“2254”.. حضور ناقص في مستقبل سوريا

  • 2024/12/29
  • 2:19 م
بعد سقوط النظام السوري المخلوع ما يزال القرار الأممي 2254 غير محسوم المصير قي ظل الحديث عن تعديلات يحتاجها القرار تماشًيًا مع تطورات السياسية في سوريا (تعديل عنب بلدي)

بعد سقوط النظام السوري المخلوع ما يزال القرار الأممي 2254 غير محسوم المصير قي ظل الحديث عن تعديلات يحتاجها القرار تماشًيًا مع تطورات السياسية في سوريا (تعديل عنب بلدي)

حسام المحمود | علي درويش | خالد الجرعتلي

بقي القرار الأممي “2254” حبيس تعنّت النظام السوري السابق وتفلّته من تطبيق بنوده، التي تقوم بجوهرها على تشكيل هيئة حكم انتقالي في سوريا.

ومع هرب الرئيس المخلوع، بشار الأسد، وسقوط نظامه، في8  من كانون الأول الحالي، عاد الحديث عن مستقبل سوريا السياسي الذي كان يفترض أن يرسمه القرار الأممي “2254” منذ نحو تسع سنوات.

وتطالب جهات دولية وعربية باتخاذ القرار مرجعية لرسم الخارطة السياسية لمستقبل سوريا، وترى فيه السبيل لإحلال الاستقرار في سوريا، واستكمال التحول من سوريا الأسد إلى سوريا الجديدة، مرتبط بتطبيق هذا القرار الذي جاء ذكر التحول السياسي فيه في بند واحد فقط.

بينما تتحفظ الحكومة المؤقتة في دمشق على بنود فيه، مع الأخذ بعين الاعتبار أن القرار القائم لفض الصراع بين طرفين لم يعد قابلًا للتطبيق بصيغته الحرفية بعد انتهاء دور أحد هذين الطرفين، وهو النظام السابق، الذي سقط رئيسه الأسد وهرب إلى موسكو، وفرّ معظم مسؤوليه الكبار إلى الخارج.

القرار  يعد نقطة خلافية أيضًا بين تيارات المعارضة من “هيئة التفاوض” و”الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة”، و”القيادة العامة” التي تولت زمام الحكم في دمشق، لكن لم يعلن عن وجود خلاف صراحة.

تناقش عنب بلدي في هذا الملف الخلاف على تطبيق القرار، وتبحث مع خبراء وباحثين مستقبل هذا القرار وتأثيراته المحتملة، والعوامل التي تحكم تطبيقه، ومستقبل وصورة الحكم في سوريا من بعده.

نقاط خلافية وحلول بمتناول اليد

ارتبطت الرغبة الغربية بتحقيق انتقال سلس للسلطة في سوريا بالقرار الأممي “2254”، وهو ما بدا مؤخرًا على لسان مندوبين دوليين، كما ذكره مسؤولون عرب عند حديثهم عن التحول الذي طرأ على سوريا بعد سقوط نظام الرئيس المخلوع، بشار الأسد، وتولي المعارضة مقاليد الحكم في دمشق.

“2254” و “بيان جنيف”

اتخذ القرار “2254” في جلسة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم “7588”، التي عقدت في 18 من كانون الأول 2015، وأكد في بدايته التزامه بسيادة سوريا واستقلالها ووحدتها وسلامتها الإقليمية، وبمقاصد ميثاق الأمم المتحدة ومبادئه.

أيد القرار الذي وقع في 16 بندًا “بيان جنيف” وبياني “فيينا” كأساس لتحقيق أي انتقال سياسي في سوريا عبر عملية سياسية يقودها السوريون، كما كرر في بعض بنوده ضرورة البدء بوقف إطلاق النار، باستثناء الفصائل المدرجة على “لوائح الإرهاب” آنذاك، وهي تنظيم “الدولة الإسلامية”، و”جبهة النصرة” التي فكت ارتباطها بتنظيم “القاعدة” لاحقًا، ومرت بعدة مراحل لتشكل “هيئة تحرير الشام” التي قادت اليوم المعارضة نحو القصر الرئاسي في دمشق.

وكمرحلة نهائية، تحدث القرار الأممي عن ضرورة إحلال حكومة انتقالية في سوريا مدتها 18 شهرًا، وإقامة حوار وطني يشارك به السوريون، وإعداد دستور جديد للبلاد، والسماح للوكالات الإنسانية والمنظمات الدولية بالوصول إلى المناطق المتضررة، ومساعدة السوريين المتضررين.

عملية الانتقال السياسي التي مر عليها القرار الأممي “2254” سريعًا، يفصّلها “بيان جنيف” بشكل أوسع، إذ يمر قرارا مجلس الأمن “2042” و”2043″ اللذان يطالبان بوقف فوري ودائم لإطلاق النار، وتكثيف وتيرة الإفراج عن المعتقلين، وتوفير المعلومات المتعلقة بهم.

الأطراف المشاركة في اجتماع العقبة ركزت على دعم سوريا في الفترة الانتقالية- 14 من كانون الأول 2024 (الخارجية الأردنية/ إكس)

ويتحدث القراران عن ضرورة تأمين حرية تنقل للصحفيين في الجغرافيا السورية، ومنحهم تأشيرات وفق سياسة “غير تمييزية” واحترام حرية تكوين الجمعيات، وحق التظاهر، واحترام سلامة وأمن بعثة الأمم المتحدة والتعاون معها، وتسهيل مهمتها.

ويحدد “بيان جنيف” أربع خطوات لتحقيق انتقال سياسي تقوم على أساس:

  • يتيح منظورًا مستقبليًا يمكن أن يتشاطره الجميع.
  • يحدد خطوات واضحة وفق جدول زمني مؤكد نحو تحقيق ذلك المنظور.
  • يمكن أن ينفذ في جو يكفل السلامة للجميع ويتسم بالاستقرار والهدوء.
  • يمكن بلوغه بسرعة، دون إراقة المزيد من الدماء، ويكون ذا مصداقية.

“بيان جنيف” تحدث أيضًا بشكل منفصل عن خطوات عملية لتحقيق الانتقال السلمي، جاءت في خمسة بنود هي:

  • إقامة هيئة حكم انتقالية باستطاعتها أن تُهيّئ بيئة محايدة تتحرك في ظلـها العمليـة الانتقالية، ويترتب على ذلك أن هيئة الحكم الانتقالية ستمارس كامـل الـسلطات التنفيذية، ويمكن أن تضم أعضاء من الحكومة والمعارضة ومن المجموعـات الأخرى، ويجب أن تُشكّل على أساس الموافقة المتبادلة.
  • الشعب هو من يقرر مستقبل البلد، ولا بد من تمكين جميع فئات المجتمع الـسوري ومكوناته من المشاركة في عملية الحوار الوطني، ويجب ألا تكـون هـذه العمليـة شاملة للجميع فحسب، بل يجب أيضًا أن تكون مجدية، أي أن من الواجب تنفيذ نتائجها الرئيسة.
  • على هذا الأساس، يمكن أن يعاد النظر في النظام الدستوري والمنظومـة القانونيـة، وستُعرض نتائج الصياغة الدستورية على الاستفتاء العام.
  • بعد إقامة النظام الدستوري الجديد، من الضروري الإعداد لانتخابات حرة ونزيهة وتعددية، وإجراؤها لشغل المؤسسات والهيئات الجديدة المنشأة.
  • من الواجب أن تُمثّل المرأة تمثيلًا كاملًا في جميع جوانب العملية الانتقالية.

نقاط خلافية

عقب سقوط نظام الأسد بأيام، أعلنت الأطراف عن مواقفها من العملية السياسية في سوريا، إذ طالب قائد “إدارة العمليات العسكرية”، أحمد الشرع، بتحديث القرار الأممي “2254” بعد أن جاء ذكره في “بيان العقبة”، لوزراء خارجية دول عربية، وبحضور غربي، آملين تحقيق تقدم للعملية السياسية في سوريا بناء على القرار نفسه.

من جانبها، رأت “هيئة التفاوض السورية”، وهي المعنية بإجراء المفاوضات مع النظام المخلوع بموجب القرارات الأممية، أنه لا يزال هناك دور لـ”الائتلاف” في سوريا بعد سقوط الأسد، إذ يعتبر جسمًا سياسيًا أساسيًا شُكل بهدف قيادة المفاوضات للوصول إلى حل سياسي، وفق ما جاء في حديث سابق لنائبة رئيس “الائتلاف”، ديما موسى، لعنب بلدي.

وأضافت موسى أنه على الرغم من التغييرات التي طرأت على الوضع العسكري والسياسي، لا يزال لـ”الائتلاف” دور مهم في المرحلة الانتقالية، ويجب أن يكون جزءًا من الحوار السوري الذي يهدف إلى تمثيل جميع الأطياف السياسية والدينية والمجتمعية.

ولفتت إلى أن القرار “2254” كان يتحدث عن طرفين رئيسين هما المعارضة والنظام، وتغير الواقع اليوم بسقوط النظام، لكن القرار بجوهره يتحدث عن “إعطاء السوريين حق تقرير مصيرهم بشكل مبني على حوار سوري- سوري”.

واعتبرت أن ملامح عملية انتقال السلطة موجودة في “2254”، ومواصفات “هيئة الحكم الانتقالي” ومهامها موجودة في “بيان جنيف” بشكل تفصيلي أكثر.

وكانت القرارات الأممية تقوم على أساس أن “2254” قائم بين النظام والمعارضة، في حين سقط الطرف الأول من المعادلة، وصارت المعارضة بتياراتها هي المعنية بتطبيق بقية الشروط، وهو ما ترك الآلية التي يمكن أن تتبع لتطبيق القرار تحوي ثغرة قد يتطلب حلّها وقتًا.

وعلى الجانب الآخر، طرأت تغييرات جذرية على فصيل “جبهة النصرة” الذي ذكره القرار الأممي، إذ رفعت الملاحقة الأمريكية عن قائده أحمد الشرع الذي بدا أقرب لتوقعات الغرب منذ خروج فصيله (هيئة تحرير الشام) باتجاه حلب في 27 من تشرين الأول الماضي.

ولا تزال هذه النقاط الخلافية مفتوحة أمام السيناريوهات في وقت لا تعلّق فيه الأطراف بوضوح على توقعاتها لآلية التطبيق.

حلول بمتناول اليد

في 15 من كانون الأول الحالي، طالب أحمد الشرع بتحديث القرار الأممي “2254” بشأن الانتقال السياسي في سوريا، خلال لقائه مع المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، غير بيدرسون.

“الائتلاف السوري” الذي كان يعتبر ممثلًا شرعيًا للمعارضة السورية في الأروقة الدولية على مدار السنوات الماضية، دعم التوجه نحو “2254” ما أثار حفيظة ناشطين سوريين.

ولم تجب حكومة دمشق عن أسئلة عنب بلدي بشأن تحفظاتها على تطبيق “2254” حتى لحظة إعداد هذا الملف، وما النقاط التي تطالب بتحديثها.

ومن وجهة نظر الباحث في مركز “الحوار السوري” الدكتور أحمد قربي، فإن تعديل “2254” خيار وارد، لكنه ليس قريبًا.

وقال لعنب بلدي، إن السياق الحالي يستبعد هذا الطرح، لأن القرار يركز على “بيان جنيف” الذي صدر بعد انطلاق الثورة السورية بـ15 شهرًا، ولا يزال محافظًا على مضمونه، كما أن المؤشرات التي خرجت من جانب الإدارة الجديدة في سوريا ترجح الذهاب باتجاه مؤتمر وطني.

وفي حال نجح المؤتمر الوطني المقترح، فلا يوجد داعٍ لإصدار أو تحديث أي قرار يتعلق بالعملية السياسية في سوريا، ويمكن القول إن العملية السياسية جرت بملكية سورية، وهو ما ينص عليه “بيان جنيف”.

ولم يستبعد قربي فشل مؤتمر الحوار الوطني، لكنه رجّح صدور قرارات أممية جديدة في هذه الحالة، بتدخل من الدول الفاعلة في الملف السوري، خصوصًا في حال كانت غير مقتنعة بوجود تمثيل شامل للقوى السياسية والمجتمع المدني السوري في هذا المؤتمر الوطني.

ويعتقد قربي أن المبادئ الأساسية التي يرتكز عليها “2254” والواردة في “بيان جنيف” مهمة لتحقيق عملية سياسية سليمة في سوريا، وليس القرار الأممي بحد ذاته.

وأضاف أن النظام المخلوع هو من رفض تطبيق مبادئ “بيان جنيف” وتعنّت في تطبيق القرار “2254”، لكنه جعل الجميع يدرك أنه لا حل في سوريا إلا من خلال عملية سياسية، بينما وصول الإدارة الجديدة إلى دمشق يفترض أن يعطي مجالًا لتطبيق المسار السياسي الذي يقود باتجاه هذه المبادئ الأساسية، وهي مطلب سوري قبل أن تكون مطلبًا أمميًا.

قائد “إدارة العمليات العسكرية” أحمد الشرع في لقاء مع قائد فصائل سورية معارضة- 24 من كانون الأول 2024 (القيادة العامة-سوريا)

عوائق أمام التطبيق

بعد أقل من أسبوع على سقوط الأسد، سجّل القرار “2254” حضوره في مخرجات البيان الختامي لاجتماع العقبة، الذي جرى في 14 من كانون الأول، بمشاركة كل من وزراء خارجية الأردن والسعودية والعراق ولبنان ومصر وأمين عام جامعة الدول العربية، ووزراء خارجية الولايات المتحدة وتركيا، والإمارات والبحرين وقطر والمبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، وممثلين عن فرنسا وبريطانيا وألمانيا.

وجاء في البيان، تأكيد على دعم عملية انتقالية سلمية سياسية سورية- سورية جامعة، تتمثل فيها كل القوى السياسية والاجتماعية السورية، بما فيها المرأة والشباب والمجتمع المدني بعدالة، وترعاها الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، ووفق مبادئ قرار مجلس الأمن “2254” وأهدافه وآلياته.

كما تضمن البيان دعمًا لدور المبعوث الأممي إلى سوريا، والطلب من الأمين العام للأمم المتحدة تزويده بكل الإمكانات اللازمة وبدء العمل على إنشاء بعثة أممية لمساعدة سوريا لدعم العملية الانتقالية في سوريا ورعايتها ومساعدة الشعب السوري الشقيق في إنجاز عملية سياسية يقودها السوريون وفق القرار “2254”.

وفي 23 من كانون الأول، وصل وفد قطري إلى دمشق، والتقى أحمد الشرع، وأكد وزير الدولة القطري، محمد بن عبد العزيز الخليفي، حينها، ضرورة ضمان وحدة سوريا والعمل على انتقال سلمي للسلطة من خلال عملية سياسية جامعة لكل أطياف الشعب السوري، استنادًا إلى قرار مجلس الأمن “2254”.

وبعد مطالبة أحمد الشرع، في 16 من الشهر نفسه، بتحديث القرار، أقر بيدرسون في اليوم التالي بصعوبة تطبيقه، مشيرًا إلى عدم وجود إمكانية حقيقية لتطبيقه بعد سقوط نظام الأسد، لافتًا إلى وجود اتفاق واسع النطاق على أن القرار “2254” لا يمكن تطبيقه في ظل الظروف الجديدة، مبينًا أن القرار حدد طرفين جرت الإطاحة بأحدهما، ولا يمكنه المشاركة في عملية سياسية، دون أن يلغي ذلك ضرورة الانتقال السياسي بعملية سورية داخلية شاملة، وفق رأيه.

الدكتور زيدون الزعبي، المتخصص في إدارة الجودة والحوكمة، أوضح لعنب بلدي أن القرار “2254” فقد أساسه القانوني، فالبند الثاني منه يتطلب تحديد المعارضة، لكن مع سقوط النظام، لم يعد هناك معارضة ونظام، لكن القرار لم يفقد مرتكزاته السياسية، بمعنى أنه لا تزال هناك حاجة لعملية سياسية وانتقال سياسي وانتخابات ودستور، فبالمضمون هناك حاجة لجسم سياسي غير طائفي، ما يجعل القرار “2254” حيًا ببنوده.

من جهته، اعتبر المحامي ميشال شماس، أن القرار الدولي “2254” يكتسب اليوم أهمية كبيرة في ظل الأوضاع والمتغيرات التي شهدتها سوريا بعد إسقاط نظام الأسد.

وتأتي هذه الأهمية من خلال تطبيق روح القرار وليس كما نص عليه حرفيًا، أي إجراء حوار بين القوى السياسية والمجتمعية والمدنية وبين السلطة الجديدة لتشكيل حكومة انتقالية بصلاحيات تنفيذية تقود البلاد خلال فترة انتقالية، تعمل على ضبط الأمن وسحب السلاح المنفلت، وتأمين احتياجات الناس والسير المنتظم للسلطات، وإعادة تشكيل أجهزة شرطية وأمنية وجيش وطني على أسس وطنية تخضع جميعها للمحاسبة والمساءلة أمام القضاء ويمنع تدخلها في السياسة، فمهمتها فقط حفظ الأمن وحماية الناس وحدود الدولة.

وتعمل الحكومة الانتقالية، وفق ما أوضح شماس، لعنب بلدي، على انتخاب هيئة أو لجنة تأسيسية توكل إليها مهمة إصدار قانون أحزاب وقانون انتخابات وصياغة دستور جديد للدولة، يحمي حقوق الناس وحرياتهم وفي المقدمة حقوق المرأة والطفل، ويطرح على الاستفتاء الشعبي، وبعد نيل الموافقة تجري انتخابات برلمانية ورئاسية.

وبالحديث عن العراقيل التي تواجه تطبيق القرار، فأولها، بحسب شماس، أن السلطة الجديدة حتى الآن لم تفصح عن نياتها ورؤيتها حول مستقبل سوريا، وما زالت تراوغ وتستأثر بكل مفاصل الدولة وتصم آذانها عن مشاركة قوى المجتمع المدني في صياغة مستقبل سوريا، واكتفت فقط بالتواصل مع رؤساء الطوائف والعشائر، وهذا مؤشر غير جيد.

ومن هنا تأتي أهمية الحراك المجتمعي والسياسي والمدني في ممارسة الضغط على السلطة الحالية حتى تستجيب لمطالب الناس، إذ يرى المحامي شماس أن عقد مؤتمر حوار وطني سوري لن يشكل تناقضًا مع روح القرار “2254” طالما أن هذا المؤتمر سيشهد تمثيلًا لجميع  القوى السياسية السورية المدنية والمجتمعية بما فيها السلطة الحالية، وينتخب حكومة تمثل الجميع  لتقود المرحلة الانتقالية.

ومن المهم في حال أصرت السلطة الحالية على الاستفراد بالسلطة وصم آذانها عن مطالب السوريات والسوريين، أن يصدر قرار جديد من مجلس الأمن الدولي يلزم السلطة الجديدة بتنفيذ روح القرار الدولي “2254”، مع الأخذ بعين الاعتبار أن نظام الأسد لم يعد قائمًا وبالتالي استبعاده من أي عملية سياسية.

قائد القيادة العامة أحمد الشرع خلال اجتماع مع المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسون- 15 من كانون الأول 2024 (القيادة العامة)

الحكومة الجديدة غير ملزمة بـ”2254″

مر القرار الأممي “2254” بعدة مراحل منذ إقراره في كانون الأول 2015، بعدما صدر كتعريف تنفيذي لـ”بيان جنيف”، وهو المستند القانوني الصادر عن مجلس الأمن الذي يتكلم عن تنظيم العملية السياسية لا سيما في المادة الرابعة منه، بحسب مدير البحوث في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية”، معن طلاع.

وتتألف المادة الرابعة من جزأين، أحدهما مرتبط بإقامة حكومة ذات مصداقية غير طائفية، والآخر بتنظيم الانتخابات وإعادة صياغة دستور جديد.

ووفق ما ذكره طلاع، لعنب بلدي، فإن القرار دخل مرحلة التيه أو التجميد بسبب استمرار العمليات العسكرية للنظام السابق، في 2016، وخروج مدينة حلب من المعادلة بعد سيطرة جيشه عليها بدعم روسي- إيراني في كانون الأول 2016.

وجرى بعدها إعادة الاستناد إلى القرار عام 2018، عبر إحياء فكرة الدستور أو لجنة صياغة الدستور، وتم القفز على جزئية إقامة حكومة ذات مصداقية غير طائفية، والذهاب باتجاه تنفيذ الجزئية المتعلقة في الدستور، وفق طلاع، الذي أشار إلى أن فكرة الدستور نوقشت في جنيف لكن ما طبق هو ما تمت مناقشته في مؤتمر “سوتشي” عام 2018.

وعقدت اللجنة الدستورية السورية أولى جلساتها في تشرين الأول 2019، واستطاعت عقد ثماني جلسات فقط، وكانت تتكون من ثلاثة وفود (50 من النظام، 50  من المعارضة، 50 من المجتمع المدني) بهدف وضع دستور جديد لسوريا وفق قرار الأمم المتحدة “2254”، القاضي بتشكيل هيئة حكم انتقالي، وتنظيم انتخابات جديدة.

مرحلة ثالثة تتجاوز “2254”

يرى معن طلاع أن المرحلة التي مر بها القرار جرى فيها تجاوزه بشكل كامل، بحكم المتغيرات التي طرأت على المشهد السوري، لا سيما تغير الخارطة العسكرية، عبر قضم النظام السابق بدعم حليفيه حينها، الروسي والإيراني، مناطق خفض التصعيد، وزيادة مؤشرات التطبيع العربي مع الأسد، وأزمة “كورونا”، وزلزال شباط 2023. يضاف إلى ذلك تغيير السياق الناظم للعملية السياسية والنظر إلى استحقاقات ما بعد العملية السياسية وقضايا التعافي المبكر وموضوع عودة اللاجئين.

مناطق خفض التصعيد حددتها الدول الراعية لاتفاق “أستانة” في الجولة الرابعة، في 4 من أيار 2017، الذي نص على إقامة أربع مناطق آمنة في سوريا تشمل محافظة إدلب وأجزاء معينة من المحافظات المجاورة لها (أي اللاذقية وحماة وحلب)، ومناطق بريف حمص الشمالي إلى جانب الغوطة الشرقية بريف دمشق، ومحافظتي القنيطرة ودرعا جنوبي سوريا.

ويعني اتفاق “خفض التصعيد” ألا تدور معارك بين النظام وفصائل المعارضة، وألا يعمل السلاح الثقيل ضمن نطاق حدود الاتفاق جغرافيًا.

لكن النظام السابق شن عمليات عسكرية متتالية على هذه المناطق، وهجر أهالي مناطق خفض التصعيد بعد السيطرة عليها في الغوطة والجنوب السوري وريف حمص، كما سيطر على مناطق بريفي إدلب وحلب، إلى أن توقف تقدمه العسكري في 5 من آذار 2020، بعد اتفاق بين أردوغان وبوتين.

إعادة انتعاش

بقي القرار “2254” خارج نطاق الخدمة أو “ميتًا سريريًا”، وفق طلاع، إلى ما قبل فترة من سقوط النظام، وجرت محاولة لإنعاشه في اللحظات الأخيرة من سقوط النظام السابق عبر موافقته على طرح “2254”، وأن يكون النظام السابق حاضرًا في سياق النقاشات التي تمت في الدوحة على هامش مؤتمر منتدى الدوحة وحضره بيدرسون.

وجرى الحديث مرة أخرى عن إعادة تشكيل هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات والتفعيل الكامل لـ”2254″، “لكن سياق العمليات العسكرية كان أسرع من أي تفاهمات”، وبسقوط النظام جرى التمسك بالقرار كآلية لضمان عدم وصول سلطة جديدة أو التعامل مع شكل السلطة التي وصلت إلى دمشق، وهنا بدأ حديث بعض الدول وأطراف من المعارضة السورية عن التمسك بـ”2254”.

الدول والأطراف الداعية للتمسك بـ”2254″ تعتبره إطارًا لتنظيم العمل السياسي، لكن “عمليًا (2254) سقط كليًا لأن أحد أطرافه سقط، وأصبح هناك سياق مختلف، وحكم جديد، والدول التي كانت تتمسك بالقرار بدأت تتعاطى مع هذا الأمر وتتواصل دبلوماسيًا مع السلطة الجديدة، وبدأت تبحث عن سياق آخر لدعم الاستقرار في سوريا ودعم القضايا المشاركة”، وفق تعبير معن طلاع.

وأشار معن طلاع إلى وجود مفاعيل لـ”2254″، جزء منها ربط العقوبات وإعادة الإعمار بشكل العملية السياسية وليس بعناصرها كما رسمها “2254”، بمعنى أنه يجب أن تكون هناك عملية سياسية تفضي إلى حوار سياسي يفضي إلى دستور، وهذا مرتبط أيضًا بسلوكيات الإدارة الجديدة.

ورجح طلاع أنه في كل تحولات العملية التي شهدها القرار “2254” يمكن القول إنه أصبح جزءًا انتهى مفعوله القانوني لتغيّر السياق وانتفاء أسباب النزاع أساسًا، باعتبار أنه كان بين نظام ومعارضة.

 

نتحدث عن واقع سياسي جديد كليًا يرتبط باستحقاقات المرحلة الانتقالية، استحقاقات ينظمها السوريون بأنفسهم بقيادة سورية خالصة تنطلق في مؤتمر حوار ينبثق عنه بعض الإجراءات المرتبطة بتأثير الحياة الدستورية.

معن طلاع

مدير البحوث في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية”

 

وفي وقت سابق، أكد المبعوث الأممي إلى سوريا أن هناك إشارات دولية إلى أن التدابير الأوسع نطاقًا يمكن أن تكتسب زخمًا مع التقدم في الانتقال السياسي، وذلك سيكون مفتاحًا لضمان حصول سوريا على الدعم الاقتصادي الذي تحتاج إليه.

وزراء خارجية الدول الأعضاء في لجنة الاتصال العربية بشأن سوريا، يلتقون ممثلي دول غربية ومبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا في العقبة _ 14 كانون الأول 2024 (الخارجية الأردنية/ إكس)

ما الأثر على سوريا

السجال حول القرار طرح تساؤلات بشأن استجابة الإدارة الجديدة لتطبيقه بشكل كامل أو تطبيق أجزاء منه، وأثر ذلك على سوريا، خاصة من ناحية الاعتراف الدولي بالحكومة في دمشق، ورفع العقوبات، والانخراط بإعادة الإعمار والتنمية.

ويرى الباحث السوري نادر خليل، أنه ليس من مصلحة “سوريا الجديدة” التعنت في عدم تطبيق ما يمكن تطبيقه من القرار “2254”، لا سيما مع وجود إرادة إقليمية ودولية نحو تطبيق البنود المتعلقة بتشكيل هيئة حكم انتقالية تتيح تنفيذ عملية سياسية، تنتج سلطة تمثل السوريين بموجب عملية انتخابية مضبوطة وحقيقية.

وهناك زخم وراء الإدارة السورية الجديدة، من دول غربية وإقليمية، مع إشارات واضحة نحو ضرورة تطبيق القرار الأممي، في سبيل عملية سياسية انتقالية، فالنظام السابق أصبح من الماضي، ولا يوجد من يريد إشراكه في المستقبل، لأن هذا الأمر مرفوض من مختلف الأطراف.

وفي حال رفضت الإدارة السورية الجديدة تنفيذ ما يمكن تنفيذه من القرار، فسترسل إشارة سلبية للمجتمع الإقليمي والدولي أنها تريد الاستفراد بالسلطة، ما يعني استمرار العقوبات الدولية، أو عودتها، في حال تنفيذ قرار تعليقها الذي تحدثت عنه بعض الدول، وفق الباحث نادر خليل.

ومن مصلحة جميع السوريين الذهاب باتجاه تنفيذ القرار الأممي، بحسب الباحث، لأنه يعني التمهيد لعملية سياسية تسمح للسوريين باختيار ممثليهم في السلطة، ورفع العقوبات، والاندماج مع الاقتصاد الإقليمي والدولي، والذهاب باتجاه إعادة الإعمار دون أي قيود.

وذكر خليل أن الإدارة الجديدة تبدو على دراية بما هو مطلوب، وقد أبدت انفتاحها على تطبيق “2254”، بشرط تعديله بما يتناسب مع الواقع الراهن.

وباستثناء التفاوض بين النظام والمعارضة، تبقى البنود الأخرى المتعلقة بتنفيذ عملية سياسية انتقالية تتيح وضع دستور وتنفيذ انتخابات نيابية ورئاسية برعاية دولية، متاحة للتطبيق، ومن مصلحة جميع السوريين تطبيقها.

ومن المرجح أن معظم القوى الإقليمية والدولية سترحب بصيغة وسط لتنفيذ هذا القرار، في حين أن التعنت ورفض التطبيق سيعود بصدى “كارثي” على سوريا، بحسب الباحث نادر خليل، يتمثل بعزلها دوليًا، وبإبقاء العقوبات مفروضة، وهو ما لا يأمله الشعب السوري، ولا يطيقه واقع البلاد السياسي والاقتصادي والعمراني من جهة أخرى.

قائد “القيادة العامة” في سوريا أحمد الشرع مع عسكريين في الفصائل السورية – 21 كانون الأول 2024 (القيادة العامة)

مقالات متعلقة

تحقيقات

المزيد من تحقيقات