة وصول المساعدات إلى الأهالي في الغوطتين المحاصرتين، رغم اتفاق الأمم المتحدة والنظام على إدخال المساعدات.

هيومين رايتس ووتش: النظام يعرقل وصول المساعدات

في تقرير لمنظمة هيومين رايتس ووتش الدولية، في الرابع من نيسان الجاري، أكدت أن النظام السوري يعرقل دخول المساعدات إلى الغوطتين المحاصرتين، رغم اتفاق الأمم المتحدة والنظام على إدخال المساعدات.

نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش، نديم حوري، قال إن النظام يستخدم المساعدات كسلاح ضغط، مشيرًا إلى أنه بالرغم من تحسن دخول المساعدات في الفترة الأخيرة إلا أنها ماتزال غير كافية.

ويقول عضو المجلس المحلي لمدينة داريا، محمد شحادة، في حديثه للمنظمة، إن مشفىً ميدانيًا واحدًا يخدّم المدينة بأكملها، إلا أنه لا يمكن تنفيذ العديد من العمليات الجراحية فيها بسبب نقص المعدات”، لافتًا إلى أن نقص الأدوية حملهم على استخدام أدوية منتهية الصلاحية.

ويعيش في داريا حاليًا نحو 8300 مدني، بينهم 2150 دون سن 14، و430 بسن الرضاعة، بعد أن كان يقطنها نحو 250 ألف نسمة نزحوا عنها بعد العمليات العسكرية والحصار الذي بدأ في تشرين الأول 2012.

 

مقالات متعلقة

سوريا

المزيد من سوريا