تعا تفرج

فلسفة التكويع الدرامي والثوري

tag icon ع ع ع

خطيب بدلة

لا يغير الإنسان، في العالم المتقدم، رأيَه بتغير الظروف، وتبدل الحكام، لأنه، ببساطة، لا يخاف من الحاكم الجديد. الحاكم، عندهم، لا يأتي بانقلاب عسكري، ولا بثورة دموية، ولا بنتيجة حرب أهلية.. المواطن، في تلك البلاد، لا يغير رأيه إلا حينما يكتشف أنه كان على خطأ.

بهذا المنطق، يمكننا أن ننظر، بشيء من الموضوعية والإنصاف، إلى الفنانين السوريين الذين استيقظوا، يوم 8 من كانون الأول 2024، على حادثة تشبه الأعاجيب الكونية، وهي سقوط نظام الأسد، وحلول رجال مسلحين، قادمين من إدلب، مكانه.. وبكثير من الخوف، بل والذعر، مسحوا منشوراتهم على “فيس بوك”، وتصريحاتهم المؤيدة لبشار، وراحوا يتسابقون للظهور على وسائل الإعلام، ليعلنوا سخطهم على النظام القديم، الذي كان يقمع الحريات، ويكم الأفواه، وتأييدهم للنظام الجديد، الذي يمثل إرادة الشعب.

المشكلة التي عجزنا، نحن السوريين، عن إيجاد حل لها، حتى الآن، هي تقديس الثورة، وجعلها مكانًا للتوبة وغسل الذنوب، وشيطنة النظام، ووضع مؤيديه كلهم في سلة واحدة، واعتبارهم مذنبين، مدانين.

هذه المشكلة أنتجت لنا وضعًا شاذًا، يمكن تلخيصه بأن الذي ترك النظام، والتحق بالثورة، خلال السنوات الـ13 الماضية، استقبلته الثورة بالترحاب، وغضت النظر عن أفعاله السابقة، حتى ولو كان له تاريخ في دعم النظام، والإضرار بالثوار والمعارضين، وفي أثناء توزيع المناصب والمكاسب الثورية، أعطوه الحصة الأكبر، كما لو أنهم يقولون: خياركم عند النظام خياركم عند الثورة! وحينما وصلت قوات “ردع العدوان” إلى دمشق، يوم 8 من كانون الأول، فرح هذا الثائر الرهيب (الموالي سابقًا) بالنصر، فدبك، وهتف، وعيش، وركب في أقرب طائرة، وذهب إلى سوريا، ليتصور مع صحفيي الثورة ومراسليها، على أرض الوطن المعطاء، والوطن، بالنسبة إليه، معطاء سابقًا، وحاليًا، وأما الفنانون الخائفون الذين فوجئوا بدخول المسلحين إلى دمشق، فذهب بهم الخوف، الخوف وحده، إلى إعلان الولاء، وأما ولاؤهم السابق لنظام الأسد، فكانت له أسباب عديدة، أولها الخوف من بطش المخابرات، وثانيها تأمين العيش للعيال، وثالثها حب البقاء في الوطن، لأن مَن يعارض النظام يسجن أو يُهَجَّر.. والغريب في هذا الأمر كله، هو السؤال: لماذا سكت الثوار والمعارضون (الحقيقيون) عن تكويع المئات من السياسيين، والصحفيين، والفنانين، والضباط، واعتبروا تكويعهم وقوفًا في صف الشعب، وراحوا، اليوم، يستهزئون بالفنانين “المكوعين”؟ والسؤال الأهم: متى سيصبح من حق المواطن السوري أن يحتفظ برأيه، وبموقفه، حتى ولو كان مؤيدًا لنظام بائد، مثلما يحصل في الدول المتقدمة؟

وهناك سؤال أخطر من سابقيه، يمكننا أن نطرحه الآن، هنا: أين الوطن السوري وسط كل هذه المعميكة؟ هل سنصل، في يوم من الأيام، إلى اصطفاف السوريين كلهم مع سوريا، وأن نسأل السوري عن مدى حبه ووقوفه مع سوريا، بدلًا من سؤاله: أنت مع مين؟

نجوم الدراما السورية قناديل مضيئة، رفعوا اسم سوريا عاليًا، ونشروا الثقافة السورية المتحضرة في أنحاء البلاد العربية كلها، وجعلوا لهجات أهل دمشق وحلب واللاذقية والسويداء مفهومة في كل مكان. يجدر بنا أن نحييهم، ونرحب بوجودهم، فيما نسميه: سوريا الجديدة.

نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة