تهاني مهدي
ينمو الإنسان بفطرته من الداخل إلى الخارج مدفوعًا بحب الاستكشاف والتطور، ويمر خلال فترة نموه بالعديد من الظروف التي قد تؤثر بشكل أو بآخر على نموه السوي في طريقه إلى الرشد. وحيث إن النمو السوي يستدعي نشأته ضمن أسرة تقوم بتلبية احتياجاته النفسية والفيزيولوجية في جو من الحب والتقبل، فإن حدوث نكبات ومشكلات في حياته سوف يؤدي بالضرورة إلى زعزعة النمو السليم وإلى حدوث مشكلات قد تستمر معه مدى الحياة ما لم يتم التعامل معها وعلاجها.
قد يقول البعض إن الحياة مليئة بالمتاعب والمشكلات والأحداث التي لابد لكل إنسان أن يتعرض لها، إلا أن ما نقصده هو الأحداث غير المعتادة، والتي تشكل تهديدًا حقيقيًا لحياة الأفراد، وتسبب ما يسمى “الصدمة”.
ويمكن تصنيف الأحداث الحياتية الصادمة إلى قسمين:
منها بسب الكوارث الطبيعية كالزلازل والبراكين، ومنها من صنع الإنسان، كالحروب وما ينتج عنها من دمار وفقدان لأشخاص مقربين والتعرض للعنف والاغتصاب.
كما أن الصدمة قد تكون مرة واحدة كحدوث اغتصاب لمرة واحدة، وغالبًا ما يتبع هذه الحالة تشويه صورة الذات (تحقيرها)، الخجل، الشعور بالذنب.
وقد تكون مستمرة كالحروب أو الاستغلال الجنسي لمدة طويلة، وغالبًا ما تحتاج هذه الحالة إلى فترة علاج طويلة الأمد.
كيف تظهر علامات الصدمة؟
يظهر الطفل العديد من المشاعر والسلوكيات التي تدل على وجود الصدمة، والتي قد تظهر مباشرة، أو في وقت لاحق بعد أيام، أو سنين (اضطراب ما بعد الصدمة) خلال لعبه ونشاطاته، وتختلف مظاهرها من طفل لآخر بحسب شخصيته ونموه العقلي، فالبعض يلجأ للمقاومة (يصبح عدوانيًا)، والبعض الآخر يلجأ إلى الهروب ويصبح انعزاليًا، وقد يعبر الطفل مباشرة بالشكوى والتذمر مما يحدث، وطرح التساؤلات بشكل مستمر، وقد يلجأ إلى سلوكيات لم يكن يمارسها تعبر عن وجود مشكلة، كالتعلق، تشنجات في العضلات ناتجة عن توتر نفسي، مص الإصبع، وفقدان السيطرة على التبول أو التبرز.
تأثير الضغط المستمر على الطفل
إن تعرض الطفل المستمر للضغوطات (العيش في مخيمات لا تتوفر فيها مقومات الحياة، العيش في مناطق الحروب والنزاعات…) تؤثر على الصحة النفسية والفيزيولوجية، إذ إن بقاء الطفل في حالة تأهب مستمر واستمرار الجسم في إفراز هرمون الأدرينالين يخفض مناعة الجسم فيصاب الطفل بأمراض الالتهاب والحساسية وغيرها، كما يعلق نمو القشرة الدماغية المسؤولة عن عمليات عقلية كثيرة كاللغة والرياضيات، ويؤثر على الذاكرة قصيرة المدى التي يحتاجها الطفل في عملية التعلم.
إن كل ذلك معناه أن الطفل سينمو على حساب الوظائف الدماغية الأساسية اللازمة لتعلم عمليات عقلية أكثر تعقيدًا.
فضلًا عن أن صحة الطفل النفسية تتدهور حيث يعاني من اضطرابات في النوم، الكوابيس الليلية، الاكتئاب، العدوانية.
ماذا نفعل؟
في هذه الظروف لا يعني أن نقف مكتوفي الأيدي نشاهد ما يحدث دون فعل أي شيء، فمن المعروف أن الدماغ، وخصوصًا في مرحلة الطفولة، يتمتع بمرونة عالية وقدرة على التكيف، فالتدخل المبكر، سواء مع الأطفال الذين مازالو تحت الضغط أو ممن خرجوا ويعانون من اضطراب بعد الصدمة، له تأثير إيجابي كبير على صحتهم النفسية والعقلية والجسدية بما توفره من فرص تعليمية و أنشطة ترفيهية، تمنحهم شعورًا ولو جزئيًا بالاستقرار من خلال برنامج روتيني يعتاد عليه الطفل بشكل يومي.