بسبب عوز الفيتامينات وسوء التغذية.. اعتلال الدماغ عند المعتقلين

د. أكرم خولاني

يلاحظ المتابع للشأن السوري وقضية المعتقلين لدى النظام البائد أن هناك الكثيرين منهم يعانون من اعتلال دماغي، كما يلاحظ لدى هؤلاء وجود مظاهر لسوء التغذية، وغالبًا ما يكون هذا هو السبب وراء حدوث اعتلال الدماغ، إذ يؤدي سوء التغذية لعوز الفيتامينات وعلى رأسها فيتامين B1 المعروف بـ”الثيامين”، ويتسبب عوز هذا الفيتامين باعتلال الدماغ، ويضاف إلى ذلك الحالة النفسية التي تصيب المعتقلين نتيجة سوء المعاملة.

ما المقصود باعتلال الدماغ بعوز الثيامين؟

هو اضطراب في الدماغ ينجم عن نقص شديد في فيتامين B1 (الثيامين)، وعندما يكون حادًا يسمى “اعتلال الدماغ فيرنيكي”، نسبة للعالم الذي وصف هذه الحالة، وفي حال لم يتم العلاج فإن المرض يتحول للإزمان ويسمى عندها “متلازمة كورسيكوف”.

ويحدث هذا الاضطراب غالبًا عند الأشخاص المصابين باضطراب شرب الكحول بشكل شديد، وذلك لأن تناول المشروبات الكحولية لفترة طويلة وبكميات كبيرة يؤثر في امتصاص الثيامين من السبيل الهضمي وفي تخزينه بالكبد أيضًا، بالإضافة إلى ذلك فإن الأشخاص المصابين باضطراب استعمال المواد لا يتبعون عادة نظامًا غذائيًا مناسبًا، وبذلك لا يحصلون على ما يكفي من الثيامين.

ولكن قد ينجم اعتلال الدماغ بعوز الثيامين عن حالات نقص التغذية لفترة طويلة كما هو الحال عند المعتقلين الذين يتعرضون لظروف اعتقال سيئة.

كذلك قد ينجم هذا الاعتلال عن حالات تؤدي لعوز الفيتامين B1، وتنطوي هذه الحالات على غسل الكلى والتقيؤ الشديد وجراحات قص المعدة والمجازة المعدية والسرطان والإيدز.

كيف يتظاهر اعتلال الدماغ بعوز فيتامين B1؟

يتميز “اعتلال الدماغ فيرنيكي” بثلاث تظاهرات:

• التخليط الذهني، والنعاس (الوسن)، وتغيم الوعي.
• الاضطرابات العينية التي تشمل الرأرأة (حركات لاإرادية للعينين)، والشلل الجزئي لعضلات العين.
• اختلال مخيخي يؤدي إلى ضعف التوازن والرنح (للحفاظ على التوازن يمشي الأشخاص وأقدامهم متباعدة ويقومون بخطوات بطيئة وقصيرة).

وقد يحدث خلل في عمليات الجسم الداخلية، مما يتسبب في الرعاش، والهياج، وبرودة في حرارة الجسم، وانخفاض مفاجئ وشديد في ضغط الدم عند الوقوف (انخفاض ضغط الدم الانتصابي).

لا يشترط أن تحدث كل التظاهرات السابقة في حالة “اعتلال الدماغ فيرنيكي”، ولكن غالبًا ما يكون التخليط الذهني موجودًا.

أما “متلازمة كورساكوف” فإنها إضافة للتخليط الذهني تتميز بعلامتين أساسيتين:

• الاضطرابات السلوكية التي تتجلى باللامبالاة وعدم الاكتراث بالمحيطين.
• فقدان الذاكرة للأحداث السابقة وللأحداث الحالية.

كيف يتم تشخيص الحالة؟

يشتبه الأطباء في التشخيص عند الأشخاص الذين لديهم الأعراض المميزة مع وجود نقص التغذية، أو إذا كانوا يعانون من اضطراب استعمال الكحول.

ومع ذلك تجرى بعض الاختبارات الدموية مثل قياس مستويات السكر والشوارد في الدم، وتعداد الدم الكامل، واختبارات الكبد، وذلك لاستبعاد الأسباب الأخرى، وعادة لا يجري قياس مستوى الثيامين بشكل روتيني.

ما مآل اعتلال الدماغ بعوز الثيامين؟

يستند المآل إلى السرعة التي يجري فيها تشخيص الاضطراب ومعالجته، ففي الحالات الحادة (فيرنيكي) تُصحح المعالجة الفورية جميع المشكلات التي يسببها الاضطراب، وتتحسن مشكلات العين خلال 24 ساعة من المعالجة عادة، ولكن قد يستمر ضعف التوازن والتخليط الذهني لفترة تتراوح بين أيام إلى أشهر، وقد لا يمكن الشفاء بشكل كامل من ضعف الذاكرة، أما في حال البقاء دون معالجة فإن نحو 10 إلى 20% من المصابين يقضون نحبهم، والـ80% الباقون يصابون بـ”متلازمة كورساكوف”، وللأسف فإن المعالجة هنا تكون ضعيفة الفائدة جدًا.

كيف يجب علاج اعتلال الدماغ بعوز الثيامين؟

يجب إعطاء الثيامين مباشرة عن طريق الحقن في الوريد لمدة يومين، ثم يعطى بجرعة أقل عن طريق الوريد أو العضل، وتستمر هذه المعالجة يوميا لمدة 3 أيام أخرى، أي أن تعويض الثيامين بالحقن يجب أن يستمر لمدة لا تقل عن 5 أيام، بعد ذلك يعطى الثيامين عن طريق الفم حتى زوال الأعراض.

كما يجري إعطاء المغنيزيوم الذي يساعد الجسم على معالجة الثيامين عن طريق الحقن أو عن طريق الفم أيضًا.

ويجري إِعطاء السوائل والفيتامينات المتعددة.

وإذا كانت مستويات الكهارل (مثل البوتاسيوم) غير طبيعية يجري تصحيحها.

ويتم إصلاح نقص التغذية بشكل تدريجي.

وكما ذكرنا فإن تعويض الثيامين يؤدي إلى الشفاء في حال “اعتلال الدماغ فيرنيكي”، أما في حال الوصول لـ”متلازمة كورساكوف” فإن الفائدة من تعويض الثيامين هي إيقاف تدهور الحالة فقط ومن النادر أن تتحسن الأعراض.

ولا بد أن ننوه إلى ضرورة إجراء العلاجات النفسية لهؤلاء المرضى لتحسين الاضطرابات النفسية المرافقة.