دير الزور.. مدمرة ترجو ألا تنسى مجددًا

camera iconصورة تظهر دمار المباني السكنية في حي الجبيلة بدير الزور، 22 من كانون الأول (عنب بلدي/عبادة الشيخ)

tag icon ع ع ع

برنامج “مارِس” التدريبي- مجد الويّو

تقف مدينة دير الزور كرمز حي لحجم الدمار والخراب الذي طال مناطق واسعة من المدن والمحافظات السورية خلال العقد الماضي.

ووصلت نسبة الدمار في مدينة دير الزور إلى نحو 80% من مبانيها السكنية، حيث تغيب الخدمات الأساسية والبنية التحتية الصالحة للحياة، في ظل تجاهل طويل الأمد من نظام الأسد، الذي كان يسيطر على المدينة، لإعادة الإعمار أو تأهيل المرافق العامة.

“مدينتنا كانت منسية خلال سيطرة نظام الأسد وبقيت منسية حتى بعد سيطرة إدارة العمليات العسكرية، وبعدما عدت إلى هنا وجدت الوضع مأساويًا جدًا” هذا ما وصف به حمزة ملا عمير، وهو ناشط سياسي وعضو الهيئة السياسية لمحافظة دير الزور، واقع المدينة في حديثه مع عنب بلدي.

ويعيش سكان دير الزور واقعًا قاسيًا، حيث يعانون من انعدام الخدمات الطبية الأساسية، وانقطاع الكهرباء لساعات طويلة، فضلًا عن ندرة المياه الصالحة للشرب، وغياب مستلزمات التعليم في المدارس التي بالكاد تستمر في العمل.

كل ذلك يترافق مع تدهور مادي وحالة نفسية يائسة، ما يجعل الحياة في هذه المدينة تحديًا يوميًا للمواطنين الذين يكافحون للبقاء على قيد الحياة وسط ركام مدينتهم المنهكة.

فما واقع دير الزور الحالي؟ وكيف تأثرت بشكل كارثي على مدار السنوات الماضية؟ وما أبرز التحديات التي تواجه سكانها؟ وما حجم الاحتياجات لإعادة الإعمار واستعادة الحياة الطبيعية؟

حيّان ناجيان فقط

أظهرت مشاهد جوية شاركها ناشطون من أهل مدينة دير الزور على مواقع التواصل الاجتماعي، حجم الدمار الذي طال أحياء المدينة كاملة.

وبدت المدينة خالية من أشكال الحياة، ومدمرة على نطاق واسع، مما يظهر صعوبة العيش في المدينة.

ورصد مراسل عنب بلدي في دير الزور دمار الذي طال بنيتها السكنية، حيث بلغت نسبته حوالي 80% من أحياء المدينة، ما أدى إلى تقلص المساحات القابلة للسكن إلى حيّين فقط، وهما حيا الجورة القصور، من أصل 28 حيًا.

هذه الأحياء أصبحت الملاذ الوحيد لما تبقى من سكان المدينة الذين يعيشون وسط ظروف معيشية صعبة، وسط غياب الخدمات الأساسية وندرة الموارد.

أما بقية أحياء المدينة، فقد باتت مدمرة بالمجمل وغير صالحة للسكن، نتيجة للقصف الذي تعرضت له المنطقة على مدار سنوات، مثل حي الرشدية، والجبيلة، والعرضي، والعرفي، والتكايا، والشيخ ياسين، والحميدية، والحويقة، والمطار القديم، والصناعة، والشارع العام، بحسب المراسل.

وكانت المدينة تحت سيطرة نظام الأسد، وهذا أدى إلى غياب أي جهود لإعادة تأهيل البنى التحتية أو المباني المتضررة منذ بداية الثورة.

وقال الناشط السياسي حمزة ملا عمير، تعليقًا على حجم الدمار في المدينة، إن معاناة أهالي المدينة تضاعفت مع غياب السبل لإعادة الإعمار أو الكشف عن حالة المباني المتضررة بشكل دقيق، مما جعل أزمة السكن تحديًا لأصحاب المنازل وأهالي المدينة الراغبين بالعودة.

وأضاف أن نتيجة لانحصار السكان في هذين الحيّين، ارتفعت أسعار الإيجارات بشكل غير مسبوق، ما أضاف عبئًا اقتصاديًا على الأهالي الذين يعانون أصلًا من فقر شديد.

وقال مراسل عنب بلدي إن أحد الأسباب الأساسية لعدم عودة الأهالي إلى المدينة والبدء في إعادة الإعمار هو عدم عمل المدارس بشكل طبيعي نظرًا لدمارها وافتقارها لأبسط أدوات التعليم.

بنى تحتية أزمات لا تنتهي

تعاني مدينة دير الزور من انهيار شبه كامل في بنيتها التحتية، ما جعل الحياة اليومية لسكانها مليئة بالصعوبات.

وبالنسبة للخدمات الصحية، تعمل المستشفيات المتبقية، وهي ثلاثة مستشفيات عامة، واثنتان خاصتان، بأدنى مستويات الكفاءة، وتفتقر إلى أبسط التجهيزات الطبية ومواد التعقيم.

مدير مشفى الحرية الدكتور أحمد المزان، وصف الوضع الصحي في المدنية بأنه “متردٍ”، وقال إن عدم  وجود كادر طبي بسبب مغادرة الأطباء للمدينة، يجعل المشافي في حالة تخفيض الخدمات الطبية إلى الاختصاصات الأساسية فقط.

وأشار إلى عدم القدرة على إجراء العمليات الجراحية داخل المدينة، ما يجبر الأطباء لإرسال المرضى إلى دمشق، التي تبعد 450 كليومترًا وتحتاج ست ساعات إلى الوصول إليها.

وأضاف أن المحافظة تفتقر بأكملها إلى وجود جهاز تصوير “رنين مغناطيسي”، بينما لا يوجد سوى جهاز تصوير طبقي محوري واحد، وهو معطل، في مستشفى “الحرية”.

قطاع التعليم ليس بأفضل حال، إذ تعمل المدارس في الحيين غير المدمّرين تمامًا فقط، وسط نقص حاد في المستلزمات الأساسية كالمقاعد والأبواب ووسائل التدفئة، ما يؤثر على تعليم الطلاب.

وفيما يخص الكهرباء والماء في المدينة قال الناشط حمزة ملا عمير، إن الكهرباء تعتبر من أكبر المشاكل الأساسية في المدينة مثل بقية المناطق في سوريا، إذ تصل ساعات التغذية إلى أربع ساعات فقط يوميًا، موزعة على فترتين صباحية ومسائية.

وأرجع ملا عمير هذا الوضع إلى اعتماد المدينة على خط كهرباء غير كاف قادم من حمص، مع تكرار الأعطال، بعد سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) على حقول “كونيكو” و”التيم” النفطية التي كانت تغذي محطات المدينة الكهربائية.

وأضاف أن المدينة تفتقر للمياه الصالحة للشرب، إذ تعمل المصافي المائية بطريقة بدائية، ما يجعل الوصول إلى مياه نظيفة تحديًا إضافيًا للسكان.

عزل الشرق عن الغرب

أسفرت المعارك التي اندلعت بين نظام الأسد المخلوع وتنظيم “الدولة الإسلامية” عن تدمير العديد من جسور المنطقة، على نهر الفرات.

وفي الوقت ذاته، شهدت المحافظة معارك بين “قسد” والتنظيم، حيث استهدف طيران التحالف الدولي جسور المحافظة بهدف منع تحركات عناصر التنظيم ونقل الأسلحة وتضييق الخناق عليهم.

وهذه العمليات أدت إلى تدمير الجسور التي كانت تربط بين جانبي محافظة دير الزور، مما زاد من عزلة المناطق الشرقية والغربية عن بعضها البعض.

أدى تدمير الجسور التي تربط بين شرق دير الزور وغربها إلى عزل تام بين ضفتي النهر، ما تسبب بقطع التواصل بين العوائل المنقسمة جغرافيًا، وترك فجوة على الصعيد الاجتماعي، بحسب ملا عمير.

وقال المراسل إن هذا الانقطاع دفع الأهالي إلى الاعتماد على القوارب كوسيلة بديلة للتنقل، رغم تكلفتها المرتفعة التي تصل إلى 20 ألف ليرة سورية (1.3 دولار) للشخص الواحد ذهابًا ومثلها إيابًا، في ظل معاناة السكان أصلًا من أوضاع اقتصادية صعبة.

وكان الجسر الحربي الذي بنته القوات الروسية يمثل أملًا لحل أزمة التنقل وتخفيف معاناة الأهالي، لكنه لم يستمر طويلًا.

وأضاف أنه بعد سيطرة “قسد” على القرى السبعة التي كانت تحت إدارة القوات الروسية ونظام الأسد، قامت “قسد” بتفجير هذا الجسر، ما أعاد الأزمة إلى حالها الأول.

والآن تسيطر إدارة العمليات العسكرية على القسم الغربي من المحافظة، بينما تسيطر “قسد” على القسم الشرقي بشكل كامل، ما يجعل المنطقة في انقسام مستمر بين الشرق والغرب.

احتياجات متجددة

وصل فريق من الدفاع المدني إلى مدينة دير الزور للمرة الأولى منذ تأسيسه، الأربعاء 25 من كانون الأول، بهدف افتتاح مراكز له وتحسين واقع المدينة.

وجاء هذا بالتزامن مع وصول أول قافلة مساعدات للمحافظة، وهي عبارة عن 100 طن من الطحين من الحكومة القطرية.

وبحسب الناشط ملا عمير، فإن هذا لا يغطي سوى نصف احتياج المدينة.

ووصف ملا عمير الوضع السكاني لأهالي مدينة دير الزور بأنه يعكس حالة من التعب النفسي والمادي، حيث لا يتجاوز أعلى راتب، وهو راتب المعلم 490 ألف ليرة سورية فقط (33 دولارًا).

بينما ازداد سعر ربطة الخبز الواحدة ليصل إلى أربعة آلاف ليرة سورية، واسطوانة الغاز إلى 200 ألف ليرة.

نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة