أعاد فتح السجون والمعتقلات في سوريا بعد سقوط النظام السوري أوجاع الأهالي الذين ما زال لديهم مفقودون منذ أحداث الثمانينيات في سوريا.
وعقب سقوط نظام بشار الأسد المخلوع، في 8 من كانون الأول 2024، وفتح السجون، وانتشار صور وأسماء لمعتقلين قضوا تحت التعذيب في أقبيتها، انطفأ الأمل لدى ذوي معتقلي الثمانينيات بعودة أبنائهم بعد سنوات من الانتظار والإخفاء القسري.
في أثناء تصفح قوائم الأسماء الطويلة، وجدت سناء سمارة (65 عامًا) اسم أحد أخويها المعتقلين في بدالية ثمانينيات القرن الماضي، في عهد حافظ الأسد، لتبدأ الذكريات الحزينة والمشاهد القاسية تعود إلى ذهنها.
تروي السيدة سناء لعنب بلدي تفاصيل اعتقال أخويها، فبينما كان أخوها محمد يتحضّر لامتحان الشهادة الثانوية العامة، قام عناصر حفظ النظام باقتحام المنزل الساعة السابعة صباحًا قبل موعد امتحانه بساعة، وأخذوه “بكل عنف وقسوة”، ووعدوا والدته المصدومة بإعادته قريبًا.
لكن والدة محمد لم تكن تعلم أنها المرة الأخيرة التي ستراه فيها، وعند زيارتها له في فرع الأمن السياسي بمدينة إدلب أعطوها ملابسه الملطخة بدمائه، وعلمت بعدها أنه تم تحويله إلى سجن “تدمر”.
قتل محمد في المجزرة التي نفذتها “سرايا الدفاع” بحق المعتقلين، وهي عبارة عن قوات عسكرية كانت تحت قيادة رفعت الأسد شقيق حافظ، والمسؤول الأول عن مجزرة حماة عام 1982.
بحرقة، تابعت سناء حديثها لعنب بلدي، حول اعتقال أخيها الآخر، زياد، من كلية الطب البشري في جامعة حلب عام 1980، بعد تلقي أمن النظام السابق نبأ من أحد المخبرين أن زياد كان يوصل رسائل من شخص تابع لجماعية “الإخوان المسلمين” إلى ذويه كي يطمئنوا عليه.
لم يُعرف مكان زياد، رغم محاولات عائلته المتكررة، وسماعهم إشاعات متداولة في تلك الفترة عن قيام النظام بإعدام جميع المعتقلين الإسلاميين، إلى أن تم تسريب قوائم بأسمائهم وتاريخ إعدامهم عام 1984.
مختفون قسرًا بعد 2011
أُفرغت سجون دمشق وحلب وحمص وحماة ودرعا والسويداء من المحتجزين، بعد سيطرة “إدارة العمليات العسكرية” عليها وطرد قوات النظام السابق منها.
وبمقارنة أعداد المفرج عنهم من السجون مع عدد المختفين قسرًا الموثقة أسماؤهم لدى “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، يتبين أن هناك عشرت آلاف المختفين قسرًا لم يُعرف مصيرهم.
بحسب أحدث توثيق لـ”الشبكة السورية لحقوق الإنسان“، صدر في 28 من كانون الأول 2024، لا يزال هناك 112 ألفًا و414 شخصًا مختفين قسرًا على يد النظام السابق.
وذكرت “الشبكة” أنه رغم فتح السجون، وعدم معرفة عودة عشرات آلاف المعتقلين السوريين، ما زالوا يُعتبرون مختفين قسرًا، لأنه لم تسلم جثامينهم إلى ذويهم، ولم تكشف تفاصيل دقيقة عن مصيرهم.
و”الكشف عن هذه الحقائق يتطلب جهودًا طويلة ومكثفة للوصول إلى الحقيقة الكاملة حول ما حدث لكل فرد من هؤلاء الضحايا، وذلك يجب أن يتم ضمن إطار محاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم، مع تقديم تعويضات عادلة للضحايا وأسرهم”، وفق “الشبكة السورية”.
عمليات الإفراج التي طالت السجون بعد سيطرة “إدارة العمليات العسكرية” أظهرت أن الغالبية العظمى من المختفين قسرًا لقوا حتفهم تحت التعذيب، أو في ظروف احتجاز غير إنسانية، أو من خلال الإعدام الميداني، وفق “الشبكة السورية”.