كيف يخبئ الفاسدون أموالهم في الملاذات الآمنة؟

  • 2016/04/10
  • 12:46 ص

عمر الحلبي – عنب بلدي

شكلت أوراق بنما، وهي مجموعة وثائق حصلت عليها صحيفة زود دويتشه تسايتونجالاستقصائية الألمانية من مصدر مجهول، ونشرها الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين، ورقة التوتالأخيرة التي سقطت وعرّت أهم رجال الأعمال والشبكة الاقتصادية الداعمة للنظام السوري الممثلة بعائلة مخلوف وبشخص رجل الأعمال رامي مخلوف وشقيقه حافظ، الذي كان يرأس أحد فروع الأمن التابعة للنظام السوري قبل أن يتم عزله، ويقال إنه فر إلى بلاروسيا بما خف حمله.

ربما لا يحتاج السوريون إلى كثير من الوثائق والأدلة التي تثبت انفراد رامي مخلوف وعدد من رجال الأعمال المقربين منه بالسيطرة على الاقتصاد السوري حتى اندلاع الثورة، مستفيدًا من صلته برئيس النظام ومتسلحًا بالتسهيلات التي يقدمها شقيقه حافظ مخلوف، لكونه رئيس أحد أقوى فروع الأمن في سوريا.

وتعد شركات “الأوف شور” نموذج الأعمال الأفضل عند عائلة مخلوف والمقربين من النظام السوري، حيث يتم فيها إخفاء الثروات بعيدًا عن أعين الرقابة المالية، سواء في سوريا أو في دول الربيع العربي، إذ كشفت تسريبات عن تفضيل رجال الأعمال البارزين وكذلك السياسيين في البلدان العربية وحول العالم لهذا النموذج من الأعمال وامتلاك أموال طائلة تحت أسماء شخصات مقربة ووهمية، والقيام بأعمال “مشبوهة” مثل غسيل الأموال والتجارة غير المشروعة من أجل زيادة الثروات.

مخلوف يلتف على العقوبات الدولية

عقب اندلاع الثورة السورية، طالت العقوبات العربية والغربية شخصيات بارزة في النظام السوري تصدّرها رامي مخلوف وشقيقه وتم منعهما من السفر والحجز على أموالهما للدور الذي لعباه في دعم النظام وتمويل حملاته لقمع الشعب السوري.

لكن رامي مخلوف وعبر واجهاته الاقتصادية من مؤسسات ورجال أعمال استمر في مشاريعه وأعماله داخل سوريا وخارجها، وفي إيداع الأموال في الملاذات الآمنة، واستمرت جهات دولية بالتعامل معه رغم الحظر الأوروبي والأمريكي، إذ كشفت وثائق سربت من فرع بنك HSBC في جنيف، العام الماضي وعُرفت بـ “سويسليكس” أن مخلوف أودع 10.5 مليار جنيه إسترليني عام 2006، في حسابات سرية بسويسرا، وذكر البنك أنه لم يجمد تلك الحسابات، إلى أن قدمت وكالات رقابية طلبًا خاصًا في آيار 2011.

وبعد تشديد العقوبات على النظام السوري بعد العام 2011، والتي شملت الأذرع المالية للنظام السوري وأبرزها المصرف التجاري السوري، استمر بنك سوريا الدولي الإسلامي، الذي يملك إيهاب مخلوف حصة كبيرة فيه، بلعب دور الوسيط لتنفيذ صفقات لحكومة النظام، وكان واجهة للتجاري السوري، ما حدا بالاتحاد الأوروبي لفرض عقوبات عليه، وخلال العام 2014 عاد الاتحاد الأوروبي ورفع العقوبات عن البنك وذلك في أيار من العام 2014.

شركة وهمية في جزر العذراء البريطانية

كشفت أوراق بنما التي سربت من شركة موساك فونسيكا، ومقرها بنما، عن تحويلات سرية لبنوك وشركات بحوالى 2 مليار دولار، وشملت الوثائق ملوك ورؤساء دول وشخصيات عامة، ورجال أعمال وسياسيين بارزين، وكان منهم رجل الأعمال رامي مخلوف. فقد أظهرت الوثائق أنه في عام 2002 أسس شركة سيرياتل موبايل تيليكوم، حيث حصل على نسبة 10% منها في سوريا، ونسبة 63% لشركة Drex Technologies الوهمية التي أسسها في جزر العذراء البريطانية.

وتمتلك شركة “Drex Technologies S.A” حسابًا بنكيًا بقيمة 2.6 مليون دولار، كما افتتحت حسابًا بنكيًا آخر في HSBC في جنيف، وفتح مخلوف أيضًا حسابات لثلاث شركات يمتلكها، وهي “Lorie Limited” و”Dorling International Limited” ، وراماك، في البنك نفسه.

وكان بنك HSBC يدير حسابات لشركات أخرى يديرها مخلوف هي Cara Corporation، وSeadale International Corporation .

وكذلك شركة Eagle Trading & Contracting Limite، وشركة Hoxim Lane Management Corp التي يمتلكها شقيقه.

وبحسب الوثائق فإن كلًا من رامي وحافظ مخلوف استهدفا من قبل المجتمع الدولي، عبر فرض عقوبات بسبب الدعم الذي قدماه للنظام السوري وما يقوم به من عمليات قمع للمحتجين المطالبين بتطبيق الديموقراطية.

الوثائق أشارت إلى أن الأخوين مخلوف يملكان شركات متنوعة الأنشطة منذ عام 1998 كان بعضها في مجال الاتصالات مع مستثمرين أردنيين، وهو ما يدلل على الصفقة التي من خلالها تأسست سيرياتل عندما دخل رامي مخلوف شريكًا بنسبة 63% عبر شركة دريكس الوهمية في جزر العذراء البريطانية. كما تمكن حافظ مخلوف من الحصول على مبلغ أربعة ملايين دولار كانت في حسابات سرية في البنوك السويسرية.

الجنّات الضريبية.. سرقة المواطن دون علمه

وتعليقًا على ما ورد في وثائق بنما، قال المحلل الاقتصادي السوري، سمير سعيفان، إن “فضائح بنما هي فضائح بالنسبة للمواطن العادي الذي يتم نهبه ولم يكن يعلم عنها شيئًا بينما هي جزء من ممارسة عادية ضمن نظام عالمي محكم صممه ونفذه ويحيمه الأقوياء المتحكمون بهذا العالم من رجال مال ورجال سياسة في خدمة رجال المال”.

وما يسمى بالجنات الضريبية Tax paradise وتسمى أيضًا الملاذات الضريبية tax haven أو الجزر الضريبية tax oases، “هي الأماكن التي يخبئ سارقو الشعوب أموالهم فيها، وهي دول أو جزر صغيرة تتبع أحيانًا لدول كبيرة مثل بريطانيا العظمى أو غيرها ولا تفرض أي ضرائب تذكر على الشركات المسجلة عندها أو الأموال المودعة في مصارفها وتضمن السرية الكاملة، “وبالتالي تشكل ملاذًا آمنًا للصوص وناهبي بلدانهم وشعوبهم”.

وأوضح سعيفان، في منشور عبر صفحته في فيسبوك، أن الجنّات الضريبية، تستخدم بطريقتين رئيسيتين، الأولى: إيداع أموال وثروات فاسدة دون فرض أي ضرائب عليها والتكتم عليها، لذا يلجأ لها الفاسدون من الرؤساء وكبار المسؤولين، لإيداع أموالهم وتأسيس شركاتهم بأسمائهم أو أسماء أشخاص آخرين يستخدمونهم كواجهة.

والطريقة الثانية تلجأ إليها الشركات الكبرى والصغرى للتهرب من دفع الضرائب، فتسجل مقرها الرئيسي فيها شكليًا بينما مقرها في مكان آخر في عاصمة كبرى، أو تشكل الشركات الكبرى شركات شقيقة في إحدى الملاذات الضريبية وتمارس النشاط باسمها في دول وأسواق ومناطق لا تفرض ضرائب مرتفعة، وبالتالي تتهرب من دفع الضريبة بحسب قانون الدولة التي تقيم فيها وقد تكون بريطانيا أو أمريكا أو ألمانيا أو غيرها لا فرق.

هنا يخبئ اللصوص أموالهم

وأشار سعيفان إلى أن أشهر الجنات الضريبية هي “بنما، وجامايكا، وبربادوس، وجزر اندورا، والباهاماس، وباربادوس، وبيليز، وبيرمودا، وتورك، وكايكوس آيلاند، ودول في قلب أوروبا مثل آيرلندا، وسويسرا (وهي الأكثر شهرة ونشاطًا) والدنمارك، وموناكو، وليخنشتاين، ولوكسومبورغ، والجزر العذراء البريطانية، وجيرسي البريطانية، وآيل أوف مان البريطانية، وجزر الأنتيل الهولندية، وجزيرة كايمان، ودول ومدن أخرى مثل كوستاريكا، وبيروت، وقبرص، ودبي، والبحرين، وجبل طارق، ومالطا، وهونغ كونغ، وسنغافورة، وماليزيا، وليبيريا، وأنغولا وغيرها”.

ويقدر عدد الملاذات الضريبية بأكثر من 50 منطقة في العالم، وتحضن قرابة 10 تريليون دولار من الأصول المالية وفيها أكثر من 400 مؤسسة مصرفية تقدم خدماتها للفاسدين، ومسجل فيها نحو مليوني شركة.

زعيمان خليجيان إلى جانب مخلوف في أوراق بنما

طالت أوراق بنما وعددها حوالي 11.5 مليون وثيقة، أسماء مقربة من الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، وأحد أقرباء ملك المغرب، ونجل الرئيس المصرى الأسبق حسنى مبارك، والملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، ورئيس الإمارات خليفة بن زايد، ورامي وحافظ مخلوف، ويان دونالد كاميرون والد رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون المتوفى عام 2010، ورئيس الحكومة الباكستانية، وأفراد من أسرة رئيس أذربيجان، وابنة رئيس الوزراء الصينى السابق، ونجل الرئيس السابق في دولة غانا، ونجل رئيس وزراء ماليزيا، وأحد أقرباء رئيس المكسيك، ومقربين من رئيس ساحل العاج السابق، وابن شقيق رئيس جنوب أفريقيا، وشقيقة ملك إسبانيا، ومساعد للرئيس الأرجنتينى السابق، ولاعب كرة القدم الشهير ليونيل ميسي، وميشيل بلاتيني.

وتحتوي الأوراق المسربة على بيانات تتعلق بعمليات مالية لأكثر من 214 ألف شركة (offshore)  في أكثر من 200 دولة ومنطقة حول العالم.

ورصدت أبرز عشر شركات، سهّلت عمليات التهرب من الضرائب لعملائها بطرق غير شرعية، وهي شركة جزر فيرجن البريطانية بمنطقة البحر الكاريبي، وشركة بنما فى أمريكا الوسطى، وجزر الباهاما فى البحر الكاريبي، وجزر سيشل فى المحيط الهندي وغيرها.

مدير الاتحاد الدولي للمحققين الصحافيين، جيرارد رايلي، قال لهيئة الإذاعة البريطانية BBC إنّ “الوثائق تغطي الأعمال اليومية في شركة موساك فونسيكا خلال الأربعين عامًا الماضية”.

وأضاف “أعتقد أن التسريب قد يصبح أكبر لطمة يتلقاها عالم (الأنشطة) في الخارج (الأوف شور) بسبب حجم الوثائق”.

يصف الكثيرون أوراق بينما بأنها أكبر تسريب بعد وثائق ويكيليكس والضربة الأبرز للصحافة الاستقصائية، لأنها ربطت التسريبات بإنجاز تحقيقات استقصائية أنجزها صحفيون عرب وأجانب بمشاركة أكثر من 100 وسيلة إعلامية عالمية، أثبتت تورط شخصيات حكومية وبارزة في قضايا غسيل أموال وفساد وتمويل حملات غير مشروعة، منها ما كشفه تحقيق لجريدة العربي الجديد عن قيام مجموعة عبد الكريم في سوريا بتقديم خدمات لصالح النظام السوري، فقد زورت عقودًا وبيانات للشحن واستخدمت سفنًا وغيّرت وجهات سيرها، وفق الخزانة الأمريكية.

وينظر إلى وثائق بنما على أنها دليل ومستمسك قانوني يمكن الأخذ به لجهة السعي من أجل استرداد الأموال المخبأة في الملاذات الضريبية والعائدة لعائلات مخلوف والتي يمكن أن تعود يومًا ما إلى الشعب السوري.

مقالات متعلقة

أخبار وتقارير اقتصادية

المزيد من أخبار وتقارير اقتصادية