عنب بلدي – خاص
“سقطت جرة غاز على منطقتنا.. كل قاطني هذا الحي من المدنيين، ولا وجود لوحدات حماية الشعب هنا”، بهذه الكلمات أفاد أحد الجرحى المدنيين في الشيخ مقصود، ملخصًا المعاناة التي يشهدها الحي ذو الغالبية الكردية في مدينة حلب، من خلال تسجيل مصور حصلت عليه عنب بلدي.
لم يكن لحي الشيخ مقصود في مدينة حلب أي وجود على خارطة اتفاق التهدئة الموقع أواخر شباط الماضي، وأضحى منذ مطلع الشهر ذاته وحتى اليوم ساحة معركة واستهداف يومي بالقذائف العشوائية، والتي راح ضحيتها عشرات المدنيين، وسط اتهامات مباشرة لفصائل المعارضة بتنفيذ انتهاكات بحق سكانه.
أهمية الشيخ مقصود
حظي الحي ذو الغالبية الكردية بأهمية واسعة عقب سيطرة فصائل المعارضة على الأحياء الشرقية لمدينة حلب، أوائل عام 2013، حيث يتربع على تلة مرتفعة تطل على الأحياء الشمالية (الخاضعة للمعارضة) والغربية (الخاضعة للنظام)، وانتشرت داخله وحدات “حماية الشعب” التابعة لحزب الاتحاد الديموقراطي (الكردي)، وأصبح منذ ذلك الوقت “منطقة محايدة” للنظام والجيش الحر على حد سواء.
ومع تمدد “الأكراد” في ريف حلب الشمالي، تزامنًا مع هجوم قوات الأسد في المنطقة ذاتها، على حساب قوات المعارضة، مطلع شباط من العام الجاري، سعت وحدات “حماية الشعب” داخل الحي للتقدم تجاه طريق “الكاستيلو”، وهو المنفذ الوحيد المتبقي للمعارضة باتجاه الريف الشمالي والغربي لحلب، لتبدأ ومنذ ذلك الوقت المواجهات بين الطرفين (الوحدات والمعارضة) على أطرافه، بالتوازي مع استهدافه بالقذائف الصاروخية.
شهادات من الحي
حمّل رئيس “المجلس المشترك” لحي الشيخ مقصود، عماد داوود، الفصائل المرتبطة بـ “الائتلاف الوطني” و”بقايا المجلس الوطني الكردي” على حد وصفه، مسؤولية قصف حي الشيخ مقصود وسقوط ضحايا وجرحى من المدنيين.
وخص داوود، في حديث إلى عنب بلدي، كلًا من جيش الإسلام والفرقة 16 والجبهة الشامية وأحرار الشام وثوار الشام والسلطان مراد، ومن يمثلهم في هيئة المفاوضات، محمد علوش والعميد أسعد الزعبي، في إشارة منه إلى تورط الجميع بهذا القصف.
وأوضح القيادي التابع للإدارة الذاتية (الكردية) أن عدد الضحايا والجرحى المدنيين داخل الحي، منذ الخامس وحتى التاسع من نيسان الجاري، بلغ 26 قتيلًا و101 جريح، غالبيتهم من الأطفال والنساء.
وفي حديث مع أحد قاطني الحي، فضل عدم نشر اسمه، أكد لعنب بلدي أن “القذائف تنهال على الشيخ مقصود بالكامل وبشكل عشوائي، ولا يتم استهداف المناطق العسكرية”، مشيرًا إلى أن أربعة من أقاربه أصيبوا جراء سقوط قذيفة على منزلهم، اثنان منهم بحالة حرجة.
ولفت الشاب إلى أن الـ YPG (وحدات حماية الشعب) تمنع خروج الأهالي من الشيخ مقصود، متهمًا الفصيل الكردي بـ “استخدام المدنيين دروعًا بشريةً”. ولدى سؤالنا عماد داوود عن حقيقة هذا الأمر، امتنع عن الإجابة.
رأي الإدارة الذاتية
واعتبر الدكتور ناصر حاج منصور، رئيس مكتب العلاقات في “هيئة الدفاع والحماية الذاتية” التابع لـ “الإدارة الذاتية” في منطقة الجزيرة، أن الفصائل التي تهاجم الشيخ مقصود “معروفة بعدائها للحركة الكردية وتبعيتها المطلقة لتركيا، على خطى فرقة السلطان مراد وجيش الإسلام وأحرار الشام، بالإضافة إلى مجموعات أقل شأنًا وأكتر ارتزاقًا”، على حد تعبيره.
ورأى حاج منصور أن “البيانات الصادرة عن تلك الفصائل بشكل رسمي، توضح اعترافها باستخدامها للأسلحة الكيميائية والأسلحة الممنوعة دوليًا في القصف على الشيخ مقصود”، في إشارة إلى بيان جيش الإسلام، 7 نيسان، بخصوص معاقبة أحد قيادييه الميدانيين لدى استخدامه أسلحة “غير مصرح بها” في مواجهات الحي، وأوضح قياديو الجيش أن تعبير “غير مصرح بها” جاء على صواريخ “غراد” الروسية.
وتساءل القيادي الكردي البارز “هل صراع هذه المجاميع التي تجد في الائتلاف السوري ممثلًا سياسيًا لها ضد وحدات حماية الشعب أو قوات سوريا الديموقراطية يبيح لهم قصف المدنيين الآمنين لمجرد أنهم كرد، خصوصًا أنهم يصرخون ليل نهار أن ممثلي الكرد هم كرد الائتلاف (المجلس الوطني الكردي)؟”.
وشدد حاج منصور على ضرورة إبداء المجلس الوطني الكردي الممثل بالائتلاف المعارض موقفًا لـ “إنقاذ نفسه على الأقل من جريمة المشاركة في إبادة الكرد, أو التبرؤ من استخدام الأسلحة الكيماوية ضد الشعب الأعزل في الشيخ مقصود”.
ونفى القيادي في “الإدارة الذاتية” منع الأهالي من مغادرة الشيخ مقصود، وجعلهم “دروعًا بشرية”، معتبرًا أن هذه الأحاديث هي “محض هراء واتهامات خبيثة لغايات دنيئة”، في محاولة لتحميل وحدات “حماية الشعب” وشركائها جزءًا من مسؤولية قتل الأبرياء، وأردف “الوحدات تدعو الجميع للمقاومة الشعبية، لكنها تملك أيادي بيضاء وتاريخًا مشرفًا من حماية الشعب والتضحية من أجله.. وليس في سجل هذه القوى المسلحة حالة واحدة سابقة تؤكد مثل هذه الادعاءات..”.
الجيش الحر يوضّح
وتحدثت عنب بلدي إلى ملهم العكيدي، القائد العسكري في تجمع “فاستقم كما أمرت” التابع للجيش الحر، وأوضح أن “النسخة السورية من حزب بي كي كي الإرهابي (وحدات حماية الشعب)، وعلى مدار أكثر من شهرين، ترفض كل محاولة للتهدئة، خصوصًا وأنها بدأت المعركة بمحاولة التقدم باتجاه الأشرفية وطريق الكاستيلو، بمؤازرة مدفعية نظام بشار والطيران الروسي، وفشلت في ذلك..”.
وتابع القيادي في الجيش الحر “استمرت الوحدات باستهداف طريق الكاستيلو بالقذائف والقناصات والرشاشات الثقيلة والمتوسطة، حيث قتلوا مدنيين وأحرقوا سيارات إغاثة إنسانية وسيارات إسعاف، متخذين من حي الشيخ مقصود درعًا لنشاطهم العدواني، ومستغلين وجود المدنيين في الحي، والذين منعوا حركتهم دخولًا وخروجًا، رغم فتح الجيش الحر طريقًا لهم.. حتى الذين حاولوا الخروج تهريبًا قاموا باعتقالهم”.
مؤخرًا، حاولت وحدات “حماية الشعب” التقدم باتجاه طريق الكاستيلو، بالتزامن مع محاولة قوات الأسد وحلفائه التقدم من حندرات باتجاه الطريق نفسه، وفقًا للعكيدي، وتابع “كان لزامًا على قواتنا أن تتحرك لاجتثاث مصدر العدوان والتهديد”.
ولفت القيادي في الجيش الحر إلى أن فصائل المعارضة المشاركة في مواجهات الشيخ مقصود منعت استخدام سلاح المدفعية، باستثناء الخط الأول، بعيدًا عن سكن المدنيين، لكن “إحدى المجموعات خالفت هذا الأمر واستهدفت مناطق قريبة من وجود المدنيين، وتمت محاسبتهم من قبل قيادة فصيلهم”.
تجمع “فاستقم كما أمرت” منع استخدام سلاح المدفعية بشكل كامل، مستعيضًا عن ذلك بـ “القذائف الموجهة”، والتي تطلق بشكل أفقي فقط، على مسافة لا تجاوز 100 متر على خطوط الجبهات، بعيدًا عن مناطق المدنيين، بحسب قائده العسكري.
وأشار العكيدي إلى أنه “لا توجد استراتيجية أصلًا تتضمن القصف على الحي، حتى يكون هناك هدف من ورائها”، وتابع “إننا نرفض بشكل قطعي ومطلق القصف ضمن مناطق وجود المدنيين، فحملنا السلاح أساسًا لحمايتهم، والمدنيون في الشيخ مقصود هم أهلنا لهم ما لنا”.
واعتبر القيادي أن “وسائل الإعلام التابعة لحزب بي يي دي الإرهابي (حزب الاتحاد الديموقراطي) تقوم بتضخيم ما يحدث بشكل كبير، وتستخدم صورًا قديمة، وأخرى لضحايا استشهدوا في مناطق أخرى بحلب، جراء قصف مدفعية حليفهم نظام الأسد.. وللأسف الكثير من وسائل الإعلام خدعت بهذا التضليل”.
وقال القائد العسكري “رغم هذا لا نتنصل من مسؤولياتنا بحماية أهلنا في الحي، ولا ندعي عدم حدوث أخطاء قاتلة نرفضها ونحاسب مرتكبيها”، مطالبًا وسائل الإعلام بـ “الضغط على حزب بي يي دي ليفك حصاره عن المدنيين داخل الشيخ مقصود، ويسمح لهم بالخروج منه، فمناطق العمليات العسكرية دائمًا ما تجر الظلم على المدنيين”.
واستطلعت عنب بلدي آراء عدد من ناشطي حلب، وأجمعوا على ضرورة تحييد المدنيين عن معارك الشيخ مقصود، ومن بينهم الناشط سالم الأطرش (أبو مضر)، الموجود داخل المدينة، وقال “أنا لست مع قصف المدنيين في الشيخ مقصود، لكن الأحزاب الكردية تمنع خروجهم من الحي وتتخذهم دروعًا بشرية.. من مسؤوليتنا كناشطين أن نمارس الضغوط على الكتائب كي تكون أهدافها محددة باتجاه المناطق العسكرية”.
تستمر المعارك على أطراف الشيخ مقصود، وتنهمر القذائف على قاطنيه، ساعة إعداد هذا التقرير، كما تمعن وحدات “حماية الشعب” بقرارها منع مغادرة منكوبيه، وفقًا لمصادر عنب بلدي، دون انفراج أو حلول مقبولة لكلا طرفي النزاع، تنهي معاناة نحو 100 ألف مدني يصارعون ظروف الحرب.