استعرض المتحدث الرسمي باسم “الحرس الثوري الإيراني” أسباب تدخل طهران في سوريا، معتبرًا أن هذا التدخل جاء ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”، الذي كان يهدد أمن المنطقة، وذلك بعد سقوط النظام السوري الذي كانت إيران أبرز الداعمين له.
وقال المتحدث العميد محمد علي نائيني، وفق ما نقلته “وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية” (إرنا)، الاثنين 30 من كانون الأول، إن “الحرس الثوري” تدخل ضد التنظيم لعدة أسباب منها “توفير الأمن والحفاظ على حرمة العتبات المقدسة والدفاع عن مراقد أهل البيت وتلبية الطلب الرسمي من حكومتي العراق وسوريا وتعزيز محور المقاومة”.
وأضاف أن تنظيم “الدولة” دمر البنية التحتية في العراق وسوريا وارتكب “جرائم وحشية” في المنطقة، لذلك كان توفير الأمن مسألة حيوية بالنسبة لبلاده.
نائيني قال إن “الأماكن المقدسة ومراقد أهل البيت” تعرضت لتهديد شديد من قبل التنظيم و”الحركات التكفيرية” في سوريا، لافتًا إلى أن التنظيم دمر أكثر من 30 مرقدًا ومزارًا دينيًا في الموصل ومحافظة نينوى خلال أقل من شهر.
وأضاف، “رغم أن نظام بشار الأسد لم يسقط أمام تنظيم الدولة، جعلت التحديات الجديدة مثل المشاكل الاقتصادية والعقوبات والتغيرات التي ظهرت في نهج جماعات المعارضة من الحكومة السورية أضعف”.
المتحدث باسم “الحرس الثوري” ذكر أيضًا أن إيران قلّصت من وجودها في سوريا بعد الحرب مع تنظيم “الدولة”، وقال إن “الوجود الإيراني في سوريا الذي تشكل بقيادة الشهيد الحاج قاسم سليماني، اقتصر تدريجيًا على الوجود الاستشاري بعد هزيمة التنظيم”.
ولفت إلى “تجربة التعبئة الشعبية في سوريا” التي شكلّها قاسم سليماني عام 2012، معتبرًا أن هذه القوات وصل تعدادها إلى 120 ألف عنصر، ولعبت دورًا مهمًا في تأمين المناطق، لكن بعد نهاية الحرب مع التنظيم انخفض عددها إلى 10 آلاف عنصر، ونزع سلاح بعضها ولم ينشط مقاتلوها إلا في الجيش النظامي.
و”التعبئة الشعبية” هي وصف تطلقه إيران على ميليشيات شبه عسكرية كانت رديفة بقوات النظام المخلوع، تعرف باسم “الدفاع الوطني” أو “اللجان الشعبية”، ونشطت في جميع المحافظات السورية.
ولفت نائيني إلى أن 23 مجموعة معارضة تعمل في سوريا، ومن الصعب تشكيل حكومة مركزية تمثل جميع المجموعات في ظل انتشار هذه المجموعات.
واعتبر أن إسرائيل تسعى لتدمير البنية التحتية السورية وقطع ممرات الاتصال مع “جبهة المقاومة” (حزب الله).
وفي مقابلة مع قناة “العربية” السعودية، قال قائد “إدارة العمليات العسكرية” التي سيطرت على الحكم في دمشق، أحمد الشرع (الجولاني)، أمس الأحد، إنه يأمل أن تعيد طهران حساباتها حول التدخلات في المنطقة، وتعيد النظر في سياساتها.
وأضاف أن “شريحة واسعة تطمح لدور إيراني إيجابي في المنطقة”، لافتًا إلى أن “إدارة العمليات العسكرية” قامت بواجبها تجاه المقرات الإيرانية رغم الجراح، وكانت تتوقع “تصريحات إيجابية من طهران”.
إيران استثمرت في سوريا
بعد مرور أكثر من عقد من الزمن، ظهرت مفارقة بالغة في النتيجة النهائية لتطورات الأحداث، فسليماني ونصر الله لم يعيشا ليشهدا انهيار رؤيتهما الاستراتيجية الكبرى، بل أصبح تدخلهما، الذي كان يفترض أن يرسخ دور “محور المقاومة” في المنطقة، إيذانًا بتقهقره، وفق مقال نشرته الباحثة المتخصصة في مركز “كارنيغي للشرق الأوسط“،نيكول غرايفسكي.
الاستراتيجية التي صُمّمَت لتقسيم سوريا والسيطرة عليها سقطت تحت وطأة ثقلها، مؤشرة لا إلى نهاية حكم الأسد فحسب، بل أيضًا إلى انحسار محتمل للمحور لا يمكن تداركه، وفق الباحثة.
المقال عاد في مسار الأحداث لبدايته، مذكرًا بأن الضغوط التي مارسها نصر الله وسليماني، أسهمت في تشكيل قرار إيران بالتدخل عسكريًا في سوريا، وخاصةً في إقناع المرشد الأعلى علي خامنئي والمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني بالتغلّب على ترددهما الأولي.
وكان خامنئي أعرب عن هواجس كبيرة بشأن الالتزامات المالية والعملياتية الضخمة التي يتطلبها تنفيذ تدخل بري واسع النطاق في سوريا، لكن نصر الله وسليماني قدما مبررات أطَّرت التدخل على أنه ضروري للحفاظ على مستقبل “حزب الله” ونفوذ إيران الإقليمي الأوسع، وارتكزت حجتهما على التهديد الوجودي الذي قد يشكله سقوط الأسد على مصالحهما الاستراتيجية، وعلى “محور المقاومة”.
استثمرت إيران على مدى الأعوام الـ13 الماضية نحو 30 إلى 50 مليار دولار في سوريا، وفق الباحثة، ما عبر عن التزامها الراسخ بضمان بقاء نظام بشار الأسد، واضطلع “المستشارون الإيرانيون”، ولا سيما أولئك التابعون لـ”فيلق القدس” (الاستخبارات الخارجية)، بدور حاسم في حماية الأسد.
وتشير التقارير الرسمية إلى مقتل ما يزيد عن 2000 عنصر من “المدافعين عن الحرم”، وهو مصطلح ملطف تستخدمه إيران للدلالة إلى قواتها في سوريا، معظمهم مواطنون أفغان جندوا ضمن “لواء فاطميون” (ميليشيا تدعمها إيران)، مع أن طهران خسرت أيضًا أعدادًا كبيرة من عناصر “الحرس الثوري”، خصوصًا خلال معركة خان طومان في العام 2016.
هل تخلّت إيران عن الأسد
لا تقتصر علاقة إيران مع سوريا بمصالحها في الجغرافيا السورية وحسب، إنما تعتبر ذراعها في لبنان المتمثلة بـ”حزب الله” بالغة الأهمية، وإيصال الدعم والتمويل التسليه لها يعتبر أحد أبرز مصالح إيران في سوريا، التي تستخدم طريقًا لهذه الغاية.
وفي تقرير أعدته صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، قال الخبير في الجماعات المسلحة التابعة لإيران حسن شمشادي، “بالنسبة لإيران، كانت سوريا العمود الفقري لوجودنا الإقليمي. كل ما أرسلته إيران إلى المنطقة كان يمر عبر سوريا، والآن أصبح من الصعب للغاية إبقاء هذه القنوات مفتوحة”.
ومع تقدم المعارضة كانت طهران مصدومة من السرعة التي تمكنت بها فصائل المعارضة من السيطرة على الأرض وتخلي قوات النظام المخلوع عن قواعدها، وفقًا لما نقلته الصحيفة عن ثلاثة مسؤولين إيرانيين، اثنان منهم من أعضاء “الحرس الثوري الإيراني”، واثنين من المحللين الإيرانيين البارزين المقربين من الحكومة، قبل الإعلان عن سقوط النظام بيوم واحد.
وعلى الملأ، تعهد المسؤولون الإيرانيون بالبقاء ملتزمين بالكامل بدعم الأسد، لكن في الخفاء، ومع اكتساب المتمردين السيطرة على المزيد من الأراضي التي كانت إيران وميليشياتها تحكمها، تساءل المسؤولون عما إذا كانت الأحداث تتجاوز قدرتهم على تغيير مسار الأمور.
وبحلول نهاية الأسبوع، أدلى العديد من كبار المسؤولين بتصريحات على وسائل التواصل الاجتماعي مفادها أن الإطاحة بالأسد تبدو حتمية وأن نكسة إيران “هائلة”.
وكتب محمد علي أبطحي، وهو نائب الرئيس الإيراني السابق، في منصة “إكس”، قبيل سقوط النظام السوري، إن “السقوط المحتمل للحكومة السورية في أيدي المتطرفين الإسلاميين سيكون أحد أهم الأحداث في تاريخ الشرق الأوسط. وسوف تُترك المقاومة في المنطقة بدون دعم. وسوف تصبح إسرائيل القوة المهيمنة”.
“نيويورك تايمز” قالت في تقريرها المنشور، في 7 من كانون الأول الحالي، إنها اطلعت على مذكرة داخلية صادرة عن أحد أعضاء “الحرس الثوري”، وصف فيها الوضع في سوريا بأنه “لا يصدق وغريب”.
وتقول المذكرة إن “إيران قبلت سقوط الأسد وفقدت إرادة المقاومة”.
أول داعم لنظام الأسد
كانت طهران أول طرف تدخل عسكريًا وأمنيًا دعمًا لنظام الرئيس المخلوع بشار الأسد ضد الانتفاضة الشعبية التي واجهها نظامه منذ آذار 2011.
التزمت إيران للمرة منذ دخولها بالحفاظ على حكم الأسد، وأجرى قائد “فيلق القدس” في “الحرس الثوري الإيراني”، اللواء قاسم سليماني، سلسلةً من الزيارات إلى سوريا لتقييم مدى استقرار نظام الأسد.
وأفادت تقارير بأن هذه الزيارات أثارت قلقه بشأن قدرة النظام على الصمود في وجه المدّ الثوري وضغط المتمرّدين. كذلك سافر سليماني إلى لبنان حيث التقى الأمين العام الأسبق لـ”حزب الله”، حسن نصر الله، لطلب الدعم لدفاعات الأسد.
ولعبت طهران دورًا في إقناع روسيا بالتدخل عسكريًا لصالح النظام السوري أيضًا في أيلول 2015، ضد فصائل المعارضة المسلحة، وشكل التدخل الروسي بيضة قبان في مسار الأحداث، إذ سيطر النظام على معظم الجغرافيا السورية عقبه.
ولا تزال إيران غير متقبلة لسقوط حليفها في سوريا، إذ قال وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، في 24 من كانون الأول الحالي، إنه لا يمكن الحكم على التطورات في سوريا، إذ هناك العديد من العوامل التي تؤثر في مستقبل البلاد، بحسب وكالة “مهر” الإيرانية.
كما نفى المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، وجود أي تواصل مباشر بين إيران والحكومة السورية الجديدة.
وأضاف أن الحكومة الإيرانية كانت تتواصل مع الحركات المعارضة في سوريا (دون أن تحدد الجهة)، وأنها أسهمت في دفع العملية السياسية بين الطرفين.
ووصف المرشد الإيراني، علي خامنئي، في 22 من كانون الأول، سقوط رئيس النظام السوري المخلوع، بشار الأسد، بـ”الفوضى”، متهمًا الثوار السوريين بالتسبب في هذه الفوضى.
وصرّح بأن تقدم المعارضة السورية ميدانيًا “ليس انتصارًا”، نافيًا وجود النفوذ الإيراني في سوريا، وفق موقع “إيران إنترناشيونال”.
من جانبه، حذر وزير الخارجية في حكومة تسيير الأعمال السورية، أسعد حسن الشيباني، إيران من نشر الفوضى في سوريا.