هيكلة الجمارك في سوريا قد تهدد خزينة الدولة
عنب بلدي – جنى العيسى
حلت مديرية الجمارك العامة في سوريا قبل نحو عشرة أيام الضابطة الجمركية، بمختلف مسمياتها وتشكيلاتها، في جميع أرجاء البلاد، دون أن يجري الإعلان عن إعادة تشكيلها حتى اليوم.
القرار، الذي صدر في 18 من كانون الأول، نص على إلغاء الضابطة الجمركية ليصار إلى إعادة تشكيلها بشكل يخدم المصلحة العامة.
وطالب جميع العاملين في الضابطة الجمركية، على اختلاف مراكزهم الوظيفية، بالمبادرة إلى تسليم ما في ذمتهم من عُهد (آلية، سلاح، كمبيوتر…) مما سُلّم إليهم لغاية سير العمل، بموجب محضر تسليم أصولي، إلى عدة مؤسسات تابعة للضابطة الجمركية هي ميناء اللاذقية، وميناء طرطوس، والمديرية العامة للجمارك في دمشق، ومديرية جمارك حمص.
وفي 25 من كانون الأول، أصدر المدير العام الجديد للجمارك في سوريا، قتيبة أحمد بدوي، عدة قرارات منفصلة أعفى بموجبها عددًا من مديري الجمارك في المنافذ البرية والبحرية وعيّن بدلًا عنهم.
الفساد والصيت السيئ
يعد قطاع الجمارك من أبرز القطاعات التي كانت تعاني من الفساد في عهد النظام السابق، إذ جرى الكشف عن عدة قضايا فساد بمئات آلاف الدولارات في أوقات سابقة.
لكن قد يؤدي عدم اتخاذ قرار سريع بشأن إعادة تشكيل الضابطة الجمركية إلى العديد من الآثار السلبية على حركة التجارة أو زيادة حالات التهريب.
الباحث السوري بمجال الإدارة المحلية والاقتصاد السياسي في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية”، أيمن الدسوقي، قال إن هناك عملًا من قبل حكومة دمشق المؤقتة على إعادة هيكلة الجمارك السورية، لما يشوبها من فساد وترهل ولصيتها السيئ ولأنها أحد مراكز الثقل لفلول النظام السابق، ما يفسر تعيين العديد من الشخصيات في الجمارك وصرف آخرين، كذلك دمج بعض المديريات.
ولا يبدو أن التجارة عبر المعابر البرية والبحرية قد تأثرت بهذه التغييرات، فالحركة التجارية نشطة، إذ تزايدت عدد السفن التي أمّت مرفأ اللاذقية مثلًا عقب سقوط الأسد، بحسب حديث الدسوقي لعنب بلدي.
إلغاء الرسوم يهدد خزينة الدولة
في أول تصريح صحفي عقب تسلّمه منصبه، أكد مدير المديرية العامة للجمارك في سوريا، قتيبة أحمد بدوي، أن المديرية تعاني من حالة إدارية وفنية سيئة لواقع الفساد والمحسوبيات والترهل الإداري المتغلغل بها، والحال السيئة للمديرية بعهد النظام السابق، التي انعكست بشكل سلبي كضياع لحقوق الخزينة العامة وحقوق المواطنين والتجار.
وقال بدوي في تصريح للوكالة السورية الرسمية للأنباء (سانا)، إنه يجري الآن العمل على إنشاء هيكلية إدارية وفنية للمديرية والفروع التابعة لها، بما يحقق المصلحة العامة أولًا ومصلحة المواطنين ثانيًا من خلال تسهيل الإجراءات الإدارية اللازمة لإنجاز المعاملات الإدارية والجمركية.
بدوي أشار إلى إصداره عدة تعميمات داخلية إلى المعابر والمواني تقضي بإلغاء أكثر من عشرة رسوم إضافية، كانت السبب الرئيس في ارتفاع سعر السلع في الأسواق المحلية، كما ألغى رسم “الضميمة”، وكتاب التمويل الذي كان من أكثر الإجراءات المالية إضرارًا بالاقتصاد الوطني، إذ انعكس أثر ذلك الإجراء بشكل سلبي مباشر على حركة الاستيراد، ونتج عنه ارتفاع سعر السلع في الأسواق المحلية بشكل كبير.
وأوضح المدير العام للجمارك أن المديرية بصدد تحرير حركة استيراد السلع من جميع القيود المفروضة عليها، وسيسمح للتجار باستيراد جميع البضائع والمواد غير الممنوعة بحكم طبيعتها القانونية والشرعية، كما سيتم العمل على إصدار تعرفة جمركية واحدة في سوريا ستحقق المصلحة العامة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للدولة وتحفظ حقوق التجار، والصناعيين، والمزارعين من منافسة البضائع الأجنبيةِ، وذلك من خلال تطبيق سياسة الحماية الجمركية للصناعات والمنتجات المحلية، بحسب قوله.
الباحث في الاقتصاد السياسي أيمن الدسوقي، اعتبر أن الفساد الكبير بقطاع الجمارك ونية الإدارة الجديدة إعادة هيكلته، لا يمنع وجود ممارسات غير رشيدة في المعابر نتيجة إعادة الهيكلة والتحول الكبير الناجم عن سقوط الأسد، وكذلك فوات موارد على خزينة الدولة مع إلغاء العديد من الرسوم.
وقال الدسوقي، إنه يمكن تفهم أن إزالة العديد من الرسوم تشجع حركة الاستيراد لتأمين احتياجات السوق المحلية من السلع، لكن ذلك على المدى البعيد يسهم في خسارة موازنة الدولة موارد من جهة، ويسهم من جهة أخرى في إعاقة نمو الإنتاج المحلي لا سيما للسلع المنتجة محليًا.
ويعتقد الباحث أنه يجب إعادة النظر أولًا بهيكلية الجمارك كجزء من إطار عام لإعادة هيكلة مؤسسات الدولة لإعادة تنشيطها والقيام بدورها بفعالية وكفاءة، كذلك إعادة فحص الموظفين بناء على معايير الكفاءة والفساد ومدى ارتباطهم بانتهاكات، كذلك إعادة النظر بالرسوم وربط ذلك بالسياسة الاقتصادية الجديدة لسوريا، وبما يتجاوب مع مرحلة التعافي المبكر وإعادة الإعمار.
ضبابية وتضارب
في مقال رأي نشره الصحفي المتخصص في الشأن الاقتصادي إياد الجعفري، قال إن قتيبة أحمد بدوي أحد الأسماء التي يجب أن يقف عندها السوريون مطولًا.
وأضاف الجعفري، “في زحمة الانشغال بالسياسة وتعقيداتها، تتقدم الدائرة الضيقة المحيطة بالنسخة السابقة من أحمد الشرع (الجولاني)، لتمسك بمفاصل الاقتصاد، في عموم سوريا، فـ(المغيرة البنشي)، كما كان يعرف في نسخة حكم الشرع لإدلب، كان يومها، أحد أبرز مسؤولي الملف الاقتصادي والمعابر الحدودية، في ذلك الجيب المناوئ للنظام المخلوع، وقد أصبح اليوم، مديرًا عامًا للجمارك السورية”.
إياد الجعفري انتقد الضبابية في مخططات الإدارة الجديدة والتخبط في تصوراتها من خلال عدة أمثلة ذكرها، منها تصريحات بدوي المتضاربة.
وأكد الصحفي الاقتصادي أن الضابطة الجمركية التي صدر قرار بحلها غير مأسوف عليها لدى غالبية عظمى من السوريين، فهي كانت مافيا مختصة بابتزاز السوريين، لا لخدمة مصلحتهم العامة، وهذا موضع إجماع. لكن المشكلة برأيه تكمن بالإيحاءات والتناقضات التي تفيض بها تصريحات المدير الجديد للجمارك.
وتحدث الصحفي عن إلغاء رسوم جمركية عدة، لتخفيف التكاليف عن كاهل المستوردين، التي كانت تُضاف إلى أسعار المبيع النهائي للمستهلك، كما تحدث عن تحرير استيراد السلع من جميع القيود، ولجميع المواد غير الممنوعة بحكم طبيعتها “القانونية والشرعية”.
ويرى الجعفري أن الإشارة إلى طبيعة “شرعية” للمستوردات، تفيض بإيحاء “الأسلمة الرسمية” المثير للمخاوف من جانب شريحة كبيرة من السوريين، لكن الأخطر من ذلك، التضارب بين الإشارة إلى “تحرير الاستيراد من جميع القيود”، بالتزامن مع الإشارة في التصريحات نفسها إلى النية في إصدار تعرفة جمركية تحفظ حقوق التجار والصناعيين والمزارعين من منافسة البضائع الأجنبية، من خلال تطبيق سياسة الحماية الجمركية للصناعات والمنتجات المحلية.
واعتبر الجعفري أن حالة الضبابية والغموض تتفاقم حول رؤية الممسكين بزمام الأمور في سوريا، اليوم، وهي حالة تمتد إلى حقل الاقتصاد، وتأتي من حقل السياسة ذاتها، بحسب تعبيره.
ما مديرية الجمارك
أُحدثت مديرية الجمارك العامة في سوريا في 11 من آذار عام 1950، بموجب المرسوم التشريعي رقم “71”، وتتبع لوزارة المالية ويرأسها المدير العام للجمارك.
وأعطت المادة الرابعة من هذا المرسـوم لمديريـة الجمارك العامة حق إعداد النصوص المتعلقة بالأنظمة والتعريفات الجمركية وإصـدارها بمرسوم يتخذ بمجلس الوزراء.
ومن أبرز مهام المديرية، الرقابة على المنافذ الحدودية، وتحصيل الرسوم والضرائب الجمركية، ومكافحة التهريب.
قبل قتيبة أحمد بدوي، المعيّن حديثًا، كان ماجد عمران يشغل منصب مدير عام المديرية، منذ أيار 2021، وذلك بعد نحو شهر من إقالة سلفه فواز أسعد أسعد من منصبه.
ومطلع أيار ذاته، أقالت حكومة النظام السابق مدير عام الجمارك العامة، فواز أسعد أسعد، من منصبه دون توضيح الأسباب بشكل رسمي، وذلك بعد نحو أربع سنوات من تسلمه المنصب.
واتهمت صحيفة “الوطن” حينها أسعد بالفشل في محاربة الفساد، وعدم القدرة على ضبط التهريب، إذ جاءت إقالته بعد أيام من إعلان السلطات السعودية ضبط شحنة مخدرات مصدرها سوريا.
وأرجعت الصحيفة أسباب الإقالة، نقلًا عن مصادر لم تسمِّها، إلى عدم قدرة أسعد على ضبط التهريب، وعدم نجاح إجراءاته في “تجفيف منابعه”، ما أضر بالأسواق وحركتها، إضافة إلى فشله في ضبط عمل شبكة المخلصين الجمركيين أو تفكيك المجموعات الفاسدة داخل قطاع الجمارك.
ويعرف عن الجمارك في سوريا نفوذ الكثيرين من الضباط والشخصيات المقربة من رئيس النظام المخلوع، بشار الأسد، الذين يسيطرون على المعابر الرسمية وغير الرسمية، بما يشبه نظام المحاصصة فيما بينهم.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :