سقوط الأسد يرمي بإيران خارج حدود سوريا

آلاف السوريين في حماة يحتفلون بسقوط النظام - 13 كانون الأول 2024 (عنب بلدي/ إياد عبد الجواد)

camera iconالسوريون في حماة يحتفلون بسقوط النظام - 13 كانون الأول 2024 (عنب بلدي/ إياد عبد الجواد)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – نوران السمان

لطالما كان لإيران حضور قوي في سوريا، تمثل في دعمها للرئيس المخلوع بشار الأسد ونظامه عسكريًا واقتصاديًا وسياسيًا منذ اندلاع الثورة عام 2011.

وشمل هذا الدعم إرسال ميليشيات مثل “فاطميون” و”زينبيون”، بالإضافة إلى عناصر من “الحرس الثوري” الإيراني، الذين لعبوا دورًا محوريًا في قمع المعارضة السورية.

ومع سقوط نظام الأسد في 8 كانون الأول الحالي، باتت إيران خارج الحدود السورية لينعدم نفوذها سوى من محاولات تحريك جماعات على أساس مذهبي، وصدرت مواقف متباينة من الجانب الإيراني حول التطورات في سوريا، ما يعكس حالة من التردد والارتباك.

وبينما تدّعي إيران أن وجودها في سوريا كان “استشاريًا”، تشير الوقائع والدراسات إلى أنها أرسلت عشرات الآلاف من عناصر الميليشيات ومولتهم وأدارتهم، كما استغلت سفارتها في دمشق كمركز لتنسيق العمليات العسكرية ضد الشعب السوري، ما يعزز اتهامات تورطها المباشر في دعم القمع وتأجيج الصراع.

تناقضات في مواقفها حول السفارة

تضاربت تصريحات المسؤولين الإيرانيين بشأن مستقبل العلاقات مع سوريا وإعادة فتح السفارة الإيرانية في دمشق، ففي 25 من كانون الأول، صرحت المتحدثة باسم الحكومة الإيرانية، فاطمة مهاجراني، أن إعادة فتح السفارة الإيرانية في دمشق تعتمد على أداء الحكومة السورية الجديدة، ووصفت الوضع في سوريا بأنه “غير واضح”.

وجاء هذا التصريح بعد يوم واحد فقط من إعلانها عن محادثات دبلوماسية بين الجانبين تهدف إلى إعادة فتح السفارة، مؤكدة أهمية الحفاظ على وحدة الأراضي السورية ومنع انتشار الإرهاب.

تراجع مهاجراني ترافق مع التزام إيران الصمت إزاء التحذير الذي وجّهه وزير الخارجية في حكومة دمشق المؤقتة (تسيير الأعمال)، أسعد حسن الشيباني، التي قال فيها إن على إيران احترام إرادة الشعب السوري وسيادة البلاد، محذرًا إياها من “بث الفوضى في سوريا”، بعد تصريحات لوزير الخارجية الإيراني قال فيها، إن “من يعتقدون بتحقيق انتصارات في سوريا، عليهم التمهل في الحكم، فالتطورات المستقبلية كثيرة”.

خيبة إيرانية

خابت آمال إيران في أن تواجه الثورة السورية نكسات كبيرة أو عقبات جوهرية، بحسب الكاتب الأحوازي والباحث في الشؤون السياسية يوسف عزيزي.

وقال عزيزي لعنب بلدي، إنه بعد إدراك إيران بأن هذه التوقعات لم تتحقق، بدأت تتخذ مواقف تصعيدية.

وكان السفير الإيراني في سوريا، حسين أكبري، قال، في 16 من كانون الأول، إن “السفارة الايرانية في دمشق ستعود للعمل قريبًا”، بعد أن أغلقت نتيجة سيطرة المعارضة السورية على مناطق واسعة في سوريا، مشيرًا إلى أن تطورات الأوضاع في سوريا جاءت مفاجئة للجميع، بما في ذلك النظام السوري وحلفاؤه.

الباحث في الشأن الإيراني مصطفى النعيمي، يرى أن السفارة الإيرانية في سوريا يجب أن تخضع لشروط صارمة، مثل السماح بدخول فريق دولي لتفتيش مبنى السفارة.

وأشار النعيمي لعنب بلدي إلى أن السفارة كانت مركزًا لتنسيق العمليات العسكرية ضد الشعب السوري خلال السنوات الماضية، ما يجعل إعادة فتحها مسألة جنائية تتطلب محاسبة دقيقة.

كما ألمح إلى احتمال وجود سجلات بأسماء أفراد تم توظيفهم تحت غطاء زيارة العتبات المقدسة، بينما كانوا يعملون فعليًا ضمن الجبهات القتالية.

رفض عربي

كانت جامعة الدول العربية أعربت عن رفضها للتصريحات الإيرانية الأخيرة، التي وصفتها بأنها تهدف إلى “تأجيج الفتن بين أبناء الشعب السوري”.

وقالت جامعة الدول العربية في بيان لها، في 26 من كانون الأول، إن الأمانة العامة للجامعة العربية تتابع “بقلق” الأحداث التي تشهدها عدة مناطق في سوريا، معتبرة أن هذه الأحداث تهدف إلى إشعال فتيل الفتنة.

في المقابل، رفض المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، في اليوم نفسه، الاتهامات التي وصفها بأنها “زائفة”، والتي تروجها بعض وسائل الإعلام بشأن تدخل إيران في الشؤون الداخلية لسوريا.

يرى الباحث في الشأن الإيراني مصطفي النعيمي، أن إيران ستستمر في محاولاتها لزعزعة استقرار سوريا، خاصة بعد تراجع نفوذها هناك، وهو ما يمثل بالنسبة لها خسارة كبيرة لمشروع استمر أكثر من 20 عامًا.

وتابع أن إيران لن تقف مكتوفة الأيدي بعد إخراجها من سوريا، بل ستسعى لاستخدام جميع الوسائل المتاحة لزعزعة أمن الدولة السورية.

من بين هذه الوسائل، قد تلجأ إلى تفعيل ميليشيات مهجورة لتنفيذ عمليات إرهابية، مشابهة لما حدث في العراق من تفجيرات طائفية تهدف إلى إثارة التوترات بين مكونات الشعب السوري، وهذا الوضع يمنح إيران فرصة للتدخل مجددًا عبر إدخال عناصر مسلحين والمشاركة المباشرة على الأرض، بحسب النعيمي.

على الجانب الآخر، أكد مسؤولون إيرانيون، بينهم وزير الخارجية، عباس عراقجي، أن ما يحدث في سوريا جزء من مشروع أمريكي- إسرائيلي لإضعاف المقاومة، مشددين على أن التدخل الإيراني جاء بناء على دعوة النظام السوري لمكافحة الجماعات المسلحة.

واعتبر المرشد الإيراني، علي خامنئي، أن سوريا تمثل عمقًا استراتيجيًا لإيران ضمن محور المقاومة، مؤكدًا استمرار الدفاع عن دور إيران الاستشاري في سوريا رغم نفي وجود نفوذ إيراني فعلي.

وكان خامنئي وصف دول العراق وسوريا ولبنان، في كانون الأول 2022، بأنها “العمق الاستراتيجي لإيران”.

كما ذكر في خطاب آخر أن أحد أركان القوة الوطنية هو التأثير على “شعوب أخرى وإنشاء عمق استراتيجي لطهران”.

وأكد الباحث النعيمي أن إحباط هذه المخططات “الخبيثة” يتطلب تضافر جهود محلية وإقليمية ودولية لحماية سوريا، ومنع أي تدخلات خارجية تهدد أمنها واستقرارها.

وكان قائد “الإدارة السورية الجديدة” في سوريا، أحمد الشرع، وصف سوريا بأنها كانت “منصة لإيران” لإدارة سياساتها الإقليمية، مؤكدًا أن إخراج الميليشيات الإيرانية أسهم في تحقيق الاستقرار الأمني، معتبرًا أن المشروع الإيراني تراجع 40 عامًا.

ديون الأسد عبء على الحكومة الجديدة

أدى سقوط النظام إلى تقويض المشروع الإيراني في سوريا، خاصة مع إخراج الميليشيات الإيرانية من بعض المناطق، وهو ما اعتبره محللون تراجعًا للمشروع الإيراني الذي امتد لعقود.

مع سقوط نظام الأسد، تزايدت الضغوط الإيرانية لاسترداد الديون المترتبة على سوريا، وقدّرت بعض المصادر قيمة هذه الديون بـ50 مليار دولار.

وفي17 من كانون الأول،أعلنت  وزارة الخارجية الإيرانية أن ديونها المترتبة على نظام الأسد ستتحملها الحكومة السورية الجديدة وفقًا لمبدأ “خلافة الدول”.

وذكرت تقارير أن الديون الإيرانية على سوريا تبلغ حوالي 50 مليار دولار، إلا أن الخارجية الإيرانية قالت إن هذه الأرقام مبالغ فيها.

وقال الخبير في القانون الدولي إبراهيم العلبي، في حديث سابق لعنب بلدي، إنه يمكن للحكومة السورية الجديدة أن تقول إنها لم تعد ملزمة بالاتفاقيات الإيرانية أو الديون في سوريا، عندها قد تقوم إيران برفع دعوى قضائية ضدها في محكمة دولية.

وفي حال لمست المحكمة أن إحدى تلك الاتفاقيات أو الديون فيه فعل قاهر (يضر بالأمن القومي أو بمصلحة الشعب السوري)، قد تقرر بطلانها أو عدم وجوب سدادها، وفق العلبي.

وبين عامي 2011 و2024، وقع النظام السوري مع إيران ما لا يقل عن 126 اتفاقية في مختلف القطاعات، مثل الطاقة والتجارة والصحة والتعليم والزراعة والصناعة والاتصالات والتمويل وغيرها، وفق مركز “جسور للدراسات“.

ومن بين الاتفاقيات تم تنفيذ 43 اتفاقية، بينما لا تزال 47 قيد التنفيذ، وبلغ عدد الاتفاقيات تحت التنفيذ الجزئي أو المتقطع 25 اتفاقية، أما الاتفاقيات التي لم يتم تنفيذها فهي 4 اتفاقيات، بينما بلغ عدد الاتفاقيات غير المعروف مصيرها 7 اتفاقيات.

نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة