عثرات وتجاوزات

tag icon ع ع ع

لمى قنوت ورهام قنوت رفاعي

برزت في الأسبوعين الماضيين بوادر ارتكاز قائد “إدارة العمليات العسكرية”، أحمد الشرع، وحكومة تصريف الأعمال الحالية على خيارات وظواهر كان قد رفضها وثار عليها الشعب السوري مسبقًا، كالاستئثار بالسلطة والمحسوبية عبر تعيين الأقارب والمنتمين لـ”هيئة تحرير الشام” والمقربين منها، وغياب الشفافية، والانغلاق الفكري، والتعويل على حلفاء خارجيين بدل الانفتاح والحوار والتشاور مع جهات وكفاءات سورية سياسية وحقوقية ومدنية متنوعة في جميع المجالات.

مسار وطني للعدالة الانتقالية

تتجاهل الحكومة الحالية أهمية إطلاق مسار وطني للعدالة الانتقالية رغم النداءات الحقوقية السورية والدولية المطالبة بضرورة اتخاذ خطوات فورية لحماية وحفظ الأدلة على الجرائم والانتهاكات المرتكبة في عهد النظام البائد، وبضمنها الوثائق الحكومية والمقابر الجماعية، والتعاون مع هيئات ولجان الأمم المتحدة المعنية بتقصي الحقائق وجمع الأدلة وفرق الطب الشرعي الدولية، وتأمين وصولها العاجل دون قيود لحفظ وحماية الأدلة من التلف التي ما زالت تتعرض للعبث والسرقة، ما يعني تقويض كشف الحقيقة والمحاسبة وجبر الضرر.

إن التقاعس الحالي للحكومة في واحدة من أهم القضايا الحقوقية والإنسانية في سوريا، يكثف معاناة مجتمع الضحايا، وخاصة أن الحكومة لم تبحث جديًا في مطالبه، ولم يزر أي ممثل عنها سجنًا واحدًا من السجون السورية، ولم يكرسوا يوم حداد وطني على أرواح الشهداء، كما لم تفرج “هيئة تحرير الشام” عن معتقلي الرأي في سجونها بإدلب.

الذكورية والانغلاق الفكري

تُعتبر تصريحات المتحدث الرسمي باسم “الإدارة السياسية في سوريا”، عبيدة أرناؤوط، عبر قناة “الجديد” اللبنانية، ومقابلة رئيسة مكتب شؤون المرأة في حكومة تصريف الأعمال، عائشة الدبس، على قناة “TRT” التركية، نموذجًا كلاسيكيًا لخطاب اليمين السياسي في تركيزه على مفاهيم النظام الأبوي عن التركيبة البيولوجية للإناث و”الفِطرة” وغيرها من الأفكار التي فككها ودحضها الفكر النسوي بمدارسه المتنوعة على امتداد الطيف السياسي، وعززت هذه الحجج النسوية أبحاث علمية معاصرة.

لسنا في صدد الرد هنا على هذه الادعاءات الذكورية المحدودة والتمييزية، لكن أبرز ما يلفتنا في خطاب “الهيئة” وحكومة تصريف الأعمال بما يتعلق بحقوق ودور النساء في تصورهما لسوريا الجديدة، هو كم الانغلاق الفكري ورفض التعاطي مع الآخر المختلف، والجهل الواضح عند الدبس، على سبيل المثال، بنصوص شرعة حقوق الإنسان واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة وغيرها من المعاهدات الدولية، عندما تناقض نفسها فتدعو تارة المنظمات الحقوقية الدولية لمساعدة مكتبها، وتعلن تارة أخرى عن نيتها في إقصاء من يختلف معها فكريًا كالمنظمات النسوية التي كانت تعمل في إدلب قبل إسقاط النظام، ويبرز اختزال الإدارة الجديدة لنساء سوريا بتنوعاتهن وتنوع سياقاتهن بنموذج واحد ووحيد للمرأة المسلمة المحافظة و”المثالية”، وإحالة تنوع السوريات إلى شعارات مفرغة من معناها تهمش نضالاتهن المتنوعة وخصوصًا العلمانيات منهن.

صلاحيات الإدارة الحالية وبعض تجاوزاتها

تتضمن صلاحيات الإدارة الحالية ضبط الأمن مع الامتناع عن ارتكاب الانتهاكات، وتيسير شؤون المواطنين والمواطنات الإدارية والخدمية، والحفاظ على الملكيات العامة والخاصة، وحماية الوثائق، وتهيئة مناخ سياسي مناسب لعقد مؤتمر وطني جامع، ولكن ما ليس من صلاحيات هذه الإدارة غير المنتخبة هو الخوض في قضايا سيادية كترسيم حدود وطمأنة إسرائيل أو تبرير توسع احتلالها للأراضي السورية، وبالتالي فإن التصريح المدان لمحافظ دمشق، ماهر مروان، للإذاعة الأمريكية العامة “NPR” تجاوز لصلاحيات منصبه وصلاحيات الإدارة التي عينته.

تحتل إسرائيل أراضينا منذ عام 1967، ولم تتوقف يومًا عن تهديد أمننا، ومؤخرًا كثفت اعتداءاتها الجوية والبحرية، وصرح المتحدث الرسمي لقوات الاحتلال، أفيخاي أدرعي، عن شن نحو 350 غارة خلال 28 ساعة، دمر فيها الاحتلال غالبية مخزونات الأسلحة الاستراتيجية والبنية التحتية العسكرية عشية إسقاط نظام الأسد بكل أركانه، وهناك ترجيحات عن ضرب مدينة طرطوس بقنبلة نووية صغيرة تكتيكية تجريبية.

أما برًا، فاستغل الاحتلال انسحاب الجيش السوري من جميع ثكناته، بما فيها الحدودية، بعد انهيار الجيش، فاحتل المزيد من الأراضي الحدودية كجبل الشيخ والمنطقة العازلة منزوعة السلاح بهضبة الجولان، وبلدات في ريف القنيطرة، وقرى في ريف درعا، وأطلقت قواته النار على محتجين سوريين في ثكنة الجزيرة غربي قرية معربة بمحافظة درعا، وفي قرية سويسة بريف القنيطرة الجنوبي، وخطفت سوريين مثل رائد ومهند زيدان إلى داخل الأراضي المحتلة، واستحوذت قواته على مبنى محافظة القنيطرة، ورفعت العلم الإسرائيلي عليه، وشوهد من المبنى دخان متصاعد يرجح على أنه دليل على حرق وثائق، وفرض الاحتلال أيضًا حظر التجول على السكان، ودمر الطرقات وأقام الحواجز الترابية لشل حركة الناس وتعطيل أعمالهم، وسيطر على سد المنطرة أحد أهم الموارد المائية في محافظة القنيطرة.

إن تصريح ماهر مروان الذي استخف بجرائم الاحتلال وطبع معها وبررها عندما قال: “ربما شعرت إسرائيل بالخوف، تقدمت قليلًا، قصفت قليلًا، هذا القلق طبيعي. ليس لدينا خوف تجاه إسرائيل، ومشكلتنا ليست مع إسرائيل”، هو خطاب مرفوض ومدان ومنفصل تمامًا عن واقع ما يحدث على الأرض، وتعليقًا على ما أضافه: “لا نريد التدخل في أي شيء من شأنه أن يهدد أمن إسرائيل أو أمن أي بلد آخر. هناك شعب يريد التعايش، يريد السلام. نريد السلام، لا يمكننا أن نكون ندًا لإسرائيل، ولا ندًا لأي أحد”، فالسوريون، برجالهم ونسائهم، خاضوا صراعًا طويلًا من أجل حريتهم وكرامتهم وبناء دولتهم، ولا يقبلون إلا بعلاقات ندية وفق مصالحهم وإرادتهم وسيادتهم واستقلال قرارهم.

إن النقد السياسي لتجاوزات وعثرات الإدارة هو أمر صحي وضروري من أجل إحداث القطيعة مع الاستبداد بكل أشكاله لتأسيس عقد اجتماعي جديد قائم على المواطنة والحرية والعدالة.

نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة