الأنظار إلى النفط.. قطاع سوري بانتظار التعافي

دورية لقوات أمريكية قرب بئر نفط في القحطانية في محافظة الحسكة شمال شرقي سوريا بالقرب من الحدود مع تركيا- 14 حزيران 2023 (AFP/ دليل سليمان)

camera iconدورية لقوات أمريكية قرب بئر نفط في القحطانية في محافظة الحسكة شمال شرقي سوريا بالقرب من الحدود مع تركيا- 14 حزيران 2023 (AFP/ دليل سليمان)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – موفق الخوجة

بعد سيطرة “إدارة العمليات العسكرية” على معظم جغرافيا سوريا، باستثناء الشمال الشرقي، حيث تسيطر “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، وتبقى شرايين النفط التي تغذي الاقتصاد السوري بيدها، تتجه الأنظار إلى مستقبل هذه الآبار وكيفية إعادة إحيائها، على المستوى الوطني.

وبعد قيام الثورة السورية عام 2011، وتحولها للعمل المسلّح، خرجت الكثير من المناطق السورية عن سلطة النظام، وتعاقبت أطراف الصراع على المناطق الغنية بالنفط، وخصوصًا شرقي سوريا، بدءًا بالمعارضة السورية، وصولًا إلى تنظيم “الدولة الإسلامية”، وانتهاء بـ”قسد”.

ومنذ عام 2017، سيطرت “قسد” على مناطق متفرقة شمالي سوريا عمومًا، بعد شراكتها مع الولايات المتحدة، ودعم الأخيرة لها تحت إطار محاربة تنظيم “الدولة الإسلامية”.

وبسيطرتها على شمال شرقي سوريا، بما فيها محافظات الرقة والحسكة ودير الزور، تكون “قسد” استحوذت على معظم آبار ومصافي النفط الرئيسة.

النفط قبل 2011

وقبل عام 2011، كان النفط من أهم الموارد الاقتصادية لتغذية الميزانية العامة للدولة، وتعد سوريا من الدول الغنية نسبيًا بآبار النفط.

وكانت حقول النفط في سوريا تنتج يوميًا 380 ألف برميل، وكانت قدرة مصفاة حمص نحو 110 آلاف برميل يوميًا، بينما مصفاة بانياس تنتج نحو 130 ألف برميل يوميًا، وفق ما أفاد به المحلل الاقتصادي والسياسي في شؤون الشرق الأوسط، الدكتور محمد صالح الفتيح.

وقال الفتيح، لعنب بلدي، إن المتاح للتصدير من النفط بلغ نحو 35% من إجمالي الإنتاج حتى 2010، وهو ما يغطي فاتورة استيراد مادة المازوت وغيرها من المشتقات التي لا يمكن تغطية الطلب المحلي عليها من مصفاتي حمص وبانياس.

وأشار الفتيح إلى أن النظام السابق لم يكشف عن بيانات واضحة حول كميات استيراد النفط التي كان يقوم بها.

وانخفض إنتاج النفط إلى حد كبير منذ فقدان سيطرة النظام على معظم الآبار والحقول، إذ بلغ نحو 24 ألف برميل يوميًا، بحسب تصريحات مدير التخطيط والتعاون الدولي في وزارة النفط السورية، محمد جيرودي.

وقال جيرودي لوكالة “سبوتنيك” الروسية، في 30 من تشرين الأول 2019، إن إنتاج قطاع النفط هو “جزء قليل جدًا من الكمية الكبيرة التي ما زالت خارج السيطرة”.

النفط من إيران

الباحث محمد صالح الفتيح أشار إلى أن بيانات شركات مراقبة النقل البحري للنفط، مثل “Kpler”، تظهر أن حوالي 7% من صادرات النفط الإيرانية كانت تذهب إلى سوريا، أي ما بين 100 ألف و120 ألف برميل يوميًا.

وأوضح الفتيح أن هذه الأرقام هي أقل من الطاقة الإنتاجية لمصفاتي حمص وبانياس، وهي أقل من حاجة السوق المحلي بسوريا.

وكان النظام السابق يحصل على هذه الكميات من إيران عبر الخطوط الائتمانية، وسط ضرورة البحث عن البديل في أسواق النفط الدولية اليوم.

وتحتاج سوريا لاستيراد نحو 200 ألف برميل يوميًا، تقدّر تكلفتها بنحو 14 مليونًا إلى 15 مليون دولار يوميًا، بحسب الأسعار الرائجة حاليًا، وفق ما أوضحه الفتيح.

وتتعقب واشنطن شبكات التصدير من إيران وتضمها إلى لوائح العقوبات الاقتصادية التي تصدرها وزارة الخزانة الأمريكية.

وفي 25 من أيلول الماضي، فرضت الخزانة الأمريكية عقوبات على 12 كيانًا وسفينة لتورطها في شحن النفط الخام والغاز البترولي المسال الإيراني إلى سوريا و”حزب الله” اللبناني.

من يسيطر على النفط

تتحكم “قسد” بمعظم منابع النفط الرئيسة في سوريا، أبرزها حقول العمر والسويدية ورميلان، ويعتبر المورد الاقتصادي الأساسي لها، إذ يسهم النفط بأكبر نسبة من إجمالي موارد الموازنة المالية لـ”الإدارة الذاتية”.

وفي تصريح لوكالة “نورث برس” الموالية لـ”قسد”، قال رئيس الهيئة المالية لـ”الإدارة الذاتية” (مظلة قسد الإدارية)، أحمد اليوسف، في أيلول 2023، إن نسبة الاعتماد على النفط في الموازنة العامة، بلغت 92% عام 2021، بينما خفضتها إلى 76% عام 2023، للاعتماد على موارد أخرى.

ويتم تصريف النفط السوري الذي تسيطر عليه “قسد” إلى أربع جهات، بحسب حديث سابق للباحث المساعد في مركز “عمران للدراسات” مناف قومان، لعنب بلدي.

القسم الأول من إنتاج النفط في مناطق سيطرة “قسد” هو للاستهلاك المحلي، ويوزع على “حراقات” محلية بدائية، وهي النسبة الأقل من إنتاج النفط في مناطق “قسد”.

ويرسل القسم الثاني إلى إقليم كردستان العراق، الذي تربطه منافذ برية شرقي سوريا، ويعد المنفذ الوحيد لـ”قسد” خارج حدود البلاد.

وقسم آخر إلى مناطق سيطرة المعارضة سابقًا شمال غربي سوريا، ويأتي غالبًا عبر معبر “عون الدادات”، شرقي حلب، الذي يفصل مناطق “الجيش الوطني السوري” عن مناطق “قسد”.

والقسم الأكبر لنفط “قسد” يكون من نصيب النظام السوري السابق، إذ يحصل عليه عبر طريقين، الأول من الرقة، والثاني عبر معابر نهرية تصل ضفتي نهر الفرات الذي يفصل مناطق سيطرة الطرفين في دير الزور.

وبحسب حديث نائب الرئاسة المشتركة للمجلس التنفيذي لـ”الإدارة الذاتية”، حسن كوجر، لصحيفة “الشرق الأوسط” السعودية، تستثمر “قسد” أقل من نصف الآبار والحقول النفطية في مناطق سيطرتها، إذ يبلغ إنتاجها نحو 150 ألف برميل يوميًا، بينما كان إنتاج هذه الحقول نحو 385 ألف برميل قبل عام 2011.

لإحياء الآبار

الخبير الاقتصادي والسياسي محمد صالح الفتيح، قال لعنب بلدي، إن سوريا تحتاج إلى عدة سنوات بالحد الأدنى ليستعيد قطاع النفط عافيته.

ومنذ 2011، وبعد خروج معظم مصافي النفط وحقولها عن سيطرة النظام لمصلحة المعارضة بداية ثم تنظيم “الدولة” وانتهاء بـ”قسد”، تعرضت لأضرار كبيرة نتيجة استخراج النفط منها بشكل بدائي.

وأضاف الفتيح أن البنية التحتية لقطاع النفط من شرقي سوريا وحتى مصفاة حمص، تعرضت لضرر كبير نتيجة الأعمال العسكرية أو لتخريب متعمد أو لسرقة الأنابيب والصمامات ومكونات مجموعات الضخ.

كما تعرضت رؤوس آبار النفط للضرر نتيجة عمليات الاستخراج البدائية بعد 2011، ما أدى إلى تسرب الغازات المرافقة للنفط، وإضعاف قدرات استخراجها من الآبار، وفق ما ذكر الفتيح.

ويعود تراجع المخزون النفطي إلى تسرب الغاز من رؤوس الآبار النفطية، بحسب الفتيح، لافتًا إلى وجوب إجراء ما يعرف بعمليات إحياء للآبار النفطية (Resuscitation of oil wells).

وتتم هذه العملية عبر ضخ الماء المقطر، أو ضخ غازات مختلفة (نتروجين، أو غاز طبيعي، أو ثنائي أكسيد الكربون) إلى داخل الآبار، وفق الفتيح، لافتًا إلى أن سوريا تعاني شحًا في وجود هذه المواد.

ولفت الفتيح إلى أن عملية إحياء الآبار مكلفة، وتتطلب استثمارات كبيرة وخبرات أجنبية.

كيف يتعافى قطاع النفط؟

يعتقد الباحث الاقتصادي والسياسي محمد صالح الفتيح، أن أولى الخطوات لتعافي قطاع النفط في سوريا هي إجراء مسح واسع للآبار والحقول النفطية ومستويات النفط والغاز المتبقية فيها ومدى سلامة شبكات ضخ ونقط النفط للمصافي.

وتتمثل الخطوة الثانية، وفق ما يرى الفتيح، بإجراء تقديرات لتكلفة الاستثمار في عمليات إحياء هذه الآبار لدراسة مدى جدوى الاستثمارات، مشيرًا إلى أن هذه الدراسات يجب أن تجرى بشكل علمي دقيق بعيد عن الضغوط الشعبية والإعلامية.

كما يجب الاستعداد لاحتمال أن تخلص هذه الدراسات لعدم وجود جدوى لمحاولة إحياء آبار النفط.

نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة