أمهاتٌ يتهجمن على ناشطاتٍ حذرن منه
الزواج المبكر.. بين محاولة المنظمات الحقوقية الحد منه و”الحاجة” إليه
جودي سلام – بيروت
“لا أفهم كيف تفكر هذه المنظمات، ماذا أفعل بأربع بنات يجلسن طوال اليوم في الخيمة دون علم أو تدريس أو عمل، طبعًا الزواج لهنّ أفضل من هذه الحياة”، تقول أم مصعب، اللاجئة السورية في لبنان، عند إبداء رأيها بأضرار ظاهرة الزواج المبكر، مطالبةً المنظمات المعنية بـ “تأمين البديل للفتيات، إن كانت تحرص حقًا عليهن”، مضيفةً “لسنا بحاجة لمن يعلمنا مصلحة بناتنا”.
تحذّر المنظمات الدولية والحقوقية من ظاهرة الزواج المبكر وضرورة الحد منها، خصوصًا بين اللاجئين السوريين بسبب الحرب واستغلال النساء، لكن هل تراعي هذه المنظمات الواقع الذي يكمن وراء انتشار الظاهرة، وهل تبحث في أسبابها وثقافة ضحاياها وهويتهم لتصل إلى طرق ناجعة في سبيل إنهائها؟
“عندما يكثر الدمار والدماء يزيد الحب والغرام، وكما قيل: في زمن الحروب يشتد الموت ويشتد الحب”، تقول المدرّسة حنان، التي تقوم على تعليم الفتيات السوريات في البقاع اللبناني، مضيفةً أنه “عندما لا يستوعب المجتمع، بما يحمله من عادات وتقاليد، حاجات الإنسان إلى العواطف والأحاسيس، فإن أكثر من يُظلم في وقت الحرب هم النساء، فالرجل يمكنه التعبير عن حاجته للمشاعر والجنس، بينما يحرُم ذلك على المرأة ويعاب عليها، لأنه خارج ما تربت عليه”.
الفتاة تتعرف على الشباب في سن مبكرة
ومع ازدياد استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، لم تعد المسافات عائقًا أمام الحب، ولم تعد الفتاة بحاجة لأن تضع نفسها بمخاطر مقابلة شاب في الطريق والخشية من أن يراها أقرباؤها، بحسب حنان، التي توضح “كانت الفتاة تبلغ 17 عامًا في المجتمعات المحافظة في سوريا، ولم تقابل شبابًا في حياتها، لكنها اليوم تتعرف في سن الـ 13 على أكثر من شاب عبر الفيسبوك وواتس أب، وتقع في الحب أكثر من مرة”.
تنتقد حنان سلوك منظمات المجتمع المدني تجاه القضية، إذ تركز دائمًا على قضية الزواج المبكر دون النظر فيما وراءها من مأساة ومعاناة، وتقول “ألا يفكرون حقًا بهذا الزمن الخطير الذي تعيش فيه الفتيات دون خبرة في الحياة، ويمكن لأي شاب اللعب عليهن بسهولة، ما أراه ضروريًا هو تأهيلنّ ليكن مستقلات عاطفيًا وواثقات بأنفسهن أكثر من أن نشرح لهن أخطار الزواج المبكر على صحتهن، خصوصًا أنهن رأين أمهاتهن اللواتي تزوجن مبكرًا وهن بصحة جيدة”.
أمهاتٌ يتهجمن على ناشطاتٍ حذرن من الزواج المبكر
تقول رابعة القادري، مسؤولة الدعم النفسي للنساء، في مركز “بصمات” في لبنان، المعني بتمكين المرأة، إنه “يستحيل طرح أضرار الزواج المبكر بطريقة مباشرة على الفتيات وأهلهن، لعدة أسباب: أبرزها أن ثقافة الزواج المبكر كانت منتشرة في سوريا حتى قبل الحرب، ولأنه لا يوجد أي بديل للفتيات كالتعليم أو العمل، وأخيرًا لأن الفتاة بحاجة في هذه الفترة إلى الحب والعاطفة”.
وخلال محاضرة عن أضرار الزواج المبكر في مدرسة “ملالا” في بر إلياس البقاعية، تهجّمت الأمهات على ناشطات نظمن المحاضرة، وكن مستاءات جدًا ومنعن بناتهن من حضور أي محاضرة من هذا النوع، بحسب منال زيد، الموظفة في منظمة “النساء الآن من أجل التنمية”، والتي كانت عضوًا في الفريق.
حكايا الزواج تخترق الطفولة.. والشباب يبحثون
نور، اسم وهمي لفتاة مخطوبة عمرها 16 عامًا، وتتابع تعليمها في مدرسة “العالم الصغير” السورية في البقاع، وتقول “سأتابع تعليمي ولن أتوقف حتى لو كنت مخطوبة، وسأتزوج بعد عام”. وتضيف الفتاة المفعمة بالحياة “لم يجبرني أهلي على الخطوبة ولكني كنت راغبةً جدًا بهذا، لأنني كنت بحاجة للعاطفة وللشعور بالأمان”.
تعيش نور وحيدة مع والدتها بعد “استشهاد” والدها في سوريا، وترفض ذكر اسمها الصريح لما قد يسببه ذلك من إحراج لها، وتؤكد “ارتبطت بالشاب الذي اخترته أنا وأهلي، وأظن أن الفتاة السورية بعمر 16 عامًا أصبحت اليوم ناضجة بسبب الحرب التي أعطتها أكثر من عمرها، فجميع صديقاتي في المدرسة يتمنين الخطبة أو الزواج”.
حسام، شاب سوري يعيش في المنطقة، يعتبر، بصراحة ودون تلكؤ، “أغلب الشباب يفكرون بخطبة الفتاة الصغيرة بعمر الـ 16 و 15، لأنها أقل اشتراطًا، كما يتأكدون بذلك أنها لم تتعرف على مليون شخص عبر مواقع التواصل الاجتماعي”، بحسب تعبيره.
ويضيف “سيقولون إن هذا التفكير شرقي، طبعًا شرقي لأنني من المشرق ولا أرى أن هذا التفكير يعيبني، وإذا كان العالم حقًا حريصًا علينا فليحترم ثقافتنا وعاداتنا قليلًا”.
أرملة بعمر 13 عامًا
في نفس المدرسة، تداوم طفلة عمرها 13 عامًا، هي في الحقيقة “أرملة” رغم صغر سنها، أحضرتها أمها وسط تكتمٍ شديدٍ على قصتها ومطالب بـ “عدم فضحها”، وتقول الأم “زوجت ابنتي وهي في الثانية عشرة من عمرها، لشاب في الجيش الحر في منطقتنا، لكنه استشهد بعد عام وترملت”.
هربت الأم والفتاة بعدها إلى لبنان وكانت نفسية الطفلة منهارة في هذه المرحلة، وتضيف الأم “سجلتها في المدرسة وأخبرت الإدارة بوضعها وطلبت التكتم على الحادثة، وهي الآن تمارس طفولتها من جديد وسعيدة بالذهاب إلى المدرسة”.
يقول عبد الهادي، مدير المدرسة، إن الفتاة ماتزال صغيرة ومن الصعب تصديق أنها أرملة، مؤكدًا أنه يراعي وضعها، وأنه سعيد جدًا عندما يراها تركض مع صديقاتها وتلعب معهم وتحمل حقيبتها على ظهرها”.
“أنا نادمة جدًا”، تقول الأم لعنب بلدي، مستدركةً “لكن لولا وجود ابنتي في المدرسة حاليًا، ربما دفعتني الظروف وخوفي عليها لتزويجها مرة أخرى”.
ما الحلول إذن؟
المرشدة رابعة القادري تقول إنه “من الغباء أن تتجاهل المنظمات ثقافة الشعب السوري وهويته الدينية عندما تضع أي برامج لتطبيقها”، معتبرةً أنه من “غير الطبيعي أن يكون العمل على الحد من ظاهرة الزواج المبكر هو الأولوية مع كل هذه المآسي التي نمر بها”.
وتؤكد المرشدة رفضها للظاهرة، لكنها تقول “تمر علي بعض الحالات والقصص المؤلمة، وأتوقع أنني سأتصرف مثل الأمهات لو كنت مكانهن”.
وتوافق المعلّمة ملاك، في مدرسة “العالم الصغير”، رأي القادري وتضيف “أتوقع أنه من الأفضل أن يحث علماء الدين أهل الفتاة على الحرص وتأمين حقوقها، خصوصًا وأن أغلب الحالات ترغب الفتاة فيها بالزواج ولا تكون مجبرة من الأهالي”.
“أعرف العديد من الفتيات السوريات وأنا قريبة منهن، غالبيتهم يتمنون أن يعيشوا الحب وأن يتزوجوا، وعندما يجد الأهل بناتهن هكذا ومع كل الانفتاح، يتمنون حقًا أن يتزوجن خوفًا عليهن من الانحراف أو من سلوك طريق خطير، ووقتها ستضيع فيه كل حياتهن”.
لا يمكن الحصول على إحصائيات تقريبية لعدد الفتيات اللاتي تزوجن في سنّ مبكرة في لبنان، لأكثر من سبب، أبرزها التوجه إلى كتاب الشيخ وغياب التسجيل الرسمي في المؤسسات الحكومية، لكن في مدرسة كـ “العالم الصغير”، يوجد 15 فتاة مخطوبة من بين 120 دون الـ 18 من عمرهن.
ويطالب من استطلعت عنب بلدي آراءهم، بالنظر إلى الأسباب التي تعتبر مسؤولة عن نشوء الظاهرة وتضخمها، بينما لا يعتبر معظم الأهالي اللاجئين أنها مسألة سيئة، ويهملون النظر لتداعياتها على الأسرة مقارنة بالظروف التي يعيشونها حاليًا.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :