أمام تهديد “تيك توك”.. سوريا تحتاج إلى الإعلام الرسمي اليوم

tag icon ع ع ع

علي عيد

في ظروف الانتقال السياسي، والتحولات الكبرى في شكل أنظمة الحكم وإعادة بناء الدول وتموضع المجتمعات، يكون الإعلام نصف الحرب، وإذا كان إعلام دولة فهو يحتاج إلى خبراء يديرونه وفق الاحتياجات والمراحل، وإذا كان إعلامًا مستقلًا فمشكلته أعقد، لأنه قد يكون إحدى ضحايا مطحنة الصراع.

في سوريا مثلًا، ومع التجربة الجديدة خلال المواجهة العسكرية وبعد سقوط النظام السوري، استخدمت إدارة عملية “ردع العدوان” منذ البداية نموذج البيان الحربي مترافقًا مع النموذج العاطفي، ودائمًا باستخدام منصات التواصل والمؤثرين.

بعد تشكيل “القيادة العامة الجديدة” والحكومة التي يقودها رئيس حكومة “الإنقاذ” سابقًا، محمد البشير، بدأ النقل الفعلي للسلطة، وجرى فتح المجال أمام الإعلام الخارجي لتغطية الأحداث والتطورات، ما أسهم في إعطاء صورة عما يجري، لكن ذلك ترافق مع تدفق كبير بالمعلومات التي تحتاج إلى التدقيق.

أدوات المعركة ليست هي ذات أدوات تثبيت الانتصار، ولا يجب أن تكون، فخطاب قائد الإدارة الجديدة حول المشكلات الأساسية، أو القضايا التي تثار في مواقع التواصل، أو تحظى باهتمام إقليمي ودولي، بدت مختلفة عما يصل إلى الناس من مختلف الشرائح والتوجهات ويؤثر فيهم، ففي حين يتحدث أحمد الشرع عن الانتقال من فكر الثورة إلى فكر الدولة، لا تزال رسائل المؤثرين على وسائل التواصل، وأخطرها “تيك توك” و”إنستجرام” و”تلجرام”، تنضح بلغة الحرب، ولا تزال كاميرات المقاتلين تعطي انطباعًا بأن بعضهم يحمل فكرًا ثأريًا، وهو ما يمكن بالتراكم أن يعود بأثر سلبي يضعف الثقة والشعور بالأمن والاستقرار.

ليست مهمة المؤثرين أن يلتزموا بخطاب الشرع وإدارته، وهذا أمر طبيعي، لذلك لا يمكن الاعتماد عليهم في توجيه التحوّل، لأن سوريا الـ5 ملايين بالشمال الغربي ليست سوريا الـ14 مليونًا في الشمال والمهاجر، هي ليست سوريا الـ28 مليونًا داخل وخارج البلاد.

هناك من يبحث عن ملامح الدولة أكثر من انفعالات النصر، وهناك من يبحث عن التطمينات أكثر من بحثه عن الدولة، وهناك من يبحث عن الخبز أكثر من بحثه عن الأمن، وهذه أولويات مختلفة ومتباينة، لا يمكن جمعها إلا باستراتيجية دولة، ولن تصل أي استراتيجية لا قناة إعلام رسمي لها خلال فترة التأسيس وصولًا إلى مرحلة الاستقرار وتثبيته، وهذا يتطلب سنوات.

حتى فرنسا أم الحريات، وبريطانيا وكثير من الدول الراسخة في الاستقرار والديمقراطية، تركت مساحة للإعلام الرسمي ولم تدفن جثته على الرغم من أنه بات بلا روح، وحافظت عليه بصرف النظر عن مستوى الأداء أو الأهداف التي يحققها في بيئات مفتوحة وتنعم بحرية الصحافة والرأي والتعبير.

يركز قادة تلك الدول ومؤسساتها السياسية والعسكرية على الناطق الرسمي، باعتباره يمثل موقفها ويوصل أفكارها التي تنقلها الصحف والمحطات، وهذا يفسر استمرار المؤسسات الإعلامية الممولة من الحكومات، لكن باشتراط عدم تمثيلها وجهة نظر الدولة أو الأحزاب، بل الاكتفاء بنقلها وإيصالها، كما تملك الحكومات بوزاراتها ومؤسساتها بوابات إلكترونية تذهب إلى الناس في بيوتهم، وتقدم المعلومات وتشرح الخدمات، وهو ما تفتقده سوريا، أو تحتاج إلى سنوات للوصول إليه، ما يبرر إعطاء اعتبار استثنائي لمؤسسات الإعلام الرسمية حتى ذلك الحين.

يلحظ الجمهور أن “الإدارة الجديدة” لم تلتفت إلى حصر المعلومات والبيانات الرسمية بقناة واضحة، سواء وكالة أنباء أو تلفزيون وإذاعة، أو حتى صحيفة ورقية أو إلكترونية، مع أنها عيّنت وزيرًا للإعلام، ومسؤولين عن المؤسسات الصحفية.

ومع أن وكالة “سانا” الرسمية بدأت نشر بيانات وأخبار حول المستجدات، إلا أن الأخبار المضللة تنتشر كالنار في الهشيم، ما يكلف الإعلام المستقل جهودًا مضاعفة للتحقق من المعلومات، ومثال ذلك أخبار التعيينات أو القبض على ضباط كبار من النظام السابق.

في سوريا اليوم، لا ناطق رسمي، ولا إعلام دولة، والكثير من المغردين والمدونين وهواة البث، بلد بمئات آلاف الكاميرات وصفحات “فيس بوك” و”تلجرام”، ما يهدد بانفلات رسالة السلم الأهلي والاستقرار والتغيير المنشود.

هل صحيح أن قطر ستقدم المساعدات المالية، وهل تقدم السعودية أو تركيا دعمًا بمواد البترول، وهل تزود الأردن البلاد بالكهرباء، وهل جرى القبض على الضابط الفلاني، هل نحن ذاهبون إلى مؤتمر وطني غدًا أو بعد عام، هل سترفع الحكومة الرواتب 300 أو 400%، ومتى، وما الموارد.

ما سبق هي أسئلة داخلية أولية لمئات الأسئلة الأخرى حتى تتشكل صورة الدولة، ودون إجابات يقدمها الإعلام الرسمي ستبقى البلاد رهينة “السوشيال ميديا”، وربما يتسبب هذا في تقويض استقرارها وأمنها، وبعد استقرار الدولة ليذهب الإعلام الرسمي إلى التاريخ.. وللحديث بقية.

نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة